الفصل الخامس عشر

في السكون

ما هو المقصود بالسكون عندما نقول هذا الجسم ساكن وذاك متحرك؟ في هذا الفصل يدور البحث حول هذه المسألة في أربعِ نقاط:

  • الأولى: في بيان معنى السكون.
  • الثانية: في بيان نوع التقابل بين الحركة والسكون.
  • الثالثة: في إثبات أن كل جسمٍ أو جسمانيٍّ متحرك؛ أي إنه غير ساكن.
  • الرابعة: أن الأمور الدفعية الوجود غير التدريجية لا حركة فيها.

معنى السكون

يُطلَق السكون على معنيَين؛ المعنى الأول هو خُلُوُّ الجسم من الحركة قبل الحركة أو بعد الحركة، بمعنى إذا كان الجسم قبل الحركة غير متحرك، فهو ساكن، وإذا كان الجسم بعد الحركة غير متحرك، فهو أيضًا ساكن؛ فالسيارة قبل أن تتحرَّك ساكنة، وبعد أن تحرَّكَت ووقفَت هي ساكنة أيضًا.

كما يطلَق السكون على ثبات الجسم على حاله الذي هو عليها، بقطع النظر عن الحركة، فهذه السيارة الواقفة منذ سنة، الآن ثباتها على حالتها واستمرارها على هذا الثبات وعدم حركتها يعبَّر عنه بالسكون.

ما هو المعنى الذي يقابل الحركة من السكون، أفهو المعنى الأول أم المعنى الثاني؟ أي أهو خُلُوُّ الجسم من الحركة الذي هو معنًى عدمي، أم المعنى الثاني الذي هو ثبات الجسم على حاله، وكون الجسم ثابتًا على حاله هو معنًى وجودي؟

الجواب: إن الذي يقابل الحركة هو المعنى الأول؛ أي إن معنى السكون المقابل للحركة هو خُلُوُّ الجسم من الحركة قبل الحركة أو بعد الحركة.

أما المعنى الثاني فهو أمرٌ لازم للمعنى الأول، بمعنى لمَّا كان الجسم خاليًا من الحركة، بقيَ ثابتًا على حاله التي هو عليها. إذن المعنى الثاني ليس هو معنى السكون، وإنما هو لازمٌ لمعنى السكون، ومعنى السكون هو الملزوم.

التقابل بين الحركة والسكون

إذا كانت الحركة أمرًا وجوديًّا، نَحْوَ وجودٍ تدريجي للشي‏ء، والسكون أمرٌ عدمي، بمعنى انعدام هذا النحو من الوجود التدريجي للشي‏ء، فمعنى ذلك أن التقابل بينهما، بين أمرٍ وجودي وأمرٍ عدمي، والتقابل بين أمرٍ وجودي وأمرٍ عدمي لا يخلو، إما أن يكون تقابلًا بين نقيضَين، أو تقابلًا بين العدم والملكة.

وهو في الواقع من نوع التقابل بين العدم والملكة؛ لأن السكون معناه انعدام الحركة فيما من شأنه الحركة، يعني انعدام الحركة في الموضوع القابل للحركة وهو الجسم.

الحركة لا يخلو منها جسم أو أمر جسماني

الفرق بين الجسم والأمر الجسماني؟ الجسم هو الجوهر الممتد في الأبعاد الثلاثة، فالجسم جوهر، أما الأمر الجسماني فهو الحالُّ في الجسم، يعني فيما يكون في الجسم. مثل الأمر الزماني إذْ هو ما يكون في الزمان، فالجسماني هو الأعراض الحالَّة في الجسم مثل البياضِ الحالِّ في الورقة؛ أي في الجسم، فإن البياض أمرٌ جسماني لأنه قائم ‏بالجسم.

إذن الجسم والجسماني لا يخلوان من الحركة بناءً على القول بالحركة الجوهرية، يعني أنه ليس هناك للسكون مصداقٌ في شي‏ء من الجواهر المادية؛ لأن كل جسم من الأجسام؛ أي كل جوهرٍ ماديٍّ سيَّال الوجود؛ فالجواهر المادية ليس فيها مصداق للسكون، كما أنه لا شي‏ء من أعراضها يكون مصداقًا للسكون أيضًا؛ لأن الأعراض تابعة في حركتها للجواهر الحالَّة فيها.

نعم يمكن أن نقول إن هناك معنًى للسكون نسبيًّا؛ أي إن هناك سكونًا نسبيًّا بالنسبة إلى الموضوعات المادية، فالموضوع المادي بالقياس إلى الحركات الثانية التي في المقولات الأربع؛ الكم، والكيف، والأين، والوضع، يمكن أن يكون له سكون.

إذن السكون ليس له مصداقٌ حقيقي لا في الجواهر المادية ولا في الأعراض الحالَّة بها.

الأمورُ الآنيَّةُ الوجود لا حركة فيها

إن الحركة أمرٌ تدريجي الوجود، وهي خروج الشي‏ء من القوة إلى الفعل بالتدريج، فإذا كان الأمر دفعيًّا آنيَّ الوقوعِ لا تتحقَّق فيه حركة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥