الفصل الأول

معنى الفلسفة

الفلسفة لفظٌ استعارته العربية من اللغة اليونانيَّة، وأصله في اليونانية كلمةٌ تتألف من مقطعَين:

فيلوس Philos وهو بمعنى «صديق أو محب»، والثاني هو سوفيا Sophia أي «حكمة»، فيكون معناها «محب الحكمة».
ويبدو أن كلمة Sophia ليست يونانية الأصل وإنما هي مقتبَسة من لغةٍ شرقية، حسبما أكَّد الباحث الغربي المعاصر M. Bernal.

وبذلك تدُل كلمة «الفلسفة» من الناحية الاشتقاقية على محبة الحكمة أو إيثارها، وقد نقلَها العرب إلى لغتهم بهذا المعنى في عصر الترجمة.

وكان فيثاغورس (٥٧٢–٤٩٧ق.م.) أول حكيم وصف نفسه من القدماء بأنه فيلسوف، وعرَّف الفلاسفة بأنهم الباحثون عن الحقيقة بتأمُّل الأشياء، فجعل حب الحكمة هو البحث عن الحقيقة، وجعل الحكمة هي المعرفة القائمة على التأمُّل.

وعلى هذا أضحى تعريف الفلسفة بأنها: العلم الذي يُبحَث فيه عن حقائق الأشياء على ما هي عليه بقَدْر الطاقة البشرية.

تجدُر الإشارة إلى أن كلمة «الفلسفة» استُعملَت في معانٍ متعدِّدة عبْر التاريخ، واتسع معناها في بعض المراحل ليستوعب العلوم العقلية بأَسْرها، فيما تقلَّص هذا المعنى في مراحلَ أخرى فاستُعمل عند البعض كما في التراث الإسلامي فيما يخص الفلسفة الأولى، التي تبحث عن المسائل الكلية للوجود التي لا ترتبط بموضوعٍ خاص.

الفلسفة والسفسطة

وفي مقابل الفلسفة تُستعمَل كلمة «السفسطة» وهي تعني نوعًا من الاستدلال يقوم على الخداع والمغالطة؛ فقد كانت السفسطة عنوانًا لتيارٍ واسع حاول أن يعصف بالأسس المنطقية للتفكير الصحيح، ويُنكِر أي واقعٍ خارج إطار الذهن، ظهر عند اليونان في القرن السادس قبل الميلاد. بيد أن ظهور سقراط (٤٦٩–٣٩٩ق.م.) فيما بعدُ ساهم بشكلٍ فعَّال في الإجهاز على هذا التيار، وإعادة الاعتبار لأسس التفكير والاستدلال الصحيح، واقتفى أثَرَه تلميذُه أفلاطون (٤٢٧–٣٤٧ق.م.) ثم جاء تلميذُ الأخير أرسطو (٣٨٤–٣٢٢ق.م.) الذي كان صاحب الدور الريادي في تقنين ما تم اكتشافه من قواعدِ وأسسِ التفكير الصحيح، والتي صاغها فيما عُرِف بعد ذلك ﺑ «المنطق الأرسطي».

ومثلما فعل فيثاغورس من قبلُ فإن سقراط أسمى نفسه بالفيلسوف أيضًا، ومنذ عصر سقراط أصبحت كلمة الفلسفة تُستعمل دائمًا في مقابل السفسطة؛ لأنها تعني التعرُّف‏ على الحقيقة واكتشافَها على ما هي عليه بالأسلوب البرهاني، خلافًا للسفسطة التي تُنكِر الحقيقة وتُمارِس تزييفًا للمعرفة يعتمد على الخداع والمغالطة.

الفلسفة محور العلوم

تُعتبر الفلسفة عند القدماء محورًا لكافة العلوم الحقيقية أو المعارف العقلية، مما يرتبط بالطبيعة أو ما وراء الطبيعة منها، كالطبيعيات والرياضيات والإلهيات، فانتظمَت في إطارها تمام المعارف، ولم يشذَّ منها سوى المعارف التي تعبِّر عن مواضعاتٍ واتفاقاتٍ واعتباراتٍ جعلَها البشر، مثل النحو والصرف.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥