ذو المنديل الأحمر
بعد ٢٤ ساعة من حديث رقم «صفر» إلى الشياطين اﻟ «١٣»، كانت الطائرة «الجامبو ٧٤٧» والتابعة لشركة «تي. دبليو. إيه» تهبط في مطار «نيويورك» الدولي «كنيدي» تحمل ستة من الشياطين اﻟ «١٣»، وقد صاحب الهبوط بعض المتاعب؛ فقد كانت ليلة ممطرة تعذَّرت فيها الرؤية … وقد كانت طائرتهم هي آخر طائرة تهبط تلك الليلة، فقد تعذَّرت الرؤية بعد ذلك، وتحوَّلت الطائرات القادمة إلى «نيويورك» إلى مطارات أخرى فرعية …
كانت سيارتان من طراز «جاجوار» الإنجليزي في انتظارهم، وركب «أحمد» و«عثمان» و«إلهام» معًا … وركب «خالد» و«ريما» و«رشيد» معًا … وانطلقت السيارتان في هذا الجو الممطر عبر شوارع «نيويورك» الواسعة، وقد خلت من المارَّة تقريبًا حتى المقر السري … وقد توقَّع الشياطين أن يكون «فرانك» في انتظارهم، ولكن لم يكن هناك أحد.
وأدار «أحمد» شريط تسجيل المكالمات التليفونية، وجاءه «فرانك» يقول: «مرحبًا بكم مرة أخرى في «نيويورك» … اضطررت للسفر في مهمة عاجلة … وسوف أعود مساء الغد … يمكنكم الاتصال بزوجتي في أي وقت … فهي في انتظاركم بالمنزل …»
وبعد مسافة من الشريط، كان عميل رقم «صفر» قد سجَّل رسالة أخرى: «منتصف الليل تمامًا … كازينو «جولدن رنجو» في «مانهاتن» … سيقابلكم هناك زنجي يُدعى «كاسبو» … سيربط منديلًا أحمرَ حول رقبته … إنه أحدُ عيوننا في العالم السفلي … وستكون عنده معلومات هامة … كلمة السر «بانشو يرسل لك تحياته».»
نظر «أحمد» إلى ساعته … كانت الحاديةَ عشرةَ ليلًا … بقيت ساعة على لقاء «كاسبو» … ارتاحوا قليلًا، وشربوا كوبًا من الشاي الساخن، ثم أخذ «أحمد» و«عثمان» يقومان بعملية جرد للأسلحة الموجودة بالمقر … وكانت في حاجة إلى بعض التزييت والإعداد …
قال «أحمد»: لقد استمعتم إلى الرسالتين … ولا أدري لماذا لم يقم عميل رقم «صفر» بالحصول على المعلومات من «كاسبو» مباشرة، وإبلاغها إلينا!
ريما: ربما كانت المسألة محتاجة إلى تحرُّك من مكان إلى مكان!
أحمد: هذا ما خطر ببالي.
ريما: من الذي سيذهب؟
أحمد: سأذهب مع «عثمان» و«رشيد»، إننا يجب أن نعمل كفرقتين، فسوف نخوض معارك متصلة مع العالم السفلي … وسنحتاج إلى تغطية باستمرار … إننا يجب أن نحمل أجهزة اللاسلكي الدقيقة، فمن المتوقع أن نفترق أثناء المطاردات … إنَّ السيارتين مجهَّزتان، كما علمت من قسم التجهيزات، بأنواع مختلفة من الأسلحة ورادار خاص يكشف السيارات المطاردة، ويحدد نوعها واتجاهها … إننا مسلحون بأفضل الأسلحة، والمهم أن نعمل بسرعة وبحذر … إننا لا بُدَّ أن ننقذ «بوشيتا» من يد المافيا … خاصة أن شريكه الأصلي «بدالمنتي» قد قُتل … وسنرى ماذا سيقدم لنا «كاسبو»؟
تحرَّكت السيارة التي تحمل «أحمد» و«عثمان» و«رشيد» الذي كان يتولى القيادة، واتجهت إلى جزيرة «مانهاتن»، وقام «رشيد» بتشغيل جهاز الرادار ليرى إذا كان متبوعًا من سيارة أخرى … ولكن الطريق كان آمنًا.
وصلوا إلى كازينو «الجولدن رنجو» … كان مثالًا للكازينوهات الصغيرة المنتشرة في المدن الكبيرة … فهو مغلق الأبواب … عليه لافتة تضيء بالأنوار اللامعة عليها اسمه … وعدد من الأشخاص «البلطجيَّة» يقفون في الخارج رغم البرد والصقيع …
واستطاع «رشيد» أن يجد مكانًا للسيارة، ونزل الثلاثة … كانت الساعة الثانية عشرة إلَّا عشر دقائق، فساروا على مهل إلى باب «الكازينو» …
وتوقَّفوا لحظات يرقبون ما يدور بالخارج بعيون بعيدة حذِرة، ثم دفع «عثمان» الباب ودخلوا …
كان الجو داخل الكازينو دافئًا، والموسيقى صاخبة … وقد تناثر الزبائن في مختلف أنحاء الكازينو يدخنون، ويشربون، ويأكلون …
واختار الثلاثة مائدة قرب الباب يشاهدون منها الداخلين والخارجين، وتُمَكِّنهم في نفس الوقت من الهرب بسرعة عند الحاجة.
كانت الوجوه داخل الكازينو تكشف عن نوعية الأشخاص الذين يتردَّدون على هذا المكان … فهم جميعًا من المغامرين والأفَّاقين الذين تحفل بهم أماكن السهر في المدن الكبيرة … مع مجموعة من الشباب المستهترين من عشَّاق الرقص العنيف …
في منتصف الليل تمامًا، شقَّ الطريق قادمًا من المدخل شابٌّ زنجيٌّ ضخمٌ مفتولُ العضلات … يربط رقبته بمنديل أحمر قاني اللون … ولم يشكَّ الشياطين أنه «كاسبو» … ظلوا يتابعونه بأنظارهم، حتى وقف عند الباب، وأخذ ينظر حوله، فقام «عثمان» حسب الاتفاق … ووصل إليه، واستطاع أن يشق الزحام حوله، ويقف بجواره … ثم همس: هاللو «كاسبو»، إنَّ «بانشو» يرسل لك تحياته!
التفت «كاسبو» إلى «عثمان» وقال: وأين «بانشو» الآن؟
عثمان: لقد جئنا نسألك عنه!
كاسبو: سأخرج بعد خمس دقائق … اتبعوني بعد ٥ دقائق أخرى … سأقف في الحارة المجاورة … سنستخدم سيارة خاصة.
عثمان: ألا يمكن استخدام سيارتنا؟
كاسبو: سيارتنا أفضل … إنَّ سيارتكم الفاخرة سوف تلفت الأنظار!
عثمان: ومَن الذي سنقابله؟
كاسبو: إنه جرذ، فأر صغير من المافيا، كان شريكًا في اختطاف «دون ماسينو»، وعنده معلومات هامة!
عثمان: ولماذا لم تحصل على هذه المعلومات منه؟
سكت «كاسبو» ولم يردَّ وأخذ يتلفَّت حوله … ثم ردَّ بضيق: إنني لم آتِ لتستجوبَني … إنَّ اتفاقي أن تحضر معي … فإذا كان هذا يناسبك كان بها … وإذا لم يكن يعجبك فليس بيننا إلَّا كلمة شكرًا!
عثمان: هل تعلم المكان الذي سنذهب إليه؟
كاسبو: بالطبع … أعرف المكان … وإلَّا فكيف سأقودك إليه؟
عثمان: هل هو قريب من هنا؟
كاسبو: إنه عند الرصيف الأخير من الميناء … الرصيف المهجور، ويُستخدم الآن كمخزن … إنه قريب من هذا المكان!
عثمان: لا بأس!
كاسبو: اخرجوا بعدي بخمس دقائق.
عثمان: اتفقنا.
خرج «كاسبو» مُسرعًا … وعاد «عثمان» إلى «أحمد» و«رشيد»، وروى «عثمان» لهما ما دار من حوارٍ بينه وبين «كاسبو».
انتبه «أحمد» لكل كلمة في الحوار ثم قال: سأذهب مع «عثمان» في هذه المهمة. و«رشيد»، عليك بالاتصال بالشياطين في التليفون … وقل لهم عن اتجاهنا … ثم حاول أن تتبعنا في «الجاجوار».
رشيد: إنك لست على ما يرام!
أحمد: لا أدري … لماذا أحسُّ بشيء غامض … ومقلق … في هذا الترتيب؟!
رشيد: في إمكاننا ألَّا نذهب.
أحمد: على العكس … من الواجب أن نذهب.
كان «أحمد» ينظر في ساعته … بينما اتجه «رشيد» إلى التليفون ليتحدث إلى بقية الشياطين.