في مراتب العقل
مراتب العقل أربع:
المرتبة الأولى: العقل الهيولاني
والمقصود به هو مجرد الاستعداد لقبول الصور العلمية، وإنما سُمي بالعقل الهيولاني لأنه يشبه الهيولى؛ أي المادة الأولى؛ لأنها تمثِّل مجرد استعداد لقبول الصور؛ فالطفل عندما يُولد من بطن أمه يكون عقله صفحةً بيضاء، ولكن فيه استعدادٌ لقبول الصور، كالاستعداد الذي في البذرة لأن تكون نبتة.
المرتبة الثانية: العقل بالملَكة
بعد أن يتدرَّج العقل في مراتب الكمال وينمو ويتطور، يتعقَّل الأمور البديهية، والأمور البديهية تارةً تكون بديهياتٍ تصورية، وأخرى تكون بديهياتٍ تصديقية. والتصورات البديهية كتصوُّرنا لمفهوم الوجود ومفهوم العلم، أما التصورات غير البديهية، أي النظرية، فهي كتصوُّرنا للمفاهيم الماهوية المؤلَّفة عادةً من جنس وفصل، مثل تصوُّر مفهوم الإنسان والفرس والطير.
أما التصديقات فهي أيضًا تنقسم إلى تصديقاتٍ بديهية ونظرية، والتصديقات البديهية عدة طوائف، أنهَوها في المنطق إلى ست طوائف. ومن المعلوم أن العلم يتعلق أولًا بالبديهيات ثم يتعلق بالنظريات، وكل ما هو نظري يستند إلى البديهيات.
المرتبة الثالثة: العقل بالفعل
بعد أن يتطور عقل الطفل فإنه تكون لديه القدرة على إدراك الأمور النظرية وتعقُّلها، وتعقُّل الأمور النظرية إنما يكون بالاستناد إلى البديهيات؛ لأنه عندما يكون التصور نظريًّا فهذا التصور النظري ينتهي إلى البديهيات، كذلك عندما يصدِّق بتصديقاتٍ نظرية فلا بد أن ينتهيَ تصديقه النظري إلى بديهي.
والعلاقة بين التصوُّرات والتصديقات البديهية والنظرية هي علاقةُ ترتُّب؛ أي إن البديهي سابق والنظري لاحق؛ فالعقل ابتداءً يصدِّق بالبديهي ثم بعد ذلك يصدِّق بالنظري بالاستناد إلى البديهي.
المرتبة الرابعة: العقل المستفاد
الحكماء يرَون أن النفس الإنسانية يمكن أن تتطوَّر في مدارج الكمال حتى تتجرَّد تجردًا تامًّا، باعتبار أن النفس الإنسانية مجرَّدة في ذاتها ولكنها مادية في فعلها، فإذا تجرَّدَت تجردًا تامًّا، فحينئذٍ تكون لها قابلية لإدراك الأمور المجرَّدة أيضًا فتحضُر لديها هذه الأمور؛ لأن كل مجردٍ حاضرٌ لذاته، كما وتحضُر لديه المجرَّدات الأخرى. وعلى هذا الأساس تكون النفس مستعدة لاستحضار جميع المعقولات البديهية، فحينئذٍ تكون النفس الإنسانية في هذه المرتبة عالمة؛ أي تكون عبارةً عن عالمٍ علمي، وهذا العالم العلمي مناظر، مشابه للعالم العيني، عندئذٍ يُسمَّى هذا العقل بالعقل المستفاد؛ أي تكون المعلومات حاضرةً لدى النفس بالفعل.