الفصل الثاني

المنظر الأول

(يدخل رئيس الخدم والعبيد آتين من بيت هيجيو، ومعهم فيلوكراتيس وتونداروس مكبلين بالأصفاد، وقد استبدل كل من هذين ملابسه بملابس زميله.)

رئيس الخدم (إلى الأسيرين ناصحًا) : وإذ تريان أن هذه هي مشيئة الآلهة، أن تصبحا في هذا الحبس، يجب عليكما أن تتقبلاه في هدوء. افعلا هذا، فلن تجدا الوقت عصيبًا بعد ذلك. أعتقد أنكما كنتما من الأحرار في وطنكما، وإذ صرتما عبدين في الوقت الحاضر، فمن الحكمة قبول الموقف وأوامر سيدكما في رقة، وأن تجعلا الأمور سهلة الاحتمال، وذلك بمواجهتها بالطريقة المثلى. كل شيء يفعله السيد صواب مهما كان خطأ.
الأسير (محتجًّا) : أواه، آه، آه!
رئيس الخدم : لا حاجة إلى العويل أو البكاء. فإن ذلك يجعل الأمور الحسنة قبيحة.
تونداروس : ولكن تقييدنا بالسلاسل يُشعرنا بالعار!
رئيس الخدم : بيد أن سيدنا سيشعر بالاستياء فيما بعد، إذا نزع السلاسل عنكما أو أطلق سراحكما، بعد أن دفع مبلغًا من المال ثمنًا لكما.
تونداروس : وماذا يخيفه منا؟ إننا ندرك واجبنا إذا ما أطلق سراحنا.
رئيس الخدم : نعم، إنكما تُزمعان الهرب! أرى بوضوح ما دبرتماه.
فيلوكراتيس : نهرب، نحن؟ إلى أين نهرب؟
رئيس الخدم : إلى وطنكما.
فيلوكراتيس : أبعِدْ عن ذهنك هذا؛ فكرة العمل كعبيد هاربين!
رئيس الخدم : ولمَ لا، بحق السماء؟ لا أقول إنكما لن تفعلا هذا، إذا سنحت لكما الفرصة.
تونداروس (بوقار) : كن رقيقًا وامنحنا طلبًا واحدًا.
رئيس الخدم : حسنًا، وما هو؟
تونداروس : هذا الطلب ليس غير: أعطنا فرصة التحدث معًا دون أن يسمعنا هؤلاء الزملاء الأخيار (يشير إلى العبيد) أو تسمعنا أنت.
رئيس الخدم : حسنًا. (إلي العبيد) ابتعدوا من هنا! (إلى رئيس الخدم الآخر) هيا بنا نرجع إلى الخلف. (إلى الأسيرين) ومع ذلك فأوجزا الحديث.
تونداروس : طبعًا، كانت هذه نيتي. (إلى فيلوكراتيس، وهو ينتحي به جانبًا بعيدًا عن العبيد) تعال إلى هذه الناحية.
رئيس الخدم (إلى العبيد الذين ما زالوا قريبين منه) : ابعُدوا واتركوهما وحدهما (يطيع العبيد أمره).
تونداروس (إلى رئيس الخدم) : كلانا مدين لك بالشكر لأنك حققت لنا رغبتنا، إننا مدينان لك بها.
فيلوكراتيس (إلى تونداروس) : قف هنا الآن من فضلك. تعال إلى هنا، حتى لا يسمع أحد ما نقوله وتغدو خطتنا مفضوحة. (ينتقلان بعيدًا أكثر عن رئيس الخدم) التدبير الحكيم هو ما يجعل الخدعة خدعة كما تعلم، فما إن يُفشَى أمرُها حتى تصير أداة للتعذيب. لا أهمية للظهور بأنك سيدي، وأنا عبدك، فرغم هذا يجب أن نكون على حذر، وفي منتهى الحيطة حتى تسير خطتنا على خير ما يرام، وبهدوء، وبعناية، وبحزم، وبنشاط. إن لدينا عملًا ضخمًا يجب ألا نَغفُل عنه.
تونداروس : سأكون حسب رغبتك وما تريده مني يا سيدي.
فيلوكراتيس : آمل ذلك.
تونداروس : لقد سبق أن رأيتَ يا سيدي، فيما يختص بهذه المسألة، أنني أسترخص حياتي في سبيل إنقاذ الرجل الذي أحبه، أسترخصها بقدر ما أحبها.
فيلوكراتيس : أدرك ذلك.
تونداروس : ولكن تذكَّرْ أن تدركه عندما تحصل على بغيتك. إذ المعتاد أن الناس يتلونون بالرقة واللطافة ما داموا يطلبون معروفًا، فما إن يحصلوا عليه حتى يتغيروا، فيصبح زميلك الرقيق وغدًا وضيعًا من أقبح نوع. إنني أقصد بكل حديثي، يا سيدي، أن أخبرك بما أرغب في أن تصنعه حِيالي.
فيلوكراتيس : أقسم بالسماء أن بوسعي أن أدعوَك أبي، إذا أردتُ وكان لي الخيار، لأن منزلتك بعد منزلة والدي، فأنت خير أخ لي.
تونداروس : أعلم ذلك، أعلمه.
فيلوكراتيس : وهذا هو السبب في أنني أظلُ أذكرِّك كثيرًا بما يتطلبه الموقف؛ لست أنا سيدك، وإنما أنا عبد. والآن أرجو منك هذا الشيء الوحيد، حيث إن لدينا برهانًا قاطعًا على أن مشيئة السماء ألا أظل سيدك، بل عبدًا زميلًا لك، أنا الذي كان لي الحق أن آمرك، أتوسل إليك الآن وأستعطفك وأستحلفك بالخطر المشترك الذي نقف فيه كلانا، وبعطف والدي عليك، وبالأسر الذي أوقعَتْنا فيه ظروف الحرب، كلينا، ألا تستخف برغباتي أو تنفذها باهتمام يقل عما كنتَ تفعل وأنت عبدي، وتذكَّرْ، تذكَّرْ بعناية، مَن كنتَ، ومَن أنت الآن.
تونداروس : نعم، نعم، أعرف أنني أنت مؤقتًا، وأنك أنا.
فيلوكراتيس : حسنًا! تذكَّرْ جيدًا أن تحتفظ بهذا في ذاكرتك، وبما تنطوي عليه خطتنا.

المنظر الثاني

(يدخل هيجيو آتيًا من البيت.)

هيجيو (إلى من بالداخل) : سأعود مباشرة، إذا علمتُ ما أريد أن أعرفه من هذين الرجلين. (إلى رئيسَي الخدم) أين الأسيران اللذان جئتُ بهما أمام البيت هنا؟
فيلوكراتيس (يتقدم، بوقاحة) : بحياة الله! لقد علمتَ حيطتك في مراقبتنا إلى أقصى حد، كما أرى … وأن نقيَّد بالسلاسل، ويسهر على مراقبتنا الحراس.
هيجيو : الرجل الذي يحتاط دائمًا لئلا يُخدَع، قلما يكون في جانب الحيطة، حتى ولو لزم منتهى الحيطة، وحتى إذا اعتقد بأنه متيقظ ومحتاط فإنه يكون عندئذٍ قد خُدع واستُغفل. وهلَّا يكون لي الحق في أن أفعل هذا بعد ذلك الثمن الباهظ الذي دفعتُه ثمنًا لكما، نقدًا؟
فيلوكراتيس : فليطمئن قلبك يا سيدي، ليس لنا الحق في انتقاد محاولتك المحافظةُ علينا، أو معاملتك إيانا لئلا نحاول الهرب إذا سنحت لنا الفرصة.
هيجيو : إن ابني أسير في دولتكما، كما أنتما أسيران هنا.
فيلوكراتيس : أسير؟
هيجيو : نعم.
فيلوكراتيس : إذن فهناك أناس جبناء غيرنا.
هيجيو (يأخذه بعيدًا عن تونداروس) : تعال هنا. هناك بعض أمور أريد أن أسألك عنها، فيما بيننا. لاحظ ألا تكذب في الإجابة عليها.
فيلوكراتيس : كلا يا سيدي، لن أكذب إذا كنتُ أعرفها، وإذا كنتُ لا أعلم شيئًا فسأخبرك (ببراءة) بما لا أعلمه.
تونداروس (مبتهجًا، وبصوت منخفض) : الرجل العجوز جالس الآن على كرسي الحلاق، نعم، إننا نقص شعره الآن بآلة قص الشعر. ولا يريد سيدي حتى أن يضع له فوطة كي تحافظ على نظافة ملابسه! لستُ أدري ما إذا كان سيقص شعره كله أو مجرد تسوية … هذه هي المشكلة! ومع ذلك، فإذا كان يجيد عمله، فإنه سيقص شعره تمامًا.
هيجيو : اسمع مني، أتفضِّل أن تظل عبدًا، أو تصير رجلًا حُرًّا، أجب على هذا؟
فيلوكراتيس : أفضِّل، يا سيدي، أن أحظى بأقصى سرور، وأتحمل أقل الآلام؛ ولا يهمني كثيرًا بقائي عبدًا؛ لأنني لم أعامَلْ معاملة تختلف عما لو كنت من أبناء هذا البيت.
تونداروس (بصوت منخفض) : إجابة حسنة يا غلامي. لن أشتري طاليس الميليسياني Milesian Thales١ بألف عاشق من عشاق طاليس؛ والسبب في ذلك أنه مثل سيدي تمامًا في هواية الحكمة، فما أبرعه في تمثيل الخادم المبهم الألفاظ!
هيجيو : من هم أهل فيلوكراتيس في إليس؟
فيلوكراتيس : إنهم عائلة الجولد فيلدز Goldfields    (أي حقول الذهب) يا سيدي … أكبر أسرة محترمة في تلك البلاد وأعظم الناس نفوذًا هناك.
هيجيو : وهذا الشاب نفسه؟ ما مركزه؟
فيلوكراتيس : مركزه سامٍ حقًّا يا سيدي … إنه تابع لأرقى الدوائر.
هيجيو : وماذا عن ممتلكاته؟ أهي واسعة حقًّا؟
فيلوكراتيس : واسعة؟ إن حقول الذهب القديمة لتسيل منها.
هيجيو : وماذا عن والده؟ أهو حي؟
فيلوكراتيس : كان حيًّا عندما غادرنا الوطن؛ أما بقاؤه حيًّا اليوم أو وفاته، فالأجدر بك أن تسأل أسئلة غير هذه يا سيدي.
تونداروس (بصوت منخفض) : لقد أُنقذ الموقف! إنه الآن لا يكذب فقط، بل يعظ.
هيجيو : وما اسمه؟
فيلوكراتيس : دوكاتسوبلونساندبيسيفيتسون.٢
هيجيو : أظن أن هذا الاسم أُطلق عليه بسبب أمواله.
فيلوكراتيس (يتظاهر بأنه طرأت على باله فكرة جديدة) : بحياة الآلهة، لا! وإنما بسبب جشعه وتمسكه بما لديه يا سيدي.
هيجيو : ما هذا الذي تقول؟ إذن فوالده أكثر تقتيرًا، أليس كذلك؟
فيلوكراتيس : مقتر؟ بحياتي يا سيدي! إنه بخيل من أحطِّ الأنواع! ولماذا كل هذا حقًّا، فلكي أعطيك فكرة أوضح عنه كلما قدم تقدمة من أجل «رُوحه الحارسة»، لا يستعمل صحافًا يقدمها فيها سوى الصحاف المصنوعة من الفَخَّار السامياني خشية أن تسرقها «الرُّوح الحارسة». من هذا تعرف دخيلة نفسه بصفة عامة.
هيجيو : حسنًا، حسنًا، تعال معي إلى هذه الناحية. (هامسًا، وهما ينضمان إلى تونداروس) سرعان ما سأعرف ما أريد معرفته من هذا السيد هنا، في الوقت ذاته. (إلى تونداروس) اسمع يا فيلوكراتيس، قد عمل خادمك كما يجب أن يفعل الرجل الكريم. نعم، علمتُ منه ما أرغب في معرفته عن أسرتك، فاعترف بكل شيء. فإذا شئت أن تكون صريحًا معي مثله، كان من صالحك، ومع ذلك فقد عرَفتُ منه، من قبل، ما فيه الكفاية.
تونداروس (بصوت حزين موقر) : لقد فعل واجبه إذ اعترف لك بالحقيقة، بقدر ما أرغب في أن أكتم عنك كل ما يختص برتبتي ومولدي وثروتي؛ لأنني الآن رجل لا وطن له، أسير. وأعتقد أنه لا ينُتظر منه أن يخشاني أكثر منك. لقد وضعتْ عاقبة الحرب السيد والمسودَ في موقف متماثل ومتعادل. أتذكَّر ذلك الوقت الذي لم يكن يجرؤ فيه على أن يسيء إليَّ بكلمة واحدة، والآن له مطلق الحرية في أن يُلحق بي الضرر الحقيقي. ولكنك تعلم أن الحظ يُشكِّلنا ويضغط علينا بما يوافق أهواءه. ها أنا ذا، الرجل الذي كنت فيما مضى حُرًّا، قد أضحيتُ عبدًا، قُذف بي من الأعالي إلى الأعماق. تعودتُ أن آمر، فأصبحت الآن رهن إشارة ونداء غيري. والحقيقة أنه لو كان لي سيد مثلي عندما كنتُ رب أسرة، لما خشيتُ أن أعامل بظلم أو بخشونة. هناك شيء واحد أريد أن أنبهك إليه يا هيجيو، إلا إذا كنتَ تمانع في ذلك.
هيجيو : كلا، كلا، تكلم بما يعنُّ لك.
تونداروس : كنتُ فيما مضى حُرًّا، كما كان ابنك؛ فجردني انتصار العدو من حريتي كما جُرِّد هو من حريته؛ إنه عبد في وطني كما أنا عبد هنا معك. من المؤكد أن هناك إلهًا يسمع ويرى ما نفعل، وتبعًا لمعاملتك لي هنا، يُشرف ذلك الإله على معاملة ابنك بالمثل هناك. إنه يثيب المستحقين ويعاقب غير المستحقين. وكما تتوق إلى رؤية ابنك، كذلك يتوق أبي إلى أن يراني.
هيجيو : أعلم كل ذلك، ولكن هل تعترف بحقيقة ما أخبرني به هذا الرجل؟
تونداروس : أعترف بأن والدي رجل عريض الغنى في وطني وبأنني انحدرت من أسرة عريقة. ولكني أتوسل إليك يا هيجيو ألا تتخذ من ثرائي وسيلة إلى التوسع في مطالبك، فبرغم كوني الابن الوحيد لوالدي فإنه ليفضِّل أن أبقى عبدًا آكل وألبس على نفقاتك على أن أعيش في فقر مدقع هناك حيث يجلب ذلك الفقرُ العارَ علينا.
هيجيو : لستُ الرجل الذي يعتبر كل مال مكتسب نعمة؛ فقد وُصم كثير من الناس، من قبل، بحب ذلك المكسب، على ما أعلم. وهناك حالات يكون من الخير فيها للمرء أن يخسر مالًا، لا أن يكسبه. ما هذا الذهب! إنني أحتقره إذ قاد كثيرًا من الناس شططًا. والآن أعرني انتباهك: أريد منك أن تعرف الآن ما أنوي أن أفعله. (ببطء وبتأكيد) ابني أسير في إليس، إنه عبد هناك وسط مواطنيك، أَحضِرْه إلى هنا وأعدْهُ إليَّ، وأنا أسمح لك بالعودة إلى وطنك، أنت وخادمك، دون أن تدفع لي قرشًا واحدًا. وبغير هذا الشرط لا يمكنك أن تعود إلى هناك.
تونداروس : هذا اقتراح عادل ومعقول يا سيدي، وإنك لأعدل الناس جميعًا. أهو لدى شخص من العامة أو هو لدى الحكومة؟
هيجيو : إنه لدى رجل هناك، طبيب، اسمه مينارخوس.
تونداروس (بصوت منخفض) : يا لجوف! إنه من زبائن سيدي! (بصوت مرتفع) هذا أمر يسيرٌ عليك يُسْرَ هطول المطر.
هيجيو : ادفع فديته.
تونداروس : حسنًا، سأفعل ذلك. ولكني أطلب منك مقدار ذلك يا هيجيو …
هيجيو (بلهفة) : أيَّ شيء تطلب، على شرط ألا يمس بمصالحي.
تونداروس : أصغِ إليَّ، تعلم ما إذا كانت مصالحك ستتأثر به أو لا تتأثر. لا أطلب أن تطلق سراحي، أنا نفسي، قبل أن يرجع خادمي. ولكني أطلب منك أن ترسل خادمي، فأكتب له كلمة إلى والدي هناك كي يدفع فدية ابنك.
هيجيو : كلا؛ بل سأرسل شخصًا آخر غيره عندما تُعقد الهدنة، هذا أفضل، إنه سيتفاوض مع والدك وينفذ تعليماتك تبعًا لما تريد وترغب.
تونداروس : ولكن لا فائدة من إرسال شخص أجنبي إلى والدي، يكون هذا مضيعة لوقتك. (يشير إلى فيلوكراتيس) سيقوم هذا بعمل كل ما يلزم بمجرد وصوله إلى هناك. ليس بوسعك أن ترسل إلى والدي أي رجل آخر لا يثق به، فهذا هو من يثق به أكثر من غيره، وهو خادم يعلم فيه الإخلاص. ويمكنني أن أتمادى في القول بأن والدي لن يثق بأي شخص آخر ليعهد إليه بابنه. لا تَخَفْ قط، سأكون مسئولًا عن ولائه. يمكنني الاعتماد على طيبة قلبه، إنه يُقدِّر حُسْن معاملتي له.
هيجيو : حسنًا جدًّا، سأرسله، وأخاطر بذلك، بضمانتك إذا رغبتَ في ذلك.
تونداروس : إنني لأرغب في هذا جدًّا، وأريده أن يتم بأسرع ما يمكن.
هيجيو : ألديك مانع من أن تدفع لي ثمانين جنيهًا في حالة عدم رجوعه؟
تونداروس : ليس لديَّ أقل مانع، إنه مطلب عادل جدًّا.
هيجيو (إلى رئيس الخدم) : انزع السلاسل من ذلك الرجل في الحال، انزعها كلها من كليهما.
تونداروس (بينما العبيد ينفذون أمر هيجيو) : أرجو من الله أن يمنحك كل رغبة لك يا سيدي، لخلقك السامي ومعاملتك الرقيقة لي، ولإطلاق سراحي. (بصوت منخفض وهو يمد قامته) ليس هذا بالأمر غير السار أن تنزع الأغلال عن رقبة الإنسان.
هيجيو : «المروءة تستوجب من المرء أن يرد عليها بمثلها، بل بأحسن منها». والآن، إذا كنتَ تنوي أن ترسل ذلك الرجل إلى وطنك، فأخبره بذلك، وزوده بالتعليمات التي تريدها، وأوضح له جميع التفاصيل الخاصة بالرسالة التي سيحملها إلى والدك. هل أناديه لك؟
تونداروس : افعل.

المنظر الثالث

هيجيو (يذهب إلى فيلوكراتيس) : فليباركنا الله جميعًا في هذا، أنا، وابني، وأنتما! أي رجُلي، يريد سيدك الجديد أن تفعل شيئًا يرغب فيه سيدك السابق، وأن تفعله بإخلاص. الأمر وما فيه، أنني منحته إياك نظير ضمان قدره ثمانون جنيهًا. يقول إنه يريد أن يرسلك إلى والده، ليدفع فدية ابني هناك في إليس، حتى يمكنه أن يستبدل ابنه بابني.
فيلوكراتيس : إنني على أتم استعداد للقيام بخدمة جليلة لكليكما يا سادتي، لك وله، أنتما كليكما. يمكنك أن تستخدمني كما تستخدم العَجَلة في هذه الجهة وتلك، أينما شئت.
هيجيو : وإنك لتفعل ما سيكون فيه صالحك باستعدادك هذا، وبقبولك الخدمة كما يجب عليك. اتبعني. (يسير أمامه نحو تونداروس) هذا هو رجُلك.
تونداروس (برزانة) : أشكرك يا سيدي لمنحك إياي فرصة جعله رسولي إلى والديَّ، حتى ينقل إلى أبي تقريرًا كاملًا عن الموقف هنا، وأنني أرغب في أن تقابله هنا. (يستدير إلى فيلوكراتيس) أيا تونداروس، لقد عملتُ ترتيبي أنا وهذا السيد أنا أرسلك إلى أبي في إليس، بكفالة إذا لم ترجع وجب عليَّ أن أدفع ثمانين جنيهًا نظير ذلك.
فيلوكراتيس : وإنه لترتيب حسن بحسب رأيي؛ لأن السيد العجوز يتوقع مجيئي، أو مجيء رسول من هنا.
تونداروس : حسنًا، إذن فأصغِ إلى الرسالة التي أريدك أن تحملها إلى والدي في الوطن.
فيلوكراتيس : سأبذل كل ما في وسعي من أجلك يا سيدي، بنفس ما كنتُ أفعله لك من قبل. سأعمل قصارى جهدي في القيام بأي شيء يكون فيه خيرك، وسأتَّبع تعليماتك بكل قلبي ونفسي وقوتي.
تونداروس : إنها لرُوح طيبة، والرُّوح المناسبة لمثل هذا الموقف. والآن أريد منك أن تُصغي إليَّ. فأولًا: اذكرني أمام أبي وأمي وجميع أقاربي وأي فرد آخر يهمه صالحي؛ أخبرهم بأنني في صحة جيدة، وبأنني عبد هذا السيد الرفيع القدر الذي شملني دائمًا (مؤكدًا) بكل عطف واعتبار، لا أزال أتمتع بهما.
فيلوكراتيس : لستُ بحاجة إلى تعليمات في هذا الأمر يا سيدي، سأتذكر هذا وأضعه في ذهني بمنتهى السهولة دون أن تخبرني به.
تونداروس : إذ الواقع — برغم تعيين حارس عليَّ — أنني أشعر بأنني رجل حر. أخبر والدي بالترتيبات التي اتفقت عليها أنا وهذا السيد، فيما يختص بابنه.
فيلوكراتيس : إنك تضيع الوقت يا سيدي، بتذكيري بما أتذكر.
تونداروس : أن يدفع كفالته ويرسله إلى هنا بدلًا منا نحن الاثنين.
فيلوكراتيس : سأتذكر هذا.
هيجيو : نعم، ولكن بأسرع ما يمكن، هذا في منتهى الأهمية لكلينا.
فيلوكراتيس : إنك لا تشتاق إلى رؤية ابنك بأكثر مما يشتاق هو إلى رؤية ولده.
هيجيو : إن ابني عزيز عليَّ، عزة كل ابن لدى والده.
فيلوكراتيس : أما من رسالة أخرى أحملها إليه؟
تونداروس (حيران قليلًا) : قل له إنني بصحة جيدة هنا و… (بجدية) يا تونداروس، تحدَّثْ إليه بجرأة، أنت نفسك، … قل له إننا لم نلق أي تغير في عَلاقتنا، وأنني لم أجد عيبًا قط في معاملتك لي (كما أنك لم تجدني عنيدًا) وأنك خدمت سيدك بكل ما في مُكنتك، في مثل هذه المحنة. قل له إن أعمال الخيانة والغدر والأفكار غير الوفية أشياء لا يحلم بها المرء، حتى في ساعات المحنة المظلمة. فعندما يعرف والدي هذا، يا تونداروس، يعلم رُوحك نحو ابنه ونحوه هو نفسه، فلا يبخل عندئذٍ بإطلاق سراحك على حسابه؛ وإذا رجعتُ أنا إلى الوطن بذلت كل ما في وسعي لحمله على أن يفعل ذلك. إذ عن طريق جهودك وطيبة نفسك وإخلاصك وحكمتك، سنحت لي فرصة الرجوع ثانية إلى والديَّ، كما أخبرتَ هذا السيد عن أسرتي وثروتي، فشكرًا لحكمتك في إخباره بهما، إذ بفضلها نُزعت الأصفاد عن سيدك.
فيلوكراتيس : أنت على حق يا سيدي، فقد فعلت هذا وأنا مسرور من كونك تتذكره. وإنك لجدير بأي شيء أفعله من أجلك أيضًا. وإذا ذهبت الآن وأخبرتهم بكل حسناتك التي فعلتها معي يا سيدي، استغرق هذا اليوم كله، بل أكثر منه. كنتَ كأنك عبدي، ولم تختلف عنه في شيء على الإطلاق، وهي الطريقة الكريمة التي كنت تعاملني بها دائمًا.
هيجيو (بصوت نصف منخفض) : فلتبارك الآلهة رُوحي! ما أجملَ نُبلَ هذه الطباع! أي عزيزي، أي عزيزي، إنها لتستدر الدموع من عينيَّ! يمكنك أن ترى بوضوح إخلاص كل منهما للآخر. فالطريقة التي مدح بها هذا العبد الممتاز سيده قصيدة رائعة!
تونداروس : بحق السماء يا سيدي، إنه لم يمدحني بجزء من مائة جزء مما يستحق أن يُمدح هو نفسه.
هيجيو (إلى فيلوكراتيس) : حسنًا إذن، فإذا كنتَ خادمًا رائعًا على هذا النحو، فلديك فرصة رائعة تتوج بها خدماتك بأن تقوم بهذه المأمورية في إخلاص ووفاء.
فيلوكراتيس : سأهتم بالقيام بها يا سيدي بكل ما في وسعي من مُكنة، بقدر ما أنا راغب في إنجازها، ولكي أبرهن على ذلك يا سيدي، ها أنا ذا أُقسم بالإله القدير إنني لن أخون فيلوكراتيس …
هيجيو (من كل قلبه) : يا لك من شخص عظيم!
فيلوكراتيس : ولن يختلف ما أفعله نحوه عما أفعله نحو نفسي.
تونداروس (بجدية زائدة) : العمل هو المظهر الحقيقي الذي أود أن أختبر به كلامك هذا، وكما أنني مدحتُ خلقك بأقل مما كنت أرغب، أريد منك أن تعير هذا الأمر أهمية خاصة، نعم، وألا يسوءك ما أقول. ولكني أرجوك أن تضع في ذهنك وفي ذاكرتك أنك مُرْسَل إلى الوطن تحت مسئوليتي وبضمانتي، وأنني أخاطر بحياتي هنا من أجلك، إذن فلا تَنسَني بمجرد أن تغيب عن بصري، وقد تركتني هنا في العبودية، عبدًا بدلًا منك؛ ولا تعتبر نفسك رجلًا حرًّا فتحنَث بوعدك ولا تهتم بإنقاذي بواسطة إعادة ابن هذا السيد. أتوسل إليك أن تكون وفيًّا إلى من أبدى ثقته بك، ولا تتوانَ في إثبات هذا الوفاء. أما والدي، فأنا متأكد من أنه سيفعل كل ما في وسعه، وأما مهمتك فاجعلني صديقك دائمًا، ولا تفقد هذا الصديق (يشير إلى هيجيو) الذي عثرتَ عليه. أستحلفك عن هذا بهذه اليد (يمسك يد فيلوكراتيس اليمنى) التي أُمسكها في يدي. (بعد أن يتوقف لحظة) حسنًا، هيا إلى العمل! إنك سيدي الآن، وحاميَّ، وأبي، أنت، أنت وحدك. أعهد إليك بآمالي وبصالحي.
فيلوكراتيس : كفى أوامر يا سيدي. أتقنع بأن أنقل أوامرك إلى حيز العمل والحقائق؟
تونداروس : نعم.
فيلوكراتيس : سأعود إلى هنا مزوَّدًا بما يرضيك، (إلى هيجيو) يا سيدي، وأنت كذلك (إلى تونداروس). هل من شيء غير هذا؟
تونداروس : عُد بأسرع ما يمكنك.
فيلوكراتيس : طبعًا يا سيدي.
هيجيو (إلى فيلوكراتيس) : اتبعني. يجب أن أذهب إلى الصراف وأعطيك نقودًا لنفقات السفر، وسأحصل لك على جواز سفر من الحاكم في الوقت ذاته.
تونداروس : أي جواز سفر؟
هيجيو : جواز يحمله إلى الجيش كي يسمح له بالذَّهاب إلى وطنه. أما أنت فادخل.
تونداروس (إلى فيلوكراتيس) : أتمنى لك سفرًا سعيدًا.
فيلوكراتيس : وداعًا يا سيدي، وداعًا!

(يخرج تونداروس ويدخل بيت هيجيو.)

هيجيو (بصوت منخفض، وهو مسرور) : حسنًا، حسنًا، حسنًا، لقد أحسنتُ صنعًا بشرائي هذين الأسيرين من الضباط المكلفين بالتصرف في الغنائم! لقد أطلقتُ سراح ابني بمشيئة الرب! وقد ترددتُ مدة وأنا أفكر فيما إذا كنت أشتريهما أو لا أشتريهما! (إلى رئيسَي الخدم) أرجوكما أن تراقبا ذلك العبد الذي دخل البيت الآن يا غلامَيَّ، ولا تسمحا له بالخروج إلى أي مكان بغير حراسة. وسأعود أنا نفسي إلى البيت بسرعة. سأذهب إلى بيت أخي لألقي نظرة على أسرايَ الآخرين، وفي نفس الوقت سأستفهم منهم عما إذا كان أحدهم يعرف هذا الشاب. (إلى فيلوكراتيس) تعال يا رجُلي حتى أرسلك إلى وطنك. أريد عمل هذا أولًا.

(يخرج هيجيو وفيلوكراتيس.)

١  نسبة إلى ميليتوس Miletus، مسقط رأسه.
٢  Ducatsdoubloonsandpiecesofeightson.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤