الفصل الثامن

في تقابل العدَم والملكة

تقابُل العدَم والقنية، والقنية من الاقتناء، نقول فلانٌ اقتنى شيئًا أي مَلَكه وحصَّله، وتقابُل العدم والملكة وتقابُل التناقض يشتركان في أنهما تقابُل بين أمرٍ وجودي وأمرٍ عدمي؛ فالملكة وجود وعدَمُها عدَم.

الفرق بين تقابُل التناقض والعدَم والملكة

الفرق بين تقابُل التناقض وتقابُل الملكة والعدم، هو أن الوجود الذي هو شرطٌ فيهما معًا، يشترط في الوجود بالنسبة للملكة قابليَّة المحل؛ أي المحل الذي فيه الملكة، مثل العين التي فيها استعدادٌ لقبول هذا الوجود وهو البصر، والذهن الذي هو المحل الذي فيه استعداد لقبول العلم، بينما لا يشترط ذلك في التناقض؛ ولذلك فالعدم في التناقض عدمٌ مطلق، وجودٌ يقابله عدم، بينما العدَم في الملكة هو عدَم مقيد، كعدَم البصر «العمى»، وعدم السمع «الصمم»، وعدم العلم «الجهل»؛ فالعمى هو عدم البصر في الموضع القابل للبصر، وهكذا «الصمم» عدم السمع في الموضع القابل للسمع، و«الجهل» عدم العلم في الموضع القابل للعلم.

منشأ انتزاع عدم الملكة

الموضوع الذي فيه القابلية للملكة، والذي ننتزع منه عدم الملكة، يمكن أن نتصوره بثلاث حالات:

  • (١)

    الطبيعة الشخصية.

  • (٢)

    الطبيعة النوعية.

  • (٣)

    الطبيعة الجنسية.

فمرةً نلاحظ زيدًا؛ أي الطبيعة الشخصية، وأخرى نلاحظ الإنسان، الطبيعة النوعية، وثالثة نلاحظ الحيوان، الطبيعة الجنسية، فماذا يكونُ المنشأ لانتزاع عدم الملكة؛ أي الموضوع الذي ننتزع منه عدم الملكة أهو الطبيعة الشخصية أم النوعية أم الجنسية؟

قبل بيان الجواب على هذا السؤال ينبغي معرفة المقصود بالطبيعة الشخصية، وهي أننا نلاحظ شخصًا معينًا، كزيدٍ الأعمى، فحينئذٍ نقول هذا الموضوع الشخصي أو هذه الطبيعة الشخصية أو هذا هو الجزئي الحقيقي؛ فزيد عندما لا يمتلك القدرة على الإبصار، نعبر عنه بأنه أعمى؛ فالعمى هو عدم البصر. هذا إذا كان الموضوع هو الطبيعة الشخصية.

وإذا كان الموضوع هو الطبيعة النوعية؛ أي لو لاحظنا صنفًا من أصناف الإنسان لا تُوجَد فيه قابلية نبات اللحية، مع أن النوع فيه استعداد نبات اللحية، ولكنَّ الرجل قبل البلوغ والمرأة أيضًا كليهما لا قابلية فيهما لإنبات اللحية، فحينئذٍ هل يمكن أن يكون هذا النوع منشأ لانتزاع عدم الملكة؟

فهل يمكن انتزاع عدم الملكة من الطفل؟ حيثُ إن طبيعته النوعية لها هذه الملكة؛ أي فيها قابلية الاتصاف بنبات شعر اللحية، فنقول عن هذا الطفل إنه أمرد؛ لأن المرودة هي عدم الملكة، بينما الملكة هي نبات الشعر.

فإذا قلنا إن منشأ انتزاع عدم الملكة هو الطبيعة النوعية فيمكن أن نصف هذا الطفل قبل بلوغه بعدم الملكة؛ لأننا نلاحظ الطبيعة النوعية؛ فنوع الإنسان أساسًا قابل للِّحية، وإن كان هذا الصنف من النوع ليس فيه هذه القابلية.

وإذا لاحظنا أن منشأ انتزاع عدم الملكة هو الطبيعة الجنسية، فيمكننا أن نصف أي حيوان بالعمى لأن فيه ملكة البصر، فحينئذٍ إذا لاحظنا نوعًا من الأنواع يندرج تحت جنسٍ معين، وهذا النوع يفقد الملكة، فيصح عندئذٍ أن نصفه بعدم الملكة، فيُقال: بأن العقرب أعمى، مع أن العقرب أساسًا فاقد لملكة الإبصار؛ أي لا يمتلك آلة للإبصار في أصل خلقته؛ لأنه إذا كان منشأ انتزاع عدم الملكة هو الطبيعة الجنسية؛ أي جنس الحيوان الذي يندرج تحته نوع العقرب ونوع الإنسان ونوع الطير وكل الأنواع الأخرى، فما دام الجنس قابلًا للاتصاف بالملكة فيصح أن نصف بعدم الملكة كل نوع من الأنواع الفاقدة للملكة، فيصح أن نصف العقرب بأنه أعمى، إذا كان مفهوم عدم الملكة منتزعًا من الطبيعة الجنسية.

العدم والملكة الحقيقي والمشهوري

إذا أخذ موضوع الملكة بعنوان الطبيعة الشخصية أو النوعية أو الجنسية ولم تقيد بوقت خاص، فيسمى ملكةً وعدمًا حقيقيًّا. وإذا أخذ الموضوع بعنوان الطبيعة الشخصية المقيدة بوقت الاتصاف فيسمى العدم والملكة المشهوري.

وإن كان للقوم اصطلاحٌ آخر في هذه المسألة؛ حيثُ قالوا: إذا كان الموضوع هو الطبيعة الشخصية أو النوعية أو الجنسية مع عدم تقيد هذا الموضوع بوقتٍ خاص فيُسمَّى بالحقيقي. وإن كان الموضوع هو العدم والملكة ولكن العدم والملكة في الطبيعة النوعية والجنسية والشخصية المقيَّدة بوقتٍ خاص فيُسمى بالمشهوري. فالعدم والملكة المشهوري لديهم هو الطبيعة الشخصية والنوعية والجنسية المقيَّدة بوقتٍ خاص هو وقت‏ الاتصاف.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥