الفصل الثالث
المنظر الأول
(بعد انقضاء ساعتين.)
(يدخل جوبيتر.)
جوبيتر
(مداعبًا بلهجة تنم عن
الرضى)
:
إنني أمفتريون الذي يملك خادمًا اسمه سوسيا، ذلك
الذي يتحول إلى ميركوريوس حسب الطلب. أما أنا
فأمفتريون الساكن في الحجرة العليا (يشير نحو السماء)
وأصير جوبيتر عندما يأتيني مزاجي. ما إن أتخذ طريقي
إلى هذه البقاع حتى أصير أمفتريون في الحال، وأُبدِّل
ملابسي. ها أنا ذا أظهر الآن إكرامًا لكم، كي أُنهيَ
هذه الكوميديا غير الكاملة. كما أنني هنا، في الوقت
ذاته، لكي أنقذ ألكمينا، البريئة المسكينة، التي
اتهمها سيدها أمفتريون بالخيانة. إذ أكون آثمًا إذا
نزلت العاصفة التي أثرْتُها على رأس ألكمينا البريئة.
سأتظاهر الآن بأنني أمفتريون نفسه، كما فعلتُ من قبل،
وأبلبل أفكار هذه الأسرة اليوم. وبعد ذلك سأفصح عن
المسألة كلها. نعم، وأساعد ألكمينا في الوقت المناسب،
وأدبر أمر ولادتها لكلا الطفلين في وقت واحد، طفل
زوجها وطفلي، دون أن تشعر بأي ألم. وقد أصدرتُ الأوامر
إلى ميركوريوس أن يتبعني من كثَب فربما تقتضي الحال أن
أصدر إليه بعض الأوامر. والآن سأتحدث إلى السيدة
بكلمة.
المنظر الثاني
(تدخل ألكمينا من البيت.)
ألكمينا
:
لا أطيق البقاء في البيت وقد وُصمتُ هكذا بالعار
والخيانة، من فم زوجي نفسه! كيف صال وجال ليجعل من
الحقائق لا حقائق! ويتهمني بأشياء لم تحدث ولم أفعلها
قط، ويظن أنني أعتبر ذلك أمرًا تافهًا. رُحماك يا رب،
ولكني لن أقبل هذا! لن أطيق مثل هذه التهمة الباطلة،
لأتركنَّه أو يعتذر، إما هذا وإما ذاك، ويُقسم بأنه
آسف أيضًا على الأمور التي نسبها إلى سيدة بريئة.
جوبيتر
(لنفسه بخشونة)
:
ويلاه! يجب عليَّ أن أرضخ لطلباتها إذا أردت أن
تحبني ثانية هذه المخلوقة المُحبة. وبما أن أفعالي قد
أساءت إلى أمفتريون، وسببت مغامرتي الغرامية الأخيرة
دهشته البريئة، فقد آن الأوان الآن، ويجب على شخصي
البريء أن يقاسي من أجل الازدراء والقذف اللذين صبهما
عليها.
ألكمينا
(لنفسها، وقد رأته)
:
أواه، ها هو ذا الرجل الذي يتهم زوجته التعيسة
بالخيانة والعار!
جوبيتر
:
أريد أن أتحدث إليك يا عزيزتي. (يطوقها عندما تدير ظهرها
له) أتستديرين بعيدًا عني؟ إلى
أين؟
ألكمينا
:
من الطبيعي أن أستدير بعيدًا عنك يا سيدي، فدائمًا
ما كنتُ أمقت النظر إلى الأعداء.
جوبيتر
:
أواه، لقد فهمتُ الآن! أعداء؟
ألكمينا
:
نعم، أعداء، وهذه هي الحقيقة، إلا إذا كنت تقصد أن
تعتبر هذا كذبًا أيضًا.
جوبيتر
(يحاول أن يدللها)
:
إنك شديدة التأثر.
ألكمينا
(تنتزع نفسها بعيدًا)
:
ألا تستطيع إبعاد يديك عني؟ من المؤكد يا سيدي، إذا
كنتَ بعقلك أو كان لديك ذرة من الشعور، عندما تظن
الخيانة في زوجتك وتوجِّه إليها هذه التهمة بنفسك، ألا
تتحدث إليها إطلاقًا، سواء بالمزاح أو بالجد، إلا إذا
كنتَ أغبى الناس الأغبياء.
جوبيتر
:
إن قولي ذلك، لم يجعلكِ كذلك، ولا أظنك هكذا؛ وقد
رجعتُ الآن لأصالحك وأسوِّي كل شيء بيني وبينك. فلم
يحدث أن كنتُ أكثر ألمًا في قلبي منه عندما سمعتُ أنكِ
متأثرة مني. ستسألينني: «ولماذا قلتَ ذلك؟» سأوضح لك
هذه النقطة. فليطمئن قلبك، لم يكن ذلك لأنني كنتُ
أعتقد أنك غير شريفة. كل ما في الأمر أنني كنتُ أختبر
شعورك لأعرف كيف تتلقين ذلك وماذا تفعلين. (يتصنع ضحكة) الحقيقة
أن الموضوع كله لم يتجاوز نطاق المزاح، وما قلته الآن
مجرد دعابة. وبوسعك أن تسألي سوسيا هنا (يشير إلى
البيت).
ألكمينا
(في برود)
:
لماذا لم تُحضر قريبي ناوقراطيس، كما قلتَ الآن فقط
إنك ستحضره، لتثبت أنك لم تكن هنا؟
جوبيتر
:
إذا قيل شيء في صورة مزاح، فليس من العدل أن يؤخذ
مأخذ الجِد.
ألكمينا
:
إنني أعرف شيئًا واحدًا، أن مزاحك هذا قد طعنني حتى
قلبي، يا سيدي.
جوبيتر
(يمسك يدها)
:
أرجوك وأتضرع إليك يا ألكمينا، بيدك اليمنى، أن
تغفري لي ذلك: سامحيني، لا تكوني غاضبة مني!
ألكمينا
:
إن حياتي الشريفة لتدحض اتهاماتك، والآن يا سيدي، إذ
بُرِّئتُ من السلوك الشائن، فلن أتعرض إلى اللغة
الشائنة. وداعًا. احتفظ بأشيائك وأعد إليَّ أشيائي.
وهل لك أن تأمر الخدم بأن يتبعوني؟ (تستدير
لتنصرف).
جوبيتر
:
هل أنت بعقلك؟
ألكمينا
:
إذا رفضتَ أن تفعل ذلك، فسأنصرف يحرسني شرفي
الأنثوي. (تسير بعيدًا
عنه).
جوبيتر
(يمسكها)
:
انتظري، انتظري! سأقسم على ذلك — بحسب ما تُمْلين
عليَّ — إنني أعتقد بأن زوجتي عفيفة. وإذا غششتُك في
هذا، فإنني أطلب من جوف القادر على كل شيء أن يُنزل
لعنته على أمفتريون إلى الأبد.
ألكمينا
(بسرعة)
:
كلا، كلا! بل بركته، بركته!
جوبيتر
:
أرجو أن تصدقي، لأن هذا قَسَم مغلَّظ، ذلك الذي
أقسمتُه لكِ. (يضمها
إليه) والآن، قد انصرف غضبكِ، أليس
كذلك؟
ألكمينا
(ترضخ له)
:
لستُ غاضبة.
جوبيتر
(يعانقها)
:
هذه فتاة طيبة. لماذا، إن الحياة زاخرة بمثل هذه
الأحداث. يرى البشر المسرات، ثم الآلام. يدب الخصام
بينهم ثم يتصالحون من جديد. ولكن عندما يحدث مثل هذا
النزاع بينهم، ثم ينفض، يصبح كل منهم مولعًا بالآخر
ضعف ما كان شغوفًا به من قبل.
ألكمينا
:
كان يجب ألا تتفوه بمثل هذه الأشياء من أول الأمر،
بَيْد أنك إذا اعتذرت جيدًا عن إيلامك إياي فلن يكون
لي وجه للشكوى.
جوبيتر
:
حسنًا، حسنًا، أعدي لي جميع أواني الضحية حتى أقدم
جميع النذور التي نذرتها، من أجل سلامة الوصول إلى
الوطن، عندما كنتُ في ميدان القتال.
ألكمينا
:
سأباشر إعدادها.
جوبيتر
(إلى الخادمات الواقفات في
المدخل)
:
نادين سوسيا. أريد منه أن يدعو بليفارو Blepharo، مرشد
سفينتي لكي يتناول معنا طعام الغداء (تخرج الخادمات).
(لنفسه) الواقع
أن الصديق بليفارو سيُترك بغير غداء، وسيبدو مخبولًا
عندما أطرد أمفتريون.
ألكمينا
(لنفسها)
:
يدهشني ما يكلم به نفسه! ها هو الباب! وها هو سوسيا
يخرج.
المنظر الثالث
(يدخل سوسيا.)
سوسيا
:
لبيك يا سيدي، إذا أردت شيئًا فمرْ أُنَفِّذْ
أوامرك.
جوبيتر
:
أيْ سوسيا، إنك نفس الرجل الذي أريده.
سوسيا
:
هل تصالحتما الآن يا سيدي؟ إنه ليسرني ويبهجني أن
أراكما تبدوان على وفاق ووئام. نعم، وبحسب طريقة
تفكيري، يجب على الخادم أن يتمسك بهذا المبدأ: أن يكون
كمن هم أحسن منه، فيُشَكِّل ملامحه تبعًا لملامحهم،
فيكتئب لاكتئابهم ويبتهج إذا كانوا سعداء. ولكن، أجبني
يا سيدي: هل صرتما صديقين الآن إذن؟
جوبيتر
(معنفًا)
:
أتسخر منا! كل ما قلته منذ لحظة كان مجرد مزاح، وأنت
تعرف ذلك.
سوسيا
:
مزاح، أكان كذلك؟ فلتبارك السماء رُوحي، ظننته
الحقيقة الجادَّة.
جوبيتر
:
أوضحتُ لك أننا تصالحنا.
سوسيا
:
هذا عظيم يا سيدي.
جوبيتر
:
سأقدم هذه التقدمات بالداخل، كما نذرتُ.
سوسيا
:
حسنًا جدًّا يا سيدي.
جوبيتر
:
أما أنت فاحمل دعوتي إلى الرُّبان بليفارو، أن يأتي
من السفينة ويتناول معي طعام الغداء بعد الانتهاء من
تقديم الذبيحة.
سوسيا
:
سأكون هنا في الوقت الذي تظنني فيه هناك يا
سيدي.
جوبيتر
:
نعم، وَعُد بسرعة.
(يخرج سوسيا.)
ألكمينا
:
أتريد شيئًا آخر، أو هل لي أن أدخل الآن، لأُعِدَّ
كل ما تريد؟
جوبيتر
:
افعلي ذلك، بكافة الوسائل، وأعدي كل شيء بأسرع ما في
مُكنتك.
ألكمينا
:
ادخل متى شئت. سأتأكد من ألا يكون هناك ما
يؤخرك.
جوبيتر
(برقَّة)
:
هذه هي طريقة كلام الزوجة المطيعة.
(تخرج ألكمينا.)
ها نحن هنا الآن! لقد خُدِعا، كلاهما، الخادم والسيدة أيضًا، فاعتقدا أنني أمفتريون. يا لها من غلطة محزنة! اسمع أنت يا سوسيا المقدس، اظهر! إنك تسمع ما أقول برغم كونك غائبًا بلحمك. اطرد أمفتريون بعيدًا عن البيت عندما يصل، بأية طريقة تحلو لك. لا بد من خداعه ريثما أتمتع بزوجتي المفترَضة. أرجو أن تدبر ذلك كما تعرف أنني أريد، وقدَّمْ لي خدمة بينما أُقدِّمُ أنا الضحية لنفسي.(يخرج جوبيتر.)
المنظر الرابع
(يدخل ميركوريوس بسرعة وباهتمام هزلي.)
ميركوريوس
(إلى أناس يتخيل أنهم
قادمون)
:
ابتعدوا، ابتعدوا من الطريق، كل واحد يبتعد! لا
يجرُؤن أحدكم على إغلاق الطريق. (إلى المتفرجين)
خبِّروني، لماذا لا يكون لإله مثلي الحق في طرد الناس
الذين يعوقونه عن القيام بدوره كعبد لكم في
الكوميديات؟ إنه يأتي بالأخبار، إن السفينة في أمان،
أو إن الرجل السريع الغضب قادم (رائعًا) أما أنا فأسمع
كلام جوف، وقد أسرعتُ إلى هنا تبعًا لأمره. ومع ذلك
فمن اللائق الخروج والابتعاد عن الطريق من أجلي.
يناديني والدي فألبي نداءه طاعة لأمره ولمشيئته.
(يُسِرُّ
إليهم) إنني ابن بار بوالدي، كما يجب على
الابن أن يكون. إنني أُسنده في مغامراته الغرامية،
وأشجعه، وأقف إلى جانبه، وأنصحه، وأبتهج معه. فكل ما
يسُر والدي يسُرني أكثر وأكثر. إنه عاشق، وإنه لحكيم،
ويحسن صنعًا بانغماسه في ملذاته. هذا ما يجب أن يفعله
كل فرد، أي في الحدود اللائقة. والآن يرغب والدي في أن
يُخدَع أمفتريون: وسيُخدع خداعًا رائعًا، أعدكم بذلك
هنا. والآن، أيها المتفرجون، وتحت إشرافكم، سأضع
إكليلًا فوق رأسي وأجعله يعتقد بأنني سكران، نعم،
وسأصعد فوق ذلك السقف (يشير
إلى بيت أمفتريون)، وأطرد بطلنا العائد
بأسلوب مجيد من فوق ذلك المكان. سأعمل ترتيبي على أن
يكون سكرانَ، وفي قواه العقلية. ثم إن ذلك الخادم
سوسيا هو الذي سيتحمل عاقبة ما أفعله، سيُتَّهم سوسيا
بفعل ما أفعله أنا هنا. ولكن، ماذا عن هذا؟ يجب أن
أُبهج والدي، من الواجب عليَّ أن أطيع رغباته. (ينظر إلى آخر الطريق)
ها هو ذا أمفتريون قادم! سيُخدع هنا بطريقة لطيفة، إذا
كنتم تصبرون على الإصغاء. سأدخل البيت وأبدو كمن لعبت
بعقله الخمر؛ ثم أصعد إلى السقف لأطرده وأبعده عن
البيت.
(يخرج إلى البيت.)