مدارس الفلسفة الإسلامية
لو أردنا أن نبسُط القول في هذه المدارس لاستلزم ذلك حديثًا مسهبًا، ولكن نودُّ أن نشير إشارةً مقتضبة، تعرِّف باختصارٍ المدارسَ المشهورة للفلسفة الإسلامية، وهي:
(أ) المدرسة المشَّائية
هي المدرسة التي تستند إلى البرهان العقلي في التدليل على مطالبها. أما تسميتها بالمشَّائية فمنسوبة، كما يُقال، للفيلسوف الذي كان يُدرِّس الفلسفة ماشيًا؛ فإن أرسطو الذي تُنسَب له هذه المدرسة كان يدرِّس تلامذته ماشيًا. فعُبِّر عن مدرسته بالمدرسة المشَّائية، والفلاسفة المسلمون الذين اتبعوه هم: الكندي، والفارابي، وابن سينا، وابن رشد، ممن اشتُهروا بالفلاسفة المشَّائين، وأبرزهم هو الرئيس ابن سينا، والذي يُعرف برئيس المشَّائين في الإسلام، وينتمي لهذه المدرسة معظم الفلاسفة في دنيا الإسلام، ولهذه المدرسة تراثٌ ومؤلفاتٌ كثيرة أشهرها كتاب «الشفاء» لابن سينا.
(ب) المدرسة الإشراقية
مؤسسها هو شيخ الإشراق شهاب الدين السهرَوَردي، الذي قُتل في حلب سنة ٥٨٧ هجرية، وهو في عمرٍ لم يتجاوز ٣٨ سنة.
وربما توغَّل بعض الباحثين عميقًا في التاريخ فوجد منابع إلهام المدرسة الإشراقية في تراث أفلاطون ومدرسة الإسكندرية والأفلاطونية الجديدة.
وترى المدرسة الإشراقية أن المعرفة تحصل عبْر إشراقها على النفس. وبذلك تمتاز مدرسة شيخ الإشراق عن سابقتها؛ فإن منهج المدرسة المشَّائية يستند إلى النظر والبرهان وإعمال العقل؛ فهي حكمةٌ استدلالية، بينما منهج المدرسة الإشراقية يبتني على تجلية النفس وصقلها، لكي تشرق عليها المعارف، فتكون كالمرآة المجلوَّة المصقولة، والوصول للحقيقة إنما يكون من خلال الارتياض ومجاهدة النفس والكشف وليس من خلال العقل؛ فهي حكمةٌ ذوقية تستند إلى الذوق والإلهام والإشراق.
(ﺟ) مدرسة الحكمة المتعالية
مؤسِّسها هو الفيلسوف محمد إبراهيم القوامي الشيرازي المعروف بصدر الدين وصدر المتألهين وملا صدرا، المتوفَّى سنة ١٠٥٠ هجرية، في طريقه للحج بالبصرة.
ومن المؤسف أن صدر الدين الشيرازي ظل مجهولًا على نطاقٍ واسع بين دارسي الفلسفة خارج الحوزات العلمية، بالرغم من أنه «أحد الكبار المجهولين في التاريخ»، حسب تعبير أحد الباحثين الغربيين، وقد اشتُهر بين مؤرِّخي الفلسفة خطأً أن الفلسفة الإسلامية خُتِمَت بابن رشد، بينما الصحيح أنها لم تُختم به، وإنما انبعثَت من جديد ووُلدَت ولادةً أخرى في عصر صدر المتألهين، الذي شيَّد مدرسةً فلسفيةً متنوِّعة الأبعاد في مقابل المشَّاء والإشراق.
إن فلسفة صدر المتألهين كما يقول مرتضى مطهري هي ملتقى لأربعة طرق؛ أي تُوجد أربعُ قنواتٍ تغذِّيها، وتندرج وتتوحَّد فيها، وهي: الفلسفة المشائية، والإشراقية، والعرفان النظري، وعلم الكلام.
ولم يقتصر دور ملا صدرا على المزج المبسَّط لهذه المناهج، وإنما عمل على دمج مكوِّنات هذه المناهج وبناء معالمِ مدرسةٍ جديدة، هي مدرسة الحكمة المتعالية، التي تلتقي مع مدرسة المشَّائين بالاستناد إلى البرهان، مثلما تلتقي مع المدرسة الإشراقية؛ لأنها تقول إن الكشف يمكن أن يوصل إلى الحقيقة، وهي تستلهم من منابع الوحي وتراث النبوة وأهل البيت عليهم السلام.
وكان الفيلسوف ابن سينا أول من ذكَر مصطلح «الحكمة المتعالية» في كتابه «الإشارات والتنبيهات» قبل ملا صدرا؛ ففي الجزء الثالث (ص٣٣٩–٤٠١) يشير ابن سينا لمصطلح «الحكمة المتعالية». كذلك نجد إشارة لهذا المصطلح لدى داود القيصري في شرحه لفصوص الحكم للشيخ محيي الدين بن عربي، كما في «رسائل القيصري» (ص١٥).
وقد اصطبغَت فلسفة ملا صدرا بتراث العُرفاء، حتى إن منهج البحث الفلسفي في كتابه «الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة» ترسَّمَ منهج العُرفاء في السلوك القلبي، فأضحى السلوك العقلي لديه بمثابة السلوك الروحي للعرفاء؛ ذلك أن السالك من العُرفاء يقطع في مسيرته أربعة أسفار، هي:
-
(١)
السفر من الخلق إلى الحق: إذ يتجاوز السالك عالم الطبيعة، وبعض عوالم ما بعد الطبيعة، ليصل إلى ذات الحق، فلا حجاب بينهما.
-
(٢)
السفر بالحق في الحق: وهو سفر في كمالاته وأسمائه تعالى.
-
(٣)
السفر من الحق إلى الخلق بالحق: وفيه يكرُّ السالك راجعًا إلى الخلق، فيمكث في عالم الخلق، لكن عودته لا تعني أنفصاله وانقطاعه عن ذات الحق؛ لأنه يراه مع كل المخلوقات وفيها.
وهذا السفر يقابل السفر الأول؛ لأنه من الحق إلى الخلق بالحق.
-
(٤)
السفر في الخلق بالحق: يسعى السالك في هذا السفر لإرشاد الناس وتوجيههم في الوصول إلى الحق.
وهذا السفر يقابل السفر الثاني من وجه؛ لأنه بالحق في الخلق.١
-
(١)
السفر من الخلق إلى الحق: في النظر إلى طبيعة الوجود وعوارضه الذاتية. وهي بمثابة المدخل لمسائل التوحيد.
-
(٢)
السفر بالحق في الحق: في مسائل التوحيد ومعرفة الله وصفاته وكمالاته وأسمائه.
-
(٣)
السفر من الحق إلى الخلق بالحق: في أفعال الباري تعالى وعوالم الوجود الكلية.
-
(٤)
السفر في الخلق بالحق: في مباحث النفس والمعاد.