في مِلاك السبق في أقسامه
المِلاك الذي يعتمد عليه السبق واللحوق في كل قسمٍ من الأقسام هو أمرٌ مشترك فيه بين المتقدم والمتأخر. وهو مختلف من قسم إلى آخر؛ فالمِلاك بالنسبة إلى السبق الزماني هو النسبة إلى الزمان؛ أي إن الدرس أمسِ أسبق من الدرس اليوم، إذا نسبنا أحدهما إلى الزمان فهو أسبق لأنه حدث أمسِ والثاني أحدث لتأخُّره عنه. والزمان نفسه مِلاك السبق فيه النسبة إلى الزمان (نسبته لنفسه)، كتقدُّم الساعة الواحدة على الساعة الثانية.
أما مِلاك السبق في السبق بالطبع، فهو النسبة إلى الوجود؛ أي إن العلة الناقصة متقدِّمة على المعلول بوجودها.
أما مِلاك السبق بالعلية، فالأمر المشترك بين المتقدم والمتأخر هو الوجوب؛ فللعلَّة من الوجوب ما ليس للمعلول، أو إن وجوب العلة متقدم على وجوب المعلول.
وأما السبق بالتجوهر والماهيَّة فملاكه هو تقرر الماهية؛ أي تذوُّت الأجزاء متقدم على تذوُّت الكل بالنسبة إلى الماهية.
أما مِلاك السبق بالحقيقة فهو مطلَق التحقُّق والواقعية، فالمتحقِّق منهما أولًا وبالذات هو الوجود؛ فهو سابق، والمتحقق ثانيًا وبالعرض هو الماهية؛ فهي لاحق. كقولنا جرى الميزاب، فهذا الجريان بالعرض لا بالذات، فجريان الماء سابق وجريان الميزاب لاحق.
أما مِلاك السبق الدهري فهو الكون والتحقُّق بمعنى الواقع، أعم من أن يكون هذا الواقع عالم الطبيعة أو غيره من العوالم، فالسابق يكون متحققًا في عالم الدهر، وهو عالم سابق لعالم الطبيعة.
أما مِلاك السبق بالرتبة فهو النسبة إلى مبدأ معيَّن، كالإمام والمأموم، بالقياس إلى المحراب أو إلى الباب، في الرتبة الحسيَّة. أو الإنسان بالنسبة إلى الجوهر، أو الجوهر بالنسبة إلى الإنسان، في الرتبة العقلية.
أما مِلاك السبق بالشرف فهو الشرف والفضل والمزية.