الفصل الثاني عشر

في موضوع الحركة الجوهرية وفاعلها

البحث في هذا الموضوع يتلخَّص في نقاطٍ أربع:

  • الأولى: في بيان النظرية المعروفة في موضوع الحركة الجوهرية.
  • الثانية: في بيان قول النافين للحركة الجوهرية.
  • الثالثة: في بيان مِلاك حاجة الحركة إلى موضوعٍ ثابت.
  • الرابعة: ما يتلخَّص من التحقيق في الحركة الجوهرية.

موضوع الحركة الجوهرية

إن موضوع الحركة الجوهرية هو المادة الأولى، وهذه المادة عادةً تحصُل في صورة من الصور؛ لأن المادة ليس لها إلا القوة، ولا فعلية لها إلا فعلية أنها بالقوة.

قول النافين للحركة الجوهرية

المشَّاءون القائلون بالكون والفساد نفَوا الحركة في مقولة الجوهر؛ ولهذا قالوا: إن تبدُّل الصور الجوهرية، إنما يكون بفساد صورة وانعدامها وتحقُّق ووجود صورٍ أخرى، فقالوا بالكون؛ أي الوجود، والفساد؛ أي الانعدام. وقد ذهبوا إلى أن شريكة العلة للمادة هي صورة من الصور؛ لأن المادة تحتاج إلى صورة تحفظها، كما تحتاج الخيمة إلى العمود. فالصورة شريكة العلة للمادة، والجوهر المفارق هو الذي يُوجِد الصورة والمادة، فالصورة هي التي تُحصِّل وتحفظ وحدة المادة.

وقد تقدَّم في الفصل السابع من المرحلة السادسة أنه يمتنع كون الصورة فاعلًا للمادة، بل إنما هي شرط لوجود المادة، فالمراد من الفاعل هنا مطلق العلة الذي يعم الشرط، ولكنه إنما عبَّر بالفاعل من جهة أن الشرط هذا متممٌ لفاعلية الفاعل. ويشهد لذلك قوله: فصورةٌ ما شريكة العلة بالنسبة إلى المادة. فإنه لو كانت الصورة فاعلًا قريبًا للمادة والجوهر فاعلًا بعيدًا لها لم تكن الصورة شريكة العلة بل كانت تمام العلة.

مِلاك حاجة الحركة إلى موضوع

إن المِلاك ينشأ مما يلي:

  • أولًا: حفظ وحدة الحركة؛ أي لولا الموضوع الواحد لما كانت الحركة واحدة. وبعبارةٍ أخرى لما كانت أجزاؤها غير مجتمعة في الوجود احتاجت إلى موضوعٍ ثابتٍ باقٍ، يُوجِب وحدة الكثرة وعدم انثلامها.
  • ثانيًا: أن وجود الحركة هو وجودٌ ناعت؛ أي إن الأجسام المتحرِّكة تتصف بالحركة، فهو وصف، والوصف يحتاج إلى موصوف، كما أن كل عرضٍ يحتاج إلى معروض؛ وبالتالي فكل حركة تحتاج إلى موضوع.

وهذا القول هو الذي يرى أن للحركة موضوعًا واحدًا هو المادة الأولى؛ فالمِلاك في حاجة الحركة للموضوع الواحد ينشأ من حفظ وحدة الحركة وكون الحركة وجودًا ناعتًا، فهو في حاجة إلى موضوع.

ولكن المصنِّف يناقش في هذه المسألة بشقَّيها، فيقول: إذا كان منشَأ حاجة الحركة إلى موضوعٍ ثابت، لكي تبقى الحركة واحدة، فإن هذا الكلام غير تام؛ لأن الحركة في نفسها أمرٌ متصل، غير قابل للقسمة الحقيقية، وإن كان قابلًا للقسمة الوهمية العقلية؛ لأن قبول الحركة للقسمة بالقوة لا بالفعل، فالحركة أمرٌ متصلٌ واحد.

ولمَّا كانت الحركة أمرًا واحدًا متصلًا، فتكون وحدتها محفوظة من دون حاجة إلى موضوعٍ واحدٍ ثابتٍ يحفظ وحدتها.

وإن كان مِلاك حاجة الحركة إلى موضوعٍ واحد، هو كونها وجودًا ناعتًا وصفيًّا، فهذا البيان إنما يتم في الحركات العرضية، كالكَم والكيف والوضع، أما في الحركة الجوهرية فالحركة والمتحرك أمرٌ واحد، فوجود الحركة بنفسها هي بنفسها حركة ومتحرك؛ أي إن الجوهر هو الحركة والحركة هي الجوهر، وعلى هذا الأساس نقول بعدم حاجة الحركة إلى موضوعٍ ثابت.

ملخَّص القول في هذه المسألة

حاصل التحقيق في موضوع الحركة الجوهرية هو الحركة نفسها وليس شيئًا آخر، ويمكن القول باعتبارٍ ما، إن الحركة الجوهرية لا موضوع لها؛ لأن الجوهر هو الحركة والحركة هي الجوهر، فالحركة والمتحرك هما موضوعٌ واحد.

أمَّا تعبير بعضهم بأن موضوع الحركة هو المادة الأولى والتي تكون محلًّا للصور، وهذه الصور يتوارد عليها إما خلعٌ بعد لبس على قول المشَّائين، أو لبس بعد لبس على قول الملا صدرا؛ فهذا القول مجازي بنحو الإسناد العقلي، والمصحِّح له أن المادة متحدة مع الصورة الجوهرية؛ ولذلك قالوا بأن موضوع الحركة هو المادة، وإلا فإن الصور الجوهرية هي المتحركة، فالمتحرك هو الصور النوعية الجوهرية وموضوع الحركة كذلك. أما المادة فهي في نفسها قوَّةٌ محضة لا تعيُّن لها، وإنما تتعيَّن بالصورة؛ ولذلك فلا هويةَ مستقلةً للمادة بدون الصورة.

إن الحركة الجوهرية لما كانت ذاتًا جوهرية سيَّالة، كانت قائمةً بذاتها، موجودةً لنفسها، فهي حركة ومتحركة في نفسها. وبعبارةٍ أخرى لمَّا كانت سيلانًا — تغيرًا تدريجيًّا — جوهريًّا، بل كانت جوهرًا، والجوهر وجوده لنفسه، فهذه الحركة قائمة بنفسها، فموضوعها نفسها؛ إذ لا معنى لموضوع الحركة إلَّا ما تقوم به الحركة؛ وعلى هذا فإن المتحرِّك بالذات هو نفس الحركة، وغيره — كالمادة — متحرِّك بالعرض.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥