في العالم المادي
العالم المادي الذي يمثِّل عالم الطبيعة يعتبر أدنى مراتب الوجود في نظام الوجود في الفلسفة القديمة، ويتميز عن غيره بأنه عالم القوة وعالم الأشياء المادية؛ ولذلك يكون عالم المادة متحركًا، فكل شيء فيه يخرج من حالة القوة إلى حالة الفعلية بالتدريج، وهذا الخروج من القوة إلى الفعلية عادةً ما تحصُل أمامه حواجز وموانع؛ فالإنسان الذي لديه استعدادٌ أن يكون عالمًا، ربما تُوجَد عوائقُ تمنعه من التعلم؛ أي الخروج من القوة إلى الفعلية وصيرورته عالمًا.
إن هذا العالم تحكمه قوانينُ طبيعية؛ فقد اكتشف العلم الحديث قسمًا منها، والمصنِّف يقول: إن ما خفي أكثر؛ لأن في هذا العالم أسرارًا لم يحصِّل العلم الحديث إلا شيئًا محدودًا منها.
وإن هذا العالم لو لاحظناه بمجموعه فهو كالقافلة الواحدة التي تتحرك باتجاه الكمال بحركة صعودية؛ إذ تتحرر من القوة والمادة بشكلٍ تدريجي نحو العقلية، لتتجرد تجردًا تامًّا.
وهذه الحركة التي نراها في الأعراض هي دليل على الحركة التي في الجواهر؛ فالجواهر في هذا العالم متحركة بحركةٍ جوهرية، والأعراض متحركة أيضًا تبعًا لها.
يتحرك هذا العالم لكي يبلغ الكمال والفعلية المحضة؛ لأنه في حركته دائمًا يخرج من القوة إلى الفعلية، والغاية التي تقف عندها هذه الحركة هي التجرد التام للمتحرك؛ فكل موجود في عالم المادة، من الجماد والنبات والحيوان، في أي مرتبةٍ وصل إليها من الكمال، يتجرد عن المادة، وينتهي إلى دار القرار، فهو يصير مجردًا وفعليةً محضة، بعد أن كان بالفعل؛ أي مجردًا من جهة، وبالقوة من جهةٍ أخرى، بناءً على ما عليه صدر المتألهين، من أن الوجود مساوق للشعور والتجرد.
إشكال
قد يُقال: إذا كان العالم متغيرًا، فيلزم أن تكون علته متغيرة أيضًا.
الجواب
قلنا فيما سبق إن تغيُّر العالم لا يلزم منه أن تكون علَّته متغيرة، وإنما بناءً على الحركة الجوهرية يمكن أن نقول: إن الباري تعالى لم يخلُق ذاتَ العالم ثم جعل له التغيُّر والتجدُّد، وإنما خلق العالم متجدِّدًا بذاته، فإن المُوجِد أوجد المتجدِّد، ولم يُوجد المتجدِّد متجددًا. وبعبارةً أخرى إن الجعل بسيط وليس جعلًا تأليفيًّا تركيبيًّا؛ فلذلك لا يرِد محذورُ استناد المتغيِّر إلى الثابت وارتباط الحادث بالقديم.