الفصل السادس والثلاثون
وفي ٥ يوليو سنة ١٩٥٠ ذهبت إلى الإسكندرية لأصطاف ونزلت في بيتي في «سيدي بشر» وأخذت أستريح ونمت نوما هادئا لم أشعر فيه بشيء وقمت من نومي صباحا كالعادة وأفطرت على عادتي بكوب من اللبن وقطعة من الجبن وفنجان من القهوة وذهبت أغسل يدي فوقعت، فظننت أن رجلي عثرت بشيء فعاودت المشي ثانية فسقطت. ثم أحسست أن الجانب الشِّمالي كله من يد ورجل قد فقد حركته تماما؛ واستدعيت الطبيب فقال إنها جلطة خفيفة وإنه يلزم السكون تماما فسألته عن السبب؛ قال إن الجلطة تحدث في المخ فإذا تحرك الجسم تحركت فعاثت الجلطة في المخ وسببت مضاعفات — لا قدر الله — فوجب أن تبقى في مكانها حتى تصير كالإسفنج. وكان ذلك على أثر غلطات عملتها فقد أخذت حقنة من الأنسولين من «سنتيين» والجسم لا يحتمل إلا «سنتيا واحدا» وقمت بعد ساعتين من النوم وقد احترق السكر من دمي وطلبت ما عندهم من أكل فأكلت أكلا جما وكان يكفي لهذه الحالة كوب من ماء بسكر، وغلطت غلطة ثالثة فنمت فورا بعد هذا الأكل فتحولت حركة الدم إلى المعدة لتهضم فمضت بضع ثوان لم تتغذ فيها بعض خلايا المخ فماتت وقام مقامها خلايا أخرى لتحل محلها وهي تحتاج إلى ستة أسابيع أو ثلاثة أشهر على الأقل ليتم نموها، وهكذا مكثت أربعة أيام أشعر بنصفي الأيسر كأنه وعاء فارغ ثم شعرت بأنه ممتلئ رملا ثم شعرت بالقوة تدب فيه وكانت رجلي أسبق إلى الحركة من يدي.
ولما تقدمت في الصحة وزال من المرض نحو ٩٥٪ في نحو ستة أسابيع بطؤ الشفاء في الأيام الأخيرة حتى احتاج إلى شهر آخر، لأن العمل على بناء الخلايا كان من عمل الشرايين ثم صار من عمل الشعيرات وهي بطبيعة الحال أبطأ عملا، وهكذا شاء القدر.
وعلى كل حال فقد استفدت من هذا المرض تجارب كثيرة إذ علمت أن حركة اليد والرجل عبارة عن عملية ميكانيكية مركبة لا يمكن أن تحسن إلا بسلامة أعضاء كثيرة، ولم أكن أستطيع إمساك علبة السجاير ولا علبة الكبريت ولا أن أشعل عودا من الكبريت وهكذا.