الفصل الرابع

في إثبات المادة الأولى والصورة الجسمية

إن الجسم من حيث هو جسم هو ما يحدث فيه الامتداد الجِرمي، والمراد بالامتداد الجِرمي، هو الجسم التعليمي؛ فإنه هو الذي يحدث في الجسم ويعيِّنه، وليس المراد به الصورة الجسمية فإنها نفس الجسمية، ولا يصدق في حقها أنها مما يحدث في الجسم أولًا وبالذات.

والبرهان الذي يُقام على أن الجسم مؤلَّف من مادة وصورة يُسمَّى ببرهان القوة والفعل، وهو يبتني على مقدمتَين:

  • الأولى: عندما نلاحظ أي جسم من الأجسام كهذا الجسم الذي أمامنا، نجد فيه حيثيتَين:
    • (١) فعلية هو بها بالفعل، وهي تمثِّل حجم الجسم وامتداده والحيِّز الذي‏ يشغله.
    • (٢) استعداده وقابليته لأن يكون شيئًا آخر، كهذه الورقة؛ فالحيثية الأولى لها أنها بالفعل موجودة، والحيثية الثانية، هي الاستعداد لأن تكون شيئًا آخر، كما إذا أحرقتها فتصبح رمادًا، وهذه الحالة موجودة في كل جسم من الأجسام؛ إذ فيه حيثية بالفعل، وفيه حيثية بالقوة، وحيثية الفعل غير حيثية القوَّة.
  • الثانية: هل حيثية القوَّة هي نفس حيثية الفعل؟ أو هل منشَأ انتزاع الحيثيتَين واحد؟ أي هل الجهة، التي يكون فيها الجسم بالفعل، هي نفس الجهة التي يكون فيها الجسم بالقوة؟ أو هل حيثية الاستعداد والقابلية هي نفسٌ حيثية الفعلية؟

    الجواب: مُحالٌ أن تكون الحيثية الأولى نفس الحيثية الثانية؛ أي محال انتزاع الفعلية من نفس ما ننتزع منه الاستعداد؛ فما ننتزع منه ما بالقوة غير ما ننتزع منه ما بالفعل؛ لأن حيثية الفعلية هي حيثية الوجدان؛ أي حيثية ترتُّب الآثار، وحيثية القوة، هي حيثية الفقدان، حيثية الاستعداد والقابلية.

    إذن في كل جسم تُوجَد حيثيَّتان؛ فعلية، هي الصورة الجسمية، وبالقوة، تكون منشأ لانتزاع الاستعداد لأن يكون شيئًا آخر، أو قُل المادة الأولى، وبهذا نُثبت أن هُناك مادةً أولى وصورةً جسمية.

تتمَّة

في هذه التتمَّة يُبيِّن المصنِّف مصطلَح المادة الأولى، والمادة الثانية، فما المقصود بالمادة الأولى؟ وما المقصود بالمادة الثانية؟

الجواب: إن أجزاء الذرة هي المصداق الأول الذي يُمثل الجسم الذي به امتداد جِرمي، فهي جسمٌ مؤلَّف من مادةٍ أولى وصورة؛ فعندما تجتمع مجموعة ذرَّات تؤلِّف جُزي‏ء عنصرٍ من العناصِر، وهذا الجُزَي‏ء يلبس صورةً نوعية لعنصرٍ من العناصر، افترِض مجموعة ذرَّات أوكسجين اتحدن فتألَّف جُزَي‏ءٌ لعنصر الأوكسجين، فهذا الأوكسجين فيه استعداد ليكون ماء، عند انضمام الهيدروجين معه، فيكون الهيدروجين مع الأوكسجين مادةً ثانية لصورةٍ جديدة، هي صورة الماء، كذلك الماء عند انضمام عناصرَ أخرى له يتحول إلى أشياءَ أخرى، كالدم أو اللحم … إلخ.

هذا هو المقصود بالمادة الثانية؛ فالمادة الأولى — الهيولى — مع الصورة الجسمية تساوي المادة الثانية؛ أي جُزَي‏ء هيدروجين مع جُزَي‏ء أوكسجين ينتج مادةً ثانية لصورةٍ جديدة لجُزَي‏ء الماء، وهكذا.

من هنا يتضح أن معنى المادة الثانية هو ما ليس بأُولى؛ فإن المادة الثانية لا تنحصر فيما ذكره، بل إن العناصر، وهي مجموع المادة والصورتَين الجسمية والنوعية، تصير موادَّ لصورٍ أخرى، هي الأجسام المركَّبة، وهكذا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥