في أنواع التعقُّل
المراد بالتعقُّل هنا ما يقابل التخيُّل والإحساس وليس المراد به مطلَق الإدراك. وقد ذكروا للتعقُّل ثلاثةَ أنواع:
(١) العقل بالقوة
إن الطفل أول ما يُولَد لا تُوجَد لديه معلومات وإدراكات. وعلى هذا الأساس فالمعقولات لا تكون لديه بالفعل وإنما تكون لديه بالقوة وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكِمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَل لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ. فالعقل يكون هنا مجرَّد استعداد، مجرَّد قابلية لقبول المعقولات، والنفس تكون خاليةً من عامة المعلومات.
(٢) العقل التفصيلي
يبدأ العقل بتعقُّل المعقولات، وتحصل لديه معقولاتٌ كثيرة بالفعل، ويستطيع أن يميِّز بعض هذه المعقولات عن بعضها الآخر، فيحصُل عنده علمٌ تفصيلي بالأشياء، ويكون عالمًا بالأشياء علمًا فعليًّا.
(٣) العقل الإجمالي
المرتبة الثالثة للتعقل، أن تحصل معقولاتٌ كثيرة لديه، ولكن هذه المعقولات لا يتميَّز بعضها عن بعض، هنا يكون التعقُّل بسيطًا ولكنه يشتمل على كل التفاصيل، يعني هنا يكون العقل عقلًا إجماليًّا ولكنه في الوقت نفسه يشتمل على التفاصيل.
تنبغي الإشارة إلى أن مصطلح الإجمالي قد يُطلَق ويُراد به الإجمال بمعنى البساطة، وهو ما نقصده هنا، وقد يُطلَق مصطلح الإجمالي ويُراد به المعنى الأصولي؛ حيثُ يقولون «علم إجمالي»، بمعنى علم مع إبهام وإجمال. أما هنا فالمقصود به البساطة، يعني عقلًا إجماليًّا؛ أي عقلًا بسيطًا.
وقد مثَّلوا لذلك بمثال: فقالوا: إن الإنسان لو أراد أن يقرأ قصيدةً شعرية حَفِظها من قبلُ، فهذه القصيدة لا تكون كلها موجودةً على لوحة عقله في اللحظة عينها بتفاصيلها، وإنما هي موجودةٌ بشكلٍ إجماليٍّ بسيط، ثم تبدأ تتدفَّق بشكلٍ تدريجي، وكأنها تنبُع من منبَع وهذا المنبَع تجري منه تمام التفاصيل.