الفصل السادس عشر

في انقسامات الحركة

هنا مبحثان أساسيان:

  • (١)

    في تقسيمات الحركة.

  • (٢)

    في بيان الفاعل القريب للحركة في مجموعة الحركات التي تنقسم بانقسام ‏الفاعل.

تقسيمات الحركة

تنقسم الحركة بانقسام الأركان الستة للحركة؛ حيثُ قلنا إن للحركة ستة أركان هي: المبدأ، المنتهى، الموضوع، المسافة، الزمان، الفاعل.

  • (١)

    تنقسم الحركة بانقسام المبدأ والمنتهى، بمعنى انقسامها إلى الحركة من أين كذا إلى أين كذا؛ أي من مكان كذا إلى مكان كذا، والحركة من لون كذا إلى لون كذا، يعني من اللون الأصفر إلى الأحمر مثلًا.

  • (٢)

    تنقسم الحركة بانقسام الموضوع المتحرك، كحركة النبات وحركة الإنسان.

  • (٣)

    تنقسم الحركة بانقسام المقولة، مثل الحركة في الكيف، كاللون يتغيَّر، والحركة في الكم، كالطول يزداد، والحركة في الأين، كهذا الجسم ينتقل من مكان إلى مكان، وهكذا.

  • (٤)

    تنقسم الحركة بانقسام الزمان، كالحركة في الليل والنهار، والحركة في الصيف‏ والشتاء.

  • (٥)

    تنقسم الحركة بانقسام الفاعل إلى الحركة الطبيعية، والحركة القَسْرية، والحركة النفسانية، والحركة الإرادية.

ومن المعلوم أن الحكماء القدماء ذهبوا إلى أن الحركات بلحاظ الفاعل وبلحاظ المبدأ الذي تنشأ منه تنقسم إلى قسمَين أساسيَّين هما:

  • (١)

    حركات إرادية.

  • (٢)

    حركات طبيعية.

فالفاعل تارةً يكون ذا شعور والتفات فحركته حركة إرادية، وتارةً يكون فاقدًا للإرادة فتكون حركته حركة طبيعية؛ فحركة الكرة عندما تسقط إلى الأسفل حركة طبيعية، أما حركتك عندما تقوم من محلٍّ إلى آخر فحركةٌ إرادية.

والمقصود بالحركة الطبيعية هي الحركة التي تحدث للشي‏ء بمقتضَى طبعه بدون قوة خارجية، كالكرة التي تسقط إلى أسفل.

أما الحركة الإرادية فهي التي تكون بفعل الفاعل وإرادته، يعني يكون الفاعل المباشر للحركة فيها ذا إرادة. وهذه الحركة الإرادية إما أن تكون بالرضا أو تكون بالإجبار.

انقسام الحركة بحسب الفاعل

إن الحركة تنقسم بانقسام الفاعل إلى هذه الأقسام:

  • (١)

    طبيعية.

  • (٢)

    قَسْرية.

  • (٣)

    إرادية.

فالطبيعية والقسرية كلتاهما طبيعية، ولكن الطبيعية هي ما تكون بمقتضَى الطبع، والقسرية هي بسبب قاسر من الخارج، والإرادية أن يكون الفاعل فيها ذا إرادة وشعور بالنسبة إلى فعله؛ أي إن الفاعل في الحركات الإرادية هو الفاعل النفساني والحركة هي الحركة النفسانية.

إن الفاعل للحركة الطبيعية هو طبيعة المتحرك، والفاعل للحركة القسرية هو أمرٌ قاسر من الخارج، بمعنى أن الفاعل للحركة القَسْرية هو مقتضَى الطبيعة.

ومن المعلوم أن الفاعل إما أن يكون فاعلًا إلهيًّا وهو مُفيض الوجود، أو فاعلًا طبيعيًّا وهو بمثابة العلة المُعِدَّة. والفاعل القريب لتمام هذه الحركات هو طبيعة المتحرك؛ ففي الحركات النفسانية إنما يكون عن تسخيرٍ نفساني، وفي الحركات الطبيعية هو مقتضَى الطبيعة، وفي الحركات القَسْرية هو قَهْر الطبيعة وقَسْرها.

جاء في شرح الهداية الأثيرية، ص١٠٠: كل حركة باعتبار المحرك، فهي إما ذاتية أو عرضية؛ لأن القوة المحركة إما أن تكون موجودة في المتحرك من حيث إنه متحرك، أو لا تكون موجودةً فيه من تلك الحيثية، فالحركة في الأول ذاتية وفي الثاني عرضية، وكل حركة ذاتية، إما طبيعية أو قَسْرية أو إرادية.

وقد قالوا في الطبيعيات القديمة: إن المبدأ المباشر المتوسِّط بين الفاعل الطبيعي وبين الحركة هو مبدأ الميل، ومبدأ الميل هذا يُوجِده الفاعل في طبيعة المتحرك.

مبدأ الميل

إن ما طرحه الحكماء القدماء في مسألة الحركة يقوم على أساس قاعدتَين:

  • القاعدة الأولى: أن أي جسم من الأجسام لا بد أن يكون مشتملًا على مبدأ ميل مباشر أو قوة أو طبيعة، يعني لا وجود للجسم المطلَق؛ أي الجسم الخالي من مبدأ مباشر أو قوة أو طبيعة.
  • القاعدة الثانية: أن الفاعل المباشر لكل حركة، سواء كانت هذه الحركة إرادية أم طبيعية أم قسرية هو الطبيعة، يعني أن كل جسم يتضمن مبدأ الميل؛ أي إنه لا يُوجَد جسمٌ مطلَق خالٍ من مبدأ ميل مباشر أو قوة أو طبيعة، وإن الفاعل لكل حركة سواء كانت إرادية أم طبيعية أم قَسْرية هو الطبيعة.

لقد ذهبَت الطبيعيات الكلاسيكية إلى أن كل جسم يجب أن يتوفر على مبدأ ميلٍ مستقيم؛ أي لا بد أن يكون في كل جسم ميلٌ صوب حركةٍ مستقيمةٍ غير منحنية.

فالقدماء كانوا يرَون أن العناصر أربعة هي: الماء والتراب والنار والهواء، وأن كل عنصر من هذه العناصر؛ أي كل جسم من هذه الأجسام الأربعة، لا بد أن يكون فيه مبدأ ميل، بمعنى يكون في كل جسمٍ ميل صوب حركةٍ مستقيمة لا اعوجاج فيها ولا انحناء، وهذا الميل إما أن يكون نحو الأسفل كما في الماء والتراب؛ فإنهما دائمًا ينحدران نحو المركز؛ أي نحو الأسفل، وإما أن يكون هذا الميل نحو الأعلى كما في النار والهواء.

ومبدأ الميل عرضٌ قائم بالجسم؛ فكما أن الجسم فاعل لسائر أعراضه فإنه فاعلٌ للميل أيضًا.١

الفاعل القريب للحركة

مهما كانت الحركة فإن فاعل الحركة المباشر هو الطبيعة أو قُل هو الصورة النوعية؛ لأن لكل جسمٍ طبيعةً وصورةً نوعيةً خاصةً به، وهذه الطبيعة تارةً يعبَّر عنها بالطبيعة، وأخرى يعبَّر عنها بالصورة النوعية، وهذه هي الفاعل المباشر المحرِّك للشي‏ء؛ فحتى الحركات القَسْرية التي تحصل بخلاف مقتضَى طبع الجسم، هي أيضًا تتم بفاعلية الطبيعة.

إذن لكل جسمٍ طبيعةٌ خاصة ومبدأ ميلٍ مباشر، وإن كل جسم يحتاج في حركته إلى علة، وهذه العلة هي الصورة النوعية أو الطبيعة الخاصة للجسم، وحتى الحركة القَسْرية أيضًا معلولة للطبيعة.

خاتمة

ذكر المصنِّف في هذه الخاتمة ابتداءً معاني القوة، ثم بعد ذلك انتقل إلى بيان مجموعة إشكالات ترتبط بالمقام.

معاني القوة

  • (١)

    أن المقصود بالقوة هي حيثية القبول؛ فالقوة التي تحملها المادة تعني حيثية القبول في المادة، حيثية استعدادها وحيثية قبولها للصور النوعية. هذا هو المعنى الذي اصطلحنا عليه في هذه المرحلة، وهو المعنى الذي واكبناه في تمام هذه المرحلة.

  • (٢)

    في مقابل ذلك تطلَق القوة أيضًا على الفعل الشديد؛ فمثلًا عندما نسمع صوت انفجارٍ شديد، نقول: هذا صوتٌ قوي.

  • (٣)

    كذلك تطلَق القوة على معنًى ثالث وهو منشَأ الفعل؛ حيثُ قلنا إن منشأ الحركات الإرادية والطبيعية والقَسْرية ومبدأها هو القوة الطبيعية؛ لذا تطلَق القوة على مبدأ الفعل؛ أي الفاعل وسبب الفعل أيضًا؛ ولذلك نقول: القوى النفسانية هي مصدر الحركات النفسانية، والقوى الطبيعية هي مبدأ الآثار والحركات الطبيعية.

والقوة بالمعنى الثالث التي تطلَق على مبدأ الفعل أو قُل تطلَق على الفاعل، إذا كانت مقارنة للعلم والمشيئة، يعني يكون الفاعل ذا إرادة وشعور بالنسبة إلى فعله، ويكون فعله مقارنًا للعلم والإرادة والمشيئة. فإذا كان كذلك نعبِّر عن هذه القوة الفاعلة بأنها قدرة، وهذه القدرة هي العلة الفاعلة.

إذن العلة الفاعلة هي مبدأ الفعل إذا كان الفاعل مريدًا أو عالمًا بفعله.

إن الفعل لا يتحقق إلا بعد تمام العلة، وتمامية العلة تساوي العلة الفاعلة مضافةً إلى المادة؛ فالأكل لكي يتحقق فإن جزء العلة له هو القدرة التي هي العلة الفاعلة، والجزء الآخر هو توفُّر الطعام. افترض أنك الآن جوعان؛ أي لديك علم وإرادة، فإنه تتوفَّر لديك فاعلة، بمعنى فعلٍ زائدٍ علمًا زائدٍ إرادةً، ولكن لا يُوجَد طعام، فإن الأكل لا يتحقق.

إذن العلة الفاعلة تحتاج في تمام علِّيتها، وحتى يكون المعلول والفعل حتمي الصدور، إلى أمورٍ أخرى غير مبدأ الفعل والعلم والإرادة وهي وجود المادة.

ومن هنا يتبيَّن ما يلي:

  • أولًا: بعضهم قال في‏ بيان القدرة بأنها ما يصح معه الفعل والترك، يعني أن نسبة الفعل والترك إلى الفاعل إنما تكون بالصحة والإمكان إذا كان الفاعل جزءًا من العلة التامة، لكن المصنِّف يدقِّق في هذا الكلام؛ لأن هذه المسألة كما سيأتي ترتبط بالإلهيات بالمعنى الأخص، وإن كان المصنِّف قد ذكرها هنا لمناسبة في المقام.
  • ثانيًا: بعضهم قال: حتى يُوجَد الفعل لا بد أن يكون مسبوقًا بالعدم الزماني، لكن المصنِّف نفى هذا الأمر وقال: إن وجود الفعل لا يتوقف على أن يكون مسبوقًا بالعدم الزماني؛ لأن هذا القول يبتني على ما قاله المتكلمون من أن مناط الحاجة إلى العلة هو الحدوث وليس الإمكان، بينما برهنَّا فيما سبق أن مناط الحاجة إلى العلة هو الإمكان دون الحدوث.
  • ثالثًا: بعضهم قال: إن القدرة إنما تحدث حال الفعل، أما قبل الفعل فلا تُوجَد أي قدرة، لكن بيَّن المصنف أن القدرة كما أنها تكون موجودة عند الفعل تكون موجودة أيضًا قبل ‏الفعل.

ثم انتقل المصنف إلى المطلب الثاني وهو بيان بعض الإشكالات التي ترتبط بالمقام.

الإشكال الأول

ذهب البعض إلى أن القدرة تعني صحة الفعل والترك، يعني أن نسبة الفعل والترك إذا كانت صحيحة بمعنى ممكنة فهذا هو معنى القدرة، ولكن المصنِّف يقول إن هذا الكلام غير تام وغير دقيق؛ لأن تفسير القدرة بأنها ما يصح معها الفعل والترك إنما يصدُق على الموجودات الممكنة، فإن الموجود أو الفاعل الممكن هو الذي تستوي نسبة الفعل والترك بالنسبة إليه؛ لأن الفاعل الممكن يكون جزء العلة.

أما الفاعل الواجب، الفاعل التام الفاعلية، فإنه لا يتوقف فعله على شي‏ءٍ آخر سوى إرادته وقدرته؛ ولذا لا يصح أن نقول بالنسبة إلى قدرة الواجب، بأنها تعني ما يصح معها الفعل والترك؛ لأن الفاعل التام الفاعلية هو وحده علةٌ تامة للفعل، ولا يحتاج إلى أمرٍ آخر، بينما الفاعل الممكن ليس وحده علةً تامةً للفعل، وإنما يحتاج إلى أدوات الفعل وحضور المادة.

وعلى هذا الأساس لا معنى لأن نقول: إن الواجب تعالى تستوي نسبة الفعل والترك إليه، لأنه ما دام قادرًا على الفعل فإن قدرته على الفعل تعني أنه فاعلٌ تامُّ الفاعلية، وهو علةٌ تامةٌ للفعل.

من هنا انبثق إشكالٌ يقول: إذا كانت قدرة الواجب وحدها هي العلة التامة للفعل، ومتى ما وُجدَت العلة التامة وُجد المعلول، يعني إذا وُجدَت العلة التامة تكون العلة التامة واجبة، فإذا وجبَت العلة وجب المعلول، فيقتضي ذلك أن يكون فعل الواجب فعلًا حتميًّا، فإذا كان فعلًا حتميًّا يكون الفاعل فاعلًا موجَبًا؛ أي مجبرًا أو مكرهًا على الفعل؛ لأن أفعاله إذا كانت تصدُر منه بشكلٍ قهري، فحينئذٍ يكون مجبرًا على الأفعال.

أما لماذا تصدُر منه بشكلٍ قهري، فلأنه بناءً على القول بأن قدرة الواجب تعالى وحدها علةٌ تامة الفاعلية، فإذا كانت علةً تامة، فمتى ما تحقَّقَت العلة التامة تحقَّقَ المعلول، فيكون صدور الأفعال عنه صدورًا حتميًّا قهريًّا، فإذا كان كذلك يكون فاعلًا مجبرًا، فإذا كان فاعلًا مجبرًا لا يكون مريدًا، فإذا لم يكن مريدًا لم يكن قادرًا.

جواب الإشكال

متى يكون احتراق الورقة واجبًا؟ الجواب: عندما تُوجَد العلة التامة، يعني تحقق الشرط والواجب والمقتضي.

وإن الوجوب معنًى تحليلي منتزَع من وجود المعلول، فإذا وُجد المعلول اتصفَ بأنه واجب، يعني أولًا تجب العلة ثم يجب المعلول، فإذا كان الأمر كذلك يكون معنى اتصاف أفعال الواجب بالوجوب، أن هذا الوصف لاحقٌ بالفعل وليس متقدمًا على الفعل؛ أي إن هذا الوصف لاحقٌ بالفعل من قبل الواجب تعالى، يعني أنه واجب من قبله، واجب منه.

وبعبارةٍ أخرى هو واجبٌ منه وليس واجبًا عليه، وبتعبير ابن سينا: يجب عنه لا يجب عليه؛ فإن الباري تعالى وإن كان قادرًا، وإن كان فاعلًا تام الفاعلية، وإن كان وحده علةً تامةً لأفعاله، ولكن لا يكون فاعلًا مجبرًا؛ لأن وجوب الفعل يلحق الفعل وليس قبل تحقُّق الفعل، وفعله معلولٌ له تعالى.

وببيانٍ آخر لو أردنا أن نرتِّب هذه المسائل ترتيبًا عقليًّا، لا بد أولًا من قدرة، ثم فعل، ثم ننتزع من الفعل عنوان كون هذا الفعل واجبًا.

إذن الوجوب يقع في المرتبة الثالثة، فلا يعود الوجوب الذي يقع في المرتبة الثالثة إلى القدرة التي تقع في المرتبة الأولى، لنقول إن الفعل واجبٌ عليه، بل إن الفعل واجبٌ منه وليس واجبًا عليه. هذا من جهة.

ومن جهةٍ أخرى متى يكون الواجب مجبرًا؟ مثلًا عندما نقول: فلانٌ مجبَر على فعل كذا، فما معنى أنه مجبَر؟

الجواب: لا بد أن يكون هناك شي‏ء في الخارج هو الذي أجبره، لكن براهين التوحيد تثبت أنه ليس هنالك فاعلٌ آخر غيره؛ فإنه لا شريك له تعالى، فإذا لم يكن هناك شي‏ء في الخارج هو الذي أجبره، وإذا لم يكن هناك فاعلٌ آخر يؤثِّر عليه، فلا يكون مضطرًّا ومجبورًا ومكرهًا في فعله.

الإشكال الثاني

بعضهم قال إنه لكي يُوجَد الشي‏ء لا بد أن يكون معدومًا في رتبةٍ سابقة، ثم بعد ذلك يُوجد؛ أي إن صحة الفعل متوقفة على كونه مسبوقًا بالعدم الزماني، فأي معلول وأي فعل وأي شي‏ء لم يكن مسبوقًا بالعدم الزماني يمتنع فعله ويمتنع أن يكون معلولًا.

جواب الإشكال

إن هذا الكلام غير تام؛ لأنه مبني على أن علة الاحتياج إلى العلة هي الحدوث، كما قال المتكلمون، وقد برهنَّا فيما سبق على أن علة الاحتياج إلى العلة هو الإمكان وليس ‏الحدوث.

الإشكال الثالث

قال بعضٌ إن القدرة تعني أنه لا بد أن يكون الفاعل حين الفعل قادرًا، أما قبل الفعل فلَيسَ بقادر، وبعبارةٍ أخرى إن القدرة على الفعل لا بد أن تكون مقارنة للفعل، فأنت قادر على الأكل حال الأكل، أما قبل الأكل فلا يصح أن تُوصف بأنك قادر على ‏الأكل.

والقائل هم الأشاعرة، واستدلوا على ما قالوا بأنه لو كانت القدرة موجودة قبل الفعل امتنع بقاؤه، فيلزم وقوع الفعل عن غير قدرة. بيان الملازمة: أن القدرة عرض والعرض يمتنع بقاؤه، ورُدَّ بأنا لا نسلِّم استحالة بقاء الأعراض.٢

جواب الإشكال

هذا الكلام باطل أيضًا؛ لأن القدرة تعني ما يمكن معه الفعل والترك، والفاعل قبل الفعل يصدُق عليه أنه قادر على فعل الأكل وقادر على ترك الأكل، فإذا قلنا إن القدرة إنما تكون حال الفعل فقط، فيلزم أن نسلب القدرة قبل الفعل، بينما قبل الفعل الإنسان قادر على الفعل والترك.

وبتعبير آخر إن الإنسان إذا أكل تتحقق له القدرة على الفعل، أما قبل الفعل فلا قدرة له كما يقول هذا المشكل، وهذا يعني أن القدرة إنما تكون ثابتة له بالضرورة لا بالإمكان؛ لأنه في الواقع تكون القدرة حال الفعل، يعني أن زيدًا الذي يأكل حال الأكل، الأكل ثابت له بالضرورة، وهذه الضرورة بشرط المحمول، كما في زيد القائم قائم بالضرورة، ولكن قبل الفعل أيضًا هو قادر، بمعنى أنه قادرٌ أن يفعل وقادرٌ أن يترك.

ويمكن القول إن القدرة ليست إلَّا القوة الفاعلة المقارنة للعلم والإرادة، وهي متحقِّقة قبل الفعل، كما أنها متحقِّقة حينه. والفرق بين الحالَين إنما هو في إعمال القدرة وعدمه.

١  «كشف المراد»، ص١٦٤.
٢  «دستور العلماء»، ج١، ص١٠٢–١٠٣؛ ج٣، ص٥٧.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥