معركة ومكالمة تليفونية
قام الرجلان بتفتيش «أحمد» و«عثمان» تفتيشًا دقيقًا … أخذا الأسلحة التي وجداها …
وكان الزعيم يتحدث طول الوقت؛ ينصحهما بالاعتراف … ولكن ذلك الحديث لم يُجْدِ شيئًا …
وفجأة قال: هل تريدان «بوشيتا»؟! إنه يساوي مئات الملايين من الدولارات … أكثر من هذا … إنه يساوي مؤسسة المافيا كلها … فكم تساوي المافيا التي تسيطر على كل شيء في هذا العالم؟
لم يرد أحد … فضحك الزعيم وقال: إنَّ «بوشيتا» صديقي … ولكن الصداقة شيء، والعمل شيء آخر، لقد كاد يعترف على منظمة المافيا كلها … فيقضي علينا!
تحدَّث «أحمد» قائلًا: ولكنه اعترف!
ضحك الزعيم وقال: لو أنه اعترف لما رأيتني الآن … لقد كان في بداية اعترافه، لم يُدْلِ بأسماء … ولا بالأسس التي تقوم عليها المنظمة.
أحمد: لماذا إذن لم تقضوا عليه حتى الآن؟
الزعيم: السبب بسيط جدًّا … إنَّ «بوشيتا» يحتفظ في حساباته السرية بمبالغ خيالية تخصُّ المنظمة … وسيظل آمنًا حتى نحصل على هذه الأموال.
أدرك «أحمد» سرَّ احتفاظ العصابة ﺑ «بوشيتا» حيًّا حتى الآن … وأحسَّ ببعض الراحة لأنهم لم يقتلوه بعد … رغم الخطر الذي وقع فيه هو و«عثمان» …
بدأ الجميع يتحرَّكون … الزعيم للخروج من المكان، و«أحمد» و«عثمان» وعميل رقم «صفر» … وحولهم رجال العصابة بالمدافع لوضعهم في مخزن المياه الذي تحدَّث عنه الزعيم.
سار «أحمد» و«عثمان» وعميل رقم «صفر» عبر المخزن الكبير في اتجاه الباب المؤدي إلى شاطئ المحيط «خليج هدسون» …
ونظر «أحمد» حوله … كانت بكرات الورق الضخمة مربوطة بالحبال … ولو انقطع حبل واحد منها لانهارت كلها … ولكن كيف؟
كان «أحمد» ما زال يحتفظ بخنجر حاد … ملتصق بسمانة ساقه … وقرر أن يحاول … اقترب في سيره من بكرات الورق … ثم تظاهر أن قدمه انزلقت على الأرض المبتلة … فسقط على ركبته … وبسرعة البرق أخرج الخنجر … وبضربةٍ واحدةٍ قطع الحبل.
وقبل أن ينتبه أحدٌ لما حدث، كانت بكرات الورق الضخمة، التي تبدو كل واحدة منها في حجم سيارة صغيرة … قد انهارت … وأخذت تقفز في كل اتجاه.
واستدار «عثمان» للحارس، الذي خلفه وأطلق في وجهه ضربة قوية، ثم جذب في نفس الوقت بيده الأخرى مدفعه الرشاش … وأطلق النار على تابلوه النور، فانطفأت جميع اللمبات في المكان.
انبطح الثلاثة أرضًا، فقد انطلقت فوهات المدافع بسيلٍ من الرَّصاص … وزحفوا ناحية الباب الذي قَدِموا منه.
كانت الطلقات، والصرخات، وصوت هدير بكرات الورق تدوِّي في المكان … وكان الحارسان على الباب يبدوان كشبحين في وهج أضواء الميناء البعيدة … وانقضَّ «أحمد» على أحدهما … لم يكن هناك وقت لأيِّ تصرُّف إلَّا القضاء عليه … فحمله بين ذراعيه، ثمَّ قذفه بكل قوته على الباب فانفتح.
وكان «عثمان» قد ضرب الآخر بالمدفع فترنَّح وسقط.
ووصل الثلاثة إلى الرصيف … وبدَتْ أضواء سيارة تتحرَّك … وعرف «أحمد» من شكل الضوء أنها «الجاجوار» … فصاح بزميله: إلى السيارة!
اندفع الثلاثة إلى «الجاجوار». وفي نفس الوقت تحرَّكت السيارة الكاديلاك بسرعة محاوِلةً الاصطدام ﺑ «الجاجوار» … أطلق «عثمان» رَصاص مدفعه على عجل السيارة … فدارت حول نفسها ثم اصطدمت بجدار المخزن …
قفز الثلاثة إلى «الجاجوار» التي انطلقت بسرعة، ولكن «أحمد» قال ﻟ «رشيد»: دُرْ دورةً واحدةً ثم عُدْ إلى المكان … إنهم الآن في حالة اضطراب … ويمكن الهجوم مرة أخرى.
ثم التفت إلى عميل رقم «صفر» وقال: ماذا حدث؟
العميل: يبدو أنهم استمالوا الزنجي «كاسبو» … لقد كان من عملائي الدائمين … وعندما طلب رقم «صفر» معلومات عن خطف «بوشيتا» … اتصلت به … وأعطاني موعدًا، فذهبتُ وفوجئتُ بكمين مُحْكَم … وقد طلبوا مني تسجيل المكالمة لكم … وقد توقَّعت أن تعرفوا أنها رسالة مُزوَّرة … فلم يكن عليها أي رموز شفرية مما نستخدمها.
أحمد: فعلًا … وقد تنبهتُ لذلك، ولكني وجدت من الأفضل أن أذهب إلى الموعد حتى ألتقي بالعصابة بدلًا من إضاعة الوقت في البحث.
العميل: خَطَرَ ببالي هذا رغم خطورته!
أحمد: وما رأيك في الموقف؟
العميل: إنَّ «بوشيتا» في أيديهم، ولن يتركوه طبعًا يقع في أيدينا … أو أيدي المباحث الفِدْرالية، فهذا يُشكِّل خطورة بالغة عليهم … إن لم نقل إنه سيكون أخطر ما حدث للمافيا في تاريخها الطويل!
أحمد: ومَن هو هذا الرجل الذي ينادونه بالزعيم؟
العميل: إنه «جياكومتي» … وهو زعيم الشاطئ الغربي كله، وواحد من خمسة يحكمون المافيا كلها … إنه يحمل لقب «دون»، وهذا يعني أنه زعيم لإحدى الأُسر القوية … وقد كان شريكًا ﻟ «بوشيتا» في كثيرٍ من العمليات!
كان «رشيد» قد أتمَّ دورة على الرصيف، ثم عاد مرة أخرى … وقال «أحمد»: أَطْفِئ الأنوار!
وسارت السيارة المطفأة الأنوار حتى وصلت إلى المخزن مرة أخرى، ومن بعيدٍ شاهدوا النيران المشتعلة في الكاديلاك … فنزل الأربعة بعد أن ركن «رشيد» السيارة خلف أحد المخازن الفرعية، وأعطى «رشيد» للعميل أحد المسدسات … ثم تسللوا من الباب الخلفي للمخزن.
كان المشهد في الداخل كأنه حرب، فعلى ضوء النيران المشتعلة في السيارة كانت أشباح المصابين الراقدين على الأرض … وبكرات الورق … وطلقات المدافع الرشاشة ورائحة البارود، كلُّ ذلك جعل المشهد كأنه ساحة قتال.
تسلل «أحمد» و«عثمان» إلى الغرفة التي كانا بها من قبل، لم يكن هناك أحد … وعلى ضوء بطارية صغيرة أخرجها «عثمان» من جيبه الخلفي … أخذ «أحمد» يفحص كل شيء بدقةٍ … كانت هناك عشرات من الأوراق … ولكنها كلها كانت خاصة بالمخزن.
وكاد «أحمد» ييئس من العثور على أي شيء، ولكن فجأة دقَّ جرس التليفون، ورفع «أحمد» السماعة وسمع من يقول: «جياكومتي»؟
حاول «أحمد» أن يُقلِّد صوت «جياكومتي» العميق كما سمعه، وردَّ: مَن المتحدث؟
قال الصوت: «إيتوري» من «شيكاغو».
أحمد: ماذا تريد يا «إيتوري»؟
إيتوري: طلَبَ مني «دون مورالتي» أن أبلغك أنهم نقلوا «بوشيتا» من «نيويورك»!
دقَّ قلبُ «أحمد» سريعًا وقال: إلى أين؟
إيتوري: إلى «شيكاغو».
تظاهر «أحمد» بالغضب وقال: مَن الذي نقله؟
إيتوري: «دون مورالتي» فقد قال مرشد لنا في البوليس إنهم يُحْكِمون الحصار حولنا في «نيويورك».
أحمد: وأين وضعتموه في «شيكاغو»؟
إيتوري: في المبنى القديم عند البحيرة.