أقسام الفلسفة
لما كانت الفلسفة عند القدماء اسمًا تندرج تحته المعارفُ العقلية بمجموعها، جرى تصنيف هذه المعارف إلى نوعَين رئيسيَّين، وهما:
أولًا: العلوم النظرية، أو الحكمة النظرية
وهي التي يُطلب فيها استكمالُ القوة النظرية من النفس، بحصول العقل بالفعل، ويندرج تحتها:
(أ) الإلهيات
وتُسمَّى العلم الإلهي، والعلم الأعلى، والعلم الكلي، والميتافيزيقيا (ما وراء الطبيعة)، والفلسفة الأولى، تمييزًا لها عن الرياضيات المسمَّاة بالفلسفة الوسطى، وذلك لأنها تقع في مرتبةٍ متوسطةٍ بين الطبيعيات والإلهيات. وتُعتبر الإلهيات لدى القدماء أشمل وأوسع من غيرها من العلوم، مضافًا إلى أنها برهانية ويقينية أكثر من غيرها.
وتنقسم الإلهيات إلى:
(١) الأمور العامة
وهي العناوين والأحكام والصفات التي لا تختصُّ بموجودٍ دون سواه، وإنما تسري في جميع الموجودات، ويتصف بها الموجود بما هو موجود، ولا يُشترط أن يكون الموجود المتصف بها له ماهيةٌ معيَّنة. وهي مثل: الحدوث والقدم، والوجوب والإمكان؛ فكل موجود إما أن يكون حادثًا أو قديمًا، وكل موجود إما أن يكون واجبًا أو ممكنًا.
مع العلم أن شمول هذه العناوين للموجودات تارةً يكون بمعنى شمول كل واحدٍ منها لكافة الموجودات. مثلما نلاحظ في الوجود والشيئية، وتارةً يكون بمعنى شمول هذه المفاهيم للموجودات بنحو التقابل، كالوجوب والإمكان، فإن كل موجود لا بد أن يكون مندرجًا تحت عنوان الواجب أو الممكن.
ويُعبَّر عنها ﺑ «الأحكام العامة للوجود» و«الإلهيات بالمعنى الأعم».
(٢) معرفة الله
ويدور البحث فيها حول وجود الباري، وتوحيده، وصفاته، وما يرتبط بذلك من مسائل. وتُسمَّى ﺑ «الإلهيات بالمعنى الأخص» في مقابل «الإلهيات بالمعنى الأعم».
(ب) الرياضيات
وتُسمَّى العلم الأوسط، والفلسفة الوسطى لوقوعها في مرتبةٍ متوسطة في سُلَّم المعرفة بين «الإلهيات» و«الطبيعيات»، وهي تنقسم إلى:
-
(١)
الحساب.
-
(٢)
الهندسة.
-
(٣)
الهيئة.
-
(٤)
الموسيقى.
(ﺟ) الطبيعيات
وتُسمى العلم الأدنى، والفلسفة الدنيا؛ لأنها تقع في أدنى المراتب في سُلَّم المعرفة، وفوقَها تقع «الرياضيات»، فيما تكون «الإلهيات» العلم الأعلى. وهي تبحث في أحوال الأجسام الطبيعية، وتنقسم إلى:
(١) السماع الطبيعي
تعود هذه التسمية لكتاب «السماع الطبيعي لأرسطو» الذي عرفه المسلمون لأول مرة عبْر السُّرْيان، وفي تسميته ما يشير إلى ذلك، فإن الأصل السُّرْياني هو «شمعا كيانا».
والسماع الطبيعي أول ما يُبحث عادةً من الطبيعيات، وبكلمةٍ أخرى هو أول ما يُسمع منها، ويجري البحث فيه حول الأسباب والمبادئ للطبيعيات، وبيان أحوال العِلَل المختلفة، والمادة والصورة، والحركة وما يرتبط بها من مسائل، والأجسام كمِّها وكيفها.
(٢) الفلكيات
الفلَك عند القدماء جسمٌ كُروي الشكل، لا ميل فيه، ثابت بكلِّيته، متحرك بأجرامه دورانًا. وهو بسيط لم يتركب من أجسامٍ مختلفة في طبائعها، غير قابل للخرق، ذو نفسٍ حيوانية، ونفسٍ ناطقة.
ويقوم مذهب القدماء في تفسير نظام خلق العالم على أساس أن العقل الأول هو ما صدَر من ذاتِ الحقِّ تعالى، ومن العقل خُلِق فلَك الأفلاك، وهكذا بقية الأفلاك. وقد اعتبَر الحكماء العالَم الجُسماني بعد عالَم المجرَّدات في نظام الخِلْقة، والعالَم الجسماني مركَّبًا من تسعة أفلاكٍ متداخلة؛ أي يُحيط بعضها بالآخر، وذهب بعضهم إلى اعتبار فلَك الأفلاك هو مجموع الأفلاك.
(٣) العنصريات
ويُبحث فيها حول: طبقات الأرض، والكائنات الجوية، والمعادن، وعلم النبات، وعلم الحيوان.
بَيْد أن بعضَ الحكماء منذ عصر صدر المتألهين الشيرازي اعتبر الطبيعيات أربعة أقسام، وهي:
-
(١)
السماع الطبيعي.
-
(٢)
الفلكيات.
-
(٣)
العنصريات.
-
(٤)
النفس.
ثانيًا: العلوم العملية، أو الحكمة العملية
هي التي يُطلب فيها أولًا استكمال القوة النظرية، بحصول العلم التصوُّري والتصديقي بأمور هي بأنها أعمالنا، ليحصل منها ثانيًا استكمال القوة العملية بالأخلاق. وبكلمةٍ أخرى: الحكمة المتعلِّقة بالأمور العملية التي علينا أن نعلمَها ونعملَها تُسمى حكمةً عملية، بينما الحكمة المتعلِّقة بالأمور النظرية التي علينا أن نعلمَها وليس علينا أن نعملَها تُسمَّى حكمةً نظرية.
وتنحصر العلوم العملية أو الحكمة العملية في ثلاثة أقسام، هي:
(أ) الحكمة المدنية، أو علم سياسة المدن وتدبير المجتمع
وهي تُعلِّم كيفية المشاركة التي تقع فيما بين أشخاص الناس، ليتعاونوا على مصالح الأبدان ومصالح بقاء نوع الإنسان.
(ب) الحكمة المنزلية، أو علم تدبير المنزل والعائلة
وهي تُعلِّم كيفية المشاركة التي ينبغي أن تكون بين أهل منزلٍ واحد، لتنتظم به المصلحة المنزلية.
(ﺟ) الحكمة الخُلقية، أو علم الأخلاق
وهي تُعلِّم الفضائل وكيفية اقتنائها لتزكُوَ النفس، وتُعلِّم الرذائل وكيفية توقِّيها لتتطهَّرَ عنها النفس.
هذا هو التصنيف الذي اعتمده القدماء في بيان شجرة المعرفة، وما تشتمل عليه من فروع العلوم البشرية المتنوِّعة.
ويعود تاريخ الهيكل الأساسي لهذا التصنيف إلى عصر الفيلسوف اليوناني أرسطو، ثم تبنَّاه وأكمله مَن جاء بعده من الحكماء، وربما اختلف معه غيرُ واحدٍ ممن تأخر عنه في تفاصيل وحدود هذا التصنيف، كما يظهَر في قسم الطبيعيات من كتاب «الشفاء» لابن سينا مثلًا.
أما الفلسفة الأوروبية الحديثة، فقد تخلَّت عن هذا التصنيف، وتبنَّت نموذجًا آخر في بيان شجرة المعرفة، وتصنيف العلوم لا يتطابق مع ما تقدَّم.