في المسافة التي يقطعها المتحرك
وهي نظير الشارع أو القناة؛ فالسيارة هي المتحرك ولا بد لها من مسافة تقطعها، فالمسافة هي القناة التي يجري فيها المتحرك. وبالتعبير الفلسفي هي المقولة التي تقع فيها الحركة؛ ولذلك عبَّر عنها المصنِّف: بأنها الوجود المتصل السيَّال الذي يجري على الموضوع المتحرك.
فلو فرضنا أنَّ لدينا تفاحة، فإن لون التفاحة هو الوجود المتصل السيَّال الذي يجري عليها، وهو مسافة الحركة، فاللون موجودٌ ممكن، وكل موجودٍ ممكن له ماهيَّة، والماهية مقولة من المقولات، وهي الكيف، فإن اللون أحد مصاديق الكيف، واللون يجري على التفاحة، فهي في البداية خضراء ثم صفراء ثم لونها وردي مثلًا، فهذه المقولة التي ننتزعها من هذا الوجود المتصل السيَّال هي مسافة الحركة.
ثم هل ننتزع هذه المقولة من هذا الوجود المتصل السيَّال من حيثُ إنه واحدٌ متصل أم من حيثُ إنه منقسم؟ فهذا اللون هل ننتزعه من هذا الوجود السيَّال الذي يجري على التفاحة؟
الجواب: نعم ننتزعه من هذا الوجود، لكن لا من حيثُ إنه وجودٌ واحدٌ متصلٌ وسيَّال، وإنما هو من حيثُ إنه منقسم إلى أقسام، وكل قسمٍ يمثل نوعًا من أنواع المقولة، فهذا أصفر والأصفر نوع، وذلك أحمر، وذلك وردي وهكذا.
قد يُقال: لماذا لا ننتزع المقولة من هذا الوجود من حيثُ هو واحد متصل؟
الجواب: لأنه يلزم من ذلك التشكيك في الماهية، ومن المعلوم أن التشكيك إنما هو في الوجود؛ لأن الوجود حقيقةٌ واحدة مشككة، بينما الماهية حقيقةٌ غير مشككة؛ إذ التشكيك في الماهية يعني اختلاف الأفراد المندرجة تحتها بحسب الشدة والضعف، فالإنسانية كماهية حقيقةٌ واحدة، هي نفسها في الطفل والكهل، وفي الحي والميت، وفي القديم والجديد.
فلو انتزعنا المقولة من هذا الوجود المتصل السيَّال من حيثُ هو متصلٌ سيَّال للَزِم من ذلك التشكيك في الماهيَّة؛ لأننا لو لاحظنا لون التفاحة عبر شهرَين، فهي في البداية خضراء ثم صفراء ثم وردية ثم حمراء، بينما الماهية ليست مشككة، وكل قسمٍ من هذه الأقسام يمثِّل نوعًا من أنواع المقولة؛ فالأحمر نوع من اللون، والأصفر نوعٌ آخر من اللون مباينٌ لغيره، وهكذا.
قال المصنف في حاشيته على الأسفار ج٣، ص٦٩: بمعنى أن يُنتزع من مورد الحركة في كل آنٍ مفروضٍ نوعٌ من أنواع المقولة التي فيها الحركة أو صنفٌ أو فردٌ آخر.