ماذا حدث؟
ولكن كيف خَطَفتِ المافيا «توماسو بوشيتا» أو «دون ماسينو»؟
في ليلةٍ باردةٍ من ليالي يناير … وصلتْ للسجن المركزي في «ساوباولو» … عاصمة البرازيل، إشارةٌ من مصلحة السجون أنَّ فريقًا من رجال الشرطة في إيطاليا سيصلون إلى السجن في تمام الساعة التاسعة مساءً لاستلام «توماسو بوشيتا» … حيث يُنقل إلى مطار «ساوباولو» لتنقله طائرة إيطالية إلى روما.
وفي الموعد المحدد وصلت سيارة مُصفَّحة … بها ثلاثة من رجال الشرطة الإيطالية، وسيارة أخرى من مصلحة السجون بها اثنان من رجال الشرطة البرازيلية …
وقد تمَّ نقل «بوشيتا» في هدوءٍ، بحيث لم يحدث أي اعتراض على نقله … كما تسلَّم رجال الشرطة الملفات الخاصة به … وانطلقت السيارتان إلى مطار «ساوباولو» الدولي …
ولكن السيارتان لم تصلا إلى المطار … وفي صباح اليوم التالي، اكتشف رجال الشرطة في البرازيل أنهم كانوا ضحية عملية تزوير متقنة … فالإشارة التي وصلت إلى سجن «ساوباولو» كانت مزورة … وكذلك أوراق رجال الشرطة الذين تسلَّموا «بوشيتا» … ومعنى هذا أن عصابة قوية ومنظَّمة قامت بعملية تزوير.
فإذا نظرنا إلى المصلحة التي يحققها أي شخص من خطف «بوشيتا» أو «دون ماسينو» وجدنا أن المافيا وحدها هي صاحبة المصلحة، فهي لا تريد أن يُدليَ «دون ماسينو» باعترافاته كاملة، حتى لا يكشف عن النظام الداخلي للمافيا، وأسماء الزعماء الذين يسيطرون على هذه العصابة الدولية …
إنَّ الاعترافات التي أَدْلى بها «بوشيتا» … حتى لحظة خطفه، كشفتِ النقابَ عن معلومات هامة عن المافيا … ولكن بقية المعلومات ما تزال طيَّ الكتمان.
ونعود إلى عملية الخطف … لقد عثرت الشرطة البرازيلية على السيارة المصفحة والسيارة الثانية مهجورتين عند شاطئ الأطلنطي … وهذا يعني ببساطة أن «بوشيتا» قد نُقل بواسطة سفينة خاصة كانت في انتظاره …
وقد استطاع رجال خفر السواحل رصد هذه السفينة بعد مغادرتها الشاطئ … ولكنهم لم يتمكَّنوا من مطاردتها لسوء الأحوال الجوية … وقد قالوا في تقريريهم إلى إدارة الأمن العام: إنها قارب ضخم يصل طوله إلى نحو ٢٥ مترًا، وسرعته أكثر من ١٨ عقدة في الساعة … وإنه استطاع رغم العاصفة أن يتوغَّل في المحيط بسرعة.
وقد أُرسلت مواصفات هذا القارب إلى الموانئ البحرية المجاورة … ولكن بعد عملية مسح لكل الموانئ في البرازيل لم يجدوا القارب … ولكنه ظهر بعد فترة عند شواطئ «نيويورك»، وقامت الشرطة بتفتيشه تفتيشًا دقيقًا … وهي الآن تتابع الأوراق والتراخيص الخاصة به لعلها تصل إلى أصحابه …
ولكن من المؤكد أن المافيا عندما تُقْدِم على عميلة من هذا القبيل … لا تخاطر بشيء يدل عليها … ففي الأغلب أن الشرطة لن تصلَ إلى شيء …
•••
المهم الآن العثور على «بوشيتا» بأسرع ما يمكن … إنَّ العصابة خطفته وستضغط عليه حتى يعترف لها بكل ما قاله عند رجال الشرطة … وعندما تتأكد من حجم المعلومات، سوف تحمي نفسها بتغيير معالم التنظيم الذي تعمل به ثم تقتله … ومن المهم جدًّا أن نعثرَ عليه قبل القتل …
لقد اتصلَ بنا عملينا السري في البرازيل، وقال: إنَّ معلومات «بوشيتا» عن عمليات التهريب في الشرق الأوسط يمكن أن تقضيَ على هذا التهريب، وهذا ما يهمنا …
إنَّ المخدِّرات بأنواعها تدخل البلاد العربية بواسطة عصابات منظمة، تستهدف القضاء على قوتنا البدنية والنفسية … فليس هناك أضرار أفدح من أضرار المخدِّرات لتحطيم المجتمع … وأجهزة المقاومة في البلاد العربية تقوم بواجبها … ولكن كمية كبيرة من المخدِّرات تتسرب إلى البلاد العربية كل يوم …
هذا من ناحيةٍ … ومن ناحية أخرى، نريد أن نُثبتَ لأجهزة الشرطة الرسمية أن الشياطين اﻟ «١٣» قادرون على العمل في أصعب الظروف … والواقع أن الشرطة في جميع أنحاء العالم متنبِّهة إلى هذه العملية … وقد نشرت الصحف ووكالات الأنباء نبأَ القبضِ على «بوشيتا» واعترافاته … وقد أحدث اختطافُه ردَّ فعلٍ عنيف في جميع أنحاء العالم.
إنَّ مهمَّتكم مهمة للإنسانية كلها … وقد تكون بدايةً حقيقيةً لأول مرة للقضاء على العصابة الدموية … فهذه أول مرة … كما قال هذا التقرير الذي يقرر فيه أحد زعماء المافيا خرق قانون «الأومرتا» … وهو قانون «الصمت والكتمان» الذي يعمل به جميع أعضاء المافيا في جميع أنحاء العالم.
•••
انتهى التقرير …
وفي صباح اليوم التالي كان الاجتماع التقليدي … رقم «صفر» بخطواته الثقيلة … الزجاج الأسود … الشياطين يجلسون جميعًا في صالة الاجتماعات …
رقم «صفر» بدأ الحديث: القضية التي أمامنا من أهم القضايا التي يتدخَّل فيها الشياطين اﻟ «١٣» … إنَّ قضية «توماسو بوشيتا» هي في عُرْف رجال الشرطة، وأوساط المجرمين أيضًا، هي قضية القرن العشرين … فمنذ إنشاء عصابة المافيا في القرنِ الثامنَ عشر … أي منذ نحوِ ثلاثمائة سنة حتى الآن، لم يستطع رجال الشرطة الحصول على اعترافات من أحد الزعماء … إنَّ «بوشيتا» لم يُبْدِ استعدادَه للاعتراف ندمًا على ما فعل، ولكن لأنَّ عصابةَ المافيا كما قرأتم في التقرير قامتْ بقتل جميع أفراد أسرته بما في ذلك أولاده … ثم قضتْ على مجموعته كلها … إنه يعترف لينتقم … ولكن المافيا للأسف الشديد كانت أسرعَ من رجال الشرطة …
لقد استطاعت خطْفَ الرجل قبل أن يُدليَ باعترافاته حول تنظيم المافيا من الداخل … وأسماء الزعماء الآخرين … وهم في العالم كله لا يزيدون على خمسة … ويرأسهم رجل واحد هو الزعيم الأكبر للمافيا …
لقد كان «توماسو بوشيتا» أو «دون ماسينو» واحدًا من هؤلاء الخمسة … وهذا يبيِّن لكم أهميته البالغة بالنسبة للشرطة … فهو يستطيع أن يرشد عن الزعماء الأربعة الباقين … وهؤلاء يمكن أن يُرشدوا عن بقية الأعضاء …
وصمت رقم «صفر» … ثم قال: هل من أسئلة؟
ردَّ «أحمد» على الفور: ولكن يا سيدي … كيف يمكن العثور على «بوشيتا» في «نيويورك» … المدينة التي يسكنها أكثر من ١٢ مليون نسمة … والتي تسيطر المافيا على العالم السري فيها!
ردَّ رقم «صفر» على الفور: هناك عنصران هامان في هذا الموضوع؛ الأول: أن عميلنا في «نيويورك» — وهو رجل كُفْء جدًّا — كان على صلة بالأحداث طَوال الوقت … وقد أخطرني أن أحد مرشديه — وهو يعمل في العالم السفلي منذ فترة طويلة — قد استطاع العثور على طرف خيط في الموضوع … وعندما تصلون إلى «نيويورك» سوف تجدون في فرع المقرِّ السرِّي هناك كلَّ المعلومات التي توفَّرت حتى الآن عن مكان «دون ماسينو» … ثانيًا: أن صديقكم «فرانك» جزء من الموضوع …
وصمتَ رقم «صفر» … وانتظر الشياطين تفسيرًا لهذه الجملة.
ومضى رقم «صفر» يقول: إنَّ زوجة «دون ماسينو» هي شقيقة صديقكم «فرانك» … وعند زوجة «فرانك» معلومات شديدة الأهمية عن الموضوع كله.