في تلازم المادة والصورة
لا تُوجد مادة إلَّا مع الصورة، ولا تُوجد صورة بلا مادة؛ أي لا يمكن الحصول على مادة بلا صورة أو صورة بلا مادة، فلا يمكن تجرد وانفكاك إحداهما عن الأخرى أبدًا.
والمقصود بالمادة هنا هي المادة الأولى — الهيولى — فلا وجود لهذه المادة مجردة عن الصورة؛ لأنه لا فعلية لها، بل حيثيتها حيثية فقدان واستعداد، فالذي يجعل لها الفعلية ويقوِّمها هو الصورة، فهما متلازمتان ومتحدتان ولا انفكاك بينهما؛ لأن المادة الأولى حقيقتها مجرد استعداد وقبول ليس إلَّا، وهذه القابلية لكي تُوجد بالفعل تحتاج شيئًا يُخرجها للوجود، هو الصورة.
أمَّا الصورة فلا يمكن تجرُّدها عن المادة أيضًا، طالما هناك تلازم، فالصورة لا يمكن أن تتجرد عن المادة؛ لأن علماء الطبيعة قد أثبتوا أن كل شيء في عالم الطبيعة قابل للتغيير؛ أي لو لاحظت أي عنصر أو مادة كالخشب فهو يحترق، فيتحول فحم، ثم إلى رماد، والرماد إلى تراب، والتراب إلى شيء آخر، وهكذا.
إذن لا بد من صورة مع المادة، بمعنى لا بد من شيء يقبل هذه التغيُّرات، فيجعل الخشب يتحول إلى فحم، والفحم إلى رماد، والرماد يمتزج بالتربة فيمتصُّه النبات على شكل غذاء وسماد، فلا بد من شيء تطرأ عليه الخشبية، ثم الفَحْمية، ثم الرَّمادية، ثم السِّمادية، وهكذا؛ ولهذا لا تستغني المادة عن الصورة، ولا الصورة عن المادة.
وبعبارةٍ أخرى لا تحقق لموجود إلَّا بفعلية، وهذه الفعلية إما أن تكون لذاته، كالصورة، أو تكون لغيره، كما في المادة، فإن فعلية الصورة إنما هي بذاتها، وفعلية المادة بصورتها.
وإذا صَح أنه لا تحقُّق لموجود إلَّا بفعلية، وكانت حقيقة المادة الأولى أنها بالقوة من جميع الجهات، ولا فعلية لها، أنتج ذلك أن المادة ليست بموجودة إلَّا بالعرض؛ فإن الفعلية — ويساوقها الوجود — إنما هي للصورة، وتُنسب للمادة بالعرض، فالمادة يُنسب إليها الوجود بالعرض، وهذا نظير عدم الملكة، التي هي عدم، ويُنسب إليه الوجود لاتحاده بالموضوع الموجود.
ولا يخفى أن الصورة تارةً تقارن المادة، كما في الماديات، وأخرى لا تقارن المادة، كما في صور المجرَّدات، التي هي فعلية لا قوة فيها.