مفاجآت
أطلقت «الجاجوار» ثلاث وَمضات من أنوارها الأمامية، وردت عليها الليموزين الزرقاء بمثلها … ثم انطلقت الليموزين، وخلفها انطلق الشياطين …
كانت الرياح تعصف بشدة … ومن المعروف أن «شيكاغو» تتعرض لرياح قاسية طول العام … حتى إن السيارة كانت تهتز بالشياطين رغم قوتها، وكأنها ستنهار …
ومضت السيارتان تشقان الطرق الخالية في هذا الوقت المتأخِّر من الليل … حتى أشرفتا على سلسلة من المباني ذات الأسقف المنحدرة … ووقفت خارجها مجموعة من عربات السكك الحديدية القديمة على قضبانها … وتوقَّفت الليموزين … ونزل عميل «شيكاغو» الذي كان متخفيًّا خلف كمية كبيرة من الملابس … توقيًا للبرد والرياح …
أشار العميل إلى الشياطين بأصبعه ناحية المباني … ثم صاح حتى يسمعوا صوته: إنه أضخم مقر للعصابة في العالم كله … وهو مكوَّن من سلسلة من الأنفاق … والدهاليز … والمخازن، بحيث يصعب جدًّا اقتحامه.
أشار له «أحمد» أن ينتظرَهم بالسيارة لاحتمال أن يُضطرُّوا للفرار … إذا كان الاقتحام مستحيلًا … واتجه العميل إلى حقيبة سيارته الخلفية وفتحها … وأخرج منها مدفعًا قصيرًا يشبه قاذفات الصواريخ، ثم أسرع إلى «أحمد» وقال له: إنَّ استخدامه سهلٌ جدًّا … فهو يشبه «القنبلة» التي يلعب بها الأطفال … ضَعِ القذيفة في الماسورة، ثم اضغطْ على الماسورة واتركها تنطلق منها قذيفة مُدَمِّرة زنة خمسة أرطال … قوية النفاذ والانفجار!
وأسرع إلى سيارته اتقاءً للبرد والرياح …
ووقف «أحمد» مفكرًا لحظات ثم قال: إنَّ الهجوم على هذا المكان مستحيل … لأننا لا نعرف تحديدًا أماكن وجودهم … ومن الممكن القضاء علينا بسهولة.
كان يتحدَّث وهو يتأمل ما حوله … ثم أشار فجأة إلى عربة من عربات السكك الحديدية الصغيرة … التي يتم إدارتها وتسييرها باليد للتفتيش على القضبان، وقال: هذا ما كنتُ أبحثُ عنه!
عثمان: ماذا ستفعل؟
أحمد: سنركب جميعًا … إنها توفِّر حمايةً لنا، وفي نفس الوقت تحملنا إلى هذه الدهاليز التي لا نهاية لها.
أسرع الشياطين الأربعة إلى العربة … قفزوا إليها … ووضع «أحمد» المدفع في المقدمة … وأمسك «عثمان» و«رشيد» بذراعي الماكينة التي تدير العربة الحديدية، ثم بدأ السير …
انطلقت العربة على القضبان، وسرعان ما غابت داخل ظلام المباني الضخمة … كانت تسير في ظلامٍ دامسٍ … ولكن «أحمد» فضَّل أن يعتمدوا على حظِّهم حتى لا تكشفهم الأنوار … وبين لحظةٍ وأخرى كان البرق يومض … فيكشف لهم في ثوانٍ قليلة بعضَ تفاصيل المكان …
ساروا زُهاء عشر دقائق … واستطاعوا خلالها أن يسمعوا صوتًا منتظمًا يشبه صوت ماكينة تدور في مكانٍ قريب …
طلب «أحمد» إيقاف العربة الحديدية … ثم أنصتوا جميعًا … كان واضحًا فعلًا أن هناك ماكينة تدور على الجهة اليسرى منهم … قفز «أحمد» من العربة ثم مضى ناحية الصوت، واستطاع أن يرى في الظلمة الدامسة بصيصًا من النور … تَقَدَّم أكثر حتى أصبح في محاذاة سور من الطوب الأحمر به عدة نوافذ صغيرة مشبكة بالقضبان الحديدية، ويغطيها الزجاج السميك القاتم …
فكَّر «أحمد» لحظات ثم مدَّ يده إلى جيبه … وأخرج محفظةً صغيرة بها مجموعة من المبارد والمفكات والمفاتيح، واختار قاطعة زجاج حادة … واقترب من إحدى النوافذ، ثم أدار القاطعة بهدوء … وبقوة … سرعان ما فتحت دائرة صغيرة في الزجاج، ومدَّ أصابعه المدرَّبة فأزاح الزجاج، ثم نظر إلى الداخل … ووقعت عيناه على مشهد مثير …
كانت هناك ماكينة صغيرة … يخرج من أحد أطرافها مسحوق أبيض يشبه الدقيق، أو السكر الناعم … ويقوم بتشغيلها رجلان يرتديان الملابس البيضاء … أحدهما يضع عجينةً سوداء في طرف الآلة … وتمرُّ دقائق ثم تتحول هذه العجينة السوداء إلى المسحوق الأبيض.
ولم يشكَّ «أحمد» لحظة أن هذه الماكينة تُحوِّل الأفيون الخام إلى هورايين بعد تسخينه ثم تحويله إلى مسحوق … ولم يكن في المخزن الذي تعمل فيه الماكينة أي شخص آخر سوى هذين الرجلين.
واستنتج «أحمد» أن الحراسة لا بُدَّ أن تكون على أحد البابين … عاد إلى الشياطين وروى لهم ما شاهده … وقرروا البحث عن أحد البابين المؤديَيْن إلى المعمل.
سار «أحمد» و«عثمان» في المقدمة … وتبعهما «رشيد» و«إلهام» … كان الظلام دامسًا … فاستعملوا البطاريات الصغيرة … وعلى الضوء الخفيف استطاعوا أن يتلمَّسوا طريقَهم عبر القضبان الحديدية، التي كانت تمرح فيها الفئران الضخمة … وانحرفوا يمينًا عند نهاية المبنى …
وشاهدوا على الفور حارسًا ضخمًا يتجوَّل أمام الباب مُمسكًا بمدفع رشَّاش …
وأشار «أحمد» إلى «عثمان» الذي أخرج كرته الجهنمية … ووزنها جيدًا في يده … ثم أطلقها كالرَّصاصة … أصابت رأس الحارس … فسقط على الفور … وأسرعوا إليه فسحبوه جانبًا حتى لا يراه أحد …
كان الباب مغلقًا … ولكن «رشيد» استطاع أن يجد المفتاح في حزام الحارس، وفتحه بهدوء … ونظر إلى الداخل … كانت ماكينة الهورايين تعمل … والرجلان منهمكان تمامًا في عملهما … واقتحم الأربعة المكان … شاهرين أسلحتهم … ونظر إليهم الرجلان في دهشةٍ …
قال «أحمد»: لا داعي للمقاومة! أين «مورالتي»؟
ردَّ أحد الرجلين على الفور: مَن هو «مورالتي»؟!
قال «أحمد» بخشونةٍ: أنتما تعرفان جيدًا من هو «مورالتي»!
ردَّ الرجل في لهجة صادقة: أُقْسمُ لكم أننا لا نعرف أحدًا بهذا الاسم … إننا صيدليان … وقد أجبرَنا عدد من الرجال على الحضور إلى هذا المكان تحت تهديد السلاح … كما أجبرونا على تحضير الهورايين … إنَّه عمل ضد القانون … ولكن …
أحمد: إذن أنتما لا تعرفان عصابة «مورالتي»؟!
الرجل: ولم نسمع عنها.
كان موقفًا محيرًا … ولكن هذه الحيرة لم تستمر طويلًا … فقد سمعوا صوت حديث في الخارج.
وأسرع «أحمد» وبقية الشياطين إلى الاختفاء خلف الصناديق الضخمة التي تملأ المكان … وأشار «أحمد» بيده إلى الرجلين ليستأنفا عملهما.
ظهر ثلاثة رجال يحملون حقائب صغيرة … وتقدَّموا إلى حيث كان المسحوق الأبيض ينزل في وعاء من البلاستيك الأزرق … وأمسك أحدهم بعينةٍ من المسحوق وأخذ يتشمَّمه، ثم يَتَذوَّقه وابتسمَ … ثم فتحوا الحقائب وأخرجوا كمية من أكياس البلاستيك الشفَّاف وأخذوا يَملئونها بالمسحوق …
قفز «أحمد» إلى وسط المكان، وقال وهو يهزُّ مسدسه: لا تتحرَّكوا.
وفي نفس الوقت انقضَّ الشياطين كل واحد على أحد الرجال … وقاموا بتفتيشهم، وتجريدهم من أسلحتهم.
قال «أحمد»: قَيِّدُوهم.
وبقِطَعٍ من الحبال المتناثرة في المكان … تمَّ تقييد الثلاثة وهم في غاية الدهشة …
قال «أحمد» مُوجِّهًا حديثَه إليهم: أين «بوشيتا»؟
لم يردَّ أحد … فعاد يقول: أين «مورالتي»؟
وعلى الفور ولدهشتهم الشديدة جاء صوت من مكبر للصوت يقول: أنا هنا أيها الشاب، لماذا أوقعت نفسك في المتاعب؟
أطلق «أحمد» رَصاصةً على المصباح القوي الذي ينير المكان، فسادَ الظلامُ، وانهمرَ الرَّصاصُ من كل مكان … لقد كان «مورالتي» أذكى مما توقَّع الشياطين!