في موضوع الحركة وهو المتحرك الذي يتلبَّس بها
موضوع الحركة هو الشيء المتحرك الذي يتلبَّس بالحركة. وإليك مثالًا بسيطًا، إننا عندما نرى من بعيدٍ شيئًا متحركًا، لا نعرفه، لكن عندما يقترب ونعرفه فنقول — مثلًا — هذا المتحرِّك سيارة، إذن موضوع الحركة؛ أي المتحرك، هو السيارة هنا.
والحركة: هي خروج الشيء من القوة إلى الفعل بالتدريج، والقوة: هي إمكان، وهو عرضٌ قائم بشيءٍ آخر هو المادة، وهذا الإمكان حقيقيٌّ خارجي لاتِّصافه بالشدة والضعف، كالنطفة التي فيها إمكان الإنسانية، ويمكن أن تشتد فيها درجة الإنسانية بعد صيرورتها علقة، ثم مضغة، ثم … إلخ.
إذن فالقوة أمرٌ عرضيٌّ قائم بموضوع هو المادة، وهذه القوة هي التي تحملها المادة؛ أي إن إمكان الإنسانية في النطفة يمثِّل كمالًا للنطفة التي هي المادة، والإنسانية مجرد كمال بالقوة في النطفة، وهذه القوة متحدة اتحادًا حقيقيًّا بالمادة. ولو تبدَّلَت النطفة وتحوَّلَت إلى إنسانٍ بالفعل، فنقول إن الإنسانية في النطفة صارت إنسانًا بالفعل؛ أي إن المادة خرجَت من حالة القوة إلى الفعلية، وإن تلك القوة التي كانت تمثِّل إمكان الإنسان متحدة بالمادة، وعندما تطوَّرَت وصارت جنينًا فقد صارت إنسانًا بالفعل متحدًا بالمادة. إذن يُوجَد متحركٌ واحد كان بالقوة إنسانًا ثم أصبح بالفعل إنسانًا.
فالموضوع المتحرك هو المادة التي كانت بالقوة فأصبحَت بالفعل؛ وعليه فإن موضوع الحركة هو المادة؛ لأنه هو الذي تلبَّس الحركة.
موضوع الحركة أمرٌ ثابت
إن موضوع الحركة وهو المادة — على رأي المشَّائين — لا بد أن يكون أمرًا ثابتًا، بينما على رأي مدرسة الحكمة المتعالية، يُعَدُّ موضوع الحركة أمرًا متجددًا.
ومعنى كون الموضوع أمرًا ثابتًا أن الحركة تجري وتتجدَّد عليه، وإلا لو لم يكن الموضوع ثابتًا لكان الشيء الذي بالقوة غير الذي بالفعل، كالسيارة التي في الكيلومتر الأول، هي غيرها في الكيلومتر الثاني، وحينئذٍ لا تحصل حركة؛ إذ الحركة هي خروج نفس الشيء من القوة إلى الفعل بنحوٍ تدريجي، وإنما سُمي الشيء المتحرك متحركًا لكونه موضوعًا للحركة، فالتغيُّر وصفه لا نفسه.
لا يكون موضوع الحركة أمرًا بالفعل من جميع الجهات
لا بد أن يكون موضوع الحركة أمرًا تمتزج فيه القوة والفعل؛ أي هو من جهة بالقوة ومن جهةٍ أخرى بالفعل، كالنطفة التي هي من جهةٍ نطفةٌ بالفعل، ومن جهةٍ أخرى إنسانٌ بالقوة.
أما إذا كان موضوع الحركة بالفعل من جميع الجهات، كالعقول المجرَّدة حسبما يقولون، فإنها لا حركة فيها.
وكذلك لو كان موضوع الحركة بالقوة من جميع الجهات، فلا حركة فيه. وإن كان ليس هناك شيء بالقوة من جميع الجهات؛ فحتى الهيولى أو المادة الأولى، فهي من جهةٍ معيَّنة هي بالفعل؛ لأن لها فعلية أنها بالقوَّة؛ أي إن القوة موجودة فيها بالفعل لا بالقوة.
وإن كانت هذه الفعلية لها بسبب صورة من الصور التي معها، وليس المراد أنها في نفسها مجرَّدة عن الصورة تكون فعلية؛ لأنها كما صرَّح فيما سبق وسيشير فيما يأتي أيضًا، في نفسها عارية عن كل فعلية.
إذن فلا بد أن يكون الشيء المتحرك بالقوة من جهة وبالفعل من جهةٍ أخرى، وعلى هذا الأساس تكون جميع الأشياء المتحركة ماديَّة؛ أي في عالم الطبيعة لا في عوالم المجرَّدات.