تقسيمات الحمل الشائع
ينقسم الحمل الشائع في بعض التقسيمات إلى:
-
(١)
حمل هوهو؛ أي حمل المواطاة.
-
(٢)
حمل ذي هو؛ أي حمل الاشتقاق. والأصل في تسميته أن يُسمى بحمل «هو ذو هو»،١ ولكنهم خفَّفوها فقالوا: حمل ذي هو.
المقصود بحمل هوهو، أن يُحمل المحمول على الموضوع بلا اعتبار أمرٍ زائد، كما في: الإنسان ضاحك، أو زيد قائم.
بينما المقصود بحمل ذي هو أو حمل الاشتقاق أن يتوقف اتحاد المحمول مع الموضوع على اعتبار أمرٍ زائد، كتقدير ذي، كما نقول: زيدٌ عدلٌ، فهنا لا بد أن نقدِّر «ذو» فنقول: زيد ذو عدل، أو نشتق عادل فنقول: زيد عادل، فيكون هذا الحمل حمل ذي هو، أو حمل اشتقاقي؛ أي لا يُحمل المحمول على الموضوع إلا باعتبار أمرٍ زائد.
كما ينقسم الحمل الشائع أيضًا إلى:
-
(١)
حمل بسيط.
-
(٢)
حمل مركَّب.
وهنا لا نلاحظ المحمول بل نلاحظ الموضوع؛ فالحمل البسيط بمعنى الهَلية البسيطة، والحمل المركب بمعنى الهَلية المركبة؛ فتارة يكون المحمول هو وجود الموضوع، كما في: الإنسان موجود، فهذه هي الهَلية البسيطة. وأخرى يكون المحمول أثرًا من آثار وجود الموضوع، كما في: الإنسان ضاحك؛ أي مرَّةً يكون المحمول هو ثبوت الشيء، ومرةً يكون المحمول هو ثبوت شيءٍ لشيء.
وينقسم الحمل أيضًا إلى:
-
(١)
بتِّي.
-
(٢)
غير بتِّي.
والمقصود بالبتِّي — نلاحظ الموضوع — ما تكون لموضوعه أفرادٌ محققة يصدُق عليها العنوان.
وغير البتِّي ما تكون لموضوعه أفراد مقدَّرة غير متحققة. هذا فهرس تقسيمات الحمل الشائع.
حمل المواطاة والاشتقاق
الحمل له صورتان؛ صورة يُحمل المحمول على الموضوع بحالته الفعلية، وأخرى يُحمل المحمول على الموضوع لا بحالته الفعلية، أو تارةً كما في: زيد قائم، فقائم يكون بنفسه قابلًا للحمل على زيد. وأخرى كما في: زيد قيام، فقيام لا يكون بحالته الفعلية قابلًا للحمل على الموضوع زيد، وإنما لا بد أن نتصرَّف فيه؛ أي لا بد أن نشتق قائم من القيام كما في: زيد قائم، أو نضيف أمرًا زائدًا هو ذو، فنقول: زيد ذو قيام، فيكون هذا الحمل حمل اشتقاق، بينما الحمل في زيد قائم، هو حمل مواطاة بمعنى حمل اتفاق؛ أي لا نحتاج لشيءٍ زائد أو اشتقاق لكي نحمله على زيد.
وبتعبيرٍ آخر إذا لاحظنا العرض بما هو عرض فلا يكون قابلًا للحمل على الجوهر؛ لأن العرض شيء والجوهر شيءٌ آخر ولا اتحاد بينهما؛ فالقيام عرض، وزيد جوهر، والقيام غير قابل للحمل على زيد، ولكن العرضي «قائم» قابل للحمل على الجوهر؛ لأن العرضي يكون محتاجًا لما يُحمل عليه.
أو قل: إن العرض تارة نلاحظه بشرط لا، كالقيام فإنه عرضٌ نلاحظه بشرط لا عن الحمل، وأخرى نلاحظ نفس القيام لا بشرط، بمعنى لا بشرط عن الحمل؛ أي تارةً نلاحظه بما هو عرض في قبال الجوهر فلا يكون قابلًا للحمل، وأخرى نلاحظه باعتباره عرضيًّا فيكون قابلًا للحمل على الجوهر. فإذا لاحظناه بما هو قابل للحمل يكون حمل هوهو، بمعنى حمل مواطاة، وإذا لاحظناه باعتباره يحتاج إلى أمرٍ زائد حتى يحمل يكون حمل اشتقاق؛ أي حمل ذي هو.
الحمل البتِّي وغير البتِّي
إن الموضوع تارة يكون محققًا وأخرى يكون مقدَّرًا؛ أي لو لاحظنا الموضوع بالنسبة إلى أفراده، كما لو لاحظنا الإنسان بالنسبة لمصاديقه الموجودة في الخارج، فإن مصاديقه موجودة، وهي: زيد، بكر، خالد، … إلخ، فهذا الموضوع أفراده في الخارج موجودة ومحقَّقة الوجود. وأخرى تكون الأفراد غير موجودة في الخارج وإنما أفراده افتراضية ليست موجودة، كما إذا قلنا: اجتماع الضدَّين محال، فالموضوع — اجتماع الضدَّين — ليس له مصداق، بل مصداقه افتراضي لا مصداقٌ واقعي محقَّق الوجود.
فإذا كانت أفراد الموضوع موجودة؛ أي إن مصاديقه موجودة في الخارج، فحينئذٍ هذا الحمل يعبَّر عنه بالحمل البتِّي، والمقصود به الحمل القطعي، وإذا كانت أفراد الموضوع ليست موجودة في الخارج وإنما هي مقدَّرة ومفترَضة، كما نقول: اجتماع النقيض محال، فالموضوع لا مصاديق له، بل مصاديقه افتراضية، غير محقِّقة، فهذا الحمل غير بتِّي، بمعنى غير قطعي.
وهذا التقسيم إنما هو بلحاظ الموضوع، عكس التقسيم الأول الذي كان بلحاظ المحمول.
الحمل البسيط والمركَّب
الحمل البسيط والحمل المركَّب يرتبط بالهَليات، فتارةً يكون مرتبطًا بمفاد هَل البسيطة، وأخرى يكون مرتبطًا بمفاد هَل المركبة، وهل البسيطة هي التي يُطلب فيها ثبوت الشيء، وهل المركَّبة هي التي يُطلب فيها ثبوت شيءٍ لشيء.
بمعنى أنه في الحمل البسيط يكون المحمول في القضية هو الوجود، كما في: الأرض موجودة، وهذا يُسمى الوجود المحمولي؛ لأن الوجود هو المحمول، فهذه القضية تعود إلى مفاد هَل البسيطة، والحمل هنا بسيط.
أما هَل المركَّبة؛ أي الحمل المركَّب، فهي القضية التي يكون محمولها غير الوجود؛ أي الموضوع له وجود والمحمول له وجودٌ آخر، ويتحد وجود الموضوع مع وجود المحمول، أو هي التي يُطلب فيها ثبوت شيء لشيء، فإذن يُوجَد اتحاد لوجودَين من حيثُ المصداقُ، وإن كان بينهما تغايُر من حيثُ المفهومُ.
ويمكِن التعبير عن الحمل البسيط بمفاد كان التامة؛ أي هَل البسيطة، والحمل المركَّب هو الذي يكون مفاد كان الناقصة؛ أي هَل المركَّبة؛ لأن كان الناقصة هي كان التي تفيد ثبوت شيء لشيء، بينما كان التامة تفيد ثبوت الشيء.
الإشكال على قاعدة الفرعية
إن ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له؛ فعندما نقول: الإنسان موجود، فهذا يقتضي أن ثبوت الوجود للإنسان فرع ثبوت الإنسان قبله؛ أي يكون له وجود قبله، وهذا الوجود أيضًا لا بد أن يكون له وجودٌ قبل ثبوت الوجود له، وهذا الوجود كذلك، فيتسلسل إلى ما لا نهاية، والتسلسل محال.
وبعبارةٍ أخرى التسلسل إنما يحصل؛ لأن ثبوت الوجود للإنسان هو فرع ثبوت الإنسان، وثبوت الإنسان لا بد له من وجود قبل ثبوت الوجود له، والوجود لا بد له من وجود، وهكذا، فيتسلسل.
جواب الإشكال
هذا الإشكال على قاعدة الفرعية أُجيب عليه بإجاباتٍ متعددة، ذكرها المصنِّف فيما سبق في المرحلة الأولى. منها جواب المحقِّق الدواني، وجواب الفخر الرازي، لكنهما جوابان غير تامَّين. والجواب الصحيح هو ما أفاده صدر المتألهين، وهو أن قاعدة الفرعية إنما تجري عادة في مفاد الهليَّات المركَّبة وليس في مفاد الهليَّات البسيطة؛ أي تجري في حالة ثبوت شيء لشيء، وليس في حالة ثبوت الشيء، وهو مفاد الهليَّة البسيطة؛ لأنه عندما نقول: الإنسان موجود، فالإنسان موجود بهذا الوجود وليس بوجودٍ آخر حتى يلزم التسلسل.