الفصل الأول
المنظر الأول
(الوقت ليلًا – يدخل سوسيا حاملًا مصباحًا في يده.)
سوسيا
(يقف ويتطلع حواليه في جبن)
:
أي رجل أجرأ مني أو أكثر مني وقاحةً؛ إذ أعرف كل شيء
عن الشبان وعن حيلهم وخداعهم، ومع ذلك فها أنا ذا
أتجول حول هذا المكان وحدي، في هذا الوقت من الليل!
(يبدو أنه يسمع صوتًا
ما، فيقفز.) وماذا لو قبض عليَّ الشرطة
وزجوا بي في السجن؟ إذن لاقتادوني غدًا من ذلك المكان
وعلقوني في طرف حبل المشنقة؛ ولن يسمحوا لي بأن أقول
كلمة عن نفسي،١ ولن أحظى بأية مساعدة من سيدي، ولن يوجد
أي شخص هناك إلا ويقول إنني أستحق الضرب بالسياط.
فيقوم أولئك السجانون الثمانية الأقوياء بضرب جثتي
المسكينة كما لو كنتُ سندانًا. هذه هي الكيفية التي
يرحبون بي بها عند عودتي من الخارج إلى الوطن، إنه
ترحيب شعبي … (متأففًا.) لم يجبرني على هذا غير قلق
سيدي، إذ أخرجني من الميناء في هذا الوقت من الليل ضد
رغبتي. أما كان بمقدوره أن يبعث بي في هذه المهمة
بالنهار، أليس كذلك؟ هذه هي مساوئ أن يكون المرء عبدًا
للحاكم، وهذا هو أسوأ ما في كون الإنسان خادمًا لذوي
النفوذ المالي؛ تكون لديه أعمال كافية طول النهار وطول
الليل، ليس هذا فحسب، بل وأكثر مما يستطيع، ولا يجد
نهاية لأعماله، إذ يكون لديه ما يعمله دائمًا. نعم، أو
ليقال، زده عملًا حتى لا يذوق طعم الراحة. وسيدك
المُوسر هذا لا يعمل أقل شيء بيده. خذها قضية مسلَّمة،
إن أية نزوة تخالج رأسه، لا بد من تنفيذها. نعم، إنه
يعتبر فقط ذلك الشيء الجميل، ولا يعتبر أبدًا مقدار ما
بُذل فيه من عمل. إنني أخبرك، كم من ظلم يجلب عليك هذا
الرق، ما عليك إلا أن تأخذ عبأك وتحمله، وهذا
عملك.
ميركوريوس
(لنفسه)
:
سيكون من اللائق بميركوريوس أن ينطق ببعض هذا التذمر
من ذلك الموقف الوضيع — كان خاليًا اليوم فاتخذه والده
عبدًا. هذا الشخص المولود للأعمال الشاقة هو الذي
يتذمر.
سوسيا
(مذعورًا للمرة الثانية)
:
إنني بحاجة إلى الضرب، ما في ذلك شك. لم أكن سريعًا
في أن أفكر في مخاطبة الآلهة وتقديم الشكر لهم على
وصولي بالسلامة. أيها الرب! إنهم إذا ما طرأت على
بالهم فكرة مجازاتي بما أستحق، أرسلوا شخصًا ما ليحطم
لي وجهي عند وصولي تحطيمًا ذريعًا، لأنني لم أقدِّر
المعروف الذي صنعوه لي، وتركتهم يذهبون دون أن ينالوا
مني شيئًا (يتأكد من سلامة
نفسه).
ميركوريوس
(لنفسه)
:
من الأمور غير العادية أنه يعرف ما يستحقه.
سوسيا
:
سيحدث ما لم أكن لأحلم به، وقد حدث ما لم يحلم به أي
فرد آخر من جانبي، ونحن هنا في سلامة وعافية. (بروعة) قد عادت
كتائبنا ظافرة، بينما رجع أعداؤنا مدحورين، فانتهت
مسابقة قوى أعدائنا وقُتلوا لآخر رجل. سحقتهم قوة
جنودنا وشجاعتهم. نعم، وخصوصًا تحت إمرة وإرشاد سيدنا
أمفتريون. لقد زوَّد مواطنيه بالغنائم والأراضي
والشهرة. وثبَّتَ الملِك كريون Creon تثبيتًا وطيدًا على العرش
الطيبي. (مساعدًا)
أما عن نفسي، فقد أرسلني من الميناء مباشرة إلى البيت
لكي أخبر زوجته بالأنباء! كيف خُدمت الدولة بقيادته هو
نفسه، وبإرشاده، وتحت إمرته. (يفكر) ولأفكر الآن في الكيفية التي
أقصُّ بها حكايتي على مسامعها عندما أصل إلى هناك.
وإذا كذبتُ في أمر أو في أمرين، فلن يكون هذا شيئًا
خارقًا أو غريبًا عليَّ. فالواقع أنهم بينما كانوا في
أشد حالات القتال، كنت أنا في أشد حالات الفرار. ومع
ذلك فسأدَّعي بأنني كنت هناك في ذلك الوقت وأقُص ما
سمعته عن القتال. بَيد أنَّ أحكَم طريقة لسرد قصتي —
والألفاظ التي أستعملها — هي أن أتمرن قليلًا بنفسي
هنا قبل الذَّهاب إليها (يتوقف قليلًا). وسأبدأ هكذا: (يضع المصباح على الأرض ويتصور
ألكمينا أمامه فيخاطبها بحماس) أولًا،
وقبل كل شيء، عندما وصلنا إلى هناك ما إن لمست أقدامنا
اليابسة حتى انتقى أمفتريون أشهر قواده وأرسلهم كسفراء
وأمرهم بأن ينتقلوا إلى التيلوبيين ليحملوا إليهم
شروطه، وهي: أنهم إذا ما أرادوا، بغير قتال وبغير
خصام، أن يسلموا المسروقات والسارقين، ويعيدوا ما
أخذوه، فإنه سيقود جيشه بنفسه ثانية ويعود به إلى
وطنه، وسيترك الأرجوسيون Argives أرضهم ويمنحونهم السلم
والهدوء. أما إذا أصرُّوا على عنادهم ولم يخضعوا
لشروطه، فإنه سيهجم على مدينتهم بكل القوة التي تحت
إمرته.
وعندما أعلن سفراء أمفتريون إلى التيلوبيين ما أمرهم به، فإن أولئك المحاربين البواسل وثقوا في جرأتهم ومجَّدوا قوَّتهم، فأجابوا السفراء بغطرسة وصلف قائلين إن بوسعهم الدفاع عن أنفسهم وعن ذويهم بقوة السلاح، وإنهم بناء على ذلك سيتوجهون من فورهم ويقودون جيوشهم ويخرجون من الحدود التيلوبية. فلما سمع أمفتريون تقرير سفرائه، قاد الجيش كله في الحال، من المعسكر ومن المدينة أيضًا، وقاد التيلوبيون كتائبهم مرتدِين الحلل الحربية الجميلة. وبعد أن سار الطرفان بكامل قوَّتيهما، اصطفت الكتائب واصطفت الطوابير، ورتبنا كتائبنا تبعًا لطريقتنا المعتادة، وبالكيفية التي ألفناها، كما رتب أعداؤنا قواتهم أيضًا في مواجهة كتائبنا. ثم تقدم قواد الجيش إلى وسط الميدان، وهناك خلف الصفوف المحتشدة، عقدوا مجلسًا للتفاوض. فعقدوا ميثاقًا مؤداه أنه يجب على من يُهزم في تلك المعركة أن يسلم مدينته وأرضه ومَحاريبه وبيوته وأشخاصه. وما إن انتهوا من ذلك حتى دوت الأبواق على كلا الجانبين، ورددت الأرض صدى النفير، وارتفعت صيحة الحرب، ونذَرَ القواد في كلٍّ من الجانبين، هنا وهناك، نذورهم إلى جوف، وهتف كل فريق لمحاربيه. بعد ذلك استعد كل رجل بكل أوقية من قوَّته، وأخذ يضرب بسيفه ضربات قاتلة، فاضطربت الرماح، ودوى الجو بصياح الأبطال، وارتفعت السُّحب من أنفاسهم المبهورة وهم يلهثون، وسقط الرجال صرعى من جروحهم.
وأخيرًا، انتصر جيشنا، كما كنا نأمل، وسقط رجال الأعداء أكوامًا، وظللنا نشدد الهجوم عليهم بكل ما أوتينا من قوة. وبرغم كل هذا، فلم يهرب أي رجل منهم أو يتزحزح عن موقفه قِيد أُنمُلة، بل ثبت في موقفه وصار يضرب. كانوا يجودون بأرواحهم قبل أن يفقدوا مكانهم. فكان كل رجل يسقط حيث كان واقفًا، وبذا يظل الطابور متصلًا. فلما لاحظ سيدي أمفتريون ذلك، أمر بأن يسير الفرسان الذين على اليمين إلى المعركة، فأطاعوا الأمر بسرعة، وانقضُّوا وهم يطلقون الصيحات المفزعة من على اليمين، وشرعوا يطئون قوات أعدائنا تحت أقدامهم مصححين أخطاءنا (يمسح جبينه ويفكر).
وعندما أعلن سفراء أمفتريون إلى التيلوبيين ما أمرهم به، فإن أولئك المحاربين البواسل وثقوا في جرأتهم ومجَّدوا قوَّتهم، فأجابوا السفراء بغطرسة وصلف قائلين إن بوسعهم الدفاع عن أنفسهم وعن ذويهم بقوة السلاح، وإنهم بناء على ذلك سيتوجهون من فورهم ويقودون جيوشهم ويخرجون من الحدود التيلوبية. فلما سمع أمفتريون تقرير سفرائه، قاد الجيش كله في الحال، من المعسكر ومن المدينة أيضًا، وقاد التيلوبيون كتائبهم مرتدِين الحلل الحربية الجميلة. وبعد أن سار الطرفان بكامل قوَّتيهما، اصطفت الكتائب واصطفت الطوابير، ورتبنا كتائبنا تبعًا لطريقتنا المعتادة، وبالكيفية التي ألفناها، كما رتب أعداؤنا قواتهم أيضًا في مواجهة كتائبنا. ثم تقدم قواد الجيش إلى وسط الميدان، وهناك خلف الصفوف المحتشدة، عقدوا مجلسًا للتفاوض. فعقدوا ميثاقًا مؤداه أنه يجب على من يُهزم في تلك المعركة أن يسلم مدينته وأرضه ومَحاريبه وبيوته وأشخاصه. وما إن انتهوا من ذلك حتى دوت الأبواق على كلا الجانبين، ورددت الأرض صدى النفير، وارتفعت صيحة الحرب، ونذَرَ القواد في كلٍّ من الجانبين، هنا وهناك، نذورهم إلى جوف، وهتف كل فريق لمحاربيه. بعد ذلك استعد كل رجل بكل أوقية من قوَّته، وأخذ يضرب بسيفه ضربات قاتلة، فاضطربت الرماح، ودوى الجو بصياح الأبطال، وارتفعت السُّحب من أنفاسهم المبهورة وهم يلهثون، وسقط الرجال صرعى من جروحهم.
وأخيرًا، انتصر جيشنا، كما كنا نأمل، وسقط رجال الأعداء أكوامًا، وظللنا نشدد الهجوم عليهم بكل ما أوتينا من قوة. وبرغم كل هذا، فلم يهرب أي رجل منهم أو يتزحزح عن موقفه قِيد أُنمُلة، بل ثبت في موقفه وصار يضرب. كانوا يجودون بأرواحهم قبل أن يفقدوا مكانهم. فكان كل رجل يسقط حيث كان واقفًا، وبذا يظل الطابور متصلًا. فلما لاحظ سيدي أمفتريون ذلك، أمر بأن يسير الفرسان الذين على اليمين إلى المعركة، فأطاعوا الأمر بسرعة، وانقضُّوا وهم يطلقون الصيحات المفزعة من على اليمين، وشرعوا يطئون قوات أعدائنا تحت أقدامهم مصححين أخطاءنا (يمسح جبينه ويفكر).
ميركوريوس
(يحدث نفسه)
:
لم ينطق حتى الآن بكلمة واحدة من خياله. لأنني كنت
هناك أنا نفسي، والمعركة دائرة، وكذلك كان والدي هناك
أيضًا.
سوسيا
(مستجمعًا نفسه ثانية)
:
فركن محاربوهم إلى الفرار، وعند ذلك دبت شجاعة جديدة
في نفوس رجالنا. وعندما كان التيلوبيون يديرون ظهورهم
أمطرناهم وابلًا من الرماح ملأت ظهورهم، وجندل
أمفتريون نفسُه وبيده ملِكَهم بتيريلاس Pterelas. استمر ذلك
القتال خلال النهار من الصباح إلى المساء. (يفكر): إنني أتذكر هذا
الأمر تمامًا إذ لم أتناول وجبة الغداء في ظهر ذلك
اليوم. وسرعان ما دهمنا الظلام فأنهى المعركة. وفي
اليوم التالي جاء سادتهم من المدينة إلى معسكرنا
والدموع تنهمر غزارًا من عيونهم، وقد لفوا أيديهم
بأقنعة التوسل متضرعين إلينا أن نعفو عن خطئهم،
وسلَّموا أنفسهم جميعًا إلينا، كما سلموا كافة
ممتلكاتهم، المقدس منها والغالي، وكذلك مدينتهم
وأولادهم، إلى الشعب الطيبيِّ ليفعل بهم ما يحلو له.
واعترافًا بشجاعة سيدي أمفتريون، قدَّموا إليه آنية من
الذهب اعتاد الملك بتيريلاس أن يشرب منها (يتنفس الصعداء). هكذا،
سأقص الحكاية على مسامع السيدة. والآن سأذهب وأنهي عمل
السيد، ثم أنصرف بعد ذلك إلى البيت (يحمل المصباح).
ميركوريوس
(لنفسه)
:
أواه! إنه موشك على الوصول إلى هنا! سأخطو نحوه
وألتقي به. لن يبلغ هذا الرجل البيت في الوقت الحاضر،
لن أتركه. وبما أنني شبيهه الآن، فسأعتزم خداعه،
وسأقول، وقد اتخذتُ ملامحه وزيه، إنه يليق بي أن أحاكي
طرقه وسلوكه العام أيضًا. يجب أن أكون وغدًا ماكرًا،
ثم أنتقل في سرعة لاعب الورق، فأطرده خارج الباب بنفس
سلاحه، فيا لها من خطة. (ينظر إلى سوسيا الذي يحملق في النجوم)
ماذا يريد هذا؟ وهو يحملق في السماء! لا بد أن
أراقبه.
سوسيا
:
يا للعجب، إن كان هناك ما أصدقه أو أعرفه أكيدًا،
فهو أن نوكتورنوس Nocturnus العجوز قد ذهب إلى الفراش
مخمورًا في هذه الليلة، فإن «الدب الأكبر» لم يتحرك
خطوة واحدة في السماء، والقمر في نفس مكانه الذي أشرق
منه، كما أن «حزام أوريون» ونجم المساء والبلياديس Pleiades لم تغرب
بعد. نعم، إن البروج واقفة في مواضعها لا تتحرك، وما
من علامة للنهار في أي مكان.
ميركوريوس
(لنفسه)
:
استمِر كما بدأتَ، أيها الليل! اصنع جميلًا لوالدي.
ها أنت ذا تنجز بروعة، عملًا رائعًا، لإله رائع: ستجد
هذا العمل مثمرًا تمامًا.
سوسيا
:
لا أظن أنني سبق أن رأيت في حياتي ليلة أطول من هذه،
ما خلا تلك الليلة التي ضُربتُ فيها بالسوط وتُركتُ
مقيدًا حتى الصباح. ولتباركني السماء، فإن طريق هذه
الليلة أطول حتى من تلك. رباه! لا شك في أنني أومن بأن
سول Sol العجوز
نائم، نائم وسكران حتى الثمالة. إنه ليكون من العجب
العجاب إذا لم يكن قد شرب نخب نفسه وأفرط في الشراب
كثيرًا وهو يتناول وجبة العشاء.
ميركوريوس
(لنفسه)
:
أهكذا، أيها النذل؟ أتظن أن الآلهة مثلك؟ أُقسم
بالسماء لأرحبن بك ترحيبًا يتفق وهذا الكلام وهذه
النذالة، يا طائر المشنقة. ما إن تخطُ إلى هنا حتى
تقابلك مصيبتي.
سوسيا
:
أين أولئك الشبان الذين يمقتون فراش العزوبة؟ هذه
ليلتك التي تتمتع فيها بمضاجعة سيدة قيمة.
ميركوريوس
(لنفسه)
:
تبعًا لهذا الشاب، يكون والدي قد استغل وقته بحكمة
وبذكاء. يضم ألكمينا إلى أقصى ما يصبو إليه قلبه في
عناق غرامي.
سوسيا
:
والآن، بخصوص الرسالة التي أمرني سيدي بتوصيلها إلى
سيدتي (يحدث نفسه وهو يتقدم
نحو المنزل ويبصر ميركوريوس). ولكن، من
هذا الرجل الواقف أمام البيت في مثل هذا الوقت من
الليل؟ (يتوقف
مذعورًا) إنني لا أحب منظره.
ميركوريوس
(لنفسه)
:
من بين جميع الأوغاد الجبناء!
سوسيا
(لنفسه)
:
يبدو لي أن هذا الرجل يرغب في أن يسلبني
عباءتي.
ميركوريوس
(لنفسه)
:
صاحبنا مذعور، سيكون لنا معه بعض اللعب.
سوسيا
(لنفسه)
:
رباه، إن أسناني لتوخزني! سيرحب بي عند وصولي، من
غير شك، ترحيبًا باللكمات! إنه رُوح طيب القلب، إنني
أومن بهذا. فلما كان يرى أن سيدي قد اضطرني إلى السهر
طول الليل، فسيستخدم لكماته الآن ويجعلني أنام. أواه،
إنني ميت تمامًا! انظر، إكرامًا لله، إلى حجمه، وإنه
لقوي، يا للسماء!
ميركوريوس
(لنفسه)
:
سأتكلم بصوت مرتفع لكي يسمع ما أقول، وبعد ذلك، أؤكد
بأنه سيرتجف ذعرًا أكثر من ذي قبل. (بصوتٍ عالٍ وبوحشية
شجْوية) أيتها اللكمات انشطي وقومي
بعملك! فقد مضى وقت طويل منذ أن أعددتِ المئونة لبطني.
يلوح لي أنه قد فات دهر منذ أمس عندما خلعتِ ملابس
أربعة رجال حتى صاروا عرايا تمامًا، وأرقدتِهم في سبات
عميق.
سوسيا
(لنفسه)
:
إنني لأرتعد رعبًا من أن يتغير اسمي هنا والآن، من
سوسيا إلى سوسيا الخامس. إنه عرَّى أربعة رجال وأرسلهم
إلى أرض النوم، على حد قوله، وأخشى أن أَزيد في تلك
القائمة.
ميركوريوس
(يشد حزامه على بطنه)
:
وماذا إذن، يا هذا، هذا حسن.
سوسيا
(لنفسه)
:
لقد شد حزامه على حَقْويه! لا شك في أنه يستعد
للعمل.
ميركوريوس
:
لن يُفلت من الضرب.
سوسيا
(لنفسه)
:
مَن مَن؟
ميركوريوس
:
أقول لك إن أي رجل يأتي من هذا الطريق سيأكل
اللكمات.
سوسيا
(لنفسه)
:
كلا، لن تأكل! لا أهتم بالأكل في مثل هذا الوقت من
الليل. لم يمضِ وقت طويل منذ أن تناولتُ طعام العشاء.
وعلى ذلك، فإذا كنتَ ذا إدراك فامنح هذا العَشاء إلى
الجوعان.
ميركوريوس
(يختبر قبضة يده اليمنى)
:
يوجد ثقلٌ ما في هذه القبضة.
سوسيا
(لنفسه)
:
لقد انتهيتُ! ها هو ذا يزن قبضتيه!
ميركوريوس
(متهكمًا)
:
ماذا لو ضربته برفق فجعلته ينام؟
سوسيا
(لنفسه)
:
إذن لأنقذتَ حياتي. لم أنَم طرفة عين طيلة ليالٍ ثلاث
متواليات.
ميركوريوس
(متأرجحًا بعنف)
:
مباشرةً، أيها المجرم، خذ هذه! هذا عارٌ! من الخطأ أن
تتعلم ذراعي ضرب الفك! (مخاطبًا ذراعه وهو يتحسس عضلته ذات
الرأسين)، اخدشي الرجل فقط بقبضتكِ ولا
حاجة أبدًا إلى تغيير شكله.
سوسيا
(لنفسه)
:
سيعجِنني هذا الملاكم ويشكل لي وجهي كله من
جديد.
ميركوريوس
:
لا بد للوجه الذي ستضربينه بحق أن يصير بعد ذلك
خاليًا من العظم.
سوسيا
(لنفسه)
:
من المؤكد جدًّا أنه وطَّد العزم على نزع عظامي
لأصير كثعبان البحر. أنا … أنا أعترض على نازعي عظام
البشر هؤلاء، سينتهي كل شيء إذا ما وقع بصره
عليَّ.
ميركوريوس
(يتشمم الهواء)
:
ها، ها! إنني أشم رائحة إنسان، إذن فويلٌ له!
سوسيا
(لنفسه)
:
ألا يكون قد شم رائحتي؟
ميركوريوس
:
نعم، ولا بد أنه قريب مني برغم أنه كان بعيدًا من
هنا.
سوسيا
(لنفسه)
:
لقد أبصرني هذا الرجل مرة ثانية.
ميركوريوس
:
ها هما قبضتاي متحفزتان.
سوسيا
(بصوت منخفض)
:
إذا كنتَ تنوي إنزالهما فوقي، فبحق السماء اكسرهما
أولًا على الحائط.
ميركوريوس
:
طار صوت إلى أذني.
سوسيا
(لنفسه)
:
ها أنت ذا! أقسم بأنني شيطان سيئ الحظ لأنني لم أكسر
جناحيه ولي هذا الصوت الشبيه بصوت العصفور.
ميركوريوس
:
يدعوني رجلكما لأقوس له ظهره الوحشي.
سوسيا
(لنفسه)
:
لست وحشًا، كلا، لست أنا.
ميركوريوس
:
إنه بحاجة إلى حمل ثقيل من اللكمات.
سوسيا
(في نغمة خفيضة)
:
رباه! لقد هلكتُ من هذه الرحلة البحرية إلى الوطن!
إنني ما زلتُ مصابًا بدُوار البحر حتى الآن. كل ما
يمكنني عمله هو أن أجر قدميَّ خالي اليدين، فلا تظننَّ
أنني أستطيع السفر ومعي حمل.
ميركوريوس
:
نعم ها هنا شخص يتكلم بالصدق.
سوسيا
(بنغمة أكثر انخفاضًا)
:
لقد نجوت! إنه لا يراني. يقول إن شخصًا ما يتكلم،
وإن اسمي سوسيا، أعلم هذا يقينًا.
ميركوريوس
:
نعم، يصطدم بأذني صوت من على يمين هذا المكان، كما
يلوح لي.
سوسيا
(لنفسه)
:
أخشى أن يطرقني بدلًا من أن يطرق صوتي من أجل
اصطدامه به (يتقدم إلى
الأمام في جبن).
ميركوريوس
:
ها ها! رائع! إنه يتقدم نحوي.
سوسيا
(لنفسه)
:
إنني مذعور، وبمعنًى أوضح، لقد تصلبت! أيها الإله
الرحيم، لست أدري في أي موضع من الدنيا أنا، كلا، لست
أدري لو سألني امرؤٌ ما. أي عزيزي، لا أستطيع أن أتحرك
خطوة واحدة من شدة الفزع! ستقضي عليَّ هذه الحال! لقد
ضاعت أوامر السيد، وضاع سوسيا أيضًا. ولكني مصمم،
سأتحدث إليه مباشرة وبجرأة، كي أجعله يظنني شخصية
خطرة، ولأكوننَّ كذلك (يحاول
أن ينفخ نفسه متعاظمًا).
ميركوريوس
:
إلى أين تسير، أنت يا من تحمل … (يشير إلى المصباح) وقد
سئمك فولكانوس Vulcanus، أيها القرن؟
سوسيا
:
لماذا تريد أن تعرف، أنت يا من تنزع للناس عظام
وجوههم بقبضتيك؟
ميركوريوس
:
أأنت عبد أم حُر؟
سوسيا
:
أيهما أريد.
ميركوريوس
:
أهكذا؟ أحقيقي هذا؟
سوسيا
:
نعم، هكذا حقيقة.
ميركوريوس
:
أيها العبد المضروب بالسوط!
سوسيا
:
إنك تكذب، لستُ ممن ضُربوا بالسوط.
ميركوريوس
(وهو يتقدم)
:
بيد أنني سرعان ما سأجعلك تقول إنه حقيقي.
سوسيا
(منكمشًا إلى الخلف)
:
أواه، ما فائدة هذا؟
ميركوريوس
(في عنف)
:
هل لي أن أعرف إلى أين تنوي أن تذهب، أو من يملكك،
أو لماذا أتيتَ إلى هنا؟ (يقف.)
سوسيا
(متشجعًا)
:
إنني أنوي المجيء إلى هنا، هذه أوامر سيدي، وأنا
عبده. هل صرتَ الآن أكثر معرفة من ذي قبل؟
ميركوريوس
:
سرعان ما سأخرسك أيها اللئيم!
سوسيا
:
لقد ضاعت الفرصة إذ تدثرت، في تواضع، بالعباءة ذات
«الطرطور».
ميركوريوس
:
ألا تزال في غطرستك؟ وأي شأن لك في هذا
البيت؟
سوسيا
:
حسنًا، وأي شأن لك فيه؟
ميركوريوس
:
يضع الملك كريون شتى الديدبانات حول هذا المكان في
كل ليلة.
سوسيا
(بلهجة الآمر)
:
شكرًا جزيلًا. فإذ رأى أننا متغيبون في الخارج، وضع
الحراسة لنا حول البيت. والآن يمكنك أن تنصرف، وقل: إن
خدم الأسرة قد عادوا.
ميركوريوس
:
أحقًّا أنت من خدم الأسرة؟ فإذا كنت لا تختفي فجأة،
فأنا أضمن لك أنني سأرحب بخدم هذه الأسرة ترحيبًا
غريبًا.
سوسيا
:
أخبرك بأنني أقيم هنا، وهذا بيت سيدي.
ميركوريوس
:
ولكن، ماذا تعرف؟ سرعان ما سأجعل منك رجلًا منعمًا،
ولن تقوِّض خيامك بعد ذلك.
سوسيا
:
منعمًا! وكيف ذلك؟
ميركوريوس
:
ستُحمل على أكتاف الرجال — ولن تمشي — بمجرد أن
أُنزل هِراوتي فوقك.
سوسيا
:
إنني أحد سكان هذا البيت، أقسم على ذلك.
ميركوريوس
:
أرجوك أن ترى كيف أنك تستحق الضرب بالسوط، إلا إذا
اختفيتَ من فورك.
سوسيا
:
إذن، فأنت تريد أن تمنعني دخول البيت، بينما أنا
راجع من بلاد أجنبية، أنت؟
ميركوريوس
:
أهذا بيتك؟
سوسيا
:
هذا ما أقول.
ميركوريوس
:
إذن، فمن سيدك؟
سوسيا
:
إنه أمفتريون، قائد الجيش الطيبي، وزوجته
ألكمينا.
ميركوريوس
:
كيف تقول ذلك؟ وما اسمك؟
سوسيا
:
سوسيا، يسميني أهل طيبة سوسيا بن دافوس Davus.
ميركوريوس
:
يا لها من ساعة نحس عليك، تلك التي جئتَ فيها إلى
هنا، أنت يا برج الوقاحة، بكذبك مع سبق الإصرار،
وباختلاقاتك المرقوعة.
سوسيا
:
أنت مخطئ، أقسم لك بأنني جئتُ بسُترتي مرقوعة، وليس
باختلاقاتي.
ميركوريوس
:
ها ها، وتكذب ثانية! من الجلي أنك أتيت بقدميك وليس
بسُترتك.
سوسيا
(بخشونة)
:
بالطبع.
ميركوريوس
:
وبالطبع ستُضرَب الآن على كذبك (يتقدم).
سوسيا
(يتقهقر)
:
أواه، يا عزيزي. إنني أعارض، بطبيعة الحال، في هذا
الأمر.
ميركوريوس
:
حسنًا، وبطبيعة الحال، هذا لا يهم فإن «بطبيعة حالي»
حقيقة جافة باردة، على الأقل، ولا أهمية عندي للرأي.
(يضربه.)
سوسيا
(وهو يتلوى)
:
بخفة، بخفة، إكرامًا للسماء!
ميركوريوس
:
أتتجاسر على تسمية نفسك سوسيا، بينما أنا هو
سوسيا؟
سوسيا
:
القتل! القتل!
ميركوريوس
(مستمرًّا في ضربه)
:
القتل؟ إنه مجرد لا شيء إذا ما قيس بما سيأتي. والآن
عبدُ مَن أنت؟
سوسيا
:
عبدك! لقد أضْفتْ عليَّ قبضتاك لقبًا جديدًا على وجه
التحديد. أغيثوني، أيها الطيبيون، أدركوني!
ميركوريوس
:
أهكذا؟ أيها النذل الجَعجاع؟ تكلم بسرعة، لماذا
أتيت؟
سوسيا
:
جئتُ فقط لأعد لك شخصًا تضربه، يا سيدي.
ميركوريوس
:
ومَن تَتْبع؟
سوسيا
:
أنا سوسيا التابع لأمفتريون، كما قلتُ لك.
ميركوريوس
:
إذن، فستنال مزيدًا من الطَّرْق بسبب هذا الهراء.
أأنت سوسيا! أنا نفسي سوسيا.
سوسيا
(بلهجة منخفضة)
:
أتمنى من الله أن تكون أنت سوسيا بدلًا مني، وأنا
الذي أضربك.
ميركوريوس
:
ها ها! هل رجَعت تتمتم الآن؟
سوسيا
:
لن أتمتم، لن أتمتم، يا سيدي!
ميركوريوس
:
ومَن سيدك؟
سوسيا
:
أي شخص تريده، يا سيدي.
ميركوريوس
:
أحقيقة هكذا؟ وما اسمك الآن؟
سوسيا
:
لا شيء إلا ما تأمر به يا سيدي.
ميركوريوس
:
كنتَ تقول إنك سوسيا التابع لأمفتريون.
سوسيا
:
كانت غلطة، يا سيدي، إذ كنتُ أقصد أن أقول: «صديق
أمفتريون»، حقيقةً كنت أعتزم أن أقول ذلك.
ميركوريوس
:
كنتُ أعلم يقينًا أنه لا يوجد خادم اسمه سوسيا، في
بيتنا، غيري أنا. لقد زلق لسانك.
سوسيا
:
أواه، كم كنتُ أتمنى أن تكون قبضتاك هما اللتين
زلقتا!
ميركوريوس
:
أنا سوسيا الذي كنتَ تدَّعي أنك هو منذ لحظة
مضت.
سوسيا
:
إكرامًا لخاطر السماء، يا سيدي، دعني أقُلْ لك كلمة
في سلام دون أن أُطرَق.
ميركوريوس
:
لا سلام، وإنما أوافق على هدنة قصيرة إذا كان لديك
ما تقوله.
سوسيا
:
لن أقوله إلا إذا عُقد السلام، إن قبضتيك لأكثر مما
أحتمل.
ميركوريوس
:
هات ما تريد أن تقوله، لن أُوذيَك!
سوسيا
:
هل تعدني بهذا؟
ميركوريوس
:
نعم.
سوسيا
:
وماذا لو خدعتني؟
ميركوريوس
(برزانة)
:
إذن فلينزل بسوسيا غضب ميركوريوس!
سوسيا
:
أَصْغِ إليَّ الآن، يا سيدي. الآن صرتُ حرًّا في أن
أوضح أي شيء. أنا سوسيا عبد أمفتريون، أنا هو.
ميركوريوس
(وهو يتقدم نحوه)
:
ماذا؟ ثانيةً؟
سوسيا
(بعنف)
:
لقد عقدتُ السلام وحصلتُ على هدْنة! إنها
الحقيقة.
ميركوريوس
:
فلتنزل عليك السياط!
سوسيا
:
لائم نفسك حسبما يلائمك، وقد رأيت أن قبضتيك أكثر
مما أحتمل (مراوغًا)، ولكن هذا سيان عندي، مهما
فعلت، كما أنني لن أكتم ذلك. أقسم بالله أنني لن
أكتمه.
ميركوريوس
:
لن تعيش حتى تجعلني أي شخص غير سوسيا، كلا،
إطلاقًا.
سوسيا
:
وحتى بالرعد لن تجعلني غير خادم أسرتنا. كلا، يا
سيدي، وأنا الخادم سوسيا الوحيد الذي عندنا.
ميركوريوس
:
هذا الرجل مجنون.
سوسيا
:
مجنون؟ إنك تتهمني بما فيك (يقول الكلام كأنما يوجهه إلى نفسه)
ألستُ أنا سوسيا خادم أمفتريون؟ ألم تصل سفينتنا هذه
الليلة من ميناء بيرسيكوس Persicus وكنت أنا عليها؟ ألم
يرسلني سيدي إلى هنا؟ ألا أقف في هذه الدقيقة أمام
بيتنا؟ ألا أحمل مصباحًا في يدي؟ أما أتكلم الآن؟
ألستُ متيقظًا؟ ألم يضربني هذا الشاب منذ لحظة؟ رباه،
ولكنه فعل ذلك! ولماذا كل هذا؟ فإن فكيَّ يؤلماني
الآن. أي شيء يجعلني أتردد إذن؟ ولماذا لا أدخل
بيتنا؟
ميركوريوس
:
أقول لك إنك تكذب، كل كلمة نطقتَ بها مجرد بهتان.
فأنا سوسيا خادم أمفتريون دون جدال. ولماذا؟ فإننا في
نفس هذه الليلة نزعنا مراسينا وغادرنا ميناء بيرسيكوس
واستولينا على المدينة التي كان يحكمها الملك
بتيريلاس، وأخضعنا قوات التيلوبيين بهجومنا العنيف،
وقتل أمفتريون نفسُه الملكَ بتيريلاس في ميدان
القتال.
سوسيا
(لنفسه)
:
لا أستطيع أن أصدق أذنيَّ عندما أسمع ذلك الرجل
يتكلم هكذا. لا شك في أنه يروي أفعالنا هناك عن ظهر
قلب. (بصوتٍ عالٍ)
ولكني أقول لك: وماذا كانت هدية أمفتريون من غنائم
التيلوبيين؟
ميركوريوس
:
آنية ذهبية اعتاد الملك بتيريلاس أن يشرب
منها.
سوسيا
(لنفسه)
:
لقد أصاب! (بصوت
مرتفع) وأين هذه الآنية الآن؟
ميركوريوس
:
في خزانة صغيرة مختومة بخاتم أمفتريون.
سوسيا
:
وماذا نُقش على الخاتم، أيمكنك أن تخبرني بهذا
أيضًا؟
ميركوريوس
:
سول Sol مشرق في
عربة ذات أربعة جياد (متعاظمًا)، ولماذا هذه المحاولة التي
تريد إيقاعي بها، أيها النصاب؟
سوسيا
(لنفسه)
:
هذا البرهان يخرسني. لا بد أن أبحث لي عن اسم جديد.
لست أفهم من أين عرَف كل هذا؟ (يفكر) آه، سأوقعه الآن
بأسلوب جيد. نعم، بشيء فعلته وأنا وحدي تمامًا ولم يكن
معي أي شخص بداخل الخيمة، لن يستطيع أبدًا أن يخبرني
به. (بصوتٍ عالٍ)
حسنًا، إذا كنت سوسيا حقيقة، فماذا كنت تفعل في الخيمة
بينما كان الجنود في معمعان القتال؟ أجبني عن هذا
أسلِّم لك.
ميركوريوس
:
كان بالخيمة جرة نبيذ، فأفرغتُ منها ملء
إبريق.
سوسيا
(لنفسه)
:
إنه في الطريق الصحيح.
ميركوريوس
:
ثم شربته. كان نبيذًا نقيًّا كما جاء من أمه.
سوسيا
(لنفسه)
:
هذه حقيقة، شربتُ ملء إبريق من النبيذ النقي. من
المحتمل أن يكون هذا الشخص مختبئًا في نفس ذلك
الإبريق.
ميركوريوس
:
حسنًا، هل أمكنني إقناعك بأنك لست سوسيا؟
سوسيا
:
إنك تنكر هذا، أليس كذلك؟
ميركوريوس
:
طبعًا أنكره، إذ أنا نفسي سوسيا.
سوسيا
:
كلا، بل أنا! أقسم على ذلك بجوبيتر، كما أقسم أيضًا
على أنني لست كاذبًا.
ميركوريوس
:
أما أنا فأقسم بميركوريوس على أن جوبيتر لا يصدق
يمينك. لا شك في هذا.
سوسيا
:
من أجل خاطر الرحمة، قل لي من أنا، إذا لم أكن
سوسيا؟ إنني أسألك ذلك.
ميركوريوس
:
عندما لا أرغب في أن أكون سوسيا، كن سوسيا أنت نفسك
بكل وسيلة. والآن، لما كنتُ أنا هو سوسيا، فإما أن
ترحل أو تُضرَب أيها الحقير المجهول.
سوسيا
(لنفسه، وهو ينظر إليه من فوقه إلى
تحته)
:
ويحي، ها أنا ذا أمعن النظر فيه من قمة رأسه إلى
أخمَص قدمه، وأتبين ملامحي ومظهري — فكثيرًا ما نظرتُ
إلى نفسي في المرآة — إنه يشبهني تمامًا. يلبس قبعة
سفر، نعم، وملابسه مثل ملابسي تمامًا. إنه يشبهني
مثلما أشبه نفسي! نفس الساق والقدم والطول وطريقة
تصفيف الشعر والعينين والأنف والشفتين، وحتى الفك
والذقن واللحية والرقبة، وكل شيء. حسنًا، حسنًا،
حسنًا، حسنًا! فإذا كان ظهره مليئًا بآثار جروح ضرب
السياط فلن تجد شبيهًا أكثر شبهًا في أي مكان آخر.
(يتوقف) ولكني
— عندما أفكر في هذا الأمر — متأكد تمامًا من أنني نفس
الرجل الذي كنتُه دائمًا. وبالطبع، أنا هو. (يتسرب الاتهام إلى
نفسه) إنني أعرف سيدي، وأعرف بيتنا. إنني
سليم العقل وصحيح، ولي حواس. لن أهتم بما يقول، كلا،
لستُ أنا. سأطرق الباب (يسير
نحو بيت أمفتريون).
ميركوريوس
(يمنعه التقدم)
:
وإلى أين الآن؟
سوسيا
:
إلى البيت.
ميركوريوس
(متقدمًا)
:
أوَليس بمقدورك أن تمتطي عربة جوبيتر ذات الجياد
الأربعة، وتحاول الهروب بها. وحتى هكذا، فقلَّما
تستطيع الإفلات من سوء الحظ.
سوسيا
:
يمكنني أن أخبر سيدتي بما أمرني سيدي أن أخبرها به،
ألا يمكنني ذلك؟
ميركوريوس
:
سيدتك، نعم، أي شيء تريد، ولكنك لن تتقدم إلى سيدتنا
هنا. توسلْ إليَّ فتجرَّ نفسك من هنا حُطامَ رجل.
(يتقدم
نحوه.)
سوسيا
(وهو يتقهقر)
:
لا تفعل، لا تفعل، سأنصرف! (لنفسه) أيها الآلهة الخالدون! أخبروني،
إكرامًا لخاطر السماء، أين فقدتُ نفسي؟ أين تحولتُ؟
أين وقع مني شكلي؟ لم أترك نفسي هناك في الميناء، لقد
استولى هذا الشخص على صورتي كاملة، الصورة التي كنتُ
عليها. إنني حي هنا، ويحمل الناس شكلي — أكثر مما يفعل
أي فرد عندما أموت. سأذهب إلى الميناء وأخبر سيدي بكل
ما حدث هنا — هذا إلا إذا لم يعرفني هو أيضًا — وأتمنى
من جوبيتر ألا يعرفني سيدي، كي أحلق شعري في نفس هذا
اليوم وأضع رأسي الأصلع في قبعة رجل حر.
المنظر الثاني
(ينصرف سوسيا.)
ميركوريوس
:
هذا حسن، لقد تقدم عملي جيدًا، وبصورة شهيرة. لقد
طردتُ شخصية مضايقة من أمام الباب وأعطيتُ والدي فرصة
لكي يعانق السيدة هناك في أمان. والآن، عندما يعود
صاحبنا إلى سيده أمفتريون، سيخبره بقصته، كيف طرده
الخادم سوسيا. نعم، وسيظن أمفتريون أنه يكذب، ولن يأتي
إلى هنا كما أمره. سأحيِّر كليهما وأبلبل ذهنيهما
تمامًا، وكذلك جميع من في بيت أمفتريون، وسيظلون هكذا
حتى يشبع والدي ويأخذ كل متعته منها، تلك التي يحبها.
وبعد ذلك يعرف الجميع الحقيقة، ولكنهم لن يعرفوها قبل
ذلك. وأخيرًا سيجدد جوبيتر الوئام والوفاق بين ألكمينا
وزوجها. إذ كما ترون، سيغضب أمفتريون ويثور على زوجته
قريبًا، ويتهمها بخيانته، ثم يتدخل أبي ويهدئ الثورة.
أما عن ألكمينا — فقد نسيتُ أن أذكر شيئًا عنها منذ
فترة وجيزة — ستلد ابنين توءمين؛ أحدهما صبي ذو عشَرة
شهور والآخر ذو سبعة شهور؛ الأول ابن أمفتريون،
والثاني ابن جوف. ومع ذلك فوالد الابن الأصغر أعظم من
والد الأكبر، والعكس بالعكس. أفهمتم الآن كيف تسير
الأمور؟ وإكرامًا لخاطر ألكمينا، عمل والدي ترتيبه أن
تكون هناك ولادة واحدة فقط، ينوي أن يجعل تعب ولادة
طفل كافيًا للاثنين. وكما أخبرتكم قبل ذلك بفترة
وجيزة، سيحاط أمفتريون علمًا بكل المسألة. وماذا عن
هذا؟ لا شك في أن كل فرد لن يتهم ألكمينا بالخيانة
الزوجية: كلا، كلا، لا يليق بإله أن يجعل امرأة فانية
(من البشر) تتحمل نتيجة سيئاته وعدم حزمه. (يصغي) كفى من هذا.
الباب يُطرَق. ها هو ذا أمفتريون المزيف يأتي مع زوجته
المستعارة، ألكمينا! (يسير
جانبًا).
المنظر الثالث
(يدخل جوبيتر وألكمينا من البيت.)
جوبيتر
:
وداعًا، يا عزيزتي، وليباركِّ الرب. استمري في رعاية
مصالحنا المشتركة، واحذري أن تجهدي نفسك، فإنني أعرف
أنكِ قريبة من ميعادكِ الآن. وأنا مضطر إلى أن أترككِ،
ولكن لا تتخلصي من الطفل.
ألكمينا
(شاكية)
:
لماذا يا زوجي، ماذا يُبعدك عني هكذا فجأة؟
جوبيتر
:
أقسم لك بأن ما يُبعدني ليس هو أنني مَلَلْتُكِ، أو
أنني سئمت البيت. ولكن عندما لا يكون القائد الأعلى مع
الجيش، فإن الأمور تميل إلى السير في طريق الخطأ أكثر
مما تسير في طريق الصواب.
ميركوريوس
(لنفسه)
:
ها ها، إنه مراوغ عجوز ماكر — فهو يشرفني٢ بذلك، يشرفني والدي! لاحظ كيف يهدئها في
أدب.
ألكمينا
(بامتعاض)
:
نعم، إنني أعلم مقدار تفكيرك في زوجتك.
جوبيتر
(بدلال)
:
ألا يكفي أنك أعز امرأة في العالم عندي؟ (يعانقها).
ميركوريوس
(لنفسه)
:
الآن، الآن، يا سيدي! دع السيدة الموجودة هناك
(يشير بإبهامه نحو
السماء) تعلم بما تفعله هنا، وأنا أضمن
لك، أنك تتمنى أن تكون أمفتريون بدلًا من
جوبيتر.
ألكمينا
:
الأفعال أقوى أثرًا من الأقوال. فها أنت ذا تهجرني
قبل أن يمضي الوقت الكافي ليدفأ مكانُك على السرير.
جئتَ في منتصف الليلة الماضية، وها أنت ذا تنصرف الآن.
أيبدو هذا من الصواب؟
ميركوريوس
(لنفسه)
:
سأذهب وأقول كلمة، وبذلك أقوم بدور الخادم الأمين
لوالدي (يتقدم ويخاطب
ألكمينا) سيدي، سيدتي، لا أعتقد أنه يوجد
رجل بين البشر الأحياء، يحب زوجته (ينظر بمكر إلى جوبيتر)
بجنون، بمثل هذه الطريقة الجنونية التي يضعف بها
أمامك.
جوبيتر
(غاضبًا)
:
أيها الوغد، ألا أعرفك؟ اغرب من أمام بصري! ما شأنك
أن تتدخل في هذه المسألة، أو تنطق بكلمة فيها، أيها
المحتال؟ سأمسك هِراوتي في هذه اللحظة و…
ألكمينا
(وهي تمسك ذراعه)
:
كلا، أرجوك ألا تفعل!
جوبيتر
:
تنفسْ بكلمة الآن!
ميركوريوس
(لنفسه بخشونة)
:
كادت أول محاولة للخادم الأمين في التعبير عن
إخلاصه، أن تنتهي بالحزن.
جوبيتر
:
وفيما يختص بما تقولين، يا كنزي، يجب ألا تغضبي مني.
كان تَركي جنودي خدعة، إنها زيارة مسروقة، سرقتها من
أجلك، حتى تعلمي أول أنباء خدمتي لوطني مني أنا. وقد
أخبرتك الآن بالقصة كلها. وما كنتُ لأفعل مثل هذا
الشيء إذا لم أحبكِ من كل قلبي.
ميركوريوس
(لنفسه)
:
تفعل كما قلتُ أنا، أليس كذلك؟ تضربها وتربِّت على
ظهرها، تلك المسكينة.
جوبيتر
:
والآن يجب أن أتسلل ثانية لئلا يعلم رجالي بهذا
ويقولوا إنني فضَّلتُ زوجتي على الصالح العام.
ألكمينا
(باكية)
:
وتجعل زوجتك تبكي عندما تتركها!
جوبيتر
(في حنان)
:
هدئي من روعك، لا تتلفي عينيكِ! سأعود حالًا.
ألكمينا
:
سيكون هذا «الحالًا» وقتًا طويلًا، طويلًا.
جوبيتر
:
لستُ راغبًا في أن أترككِ هنا وأبتعد عنكِ.
ألكمينا
:
هكذا أرى — تهجرني في نفس الليلة التي جئتني فيها!
(تتعلق
به).
جوبيتر
:
لماذا تمسكين بي؟ لقد حان الوقت. أريد أن أخرج من
المدينة قبل أن ينبلج الصباح. (يُخرج آنية من الذهب)
هاكِ الآنية التي قدموها هدية لي نظير شجاعتي في
الميدان — إنها الآنية التي كان يشرب منها الملك
بتيريلاس، الذي قتلته بيدي — خذيها هدية مني، يا
ألكمينا.
ألكمينا
(تتناول الآنية بلهفة)
:
إنها مثلك! إن هديتك لتناسب المعطِي!
ميركوريوس
:
كلا، ليس المعطِي، هذه الهدية تناسب الآخذ!
جوبيتر
(بوحشية)
:
أهكذا؟ أتتدخل ثانية؟ أما من شيء يخنقك يا «رد
السجون»؟ كلا (يتقدم نحوه
رافعًا هِراوته).
ألكمينا
(تجذبه إلى الخلف)
:
أرجوك يا أمفتريون، لا تغضب على سوسيا بسببي.
جوبيتر
(يتوقف)
:
أي شيء تريدين؟
ميركوريوس
(لنفسه)
:
لقد جعله الحب متوحشًا جَعجاعًا.
جوبيتر
(يُقَبِّل ألكمينا ثم يستدير
لينصرف)
:
أما من شيء آخر، إذن؟
ألكمينا
:
هذا، ولو أنني لستُ قريبةً منك، استمر على حبك لي،
أنا زوجتك الوفية، سواء أكنت غائبة أم حاضرة.
ميركوريوس
:
هيا بنا يا سيدي. لقد طلع النهار.
جوبيتر
:
انصرف قبلي يا سوسيا. سألحق بك بعد لحظة.
(يخرج ميركوريوس.)
(يُقَبِّل ألكمينا ثانية، ويستدير لينصرف)، أما من شيء بعد ذلك؟
ألكمينا
:
نعم، نعم، عُد بسرعة.
جوبيتر
:
حقًّا، سأعود حالًا، سأكون هنا بأسرع مما تظنين.
هيَّا، هيَّا، ابتهجي، (يعانقها وينصرف).
(تخرج ألكمينا إلى البيت حزينة.)
والآن، أيها الليل، يا من تلكأتَ من أجلي، ها أنا ذا أعفيك: خلِّ عن مكانك للنهار كي يضيء على البشر في تألق وعظمة. وأنت أيها الليل، بما أنك كنت أطول من الليلة السابقة، فسأجعل النهار أقصر كثيرًا، كي يكون هناك عدل في الحكم، وليخرج النهار من الليل. والآن سأتبع ميركوريوس.(يخرج جوبيتر.)
١
إذ هو عبد.
٢
كان ميركوريوس الإله المشرف على
النذالة.