مقدمة

يسود تقليدٌ مدرسي موروث في الحوزة العلمية، يتمثَّل بتكرار الأستاذ لتدريس الكتاب مراتٍ عديدة، حتى عُرف بعض المدرسين باستظهار المتون وحفظها. وكنتُ ممن وُفِّقوا لاقتفاء أثر السلف في هذا التقليد، فأعَدتُ تدريس كتاب «المنطق» لمحمد رضا المظفر ١٢ مرة، وهكذا كرَّرتُ تدريس الحلقة الأولى من «دروس في علم الأصول» المعروفة بالحلقات لمحمد باقر الصدر خمس مرات، والحلقة الثانية ست مرات، والحلقة الثالثة ثلاث مرات، وغيرها من الكتب المتعارفة للدراسة في الحوزة العلمية.

أما كتابا «بداية الحكمة» و«نهاية الحكمة» لمحمد حسين الطباطبائي، فقد استأثرا باهتمامي ولازمتُهما بالتدريس عدة سنوات، وكانت المرة السابعة هي المرة الأخيرة التي درَّستُ فيها بداية الحكمة للعام الدراسي ١٤١٦ / ١٤١٧ﻫ.

وكتاب «مبادئ الفلسفة الإسلامية» ثمرة لتدريس كتاب «بداية الحكمة» فهو يشتمل على محاضراتي في تدريس هذا الكتاب؛ ولذلك يطغى على كتاب «مبادئ الفلسفة الإسلامية» الأسلوب التعليمي التوضيحي، الذي لا يخلو من التكرار والإسهاب في التوضيح أحيانًا، طبقًا لما يتطلَّبه تدريسُ متون المعقول في الحوزة العلمية، فآثرتُ إبقاءها على صورتها المدرسية. كما تجنَّبتُ إدراج أية تعليقات أو ملاحظات على آراء الحكماء؛ لأن هدف هذا الكتاب هو توضيحُ وتيسيرُ المفاهيم والمقولات الفلسفية للمبتدئين في دراسة الفلسفة، وإبعادُهم في أول الطريق عن سجالات الفلاسفة وإشكالاتهم المتنوِّعة؛ ذلك أن المطالب الفلسفية تحتاج إلى جدية ومثابرة لتصوُّرها تصورًا صحيحًا، وقد ينجُم عن انهمار التعليقات والاستفهامات في المرحلة الأولى للدارس، وقبل وعي المفاهيم والمقولات الفلسفية، اضطرابٌ وقلقٌ عقلي، وتشوُّه في الرؤية.

ومما تعلَّمتُه من دراستي وتدريسي للفلسفة في الحوزة العلمية أن الطالب طالما ظلَّ أسيرَ نصوصِ ما يدرُسه من كُتب، دون أن يتعرف على بواكير الفلسفة، ومسارها، ومدارسها، واتجاهاتها راهنًا. مضافًا إلى أنه ربما لم يكتشف معالم منهج البحث الفلسفي لمحمد حسين الطباطبائي، ومكانته في تحديث الدرس الفلسفي في الحوزة؛ لذلك حاولتُ أن أدوِّن مدخلًا موجزًا إلى الفلسفة، تناولتُ فيه: معنى الفلسفة، وأقسامها، ووظيفتها، ونشأتها، وأزمنتها، وأبرز تياراتها ومدارسها عبْر التاريخ، ومصيرها في العصر الحديث، والمناهل الإسلامية للتفكير الفلسفي، ومدارس الفلسفة الإسلامية.

كل ذلك دوَّنتُه باختصارٍ شديد، بُغيةَ إنارة وعي الدارس بهذه المسائل ذات الصلة العضوية بما يدرُسه. وأردفتُ ذلك ببحثٍ حول منهج الدرس الفلسفي للطباطبائي، وأثَره في إحياء وتطوير الدرس الفلسفي في الحوزة.

وتَبقى هذه الدروس مدينةً لتلامذتي الكرام الذين كان لاستفهاماتهم وإشكالاتهم وحواراتهم الفضل في تبلوُر الكثير من صِيَغها، ومدينةً أيضًا لما تكرَّم به الأخ غلام رضا الفياضي من نظراته وتعليقاته القيِّمة على كتاب «بداية الحكمة».

أما ما يتضمَّنه هذا الكتاب من هفوات ونواقص فهو تعبير عن قصوري ونقصي. وقديمًا قيل: لو كنتُ أنتظر الكمال ما فرغتُ من عملي هذا.

وما توفيقي إلا بالله عليه توكلتُ وإليه أنيب.

عبد الجبار الرفاعي

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥