الفصل الخامس والثلاثون
في سنة ١٩٤٨ قرر مجلس كلية الآداب ومجلس جامعة فؤاد الأول منحي الدكتوراه الفخرية
فلقبت:
الدكتور أحمد أمين، ومنحت جائزة فؤاد الأول، وهي إحدى الجوائز التي تقدر بألف جنيه مصري
وتمنح لمن ينتج أحسن عمل أو إنتاج في الآداب والعلوم والقانون؛ وقد أقيم حفل كالمعتاد
في
يوم ٢٨ فبراير ١٩٤٨ في قاعة الاحتفالات الكبرى للجامعة سلمت فيها الجائزة، وكان نص البراءة
الملكية ما يأتي «من فاروق ملك مصر بعناية الله تعالى إلى حضرة صاحب العزة الدكتور أحمد
أمين إبراهيم بك العضو بمجمع فؤاد الأول للغة العربية: بناء على ما أقرته اللجنة الدائمة
لجوائز فؤاد الأول وفاروق الأول من استحقاقكم جائزة فؤاد الأول للآداب عن سنة ١٩٤٨ لما
امتاز به مؤلفكم «ظهر الإسلام» من دقة البحث، قد أمرنا بإصدار براءتنا الملكية هذه من
ديواننا بمنحكم تلك الجائزة. وفقكم الله لخدمة العلم والوطن؛ تحريرا بقصر القبة الملكي
بالقاهرة في اليوم التاسع عشر من شهر جمادى الآخرة لسنة ألف وثلاثمائة وسبع وستين من
هجرة
خاتم المرسلين وفي السنة الثانية عشرة من حكمنا» كما سلمت في اليوم نفسه براءة الدكتوراه
الفخرية.١
وكان الطبيعي أن أبتهج بهاتين المنحتين العظيمتين اللتين منحتا لي في يوم واحد تتويجا لجهودي في الجامعة وجهودي في الإنتاج الأدبي، ولكن جاءتا عقب العملية الجراحية في عيني وما أصابني من ذلك في نفسي، فلم يهتز لهما قلبي كما ينبغي ولا ابتهجت لهما نفسي كما يجب، يضاف إلى ذلك حالتي النفسية وهي أن تستجيب لداعي الحزن، ولو صغيرا، ولا تستجيب لداعي السرور، ولو كبيرا. إلا بقدر.
وفي هذه السنة أيضا أنشئ في الجامعة نظام «الأستاذ غير المتفرغ» وهو نظام٢ رأى واضعوه أن كثيرا من الممتازين في القانون والآداب والعلوم يشغلون مناصب
كبيرة في الدولة، وليس من السهل إخراجهم من مناصبهم وتخصيصهم بأستاذية الجامعة، فمن الممكن
تعيينهم أساتذة غير متفرغين مع بقائهم في مناصبهم الأخرى، فلما ووفق على هذا المشروع
عينت
أستاذا غير متفرغ مع من عين في كلية الآداب، وعين معي في كلية الآداب الأستاذ محمد شفيق
غربال وكيل وزارة المعارف والأستاذ مصطفى عامر مدير جامعة فاروق إذ ذاك، ولم تحل إحالتي
على
المعاش دون ذلك، فعدت أستاذا كما كنت أحضر محاضرتي وألقيها؛ وأنا في هذا العام — عام
١٩٤٩ —
ألقي محاضرتين: إحداهما في النقد الأدبي وموضوعها كيف ينبغي أن يدرس الأدب، والثاني دراسة
لكتاب الوساطة بين المتنبي وخصومه.
١
وقد أجل منح الجائزة في السنة الأولى فلما أتت السنة الثانية كان لدى اللجنة ألفا
جنيه اتفق الأعضاء على منح إحدى الجائزتين للأستاذ عباس العقاد واختلفوا في الجائزة
الثانية بيني وبين الدكتور محمد حسين هيكل واشتد النزاع بين الرأيين ولم يعدل أحد
الفريقين عن رأيه، ثم تقررت ألف ثالثة ومنحت الثلاثة آلاف أول ما منحت للأستاذ عباس
محمود العقاد والدكتور هيكل وأحمد أمين على التساوي، كل منح ألفا وانتهى بذلك
الإشكال الذي استمر طويلا.
٢
هو نظام وضعه الدكتور عبد الرزاق السنهوري أيام كان وزيراً للمعارف.