الفصل التاسع
ها أنا في سن الرابعة عشرة تقريباً، يلبسني أبي القباء والجبة والعمة والمركوب بدل البدلة والطربوش والجزمة، ويكون منظري غريباً على من رآني في الحارة أو الشارع، فقد عهدوا أن العمامة لا يلبسها إلا الشاب الكبير أو الشيخ الوقور أما الصغير مثلي فإنما يلبس طربوشاً أو طاقية، ولذلك كانوا كثيراً ما يتضاحكون علي فأحس ضيًقا أو خجلا أو أتلمس الحارات الخالية من الناس لأمر بها: والمصيبة الكبرى كانت حين يراني من كان معي في المدرسة، فقد كان يظن أني مسخت مسخاً وتبديت بعد الحضارة، وكأن الذي يربط بيني وبينهم هو وحدة لبسي ولبسهم لا طفولتي وطفولتهم، ولا زمالتي وزمالتهم، فنفروا مني مع حنيني إليهم، وسرعان ما انقطعت الصلة بيني وبينهم، فانقبض صدري لأني فقدت أصدقائي القدامى ولم أستعض عنهم أصدقاء جدداً، فكنت كالفرع قطع من شجرته أو الشاة عزلت عن قطيعها، أو الغريب في بلد غير بلده. وتضرعت إلى أبي أن يعيدني إلى مدرستي فلم يسمع، وأن يعفيني من العمة فلم يقبل، وما آلمني أني أحسست العمامة تقيدني فلا أستطيع أن أجري كما يجري الأطفال ولا أمرح كما يمرح الفتيان، فشخت قبل الأوان، والطفل إذا تشايخ كالشيخ إذا تصابى كلا المنظرين ثقيل بغيض، كمن يضحك في مأتم أو يبكي في عرس.
ولم يكن أمامي إلا أن أحتمل على مضض.
هذا أبي يأخذني معه كل صباح يوم فأسير في شوارع لا عهد لي بها، وأمشي فأطيل المشي، لا كما كان العهد يوم كنت في المدرسة، إذ كانت بالقرب من بيتنا، وأخيراً أصل إلى بناء كبير، فيقول أبي هذا هو الأزهر، ولا أدري كيف كان وقع هذه الكلمة على نفسي، فالأزهر شيء غامض لا أعلم كنهه ولا نظامه ولا منهجه ولا مستقبله؛ أقدم عليه في هيبة وغموض، وأسمع عند الباب صوتاً غريباً، دوياً كدوي النحل يضرب السمع ولا تستوضح له لفظاً، فتأخذني الرهبة مما أسمع، وأرى أبي يخلع نعليه عند الباب ويطويهما ويمسكهما بيده فأعمل مثل عمله، وأسير بجانبه قليلا في ممشى قصير، أدخل منه على إيوان كبير لا ترى العين آخره، فرش كله بالحصير وامتدت أعمدته صفوًفا، كل عمود وضع بجانبه كرسي عال مجنح قد شد إلى العمود بسلسلة من حديد، وجلس على كل كرسي شيخ معمم كأبي، بيده ملازم صفراء من كتاب، وأمامه حلقة مفرغة أحياًنا وغير مفرغة أحياًنا، يلبس أكثرهم قباء أبيض أو جلباباً أبيض عليه عباءة سوداء، وأمامه أو بجانبه مركوبه، ويمسك بيده ملزمة من كتاب كما يمسك الشيخ، والشيخ يقرأ أو يفسر والطلبة ينصتون أو يجادلون وبين العمود والعمود بعض الطلبة يجتمعون فيأكلون أو يذاكرون.
تخطيت هذه الجموع في غرابة، ونظرت إليها في دهشة، وأحياًنا أرى في بعض الأركان كتاباً ككتابي القديم. فأفهم أن الأزهر امتداد للكتاب لا امتداد للمدرسة. ثم نخرج من هذا الإيوان إلى فناء الأزهر أو صحنه فأراه سماوياً غير مسقوف، ومبلطاً غير مفروش، وهنا وهناك فرشت ملاءة بيضاء أو عباءة سوداء صفف عليها خبز ريفي وعرض في الشمس ليجف. وسألت أبي فقال إنه بعض زاد المجاورين أحضروه معهم من ريفهم أو أرسله إليهم آباؤهم، فهم يشمسونه ثم يختزنونه في بيوتهم. هذا هو كل الأزهر كما رأيته أول مرة.
وفهمت من هذا أني سأكون أحد هؤلاء المتحلقين، وسأجلس على الحصير كما يجلسون، وأسمع إلى هذا الشيخ كما يسمعون، وآكل في ركن من أركانه كما يأكلون، وقارنت بين حصير الأزهر ومقاعد المدرس، ومدرس الأزهر ومدرس المدرسة، وفناء الأزهر حيث يشمس الخبز وفناء المدرسة حيث نلعب ونمرح، فكانت مقارنة حزينة.. وأخذت إلى رواق من أروقة الأزهر. وتقدمنا إلى شيخ أخذ منا طلب الالتحاق وامتحنني في القرآن فأحسنت الإجابة فقيدني طالباً، وخرجنا من باب آخر علمت بعد أنه يسمى «باب المزينين» كما أن الباب الذي دخلت منه يسمى باب الصعايدة، وسمي باب المزينين لأن على رأسه حوانيت حلاقين لمجاوري الأزهر وشيوخهم، ورأيت على هذا طائفة من الطلبة — من مثل الذين رأيتهم يتحلقون حول الشيخ — وعلى يدهم أرغفة من الخبز يعرضونها للبيع، فسألت أبي عن هذا، فقال: إن طلبة الأزهر إذا تقدموا في العلم أعطي لكل طالب أرغفة ثلاثة أو أربعة أو أكثر كل يوم، وقد يزيد هذا عن حاجتهم فيبيعونه كله أو بعضه ليشتروا بما حصلوا من الثمن إداماً لهم، وكل عالم من علماء الأزهر له كل يوم عشرة أرغفة أو أكثر، وإذا تقدمت في العلم كان لك مثل هذا، ولكنك لا تبيعه ولا تقف مثل هذا الموقف إن شاء الله.
وعدت إلى بيتي والهم يملأ قلبي، ولكن الزمن بلسم الهموم، فقد أخذ يقطع صلتي بالمدرسة وبأصدقائي فيها، وينسيني ذكرياتي الماضية، ويشغل قلبي بالحياة الحاضرة، ويؤلف بيني وبين البيئة الجديدة.
بعد أن يقيد الطالب في دفتر الأزهر يترك وشأنه، فهو يختار العلوم التي يدرسها، والكتب التي يقرؤها، والمدرسين الذين يدرسونها، فإذا لم يرزق بمرشد يرشده غرق في هذا البحر الذي لا ساحل له، وليس يعرف أحد أغاب أم حضر، تقدم في العلم أم تأخر، وليس يمتحن آخر العام فيما درس، ولا يسأله أحد ماذا صنع، فإن احتاج الطالب في شأن من الشئون أن يأخذ شهادة بأنه حضر الكتب الفلانية على المشايخ الفلانيين فما عليه إلا أن يكتب الورقة كما يشاء وبالكتب التي يشاء وبالمدرسين الذين يشاء، ثم يمر عليهم فيوقعونها في سهولة ويسر، ولو كانت هذه أول نظرة من المدرسين للطالب، ولو كانت سنة لا تتفق وهذه الكتب العويصة التي يستخرج الشهادة بسماعها، فأي ضرر في ذلك «وبارك الله فيمن نفع».
وضع لي أبي برنامجاً أن أحضر درساً في الفقه الحنفي صباحاً — وإنما اختار فقه الحنفية لأنه هو الفقه الذي يُعد للقضاء، إذ يشترط في القاضي الشرعي أن يكون على مذهب الإمام أبي حنيفة — وأن أجود القرآن على شيخ ضحى، وأن أحضر درساً في النحو ظهراً، وأن أحضر درساً في العلوم التي كانت تسمى العلوم العصرية — وهي الجغرافيا والحساب — عصراً، وبهذا ينتهي اليوم..
ولم تكن أوقات الدروس كما عهدتها في المدرسة تؤقت بساعات النهار، إنما تؤقت بالصلوات فدرس النحو عقب صلاة الظهر، ودرس الجغرافيا والحساب عقب صلاة العصر، ودرس التفسير والحديث عقب صلاة الفجر، ودرس الفقه عند طلوع الشمس؛ وهناك دروس إضافية كالتي كان يلقيها الشيخ محمد عبده في البلاغة أو التفسير عقب صلاة المغرب. على كل حال بدأت أسير على هذا المنهج، أصحو عند آذان الفجر مهما كان الشتاء قارساً، وأصلي مع أبي، وألبس ملابسي، وأخرج من بيتي في الظلام، والدنيا نائمة والأصوات هادئة، إلا صوت الديك يؤذن، أو صوت الكلب ينبح، وأسير طويلا من بيتي إلى الأزهر، فلم يكن ترام ولا سيارات عامة، ولو كانت ما أسعفتني في هذا الوقت المبكر، والمسافة بين بيتنا والأزهر نحو نصف ساعة على الأقل، وأحسن ما كان في الطريق باعة الفطور، فإن كان اليوم فقيراً اكتفيت بطبق من «البليلة» يجلس بائعها على قارعة الطريق وأمامه طست كبير مليء بالذرة المغلية الناضجة، ووضع على نار هادئة حتى يبقى ساخًنا، وبجانبه ماعون كبير مليء سكراً ناعماً، أشتري منه بربع قرش فيملأ لي طبًقا من الطست ويرش عليه من السكر، فآكله وأنا واقف وأمسح فمي بالمنديل وأحمد الله وأستمر في السير، وإن كان اليوم غنياً عطفت على دكان للفطير فأطلب من البائع فطيراً بقرش، فيقطع قطعة من العجين مكورة، ويدحورها في لمح البصر، ويضعها في صحن ويأخذ بيده قليلا من السمن يرشه عليها، ويدخل الصحن في الفرن، وبعد دقيقتين أو ثلاث يخرجها ناضجة ناضرة ويضع عليها السكر، وتقدم إلي على مائدة متواضعة لا بالنظيفة ولا بالقذرة، فآكلها في لذة ونهم، فإذا فرغت منها تقدمت إلى الأمام خطوة أو خطوتين داخل الدكان فأرى مقطًفا صغيراً مليئا بالنخالة، فأفرك يدي بها وآخذ منها فأدعك فمي وأحمد الله أكثر مما حمدته على البليلة. وإن كان يوماً وسطاً لا بالغني ولا بالفقير عطفت على رجل بالقرب من الأزهر أبيض الوجه في حمرة، ضخم الجسم يلبس جلباباً أزرق، وعلى رأسه عمة حمراء، وأمامه قفص عال مستدير، عليه صينية كبيرة من البسبوسة، قد أفرغ من وسطها مربع ثم ملئ سمًنا، فأعطيه نصف قرش ويعطيني مربعاً من البسبوسة بعد أن يقطر عليه شيئًا من السمن، وإذا أراد أن يكرمني اختار لي قطعة في وسطها لوزة مقشورة.
وأصل إلى مسجد بالقرب من الأزهر قبل طلوع الشمس، أنتظر الشيخ حتى يحضر، وكانت المساجد حول الأزهر تلقى فيها الدروس كالأزهر، ويختارها العلماء الذين يحبون الهدوء والاستقلال.
جاء الشيخ وجلس على كرسيه وجلسنا أمامه، وكان شيخاً وقوراً أنيقاً في ملبسه، يشع الصلاح من وجهه، جميل الوجه ذا لحية سوداء، وكان قاضياً شرعياً، اسمه الشيخ صلاح..
وبدأ يقرأ الدرس بعد أن بسمل وحمدل ودعا بقوله: «اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا، وأنت إذا شئت جعلت الصعب سهلا». وكان الكتاب الذي في يده وفي يدنا شرح الطائي على الكنز، وموضوع الدرس الوضوء — قرأ المتن والشرح ففهمتهما ولكنه سبح بعد ذلك في تعليقات واعتراضات على العبارة وإجابات على الاعتراضات لم أفهم منها شيئًا. وبعد أن أحضرت كل ذهني ووجهت إليه كل انتباهي لم أفهم أيضاً، فشرد ذهني وأخذت أفكر وأستعيد في ذكرى المدرسة التي كنت فيها ودروسي التي كنت أفهمها وأتفوق فيها، وأصدقائي الذين كنت أزاملهم في الفصل، وهؤلاء الطلبة الذين أمامي وليس لي بهم صلة، وأسبح وأسبح في الخيال، ثم يعود ذهني إلى ما يلقيه الشيخ، فأجده في الجملة نفسها وفي الاعتراضات والإجابات نفسها، ويسأل بعض الطلبة أسئلة فلا أفهم ما يسألون، ويجيب الشيخ فلا أفهم ما يجيب، واستمر الحال على هذا المنوال ساعتين أو أكثر من غير أن ينتقل الشيخ من هذه الجملة، وسررت عندما قال الشيخ «والله أعلم» إيذانا بأن الدرس قد انتهى. وقمت وقام الطلبة يحتاطون بالشيخ، ويقبلون يده فلم أسلم ولم أقبل، وخرجت من هذا المسجد إلى الأزهر نفسه. وقد اعتاد الطلبة بعد درس الفقه أن يفطروا، وينقلب إذ ذاك إيوان الأزهر وصحنه وأروقته إلى موائد منتثرة. حلقت حولها حلقات من ثلاثة طلبة أو أكثر. وعمادهم في فطورهم الفول المدمس أو النابت والطعمية والسلطة، يضعونها كلها على حصير الأزهر، ويتهافتون على أكلها، فإذا فرغوا تركوا بقايا أكلهم من فتات أو ورق، حتى يأتي خدمة المسجد فيكنسوها، وكنت في كثير من الأوقات أفضل أن أفطر بقطعة من الجبن وقطعة من الحلاوة الطحينة — ثم أذهب إلى حائط من حوائط الأزهر أجد بجانبه شيخاً طويلا ضعيف النظر مصفر الوجه ذا لحية بيضاء، اتفق أبي معه على أن يقرئني القرآن مجوداً، فأقرأ ما تيسر من القرآن على ترتيبه في المصحف وهو ينتقد ما أقرأ وينبهني إلى مخارج الحروف، ومقياس الغنة والمدة، ويأمرني بإعادة ما قرأت، وفي كل مرة يصلح أخطائي حتى يستقيم لساني حسب أصول القراءة، ولا أكاد أنتهي من قراءة جزء من القرآن حتى يعرق جبيني من شدة ما ألاقي، وحولي طلبة ينتظرون دورهم، منهم من يقرأ بالسبع ومنهم من يقرأ بالأربع عشرة. ثم أنفلت من هذا الشيخ لأعد درس النحو وكانت العادة في الأزهر أن يعد الطالب درسه قبل أن يلقى أستاذه. فيقرؤه في الكتاب ويتفهمه ويعرف ما فهم وما لم يفهم وما وضح وما غمض ليتحرى موضع الغموض حين يفسر الأستاذ، وأصلي الظهر، وأذهب إلى مكاني من درس النحو، وكان موقفي في درس النحو أسوأ من موقفي في درس الفقه، مع أن درس الفقه جديد علي ودرس النحو ليس بجديد، فقد درسته في المدرسة ودرسته مع أبي، ولكن الشيخ كان متدفًقا كثير الكلام طلق اللسان كثير الاعتراضات كثير الإجابات؛ فلم أفهم مما قال شيئا، وكان رحمه الله شيخا غريبا طلق اللسان كثير الاستطراد، كثير الفخر بنفسه. فساعته التي يضعها في جيبه، لم يصنع منها إلا ساعتان إحداهما التي في جيبه، والأخرى مع إمبراطور ألمانيا، وفي بيته آلاف من الكتب، بعضها مجلد بالماس، وله ساعات طويلة يقضيها سراً مع الخديوي عباس يتحدثان فيها عن أهم شئون الدولة. وهكذا. ومع ذلك كان خفيف الروح حسن الحديث. ومع أنه طلق العبارة متدفق الكلام، فقد كان يقول كلاما مزخرف الظاهر، فقير الباطن. وخلص الدرس فاسترحت من هذا العناء قليلا، وذهبت بعد ذلك إلى مسجد المؤيد، حيث تلقى دروس الجغرافيا والحساب؛ ففهمت ما يقولون وشاركت في الأسئلة، وفهمت الأجوبة، إذ كان مدرسو هذه المواد العصرية منتدبين من المدارس في مدرستي.
وزاد الأمر سوءا أن ليس بيني وبين الطلبة صلة، ولا بيني وبين الأساتذة رابطة، ولا أتلقى سؤالا إن كنت فهمت أم لم أفهم، ولا أكلف واجباً أعمله في بيتي.
وكان هذا يوما نموذجياً جرت الأيام بعده على نمطه، لم أتقدم في الفهم ولم أستسغ الأسلوب. وفكرت طويلا في عودتي إلى المدرسة فلم أستطع، وفي طريقة للهرب فلم أوفق؛ ولاحت مني مرة نظرة إلى فتيين أنيقين في مثل سني، يلبسان ملابس أنيقة، وتدل مظاهرهما وأناقتهما على النعمة. فعملت الحيلة للتعرف بهما فإذا هما فتيان قاهريان من أبناء العلماء كأبي، ولكنهما مدللان في بيوتهما، وفي معاملة أبويهما لهما، وكنت أتلهف على صداقة فصادقتهما، وأشتاق إلى ملء زمني فلازمتهما، وعلمت أثناء حديثهما أن لكل منهما خزانته وهي جزء من دولاب في رواق من أروقة الأزهر، يضع كل منهما فيها فروة نظيفة يجلس عليها في الدرس حتى لا تتسخ ثيابه، «ومزا» أصفر يلبسه في رجليه إذا سار في الأزهر حتى يحافظ على نظافة جوربه. ففعلت فعلهما وتأنقت تأنقهما، ولكن كان ذلك من وراء أبي لأنه لا يحب الأناقة ولا البهرجة، بل ضربني مرة لأني تأنقت في الحزام الذي أشد به وسطى وتركت له ذيلا، كما يفعل المتأنقون ووضعت ساعة في جيبي عن يميني، وكان أثناء ضربه يقول: «هل أنت ابن السيوفي» والسيوفي هذا كان غنياً مشهوراً، وكان شاهبندر التجار. فتركت من يومها أناقتي ولم أعد أريه أني ابن السيوفي.
ورأيتهما يشكوان مما أشكو فلا يفهمان كما أني لا أفهم ولا يستفيدان كما أني لا أستفيد، واقترح أحدهما أن نهرب من بعض الدروس، ونلتمس مكاًنا في الأزهر بعيداً بعض الشيء عن الأنظار، نلعب فيه القمار، فلبينا الدعوة، إذ كان في هذا اللعب مسلاة عن ثقل الدرس، وراحة من عناء الشيخ. فكنا نصرف الساعات نقامر، وأخسر أحياًنا فأبيع بعض ما معي من متاع، وأبي لا يعلم شيئًا من ذلك، وأساتذتي لا يعلمون من أنا حتى يعلموا إن كنت حضرت أو غبت، وأذهب إلى بيتي مدعياً أني قضيت الوقت في الدرس والتحصيل، ولكن تنبه ضميري بعد أشهر وفهمت أن هذه الحال تؤدي إلى سوء المآل، فتركت صحبتهما والتفت إلى دروسي.