الفصل الثالث

ينقسم العلم انقسامًا آخر إلى كلي وجزئي

العلم الكلي

المقصود بالعلم الكلي في هذا التقسيم هو العلم الذي لا يتغير بتغيُّر المعلوم بالعرض؛ فإن العلم تارةً يظل على حاله ولا يتغير، ويُسمَّى مثل هذا العلم بعلم ما قبل الكثرة، وتارةً يتغير، ويُسمَّى بعلم ما بعد الكثرة.

والأول كما الصورة التي تحصُل لدى المهندس المعماري قبل بناء البناية؛ فإن هذه الصورة تظل على حالها قبل البناء وأثناء البناء وبعد البناء؛ ولذلك لو كان هناك أي خلل في البناء، فحينئذٍ يكتشف هذا الخلل؛ لأنه لا يكون مطابقًا لهذه الصورة. وأيضًا علم الفلكيين الذين يخبرون عن خسوف القمر أو كسوف الشمس بعد سنين، فإن هذا العلم لا يتغير بتغيُّر المعلوم بالعرض، وإنما هذا العلم ثابتٌ على حاله.

العلم الجزئي

المراد بالعلم الجزئي، هو الذي يتغير بتغيُّر المعلوم بالعرض، من قبيل ما لو علمنا بحركة القطار، فإن هذا العلم يتغير حال حركة القطار، ثم بعد الوقوف يتغيَّر هذا العلم من علم بالحركة إلى علم بالسكون؛ ولذلك يعبَّر عن هذا العلم بالعلم الجزئي، ويعبَّر عنه بعلم‏ ما بعد الكثرة.

إشكال

قد يرِد إشكال على العلم الجزئي؛ لأننا قلنا إن العلم الجزئي هو ما يتغير بتغيُّر المعلوم بالعرض، فأين يكون التغير؟ إذ لكي يتحقق تغيُّر لا بد أن يكون هذا المتغير أمرًا ماديًّا؛ أي لا بد أن تكون فيه قوة، فيه قابلية للتغير، وهذه القوة تحملها مادة حتى يتحقَّق التغيُّر.

فإذا قلنا إن العلم الجزئي يتغيَّر بتغيُّر المعلوم بالعرض، فمعنى ذلك أن العلم الجزئي يصبح أمرًا ماديًّا وليس مجردًا، بينما بيَّنَّا في الفصل الثاني أن الصورة العلمية بكل أنحائها مجردةٌ لا مادية.

جواب الإشكال

إن الأمر المتغير له حيثيتان؛ فمثلًا القطار الذي يتحرك فهو من جهة متغير لأنه يتحرك، ومن جهةٍ أخرى يكون وصف التغير بالنسبة إليه ثابتًا.

وإن تعلق العلم بالتغير، بمعنى أنه يكون متعلقًا بالجهة الثانية؛ فإنه مما لا إشكال فيه أن العلم لا يتعلق بالمتغيِّر من حيثُ هو متغير، وإلا لو تعلق العلم بالمتغير من حيثُ هو متغير فلا يكون علمًا، وإنما العلم يتعلق بالبعد الثاني؛ أي إنه يتعلق بالمتغير من حيثُ هو ثابت، فحينئذٍ لا تكون الصورة الحاضرة في الذهن متغيرة، وإنما تكون ثابتة؛ فحقيقة العلم بالتغيُّر تنشأ عن صورٍ ثابتةٍ مترتبةٍ بعضها على بعض.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥