في مبدأ الحركة ومنتهاها
تبيَّن فيما سبق أن للحركة شروطًا ستة لكي تتحقق، وهذه الشروط هي: المبدأ الذي منه الحركة، والمنتهَى الذي إليه الحركة، والموضوع الذي له الحركة، والفاعل الذي يوجد الحركة، والمسافة التي فيها الحركة؛ أي المقولة، والزمان الذي تنطبق عليه الحركة نوعًا من الانطباق.
وفي هذا الفصل يبيِّن المصنف نقطتَين:
- الأولى: أن الحركة تنقسم لذاتها، انقسامًا ذاتيًّا بالقوة، لا بالفعل، وهذا الانقسام لا يقف عند حدٍّ معيَّن.
- الثانية: أن مبدأ الحركة ليس هو من سنخ الحركة، كما أن منتهَى الحركة ليس من سنخ الحركة.
انقسام الحركة لذاتها
تنقسم الحركة انقسامًا ذاتيًّا، والمقصود بذلك أن الانقسام تارةً يكون ذاتيًّا وأخرى يكون عرضيًّا. وفي بحث المقولات ذكرنا أن الكَم ينقسم بذاته انقسامًا ذاتيًّا، وكل شيءٍ آخر إنما ينقسم بانقسام الكَم، كما نقول: هذا مساوٍ لهذا، أو هذا الكيلوغرام يساوي ذلك الكيلوغرام، فالمساواة في الواقع بين الكمية لا بين ذاتيتهما؛ لأن المساواة بينهما بعروض الكَم عليهما، فالكَم منقسم بذاته، وغيره منقسم بعروض الكَم عليه.
أما الحركة فتنقسم انقسامًا ذاتيًّا؛ لأن الحركة امتداد؛ أي مقدار، وانقسام الحركة لا يقف عند حدٍّ معيَّن؛ فأجزاء الحركة غير متناهية.
وهنا نشير إلى نكتة، وهي أن التسلسل ينقسم إلى قسمَين؛ قسم مُحال، وآخر غير مُحال، وهذا الانقسام الذي لا يقف عند حدٍّ هو من النوع الذي ليس بمُحال.
لأنه ربما يُقال: بأن انقسام الحركة إلى ما لا نهاية يلزم منه التسلسل وهو مُحال. والجواب: إن هذا الانقسام لا يكون مُحالًا؛ لأنه من نوع التسلسل غير المُحال، صحيحٌ أنه لا يقف، ولكنه ليس بمُحال.
وهو انقسامٌ بالقوة لا بالفعل، فهو نظير تقسيم سطح هذه الورقة؛ إذ نستطيع تقسيمها إلى أقسامٍ لا متناهية بالقوة؛ لأنه لو لم يمكن ذلك لوصلنا إلى الجزء الذي لا يتجزأ، وهو باطل؛ إذْ كل جزء يتجزأ. وقد تقدَّم بيان ذلك في المرحلة السادسة.
وقد يُقال: إن هذا التقسيم ربما يُفني الورقة أو يصل إلى جزءٍ أخير يتلاشى.
الجواب: إن هذا الانقسام ليس انقسامًا بالفعل؛ فنحن لا نمسك مقصًّا ونقطع هذه الورقة لكي تتلاشى، بل هذا انقسام بالقوة؛ أي يكون انقسامًا عقليًّا بحسب تحليل الذهن. وهكذا فإن كل كمِّية من الكمِّيات إذا قسمناها بالفعل فسوف تفنى.
والشيء نفسه يُقال عن الحركة؛ فإنه لو كان انقسام الحركة بالفعل لتحولَت الحركة إلى سكون؛ لأننا سنحصل على أجزاءٍ من الحركة دفعية الوقوع، أجزاءٍ ليست تدريجية، والحركة نحو وجودٍ تدريجي للشيء، والجزء الدفعي ليس بحركة.
وبعبارةٍ أخرى إن انقسام الحركة لو كان بالفعل لبطلَت الحركة، وذلك لأن جميع الانقسامات الممكنة في الحركة — وهي الانقسامات اللامتناهية — قد تحقَّقَت بالفعل، فلا يمكن بعدها انقسام؛ أي إن تحقُّق الانقسامات اللامتناهية بالفعل يستلزم كون الأجزاء الحاصلة من تلك الانقسامات غير قابلة للقسمة حينئذٍ، وإلَّا لكان بعض تلك الانقسامات باقيًا بعدُ، هذا خُلف. وإذا لم تكن قابلة للقسمة فلا امتداد لها — ذلك الامتداد الذي كان لها قبل الانقسام، وهو الامتداد السيَّال التدريجي — وإذا لم يكن لها امتداد فهي لا محالة دفعية الوقوع؛ لأنها لفقدانها الامتداد السيَّال لا ينطبق الزمان، وهو امتدادٌ سيَّال.
لا مبدأ ومنتهى للحركة من سنخ الحركة
إن مبدأ الحركة ومنتهى الحركة ليس من سنخها؛ فإن شيئًا من القوة والفعل ليس داخلًا في الحركة، بل هما أمران خارجان عن حقيقة الحركة.
قد يُقال كيف لا تكون بداية الحركة ونهاية الحركة من سنخ الحركة؟
الجواب: إن الحركة هي خروج الشيء من القوة إلى الفعل بالتدريج. إذن الحركة تبدأ بالقوة وتنتهي بالفعل، فالقوة بلا فعل هل هي حركة؟ لا؛ لأن الحركة امتزاج القوة بالفعل، أمَّا قوة بلا فعل أو فعل بلا قوة فليس بحركة.
وببيانٍ آخر، لو كانت عندنا مسطرة طولها متر، وهذا المتر له بداية وله نهاية؛ أي يبدأ من نقطةٍ معينة كما ينتهي بنقطةٍ أخيرة، والنقطة التي يبدأ بها المتر والتي ينتهي بها ليستا من المتر؛ لأن حدود الشيء خارجة عن الشيء المحدود.
فلو أخذنا الجزء الأول من الحركة وقسَّمناه بالقسمة العقلية فهو حركة؛ لأن جزء الحركة قابل للقسمة اللامتناهية، أما مبدأ الحركة فإنه من غير جنس الحركة.
كذلك لو فعلنا مع منتهى الحركة فإننا لا نصل إلى منتهًى للحركة من جنسها، بل المنتهى ليس بحركة؛ لأن مبدأ الحركة قوةٌ بلا فعلية والمنتهَى فعلٌ بلا قوة، ولهذا قالوا: إن المبدأ والمنتهَى ليسا بحركة، أو إنهما خارجان عن حقيقة الحركة.