الفصل الثالث

المنظر الأول

(بعد أن تمر ساعة.)

(يدخل إرجاسيلوس مكتئبًا.)

إرجاسيلوس : من المحزن أن يُضطر المرء إلى قضاء كل وقته بحثًا عن طعامه، ويجد مشقة في الحصول عليه. والأكثر حزنًا من ذاك أنه يجد مشقة في البحث عنه ثم لا يجده. والأحزن من هذا وذاك عندما يكاد الإنسان يموت جوعًا ولا يجد طعامًا في متناول يده. أقسم بالله، لو كان في مقدوري، لأخرجت عينيْ هذا النهار من مَحجِريهما لأنه جعل كل نفس حية وضيعة حيالي! لم أر في حياتي قط يومًا أكثر امتلاءً بالجوع، ولا أكثر اقترابًا من الموت جوعًا، ولا أكثر عرقلة للمساعي! يا لها من وليمة قحط هذه التي يحظى بها جوفي! فليَمْحُ الشيطان مهنة التطفل! كيف يبتعد الناس في هذه الأيام من الفقراء المعدمين الأذكياء! إنهم لا يستخدموننا قط، في هذه الأيام، نحن معشر الإسبرطيين، نحن معشر المتطفلين البواسل، نحن سلالة مُستجْدي الأكُفِّ القدماء، الذين رأسمالهم الكلام دون المال أو الطعام. إنهم يجرون وراء الضيوف الذين يتمعتون بالعشاء ثم يردون عليه شكرًا وثناء. إنهم يتسوقون حاجياتهم بأنفسهم أيضًا — وهذه هي منطقة المتطفلين — ثم ينصرفون من السوق لمقابلة القوَّادين كالِحِي الوجوه بمثل ما يذهبون إلى المحكمة لاتهام المدَّعَى عليهم المذنبين. لا يهتم الناس بالذكاء إطلاقًا في هذه الأيام، إنهم أنانيون، كل واحد منهم. والدليل على ذلك أنني لما غادرت هذا المكان منذ لحظة ذهبت إلى بعض الشبان في السوق، وابتدرتهم بقولي: «نهاركم سعيد. إلى أين نذهب لنتناول طعام الغداء معًا؟» فإذا بهم يلتزمون الصمت. فقلت: «من ذا الذي يقول: من هذا الطريق؟ من منكم يرد على كلامي؟» فلم ينطقوا بأية كلمة كأنهم بُكم، ولم يتنازلوا حتى بأن يبتسموا لي. فقلت: «أين سنتعشى؟» فهزوا رءوسهم، فقصصتُ عليهم حكاية مضحكة، واحدة من خير حكاياتي، كثيرًا ما نجحَتْ في إيجاد مأوًى مجاني لي لمدة شهر. ولكن برغم ذلك، لم يبتسم أحد، فأدركت في برهة أن هذا أمر متَّفق عليه من قبل، إذ حتى لم يرغب واحد منهم في أن يمثل دور الكلب الغاضب ويكشر عن أنيابه على أقل تقدير، مهما كانوا لا يريدون أن يضحكوا. فتركتهم بعد أن رأيت أنهم جعلوني غبيًّا بهذه الطريقة. فذهبت لجماعة غير هؤلاء، ولكن حدث نفس الشيء. إنهم جميعًا عصبة كتجار الزيت في الفيلابروم Velabrum.١ وهكذا عدتُ إلى هنا ثانية بعد أن رأيت استخفافهم بي هناك. كما كان هناك بعض الطفيليين يحومون حول منطقة السوق ويجوسون خلالها بدون جدوى أيضًا. والآن سأطالب بتطبيق القانون الأجنبي على أولئك الشبان وأطالب بكافة حقوقي، لا شك في أن لي الحق، إنها مؤامرة، مؤامرة لحرماننا من القوت والحياة، وسأدعوهم أمام القضاء وأُغَرِّمهم، أجعلهم يعطونني عشر عشوات كما أختار، وسيكون ذلك عندما يغدو الطعام غاليًا. بهذه الطريقة أُوقعهم في شر أعمالهم. (يستدير لينصرف) والآن، سأذهب إلى الميناء، حيث يوجد أملي الوحيد، تبعًا لِلُغة المعدة، فإذا فشلت هناك فسأرجع إلى هنا ثانية لأتناول الوجبة المفزعة لدى هذا الرجل العجوز.

(يخرج إرجاسيلوس وهو ينظر في جميع الجهات بحثًا عن مُضيف.)

المنظر الثاني

(يدخل هيجيو مع أريستوفونتيس والعبيد.)

هيجيو (مغترًّا بنفسه) : والآن، ماذا يجعلك تشعر بالسعادة خيرًا من أن تدير أمورك على أحسن وجه، وتسهم في الصالح العام، كما فعلتُ أنا أمس بشرائي هذين الأسيرين؟ فكلما رآني شخص أتى إليَّ وهنأني على هذا العمل! أي عزيزي، أي عزيزي! لقد تعبتُ من إيقافهم لي وتأخيرهم إياي عن القيام بشئوني، إنه لأمر شاق ناتج عن منتهى الغبطة والسعادة! وأخيرًا هربت منهم إلى مقر الحاكم، وأنا مبهور الأنفاس لا أكاد أتنفس إلا بمشقة. فطلبتُ جواز سفر، فأخذته في الحال، وأعطيته تونداروس، وهو الآن في طريقه إلى وطنه. وبعد أن انتهيت من هذا، ذهبت أولًا إلى البيت. ثم ذهبت إلى بيت أخي حيث يوجد بقية أسراي. وسألتهم عما إذا كان فيهم من يعرف فيلوكراتيس الإلياني. وأخيرًا قال هذا الشاب (يشير إلى أريستوفونتيس) إن فيلوكراتيس صديقه الحميم. فأخبرته بأن هذا الأخير موجود في بيتي. فما إن سمع هذا حتى توسل إليَّ أن أسمح له برؤيته. فأمرت بفك قيوده في الحال. (إلى أريستوفونتيس) والآن، هيَّا يا سيدي، من هذا الطريق كي تحظى بطلبك وتلتقي بصديقك.

(يدخلان البيت، وعند ذلك يندفع تونداروس خارجًا.)

المنظر الثالث

تونداروس (مقطِّبًا جبينه) : هذا هو الوقت الذي أُفضِّل فيه نهائيًّا أن أكون تحت الأرض على أن أكون فوقها! لقد تخلَّى عني كل من الأمل والوسيلة والعون، وتركتني في أعصب الأزمات الآن! لقد أتى يومي، ولن أؤمل في الخروج من هذا المأزق حيًّا. انتهت حياتي وما من شيء يمكن عمله للخلاص من هذه الورطة! ما من وسيلة لدرء الخطر، ولا شيء يمكن أن يستر أكاذيبي. لن تتشفع مختلقاتي لأنفسها، أو تستطيع ذنوبي أن تطلق العِنان لأقدامها. ما من مأوًى في أي مكان للوقاحة. لن تتمكن الخديعة من العثور على مخبأ. لقد كُشف الغطاء ووضحت مؤامرتنا، وبان كل شيء. وما من شيء يمكن فعله إزاء هذا الموقف. يجب أن أختفي عن الأنظار بطريقة مزرية، وإلا وقعتُ وكانت نهايتي ونهاية سيدي مؤلمة. كان سبب خرابي هو ذلك الأريستوفونتيس الذي دخل البيت الآن؛ إنه يعرفني، وهو صديق حميم لفيلوكراتيس وينتمي إليه بصلة القرابة أيضًا. لن تستطيع ربة الخلاص نفسها أن تنقذني الآن إذا أرادت إنقاذي. ولكن، لعنة الله على هذا الموقف! ماذا بوسعي أن أختلق؟ ماذا أدبر؟ (يفكر ثم يقول متشككًا) ما هذا الهراء الذي أفكر فيه أنا الساذج المسكين؟ (باستياء) سأتمسك بموقفي!

المنظر الرابع

(يدخل هيجيو وأريستوفونتيس والعبيد.)

هيجيو : إلى أين هرب ذلك الشخص خارج البيت الآن فقط؟ لستُ أدري!
تونداروس (بصوت منخفض) : انتهى كل شيء لي، انتهى الآن، فقد هجمت عليك الأعداء يا تونداروس! ماذا أقول؟ أية قصة أحكيها؟ ماذا أُنكر أو بمَ أعترف؟ إنها مسألة واهية الأطراف جميعًا! وأية ثقة يمكنني أن أضعها في حظي؟ ليت الآلهة خسفت بك الأرض يا أريستوفونتيس قبل أن تغادر الوطن، إذ قلبتَ خطتي الراسخة رأسًا على عقب تمامًا! بانت الخدعة، إلا إذا عثرتُ على طريقة بارعة بصورة هائلة.
هيجيو (يخاطب أريستوفونتيس عندما أبصر تونداروس) : هيا! هذا هو صديقك! اذهب إليه وتحدَّث معه!
تونداروس (بصوت منخفض عندما يتقدم منه أريستوفونتيس) : أي رجل من البشر في موقف منبوذ أكثر من هذا؟ (يتظاهر بعدم معرفته إياه).
أريستوفونتيس : لستُ أدري ماذا تقصد بهذا يا تونداروس؛ أن تتحاشي عيني وتهينني بادعائك أنني غريب، كما لو كنتَ لم تعرفني قط؟ إنني عبد مثلك تمامًا، هذا أكيد، أما في وطننا فكنتُ رجلًا حرًّا، وأما أنت فكنت عبدًا في إليس منذ صباك.
هيجيو : فلتبارك الآلهة رُوحي! لا يدهشني أن يتحاشى عينك أو يتحاشاك، ولا أن يهينك عندما ناديته باسم تونداروس بدلًا من فيلوكراتيس.
تونداروس (يسحب هيجيو جانبًا) : اسمع يا هيجيو، كان الناس ينظرون إلى هذا الرجل كمجنون هائم على وجهه في إليس، لذا، لا تسمح له بأن يملأ أذنيك بثرثرته. الدليل على هذا أنه طارد أباه برمح في إليس، وتعتريه بين آونة وأخرى نوبة من المرض الذي يبصق الناس عليه.٢ لذا، ابتعد عنه مسافة بعيدة.
هيجيو (إلى العبيد) : أبعدوه، أبعدوه!
أريستوفونتيس : ما هذا أيها الوغد؟ هل أنا مجنون هائم على وجهه وطاردتُ أبي برمح، أتقول هذا؟ وهل أنا مصاب بالمرض الذي يقتضي أن يبصق الناس عليَّ؟
هيجيو (مهدئًا) : لا عليك من هذا! فكم من رجل أصيب بمرضك وأفاد من بصق الناس عليه، فشُفيَ منه.
أريستوفونتيس (يخاطب هيجيو بحرارة) : وكيف هذا؟ وأنت أيضًا؟ هل صدقته حقيقة؟
هيجيو : صدقته في أي شيء؟
أريستوفونتيس : في أنني مجنون؟
تونداروس (يخاطب هيجيو) : ألا تراه، ونظرته الغاضبة هذه؟ من الخير لك أن تغادر هذا المكان يا هيجيو. إنه كما قلتُ، لقد أتته النوبة، احترس لنفسك!
هيجيو (يبتعد بسرعة) : ظننتُ هذا، ظننته معتوهًا منذ اللحظة التي ناداك فيها باسم تونداروس.
تونداروس : ومن الأدلة على هذا أنه ينسى اسمه أحيانًا ولا يعرف من هو.
هيجيو : ولكنه كان يقول إنه صديق حميم له.
تونداروس (بجفاء) : أهو كذلك! وفي هذه الحالة يكون كل من ألكوميوس Alcumeus٣   وأوريستيس Orestes٣   ولوكورجوس Lycurgus٣ أصدقائي الحميمِين أيضًا، كما هو صديقي.
أريستوفونتوس : ها ها! أيها النذل، أتجرؤ على الاستمرار والتمادي في الافتراء عليَّ؟ ألا أعرفك؟
هيجيو : يا لرحمة السماء! من الواضح تمامًا أنك لا تعرفه، إذ تناديه باسم تونداروس بدلًا من فيلوكراتيس! إنك لا تعرف الرجل الذي تراه وتذكر اسم الرجل الذي لا تراه.
أريستوفونتيس : كلا يا سيدي! بل إن ذلك الرجل يقول إنه الرجل الذي ليس هو، ويقول إنه ليس الرجل الذي هو حقيقة.
تونداروس (يخاطب أريستوفونتيس بتلميح) : إذن فقد انقلبتَ تهاجم فيلوكراتيس في تقرير الواقع!
أريستوفونتيس : يا للإله الرحيم! إنني إذا ما نظرتُ إلى هذا الأمر، أراك قد انكشفتَ بمختلقاتك أمام الحقائق الدامغة. هيا الآن، لعنك الله، وانظر إليَّ وجهًا لوجه وعينك في عيني!
تونداروس (يفعل هذا ببرود) : حسنًا، وماذا؟
أريستوفونتيس : أخبرني الآن: هل تنكر أنك تونداروس؟
تونداروس : بكل تأكيد، أنكر هذا.
أريستوفونتيس : وهل تدَّعي بأنك فيلوكراتيس، أنت؟
تونداروس : بالطبع.
أريستوفونتيس (إلى هيجيو، غاضبًا أشد الغضب) : وهل تصدقه؟
هيجيو : بالتأكيد، أصدقه أكثر منك ومن نفسي؛ لأن الرجل الذي تقول إنه هذا الرجل قد سافر اليوم إلى إليس، إلى والد هذا الرجل.
أريستوفونتيس (بازدراء) : والد! ماذا تقصد بهذا، لما كان هو عبدًا؟
تونداروس : حسنًا، وأنت أيضًا عبد، وكنت فيما مضى حُرًّا. و(بتأكيد) آمل في أن أكون أنا حُرًّا أيضًا بعد أن أعيد لابن هذا السيد حريته.
أريستوفونتيس : ما هذا أيها النذل؟ أتقول لي بأنك حر منذ ولادتك؟
تونداروس : كلا، حقيقة. ليس اسمي «حُرًّا» وإنما اسمي فيلوكراتيس: هذا ما أقوله.
أريستوفونتيس : ما كل هذا؟ كيف يخدعك هذا الوغد يا هيجيو! والدليل على ذلك، أنه عبد هو نفسه، ولم يكن غير عبد طول حياته.
تونداروس (متعاظمًا) : لما كنتَ فقيرًا مدقعًا، أنت نفسك، في دولتك، وليس عندك ما تعيش منه في وطنك، تريد أن تضع كل فرد آخر في نفس القائمة. لا غرابة في هذا، من خصائص المتسولين الفقراء أن يكونوا سيئي الطباع ويحسدون الأغنياء.
أريستوفونتيس : أرجوك يا هيجيو ألا تستمر في الثقة بهذا الرجل، وإنما تأخذ حذرك منه، أما بخصوص هذا الموضوع، فأرى أنه خدعك مرة أو مرتين حتى الآن. لا تروقني إطلاقًا مسألة إنقاذ ابنك.
تونداروس (بنظرة استعطاف) : أعلم أنك لا تريد أن يتم هذا الأمر، ولكني سأنجزه بمساعدة الرب. (ببطء) سأعيد لهذا السيد ابنه، وعندئذٍ سيرسلني هذا السيد إلى أبي في إليس. هذا هو السبب في أنني بعثتُ بتونداروس إلى أبي.
أريستوفونتيس : إنك تونداروس أنت نفسك، وعلاوة على هذا، فليس في إليس كلها عبد غيرك بهذا الاسم.
تونداروس : ألا تزال تهينني بأنني عبد؟ إنني عبد، كما قُدِّر لي، لأن الأعداء كانوا يزيدون علينا في العدد!
أريستوفونتيس (بغضب) : لا يمكنني أن أضبط نفسي أكثر من هذا!
تونداروس (يبدو عليه الخوف، فيخاطب هيجيو) : ها ها! أتسمع ما يقول؟ لماذا لا تسرع بالفرار من هنا؟ لن تمضي دقيقة حتى يطاردنا بالحجارة، إذا لم تأمر بالقبض عليه.
أريستوفونتيس : هذا يسوقني إلى الجنون!
تونداروس : عيناه تقدحان بالشرر! جاءته نوبة يا هيجيو! أترى كيف اكتسى جسده كله بالبقع الحمراء؟ إن الهِياج الأسود هو الذي يعذبه الآن!
أريستوفونتيس : والآن، بحق الإله، إذا أنصف هذا السيد لجعل القار الأسود عقابك عند المعذِّب العام، لكي ينير رأسك!
تونداروس : لقد وصل الآن إلى درجة الهِياج! بحق السماء يا هيجيو، إن الأرواح الشريرة قد استولت عليه!
أريستوفونتيس : يا للعنة! أما من حجر لأهشم به رأس هذا النذل الذي يسوقني إلى الجنون بكلامه هذا!
تونداروس : أسمعتَ هذا؟ إنه يبحث عن حجر.
أريستوفونتيس (يحاول أن يتمالك نفسه) : أريد أن أتحدث معك بكلمة على انفراد يا هيجيو.
هيجيو (بخوف) : قلها من عندك وأنت بعيد، إذا كنت تريد أن تقول شيئًا من مسافة بعيدة وأنت هناك. سأسمعها على أية حال.
تونداروس : هذا صواب وحق جوف! لأنك إذا اقتربتَ منه عضَّ أنفك وقطعه.
أريستوفونتيس : بحق السماء والأرض يا هيجيو! لا تصدِّقْ أنني مجنون أو أنني سبق أن مرضتُ إطلاقًا بذلك المرض الذي يتكلم عنه. ومع ذلك، فإذا كنتَ خائفًا مني، فدع عبيدك يربطونني، إنني راغب في هذا، على شرط أن يُربَط هذا الرجل أيضًا.
تونداروس : كلا، حقيقةً، وبكل تأكيد كلا! يا هيجيو، اربط الشخص الذي يريد أن يُربَط.
أريستوفونتيس : إنك تصمت الآن! سرعان ما سأكشفك يا فيلوكراتيس المزيف، وتونداروس الحقيقي. (يشير إليه تونداروس ببعض الإشارات من وراء ظهر هيجيو) لمَ تهز رأسك لي؟
تونداروس : وهل هززتُ رأسي لك؟
أريستوفونتيس (يخاطب هيجيو) : ماذا سيفعل إذا كنتَ بعيدًا؟
هيجيو : أصغِ إليَّ، ماذا لو ذهبتُ إلى ذلك المعتوه؟
تونداروس : يا للهراء! سيخدعك بقصة لا أول لها ولا آخر. انظر إلى هذا الشخص ترَ أجاكس Ajax٤ العادي — تمامًا ما عدا الماكياج.
هيجيو : لا يهمني. سأذهب إليه مهما حدث (يقترب من أريستوفونتيس مترددًا).
تونداروس (بصوت منخفض) : الآن هلكتُ تمامًا. إنني الآن بين البلطة والمذبح، ولست أدري ماذا أفعل.
هيجيو : إنني في خدمتك يا أريستوفونتيس، إذا كان هناك ما تريده مني، فعليَّ به.
أريستوفونتيس : سأبرهن لك يا هيجيو على أن كل ما تعتقده كذبًا هو عين الصواب. ولكني أريد أولًا وقبل كل شيء أن أبرئ نفسي أمامك وأؤكد لك أني لستُ مجنونًا وليس بي أي مرض أو عيب غير الأسر. والآن، — (بجدِّية) لكي يرجعني ملك السماء والأرض إلى وطني — ليس هذا الشخص فيلوكراتيس بأكثر مني أو منك.
هيجيو (متأثرًا) : يا لله! أخبرني، ومن هو إذن؟
أريستوفونتيس : هو الرجل الذي قلتُ لك إنه هو منذ لحظة وجيزة. وإذا وجدتَه غير ذلك، فليس لدي مانع من المخاطرة بوالديَّ وبُحرِّيتي والبقاء معك هنا.
هيجيو (إلى تونداروس) : وأنت، ماذا تقول في هذا؟
تونداروس (بأدب) : إنني خادمك وإنك سيدي.
هيجيو (وقد نفد صبره) : ليس هذا ما أسألك عنه. هل كنتَ رجلًا حُرًّا؟
تونداروس : نعم كنتُ كذلك.
أريستوفونتيس : بكل تأكيد لم يكن حُرًّا. يا للهراء!
تونداروس (بغطرسة) : وكيف تعلم هذا؟ هل كنتَ القابلة التي ساعدتْ أمي في ولادتي، حتى تجرؤ على الكلام عن هذا الأمر بمثل هذه الثقة؟
أريستوفونتيس : رأيتكما وأنتما طفلان، كلاكما.
تونداروس : حسنًا، فهمتك، والآن صرنا رجلين. هناك أمر خاص بك! ألا تتدخل في شئوني إذا كنت تسلك مسلكًا رقيقًا. إذ لم أتدخل في شئونك، أليس كذلك؟
هيجيو : ألم يكن اسم أبيه دوكاتسدوبلونساندبيسيسوفيتسون؟
أريستوفونتيس : كلا، يا سيدي، لم يكن كذلك، ولم أسمع هذا الاسم قبل اليوم. والد فيلوكراتيس اسمه ثيودوروميديس Theodoromedes.
تونداروس (بصوت منخفض، وبخشونة) : لقد وقعتُ ولا منقذ. أوقف وَجِيبَك أيها القلب! اذهب إلى الشيطان ولتُشنَق! إنك تقفز علُوًّا وانخفاضًا، بينما أنا الشيطان المسكين لا أكاد أستطيع الوقوف من شدة الخوف!
هيجيو : هل أعتبر نهائيًّا أن هذا الرجل كان عبدًا في إليس وأنه ليس فيلوكراتيس؟
أريستوفونتيس : بكل تأكيد، لن تجده إلا كما قلتُ لك. ولكن، وأين فيلوكراتيس في الوقت الحاضر؟
هيجيو (بوحشية) : حيث لا أريده أن يكون إطلاقًا، وحيث يتمنى هو أن يكون. فكر جيدًا لئلا يكون هناك خطأ ما، برغم ذلك.
أريستوفونتيس : كلا، ليس هناك خطأ. إنني على يقين مما أخبرتك به وأعلمه عن ثقة.
هيجيو : أأنت على يقين؟
أريستوفونتيس : لن تجد حقيقة أكثر صوابًا من هذه. كان فيلوكراتيس صديقي منذ أن كان صبيًّا.
هيجيو : إذن فقد بُترت أطرافي، ونُزعت أعضائي عضوًا عضوًا، أنا الغبي المسكين، بدهاء هذا الوغد، الذي خدعني بحيله حسبما يوافق أهواءه! ولكن، صف لي صديقك فيلوكراتيس.
أريستوفونتيس : سأخبرك بها: نحيل الوجه، مدبب الأنف، أبيض البشرة، أسود العينين، شعرهُ يميل إلى الحمرة قليلًا، ومتموج وأجعد.
هيجيو : تنطبق هذه الأوصاف تمامًا!
تونداروس (بصوت منخفض وفي حزن) : أقسم بالله! إنها لتنطبق حقيقةً مع وقوعي في مأزق بالغ الخطورة هذا اليوم. وا حسرتاه على هذه السياط المسكينة التي كُتب لها أن تموت اليوم فوق ظهري!
هيجيو : أرى أنني استُغفلتُ!
تونداروس (بصوت منخفض) : تعالَيْ أيتها الأغلال، أسرعي الجري وعانقي ساقَيَّ، حتى أحتفظ بك آمنة!
هيجيو : ألم يخدعني هذان الأسيران الوضيعان بحيلة اليوم؟ ادعى النذل الآخر إنه العبد، بينما مثَّلَ هذا الرجل الواقف هنا دور السيد الحر. لقد فقدتُ اللبَّ واحتفظتُ بالقشرة، هذا أكيد. هذه هي الطريقة التي لطخا بها وجهي، أنا الحمار! (بعبوس) لن يفوت هذا الشخص ضحكه عليَّ، بأية حال من الأحوال. (يذهب إلى الباب وينادي): «بوكس Box! بوفوم Buffum! بانجز Bangs!» هيا، تعالَوا! اخرجوا! أحضروا سيوركم!

المنظر الخامس

(يدخل رؤساء الخدم، يحملون سيورًا ثقيلة.)

بوكس (يفرقع بالسوط مبتهجًا) : هل تريدنا أن نربط الأعواد، يا سيدي؟
هيجيو : ضعوا الأغلال لهذا الوغد (يشير إلى تونداروس).
تونداروس (وهم ينفذون الأوامر) : ما معنى هذا؟ ماذا فعلتُ؟
هيجيو : فعلتَ! يا زارع الشر وعازقه (بوحشية أكثر) وحاصده، بنوع خاص!
تونداروس (في أدب) : ألا يمكنك أن تضيف إلى ذلك «ومُسَوِّي أرضه»؟ فعادة ما يسَوِّي الفلاحون الأرض قبل عزقها.
هيجيو (غاضبًا) : انظروا إلى مسلكه الآن! تلك الطريقة الجريئة التي يقف بها حِيالي!
تونداروس : يجب على العبد البريء الهادئ أن يواجه سيده في جرأة، دون سائر الناس.
هيجيو (إلى رؤساء الخدم) : اربطوا يديه بإحكام، وتأكدوا من هذا!
تونداروس : إنني مِلْكك. اقطعهما لو أردتَ من أجل هذا الأمر. ولكن ما معنى ذلك؟ لماذا هذه الثورة ضدي؟
هيجيو : لأنك حطمتني وحطمت آمالي بدهائك الدنيء الغاش، وأفسدت كل فرصة أمامي، وكل آمالي، وكل خُططي. إنك أرسلت فيلوكراتيس إلى وطنه بالنصب عليَّ! ظننتُه العبد وظننتك الحر؛ هذا ما قلتماه، أنتما أنفسكما؛ هذه هي الطريقة التي انتحل كل منكما بها اسم الآخر.
تونداروس (ببرود) : أعترف بذلك، كل شيء يطابق ما تقول، نعم، لقد نُصِبَ عليك فيه، وكان تأييدي وتدبيري هما اللذين فعلا ذلك. ولكن بحق السماء والأرض، ليس هذا هو ما يثيرك ضدي، أليس كذلك؟
هيجيو : ستدفع ثمن فعلك هذا، ستدفعه من خير ما فيك من دماء!
تونداروس (بسذاجة) : على شرط ألا يكون عن فعل الإثم، موِّتْني — فهذا لا يُهم كثيرًا. فإذا متُ أنا هنا، ولم يرجع هو كما وعد، فلا أقل من أن يتذكر الناس ما فعلتُه، بعد موتي. سيروي الناس كيف أنني أنقذتُ سيدي من الرق ومن أعدائه، وأعدتُه إلى وطنه حُرًّا، وكيف أنني آثرتُ المخاطرة بحياتي على أن أتركه يموت.
هيجيو : حسنًا، بوسعك أن تبحث في العالم الآخر عن اسمك الممجَّد.
تونداروس : لن يهلك تمامًا من مات لهدفٍ سامٍ.
هيجيو : بعد أن أعذبك بأقسى الطرق، وأرسلك إلى الهلاك الأبدي بسبب الافتراءات التي حِكْتَ خيوطها، فليعلن الناس أنك هلكتَ تمامًا، أو أنك متَّ مجرد موت بسيط، فلا أهمية عندي، بل يمكنهم أن يقولوا إنك حي.
تونداروس : افعل ذلك يا سيدي، وإني لأقسم بأن ذلك سيكلفك غاليًا عندما يرجع سيدي، كما أتعشم.
أريستوفونتيس (بصوت منخفض) : يا للإله العظيم! فهمتُ الآن كل شيء! عرَفتُ الآن معنى كل ما حدث! إن صديقي الحميم فيلوكراتيس مطلق السراح، وعاد إلى والده في وطنه. هذا حسن! وما من صديق آخر أرجو له حظًّا أسعد من هذا. ولكني أتألم للطريقة الملعونة التي عاملتُ بها تونداروس هنا! إنه سيشكرني أنا ولساني على تقييده في هذه اللحظة.
هيجيو : ألم أخبرك بألا تغشني في أقل شيء؟
تونداروس : بلى.
هيجيو : إذن، ولماذا تجرؤ على الكذب عليَّ؟
تونداروس : لأن الحقيقة كانت ستضر الشخص الذي حاولتُ مساعدته. وعلى أية حال لقد أتى الخداع بالفائدة المرجوة منه.
هيجيو : ولكنه لن يفيدك، برغم هذا.
تونداروس : حسنًا جدًّا يا سيدي، لقد أنقذتُ سيدي على أية حال، وأنا سعيد بإنقاذ الرجل الذي عهد به إليَّ سيدي الأقدم. والآن، هل تعتقد حقيقةً أنني فعلتُ خطأً؟
هيجيو : يا لك من شرير!
تونداروس : حسنًا يا سيدي، إنني أختلف معك في الرأي عن هذا الموضوع، أقول إنني فعلتُ عين الصواب. فكِّرْ مجرد تفكير بسيط! إذا فعل أحد عبيدك نفس هذا الشيء مع ابنك، فماذا يكون شعورك نحوه؟ أتطلق سراح ذلك العبد، أو تتركه عبدًا؟ ألا يصبح ذلك العبد محبوبك المفضل؟ أجبني على هذا.
هيجيو (في تردد) : أظن هذا.
تونداروس : إذن، فلماذا أنت غاضب عليَّ؟
هيجيو : لأنك كنت مخلصًا له أكثر مني.
تونداروس : ماذا؟ أتنتظر، في مجرد ليلة واحدة ويوم واحد، أن تُعَلِّم عبدًا ما كدتَ تشتريه، أن يفضِّل مصالحك على مصالح السيد الذي شبَّ معه منذ عهد الصبا؟
هيجيو : حسنًا، إذن فلتنتظر الشكر منه على ذلك. (إلى رؤساء الخدم) اذهبوا به وقيدوه بالسلاسل الثقيلة والصلبة! (إلى تونداروس) بعد ذلك، ستذهب مباشرة إلى المحاجر. هناك، بينما يقطع كل واحد من العبيد ثماني قطع، ستقطع أنت نصف هذا العدد زيادة عليه، وإلا مُنحتَ لقب «جامع ضربات السياط».
أريستوفونتيس : أي هيجيو! إكرامًا لخاطر الله، لا تدع هذا الرجل يهلك تمامًا!
هيجيو : يهلك؟ سنرى تنفيذ هذا! سيُقيَّد بالسلاسل ليلًا في «زنزانة»، وتقام عليه حراسة، وسيظل بالنهار تحت الأرض يقطع الأحجار. لن ينال مني سوى الألم المرير الذي وضعتُ نظامه منذ زمن طويل. لن ينتهي غضبي عليه في يوم واحد.
أريستوفونتيس (مكتئبًا) : أهذه نيتك المحتومة يا سيدي؟
هيجيو : محتومة كالموت! (إلى رؤساء الخدم) أسرعوا! سيروا به إلى هيبولوتوس الحداد ليضع له أصفادًا من الحديد الصلب؛ ثم يُسحب محروسًا إلى خارج المدينة إلى معتوقي كوردالوس Cordalus وإلى المحاجر. نعم، وأخبروا كوردالوس بأنني أريد أن يعامَل معاملة الرجل الذي عومل (في وحشية) أسوأ معاملة.
تونداروس : لماذا أطلب الرحمة ممن يرفض أن يرحم؟ إن خطر حياتي موضوع في يديك. ما من شر أخافه في الموت بعد أن أموت. وحتى إذا بقيتُ. حيًّا إلى أقصى حدود أعمار البشر فإنني سأقاسي ما تهددني به وقتًا قصيرًا فحسب. وداعًا يا سيدي، وليباركَّ الرب مهما كنتَ تستحق أن أتمنى لك شيئًا آخر. أما أنت يا أريستوفونتيس، فمع السلامة، بحسب ما تستحق مني، إذ بسببك حدث لي كل هذا.
هيجيو (إلى رؤساء الخدم) : اذهبوا به.
تونداروس : ولكني أطلب منك شيئًا واحدًا يا سيدي: إذا رجع فيلوكراتيس، فامنحني فرصة مقابلته.
هيجيو (إلى رؤساء الخدم) : هيا اغربوا من أمام وجهي في الحال، وإلا قتلتكم! (يقبضون على تونداروس ويسرعون به في خشونة وعنف.)
تونداروس (بخشونة) : حسنًا، حسنًا! هذا عنف إيجابي، أن أُدفع وأُجَرَّ في نفس الوقت.

(يخرجون.)

هيجيو : سيذهب هذا الوغد مباشرة إلى زنزانة السجن التي يستحقها. سأجعله عبرة للأسرى الآخرين، حتى لا يتجاسر أحدهم على القيام بمثل هذا العمل الشيطاني. لولا هذا الرجل الواقف هنا، الذي أخبرني بكل شيء، لظلا يخدعانني بحِيَلهما إلى آخر الزمن. لن أثق في أي شخص بعد الآن في شيءٍ ما، هذا قرار نهائي. يكفي المرء أن يُخدع مرة. (يتوقف برهة ثم يقول عابسًا) ظننتُ، أنا الغبي الحقير، أنني قد فديتُ ابني وأطلقت سراحه من الرق، فيا له من أمل قد أفلت! فقدتُ ابنًا، وهو في الرابعة من عمره، خطفه عبد، ومنذ ذلك الحين لم أعثر على أي أثر لابني ولا للعبد. وها هو ابني الأكبر في أيدي الأعداء! ما تلك اللعنة النازلة عليَّ؟ فهل نسلتُ ذرية لأبقى بغير ذرية! (إلى أريستوفونتيس) أما أنت، فانصرف من هذه الجهة. (يذهب نحو بيت أخيه) عُد من حيث أتيت. لقد صممتُ على ألا أشفق على أي مخلوق، إذ لم يشفق عليَّ أحد.
أريستوفونتيس (منزويًا) : يبدو أن إفلاتي من القيود الحديدية فأل حسن. والآن أرى أنه ينبغي لي أن أعلم أن فألي إلى القيود ثانية.

(يخرج الجميع.)

١  منطقة سوقية في روما.
٢  الصَّرَع.
٣  مجانين مشهورون في الميثولوجيا الإغريقية. ألكوميوس هو ألكمايون Alcmaeon.
٤  مجنون آخر في الميثولوجيا الإغريقية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤