الفصل السابع

في العلة الغائية

العلَّة كما تقدَّم تنقسم إلى: عِلل قوام، وعِلل وجود، وعِلل الوجود هي: العلة الفاعلية والعلة الغائية، وعلل القوام هي: العلة المادية والعلة الصورية. والمصنِّف تحدَّث عن علة الوجود الأولى وهي العلة الفاعلية؛ ومن ثمَّ انتقل إلى الحديث عن علة الوجود الثانية وهي العلة الغائية، وهذا البحث يُعتبر من البحوث المهمة، وقد لخص المحقِّق السبزواري في المنظومة هذه المسألة بقولة:

إذْ مقتضى الحكمة والعناية
إيصال كل ممكِن لغاية

أهمية هذا البحث

وقبل الدخول إلى تعريف الغاية نشير إلى مسألة، وهي أن هذا البحث يُعتبر من البحوث المهمة جدًّا في الفلسفة الإلهية؛ ولهذا قال صدر المتألهين:١ «اعلم أن النظر في العِلل الغائية هو بالحقيقة من الحكمة، بل أفضل أجزائها».
وقال المطهري:٢ «إن البحث في العلة الغائية من المباحث التي يترتب على قبولها وعدم قبولها تغيُّر كلي في النظرة الكونية للإنسان، وربما لم تحتلَّ مسألةٌ فلسفيةٌ حجم هذه المسألة في الرؤية الكونية؛ فالمسألة المعروفة بالخير والشر، وكيفية وقوع الشر بالقضاء الإلهي ترتبط بهذه المسألة».

حدود البحث

أما حدود البحث في مسألة العلة الغائية فهو كل موجودات عالم الإمكان الأعم من الموجودات الممكِنة المادية والمجرَّدة؛ فكل هذه لها غاية.

معنى الغاية

الغاية هي الكمال الأخير الذي يتوجِّه إليه الفاعل في فعله، أو قل: هي الصورة الأكمل لوجود كل شي‏ءٍ في طريق التكامل، بتبديل الموجود الصورة الناقصة له بصورة أكمل.

الغاية في الفاعل العالِم والفاعل غير العالِم

أما الفرق بين الغاية في الفاعل العالِم ذي الشعور وبين الفاعل غير العالِم والفاقد للشعور، فالغاية في الفاعل العالم هي ما لأجله الحركة، والغاية في الفاعل غير العاقل هي‏ ما تنتهي إليه الحركة، أو قل: إن الغاية في الفاعل العالِم الذي لعلمه دخلٌ في فاعليته تكون مرادةً للفاعل، وإذا لم يكن الفاعل ذا علمٍ ولا دخل للعلم في فاعلية الفاعل، تكون الغاية هي ما تنتهي إليه الحركة وما ينتهي إليه الفعل؛ ولهذا فإن للغاية مرحلتَين بالنسبة للفاعل العالِم الذي له شعور:

  • المرحلة الأولى: هي المرحلة الذهنية العلمية.
  • والمرحلة الثانية: هي المرحلة الخارجية؛ أي العينية.

أما بالنسبة للمرحلة العلمية للغاية فإنها متحدة مع وجود الفاعل ومتقدمة على الفعل، وأما المرحلة العينية للغاية فإنها متأخرة عن وجود الفعل؛ فمثلًا عندما تريد أن تذهب إلى المكان الفلاني فإنك لديك غايةٌ معيَّنة؛ أي يحصل لديك تصورٌ ذهني للغاية قبل مباشرة الفعل؛ فهذه المرحلة العلمية تكون متقدمة على الفعل، وتكون متحدة مع وجود الفاعل، متحدة مع نفسك ومع وجودك.

أما المرحلة العينية للغاية؛ أي زيارتك لفلان أو شبعك، فإن هذه المرحلة العينية متأخرة عن الفعل، متأخرة عن السفر في مثال السفر.

هذا بالنسبة للغاية في الفاعل العالِم بفعله ذي الشعور. أما الفاعل الذي لا علم له بفعله ولا شعور لديه، فإن غايته ما تنتهي إليه حركته، كحبَّة الحنطة عند الإنبات فإن لها غاية، وهي ما ينتهي إليه نمُوها، وما إليه حركتها، فغايتها هو تكاملها ونمُوها وتحوُّلها إلى نبتة، ثم إلى سنبلة، ثم تتحول السنبلة إلى طعام، وهكذا. وهذا كمال هذا الموجود؛ لأن الموجودات الممكِنة تتحرك كي يصل كلٌّ إلى كماله، فهو يتحرَّك للوصول لهذا الكمال، إلا إذا حال مانعٌ يمنعها من مواصلة بلوغ كمالها.

الدليل على وجود الغاية

  • أولًا: هناك نسبةٌ ثابتة بين الموجود الممكِن وكماله؛ أي إن لكمال الشي‏ء نسبةً ثابتةً لذلك الشي‏ء؛ فمثلًا تُوجَد نسبة ثابتة بين حبة الحنطة وبين كمالها.
  • ثانيًا: كل موجودٍ ممكِن يقتضي الكمال، وهو ينزع نحو كماله الخاص به، وهذه حالةٌ طبيعية في كل موجودٍ ممكِن.
  • ثالثًا: إن العناية والحكمة الإلهية تقتضي هداية وإيصال كل ممكِن يتوفر لديه مثل هذا الاستعداد إلى كماله المُودَع فيه، هكذا مقتضى الحكمة الإلهية، وهذه هي الهداية التكوينية.
  • رابعًا: كل موجودٍ ممكِن أو معظم الممكِنات تصل عادةً إلى الكمال المناسب لها، إلا أن يحول بينها وبين كمالها ما يمنعها من مواصلة السير في طريق الكمال، كما في حبة الحنطة إذا ثقبَتْها آفةٌ زراعية، أو عندما تتعرَّض إلى غرقٍ بعد تحوُّلها إلى نبتة فتموت، وإلا فلو نمَت وسارت بشكلٍ طبيعي من دون أن تتعرَّض لها الآفات فإنها تصل إلى ذروة كمالها.
١  «الأسفار الأربعة»، ج٢، ص٢٧٠.
٢  «شرح المنظومة»، ج٢، ص٣٩.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥