في انقسامات العلَّة
أقسام العلَّة
تنقسم العلَّة إلى: علة تامَّة وعلة ناقصة. والعلَّة التامَّة هي التي تشتمل على جميع ما يتوقف عليه وجود المعلول؛ أي هي تتألف من السبب والشرط وعدم المانع؛ فعندما نريد أن نحرق ورقة، فهذا الاحتراق يحتاج إلى علَّة تامَّة، وهي تتألف من: السبب «النار» والشرط «بأن تكون هذه النار قريبة من الورقة»، ثم عدم المانع «لا بد أن تكون الورقة غير رطبة»، فإذا وُجد السبب والشرط وعدم المانع احترقَت الورقة، هذه هي العلَّة التامَّة، ومتى ما وُجدَت العلَّة التامة وُجِد المعلول مباشرة.
أما العلَّة الناقصة فهي التي لا تتوفر على جميع ما يتوقف عليه وجود المعلول، وإنما تتوفر على بعض ما يتوقف عليه وجود المعلول، كأن يكون السبب أو الشرط أو عدم المانع فقط، فإذا فرضنا وجود النار، لكن الورقة كانت رطبة، أو بعيدة عن النار، فحينئذٍ هذا جزء العلَّة، وهو علةٌ ناقصة، وهذه العلة الناقصة لا تُوجِد المعلول، بينما العلَّة التامة تُوجِد المعلول بمجرد أن تُوجَد.
الفرق بين العلَّة التامة والناقصة
العلة التامة تختلف عن العلة الناقصة، في أن العلة التامة متى ما وُجدَت يلزم من وجودها وجود المعلول مباشرة؛ فعند وجود السبب والشرط وعدم المانع تحترق الورقة فورًا، ومتى ما عُدمَت العلَّة التامة انعدم المعلول.
أما العلَّة الناقصة فإنه لا يلزم من وجودها وجود المعلول؛ لأنه قد تُوجَد نار لكن الورقة رطبة أو بعيدة عن النار.
لكن متى عُدمَت العلة التامة انعدم المعلول، كما أن العلَّة الناقصة إذا عُدمَت ينعدم المعلول أيضًا؛ أي يلزم من عدم العلة الناقصة عدم المعلول.
العلة الواحدة والكثيرة
وتنقسم العلة إلى واحدة وكثيرة، والعلة الواحدة هي التي لا يكون سواها؛ فالواجب تعالى هو العلة الواحدة بالنسبة لهذا الكون. والعلة الكثيرة، كما في الغليان والاحتراق، فكما أن الغليان يمكن أن يحصل بواسطة النار، كذلك يحصل بواسطة الشمس لو كانت حارَّة جدًّا، بواسطة عدساتٍ لامَّة تجمع الطاقة الشمسية وتكثِّفها، أو بواسطة الطاقة الكهربائية، فكل واحدةٍ من هذه يمكِن أن تكون علةً للغليان، وإذا اجتمعَت بمجموعها تتحد فتكون علَّة واحدة؛ لأن كل واحدةٍ منها سوف تكون علَّة ناقصة، وإذا انفردَت فتكون كل واحدة منها علَّة مستقلة بمفردها؛ فهي عِللٌ كثيرة.
العلة البسيطة والمركبة
تنقسم العلَّة إلى علَّة بسيطة وعلَّة مركبة.
والعلَّة البسيطة هي التي لا تكون لها أجزاء. وتكون إما بسيطة بحسب الخارج أو بحسب العقل.
أما العلة المركَّبة فهي التي تكون لها أجزاء، وهي كذلك تكون إما مركَّبة بحسب الخارج أو مركَّبة بحسب العقل.
فالتركيب يكون بأشكال؛ فمرةً يكون التركيب بحسب الخارج كالجسم؛ لأن كل جسم يتركَّب من مادة وصورة.
ومرةً نلاحظ التركيب بحسب العقل كالماهيَّات، ولكن ليست الأجناس العالية، بل ما تحت الأجناس العالية، فإن الأنواع تحت الأجناس العالية تتألف من جنس وفصل، فهي مركبة بحسب العقل؛ أي إنها مركَّبة تركيبًا عقليًّا. ومرةً لا تكون العلة مركَّبة من جنس وفصل، كمقولات العرض التسع، وكذلك الجوهر؛ فهذه كلها ليست مؤلفة من جنس وفصل؛ إذ لا أجناس فوقها، ولكن الأجناس العالية يمكن أن تكون مركَّبة باعتبارٍ آخر؛ أي باعتبارها ممكنة وكل ممكن زوجٌ تركيبي، مؤلف من وجود وماهيَّة.
ولكن هناك علَّة لا تشوبها شائبة التركيب، وهي بسيطةٌ بساطةً محضة؛ إذ هي غير مركَّبة لا خارجًا ولا عقلًا، وهو الواجب تعالى علوًّا كبيرًا.
العلة القريبة والبعيدة
تنقسم العلَّة أيضًا إلى: قريبة وبعيدة، والقريبة هي التي لا تُوجد واسطة بينها وبين معلولها، كالنار والاحتراق مثلًا، أما البعيدة فهي التي تُوجَد واسطة بينها وبين معلولها مثل اليد علَّة لفتح الباب بواسطة المفتاح.
العلة الداخلية والخارجية
وأيضًا تنقسم العلَّة إلى داخلية وخارجية، والمقصود بالعلَّة الداخليَّة هي الأجزاء، فالمادة والصورة بالنسبة إلى الجسم علَل داخليَّة مقومة؛ ولذلك تُسمَّى بعلَل القوام، لأن الشيء يتقوم بها، أما العلل الخارجية، فهي علَل الوجود التي لا تكون أجزاء، وإنما تكون من الخارج علة لوجود الشيء، وهي الفاعل والغاية، والفاعل نعبِّر عنه ﺑ «ما به الوجود» أي ما يصدر عنه المعلول، أما الغاية فيعبَّر عنها ﺑ «ما لأجله الوجود» أي ما يصدر لأجله المعلول.
العلة الحقيقية والمعدَّة
كما تنقسم العلة إلى العلة الحقيقية والمعِدَّات، والمقصود بالمعِدَّات، هي العوامل المساعدة، وهذه العوامل لا تُوجدِ الشيء وإنما هي مقدِّمات وممهِّدات ومهيِّئات ومقرِّبات، تقرِّب المادة إلى إفاضة الفاعل، كتقريب الخشب إلى النار، فهذا ليس علَّة بل هو ممهِّد إلى العلة ومقرب، أو كمن يمشي في الطريق ويريد الدخول إلى المسجد فالخطوة الأخيرة هي التي تدخله إلى المسجد فهي علة دخوله، وكل الخطوات الأخرى ممهِّدات ومقرِّبات ومعِدَّات تقرِّبه للنتيجة ليس إلَّا.
والمعِدَّات ليست علةً حقيقية، وإنما يطلَق عليها علة تجوزًا.