في المثال
عالم المثال يسمَّى بعالم الخيال المنفصل، في مقابل الخيال المتصل، الذي هو الصورة الخيالية الموجودة لدى الإنسان، بينما عالم الخيال المنفصل هو عالم المثال.
ويريدون بعالم المثال هو العالم الذي يتوسط بين عالم المادة وعالم العقل، ويسمَّى أيضًا بالبرزخ؛ لأن كل شيءٍ متوسطٍ هو برزخ.
وقد قالوا: إن عالم المثال مفارق للمادة دون آثارها؛ لأن فيه صورًا شبحية، فيها أبعاد المادة وشكلها، كالصورة التي في المرآة. وهذه الصور الجوهرية الجزئية التي فيه صادرة من العقل الفعال، الذي هو آخر العقول الطولية عند المشَّائين، أو من العقول العرضية عند الإشراقيين؛ أي إن لكل جزئيٍّ ماديٍّ في عالم المثال صورةً جزئية بل صورًا تحكي حركته في عالم المادة، كما أن في العقول العرضية لكل نوعٍ عقلًا مجردًا على قول الإشراقيين.
وهذه الصورة الجزئية يمكن أن تتمثل بأشكالٍ متعددة بحسب الاشخاص الذين يتخيَّلونها؛ أي تتمثل كل صورة من تلك الصور بصورٍ متنوِّعة مختلفة، بحسب الشخص، من دون أن تنثلم بذلك وحدتها الشخصية. وكأنها بمثابة الماء الواحد الذي يأخذ شكل الإناء الذي يُوضع فيه، أو يأخذ لون الإناء الذي هو فيه، فيمكن أن تكون هذه الصورة الجزئية الواحدة التي هي صورة شخصٍ معين، بحيث يمكن أن يتصورها كل واحدٍ منَّا بشكلٍ وهيئةٍ معينة، وإن كانت هذه الصورة في عالم المثال واحدة، فهنا تحصل صورٌ متعدِّدة؛ أي حسب تصوُّر ذهن كل شخصٍ من الاشخاص يتخيَّلها، وهذا لا يثلم وحدة الصورة في عالم المثال.
وعالم المثال هو أحد عوالم الوجود الكلية في الفلسفة. وكل عالم من هذه العوالم يحتل مرتبةً خاصة من مراتب الوجود.
والعلاقة بين عوالم الوجود الكلية تتمثل في أن كل مرتبةٍ منها يُحيطها ما فوقها بينما تُحيط هي بتمام ما دونها؛ فعالم المثال يُحيط بالعالم المادي، ويُحيط به عالم العقول، حسب فرضية الفلسفة القديمة.