الفصل السابع

في حياته تعالى

معنى أنه تعالى حي

عندما نقول: إن الله سبحانه وتعالى حي، فهل هذه الصفة زائدة على ذاته؟

الجواب: إن صفة الحياة ليست زائدةً على ذاته، وإنما «هو الحياة والحياة هو»؛ لأن صفاته عين ذاته.

بينما الحياة لدى الكائن الحي زائدة على الذات. وعندما نقول: إن هذا حي، فهو بمعنى أن يدرك ويفعل، يعني الدرَّاك الفعَّال؛ فكون الحيوان حيًّا يعني أنه يدرك ويفعل، والفعل كما هو معلوم بالنسبة إلى الحيوان هو فعلٌ محدود، يقع عن علم وإدراك.

وعلى هذا الأساس فإن الإدراك والفعل من لوازم الحياة وليس هما الحياة.

فإذا فرضنا أن هناك من له علم وقدرة، وعلمه عين ذاته، وقدرته عين ذاته، فلا بد أن يكون أحقَّ بان يسمى حيًّا.

فالواجب تعالى حيٌّ بذاته، وحياته بمعنى أنه يعلم وله القدرة، يعني أنه يُدرِك ويفعل، هو يعلم بكل شي‏ء، وهو قادر على كل شي‏ء؛ لأنه مبدأ لكل شي‏ء، فهو أحقُّ بالحياة من غيره، بل هو حي، وهو الحياة.

الدليل على حياته

ما هو الدليل على أن الواجب تعالى حي؟

ذكر المصنِّف دليلَين:

  • (١)

    أن الحي هو الذي يعلم ويفعل؛ فعندما نقول هذا إنسانٌ حي فمعناه أنه يدرك ويفعل، والفعل والإدراك من لوازم الحياة، وحياة هذا الكائن الحي زائدة على ذاته، وليست هي عين ذاته.

    إذن الحياة هي سبب الإدراك وسبب الفعل، أو قل إن الحياة أمر يلازمه الإدراك ويلازمه الفعل، أما حقيقة الإدراك فهي غير معلومة بحقيقتها وإنما نعرف لوازمها وآثارها، فإن كانت الحياة، التي هي‏ صفة زائدة على الذات لدى الحيوانات، ومع ذلك نسمِّيها حية، فكيف إذا فرضنا أن ذاتًا لا يكون فيها العلم والقدرة زائدًا على الذات، أو قل الحياة ليست زائدة على الذات، وإنما الحياة هي عين الذات؛ لأن الباري تعالى كما برهنَّا فيما سبق أن علمه عين ذاته وقدرته عين ذاته، فتكون حياته عين ذاته، فهو أولى وأحقُّ بأن تكون الحياة ثابتة له، بل هو الحياة بالذات.

  • (٢)

    أن في هذا الوجود كائناتٍ حيةً كثيرة، وهذه الكائنات الحية لا بد من مبدأ يمنحها الحياة، ومبدأ الحياة هو الباري تعالى، وكما قلنا إن الباري تعالى يشتمل على كل كمالٍ وجودي لدى هذه الموجودات؛ لأن معطي الشي‏ء غير فاقد له، فما دامت الحياة موجودة في هذا العالم، فلا بد أن تكون الحياة ثابتة للباري تعالى، وحياته عين ذاته.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥