في أن الوجود حقيقةٌ واحدةٌ مشكِّكة
البحث في هذا الفصل كالبحث في الفصل الرابع، من المباحث الأساسية في مدرسة الحكمة المتعالية، ونحن فيما سبق أثبتنا الواقعية في مقابل مَن أنكرها — السفسطائي — ثم أثبتنا أن مفهوم الوجود مشتركٌ معنوي بين الموجودات، وأثبتنا أن مفهوم الوجود زائدٌ على الماهية، وأثبتنا أن الذي يكون منشأ لترتُّب الآثار الخارجية هو الوجود لا الماهية، وهنا سوف نُثبِت أن الوجود حقيقةٌ واحدةٌ مشكِّكة، بمعنى أن حقيقة الوجود هي العينية وظهور الذات والمظهرية للغير، وهي متحقِّقة في جميع المراتب الطولية والعرضية. وهذا البحث راجعٌ إلى حقيقة الوجود لا إلى مفهومه.
وبغية بيان هذه المسألة بجلاء نُشير بإيجاز إلى بعض المسائل، وهي:
(١) الجذور التاريخية للمسألة
هل كانت هذه المسألة مطروحة في الفلسفة القديمة أم لا؟
إن مسألة وحدة الوجود لم تكن مطروحة في الفلسفة سابقًا، لكن في كل الفلسفات القديمة قد نعثُر على قول بالوحدة، وإن كانت الأقوال بالوحدة مختلفة، فمنها قول بوحدة الحقيقة، كما في تراث الهند القديمة، ومنها قول بوحدة العالم … إلخ.
أما في الفلسفة الإسلامية فإن هذه المسألة لم تتبلور بصورتها النظرية في تراث ابن سينا أو الفارابي من قبله، وإنما تبلورَت في تراث محيي الدين بن عربي، صاحب «الفتوحات المكية»؛ فهو الذي أشاد أركان هذه المسألة، ثم أخذَت صورتَها الناضجة في مدرسة الحكمة المتعالية على يد صدر الدين الشيرازي.
(٢) الأقوال في المسألة
حين نراجع تراث الأمم الأخرى نجد عدة أقوال في الوحدة، كوحدة الحقيقة، ووحدة العالم، ووحدة المادة، كما في الفيزياء الحديثة، أما في تراث المتصوفة والعرفاء الإسلاميين، فنجد عدة أقوال: منها القول بوحدة الشهود، وهذا ما قاله بعض المتصوفة القدماء، وهي تعبِّر عن صفةٍ نفسية للصوفي أو العارف؛ أي إنه لا يشهد ولا يرى إلا الله تعالى أما غيره فلا يراه، كما في تعبير سعدي الشيرازي؛ إذ يقول: قد يصل الإنسان إلى مقامٍ لا يرى فيه سوى الله تعالى في هذا الكون.
وهناك قولٌ آخر في الوحدة في تراث العرفاء، وهو وحدة الوجود، وهي تعني أن الوجود واحدٌ لا كثرة فيه. «فليس في الدار غيره موجودٍ ديَّار»، حسب تعبيرهم، فحقيقة الوجود تساوي ذات الواجب تعالى، أما نحن «فعدمٌ متظاهرٌ بالوجود» كما يقول جلال الدين الرومي، أو «العالم غائبٌ ما ظهر قَطُّ، والله تعالى ظاهرٌ ما غاب قَطُّ»، كما يقول ابن عربي، وإذا تنازلوا قالوا إن العالم شيءٌ تجلَّت فيه الحقيقة الإلهية، فهو عبارةٌ عن ظلٍّ ليس إلا.
وهناك قول بالوحدة تبنَّته مدرسة الحكمة المتعالية، وهو القول بأن حقيقة الوجود حقيقةٌ واحدة مشكِّكة؛ فالوجود واحدٌ ذو مراتب، وهو يعني الوحدة في عين الكثرة، والكثرة في عين الوحدة؛ أي الوجود حقيقةٌ واحدة يرجع كل ما به الامتياز إلى ما به الاشتراك، ويرجع ما به الاشتراك إلى ما به الامتياز؛ فالوجود حقيقةٌ واحدةٌ مشكِّكة، يرجع ما به الامتياز إلى الوجود وما به الاشتراك إلى الوجود.
وقد نسب الملا هادي السبزواري هذا القول خطأً إلى الفهلويين. والفهلويون هم فلاسفة إيران القدماء، وفهلة منطقة في إيران تشمل أصفهان ونهاوند وأذربيجان، وتراث الفهلويين — حكماء إيران القدماء — لم يصِلْنا ولم يقَع بأيدينا.
والقول الآخر في هذه المسألة المنسوب للمشَّائين، وهو القول بأن الوجود ليس واحدًا، وأن حقائق الوجود متباينةٌ بتمام الذات، ولا اشتراك ولا سنخية بين الموجودات؛ هذه هي الأقوال في المسألة.
(٣) تحرير محل النزاع يتوقف بيانه على ذكر نقطتَين
(أ) بيان المقصود بحقيقة الوجود
المراد بحقيقة الوجود، أحد ثلاثة معانٍ؛ فإما يُراد بها الوجود الواجب تعالى، أو يُراد بها مراتب الوجود المتكثرة بما لها من السَّعة والانبساط، فيشمل الوجود الواجب والممكِن بتمام مراتب الممكِن بدءًا بالمادة الأولى، أو يُراد بحقيقة الوجود كُنْه الوجود، فيُقال: حقيقة الوجود مجهولة؛ أي كُنْه الوجود مجهول.
لكن ما هو المعنى المراد هنا بحقيقة الوجود؟ المعنى المراد هنا هو المعنى الثاني؛ أي مراتب الوجود بما لها من السَّعة والانبساط التي تبدأ من المادة الأولى وتتصاعد حتى تشملَ الواجب، فتدخَّل فيها تمام الموجودات؛ هذا هو المقصود بحقيقة الوجود.
(ب) المقصود بالتشكيك
إنما سُمِّي المشكِّك، مشككًا لأنا إذا نظرنا لأول وهلة إلى معناه حسبنا أنه واحد، وإذا نظرنا إلى مصاديقه حسبنا أنه متعدِّد، فيجعلُنا نشُك في أنه مشتركٌ معنوي أم لفظي.
والتشكيك يُستعمل بثلاثة معانٍ؛ فمرة يُطلَق بالمعنى اللغوي، فنقول: الرازي إمام المشكِّكين، والمقصود هو معناه اللغوي؛ أي الذي يثير الشكوك والإشكالات والشبهات، حتى يُقال إن الرازي ساهم في تطوير التراث العقلي عند المسلمين من خلال التشكيك والإشكالات الكثيرة التي كان يثيرها، فيُضطَر الآخرون للإجابة عليها.
ومرَّة أخرى يُراد بالمشكك ما له عدة معانٍ متضادة؛ أي هو مشتركٌ لفظي، من قبيل الجون الذي ينطبق على الأسود والأبيض.
ومرةً ثالثة يُقصد بالمشكك صفة للمفهوم الكلي؛ فالكلي المشكك هو الكلي المتفاوت المختلف في انطباقه على مصاديقه؛ أي في مقابل الكلي المتواطئ وهو الذي تكون مصاديقه ليست مختلفة؛ فالأبيض مفهومٌ كلي مشكك؛ لأن البياض له مراتب، والوجود أيضًا مفهومٌ متفاوت في انطباقه على مصاديقه، وهذا التشكيك هو التشكيك المنطقي، تشكيك مرتبط بالمفهوم.
ومرةً أخرى نريد به صفة الوجود الحقيقية؛ أي ليس صفة لمفهوم الوجود بل صفة لحقيقة الوجود؛ أي بالمعنى الفلسفي صفة للوجود الخارجي، الوجود بما له من مراتب متعددة تبدأ بأدنى المراتب وتنتهي بالمرتبة التي لا يحدُّها حد؛ فالكثرة في هذه المراتب تعود للوجود، كما أن الوحدة بينها تعود للوجود؛ فما به الامتياز هو الوجود، وما به الاتحاد هو الوجود، وهذا هو التشكيك الفلسفي، وهذا هو المقصود بالتشكيك في قولنا: «الوجود حقيقةٌ واحدةٌ مشككة.»
تلزم الإشارة إلى أن في التشكيك مصطلحًا آخر، فتارةً يكون تشكيكًا عاميًّا، وأخرى يكون تشكيكًا خاصيًّا.
فالتشكيك العامي يعني أن جهة الاختلاف في شيء وجهة الاتفاق في شيء آخر؛ أي إذا كان ما به الاختلاف غير ما به الاتفاق يعبَّر عن هذا التشكيك بالعامِّي، وإذا كان ما به الامتياز عين ما به الاتحاد فهذا هو التشكيك الخاصِّي، والمقصود في عنوان هذا البحث — الفصل الخامس — هو التشكيك الخاصِّي لا العامِّي.
ولبيان الفرق بين التشكيك العامي والخاصي نذكر بعض الأمثلة، المثال الأول للتشكيك العامي، نقول: إن الوجود يصدق على الأب والابن معًا، ولكن صدق الوجود على الأب ليس بدرجة صدقه على الابن، لماذا؟ لأن الأب متقدم والابن متأخر في الوجود، فهنا ما به الاتحاد هو جهة الوجود، وجود الأب والابن، وما به الامتياز والاختلاف ليس هو ما به الاتحاد وهو الوجود، بل هو الزمان؛ لأن زمان وجود الأب غير زمان وجود الابن، فما به الاتحاد غير ما به الاختلاف، هذا هو التشكيك العامي.
أما التشكيك الخاصي فنذكر له مثالَين؛ الأول: عقلي، والثاني: عُرفي حسي، فنقول في المثال العُرفي الحسي: النور له مراتب، وهو ينطبق عليها من أدناها إلى أعلاها، والنور من المفاهيم المشككة؛ لأنه ينطبق على نور الشمعة ونور الشمس، وبين الشمعة والشمس مراتبُ عديدة من النور؛ فهناك مصباح درجة نوره واطئة — كمصباح النوم — ومصباح درجة إنارته أعلى وأعلى حتى تصل إلى الشمس، فهنا ما به الاتحاد والاشتراك بين هذه المراتب من النور هو النور، وما به الاختلاف بين هذه المراتب من النور هو النور نفسه أيضًا؛ فالمصباح ذو الدرجة «٤٠» والمصباح ذو الدرجة «٦٠» لا يختلفان في شيءٍ آخر غير النور؛ فما به الاتحاد وما به الاختلاف بين الدرجتَين من النور هو نفسه النور، فلا شدة الشديد ولا ضعف الضعيف من النور مأخوذة فيه قيدًا، فالشدة والضعف في اصل النوريَّة.
وحسب تعبير المصنف: «إن النور الحسي نوعٌ واحد، حقيقته أنه ظاهر بذاته مظهر لغيره، وهذا المعنى متحقِّق في جميع مراتب الأشعة والأظلة، على كثرتها واختلافها.» والمقصود بالشعاع هو النور الذي يشرق من الشيء المنير مباشرة وبلا واسطة، أما الظل فهو النور المنعكس من ذلك النور؛ فالشعاع كنور الشمس، والظل كنور القمر.
والمثال العقلي: خُذ مراتب العدد المختلفة ١، ٢، ٣، ٤ … إلخ؛ فهذه المراتب ينطبق عليها العدد، ولكنه متفاوت في انطباقه على هذه المراتب؛ فالواحد غير الأربعة، فما به الاتحاد بين هذه المراتب هو العددية؛ لأن الواحد عدد والأربعة عدد، وما به الامتياز الذي جعل الواحد غير الأربعة والفرد غير الزوج هو نفس العددية أيضًا؛ لأن الاثنين لا يختلف عن الثلاثة إلا في العددية، كما أن الإثنين لا يتفق مع الثلاثة إلا في العددية، فما به الاشتراك هو العددية، وما به الامتياز هو العددية.
والتشكيك في هذا الفصل هو التشكيك الخاصي؛ لأن حقيقة الوجود حقيقةٌ واحدة ذات مراتبَ مشككة متمايزة في الشدة والضعف والتقدم والتأخر، فما به الاتحاد بين مراتب الوجود هو الوجود، وما به التمايز والاختلاف بين مراتب الوجود هو الوجود نفسه.
ومن المعروف أن التشكيك يتقوم بأربعة أمور، وهي:
-
(١)
كون الوحدة حقيقية.
-
(٢)
كون الكثرة حقيقية.
-
(٣)
رجوع الكثرة إلى الوحدة حقيقة؛ أي كون ما به الامتياز عين ما به الاشتراك.
-
(٤)
كون الواحد عين الكثير حقيقة؛ أي كون ما به الاشتراك عين ما به الامتياز.
المراتب العرضية والطولية
ما نلاحظه من كثرة في الوجود له نوعان، الكثرة الطولية، والكثرة العرضية، فنحن نلاحظ كثرة ماهيَّات فنقول هذا كتاب، هذا قلم، ذاك ماء … إلخ، فهذا النوع من الكثرة يعود إلى كثرة الماهيَّات بالذات؛ لأن ماهية الماء غير ماهية القلم، فالماهيَّات متعدِّدة كثيرة، فمنشأ الكثرة هنا هو الماهيَّات، والوجود يتصف بهذه الكثرة لكن بالعرض لا بالذات؛ لأن الماهية متحدة بالوجود، وحكم أحد المتحدَين يسري إلى الآخر؛ فلذلك تسري هذه الكثرة من الماهية إلى الوجود، باعتبار أن الماهيَّات أوعية وقوالب الوجودات الإمكانية، وهذه كثرةٌ اعتبارية؛ لأن الماهية اعتبارية، وهي صفة للماهية، وصفة الاعتباري اعتبارية، وهذا نوع من الكثرة، الوجود يتكثر بالماهيَّات بالعرض لا بالذات من خلال تخصُّصه بالماهيَّات.
وهذا يعني حصول خصوصية للوجود بأمرٍ خارج عنه، وهو الماهية، مع أنها متأخرة عن الوجود بل هي أمرٌ اعتباري لا حقيقة لها، وحصول التخصيص بها يوجب كون الكثرة اعتبارية غير حقيقية.
ويبدو أن مراد المصنف بقوله: ولحقيقة الوجود «كثرة عرضية، باعتبار تخصُّصها بالماهيَّات المختلفة التي هي مثار الكثرة»، الماهيَّات المختلفة هي الماهيَّات المعتبرة بشرط شيء؛ بحيث لا تصدق كلُّ منها إلا على فردٍ واحد؛ فماهية الإنسان بشرط كونه ذا وضعٍ وأين ومتى وإضافة … إلخ، توجب تخصُّص وجود زيد، وهكذا توجب تخصُّص وجود عمرو. وليس المراد الماهيَّات النوعية؛ فإنه على ذلك تختص الكثرة العرضية بأفراد الأنواع المختلفة، وأما كثرة زيد وعمر فتبقى بلا وجه.
وهناك كثرةٌ أخرى نراها في هذا العالم، كما نقول وجود العلة غير وجود المعلول، والوجود بالقوة غير الوجود بالفعل، وجود الواجب غير وجود الممكن، والعلة والمعلول كلاهما أمرٌ وجودي، والقوة والفعل كلاهما أمرٌ وجودي، والوجود الواجب والممكن كلاهما أمرٌ وجودي، فهنا الماهية لم تؤخذ في الكثرة، فعندما نقول «الوجود الواجب» تعني الوجود المستغني عن غيره، فالوجوب هنا عين الوجود؛ لأن الوجوب هو شدة الوجود، وعندما نقول «الوجود الممكن»، فالإمكان هنا بمعنى الفقر؛ أي الإمكان الفقري، وهو عين وجود الممكن وليس صفة للماهية؛ فالممكن معناه الموجود الفقير المحتاج لغيره.
فالكثرة هنا ثابتة للوجود لأنه لا ماهية هنا، وهذه الكثرة تعني أن حقيقة هذه الكثرات واحدة، فهذه الكثرة تمثِّل مراتب للموجود؛ إذْ إنَّ مرتبة الممكن أوطأ من مرتبة الواجب، فالكثرة هنا كثرةٌ طولية، والمقصود بالطولية: الشيء في طول الآخر؛ أي إنه مترتِّب عليه، فالمعلول في طول العلة؛ أي مترتِّب عليها، الاثنان في طول الواحد؛ أي مترتِّبة عليه.
وعلى هذا الأساس نقول إن هذه الكثرة التي نلاحظها في وجود العلة والمعلول هي كثرةٌ ثابتة بالوجود وبالذات، فالوجود حقيقةٌ واحدةٌ متكثرة؛ أي لها مراتبُ طولية ومراتبُ عرضية، والمراتب العرضية ناشئة من تكثُّر الوجود بواسطة الماهيَّات، والمراتب العرضية هي المراتب التي في رتبةٍ واحدة، في مستوًى واحد، وعلى صعيدٍ واحد، كما في القلم والكتاب والإنسان والتراب والنبات، بينما الواجب والممكن ليسا في رتبة واحدة.
وبعبارةٍ أخرى: إنه في الكثرة العرضية يكون لكلٍّ من الكثرات ما به يمتاز عن غيره؛ فهو واجدٌ لشيءٍ يكون غيره فاقدًا له، وفاقدٌ لشيءٍ يكون غيره واجدًا له. وأما في الكثرة الطولية، فما به الامتياز إنما هو للمرتبة العالية بالنسبة إلى المرتبة النازلة، والعالي غني، والنازل فقير، العالي واجد، والنازل فاقد.
التقييد والإطلاق في مراتب الوجود
هناك تقييدٌ وإطلاقٌ في مراتب الوجود، بمعنى أنه ليس تقييدًا وإطلاقًا مفهوميًّا، كما نقول: إنسان وإنسانٌ عالم، أو فقير وفقيرٌ عادل، وإنما هو إطلاقٌ وتقييدٌ في مراتب الوجود، في حقيقة الوجود الخارجية العينية؛ فالمرتبة الضعيفة — للوجود مراتب متسلسلة من المادة الأولى (الهيولى) وتتصاعد إلى أعلى المراتب وهي الواجب تعالى — مقيدة، بينما المرتبة التي تليها مطلَقة بالنسبة إليها؛ لأن المرتبة الضعيفة فاقدةٌ لكمال المرتبة الأقوى.
نذكر مثالًا ليتضح الأمر: إذا كان لدينا قطعتان، الأولى طولها متر، والثانية طولها متران، فالأولى مقيدة بالنسبة للثانية؛ لأنها فاقدةٌ لكمال المرتبة الأخرى — ذات المترَين — لأن التي طولها متر تنقص مقدارًا من الوجود، وهو ما تشتمل عليه الثانية ذات المترين، بينما الثانية تشتمل على كمالٍ أوسع تفقده التي قبلها، وعليه فإن كل مرتبةٍ ضعيفة تكون مقيَّدة، وكل مرتبة بالنسبة لما فوقها تكون مقيَّدة؛ لأنها فاقدة لكمال المرتبة الأشد.
إذن المراتب الطولية للوجود فيها تقييدٌ وإطلاق، وهذا ناشئٌ من فقدانها للكمال الذي تحتويه المرتبة الأعلى؛ فكل مرتبة من الوجود لها حدودٌ ما عدا أعلى مراتب الوجود فلا حدَّ لها، وهذه الحدود تكون ملازمة للإعدام؛ أي وجودها ينتهي عند هذه النقطة.
أما الواجب فلا حدَّ له؛ لأنه بسيطٌ غير مركَّب من الوجود والعدم — وهذا تركيبٌ اعتباري عقلي — فهو وجودٌ صرفٌ مطلقٌ كامل. وبذلك يتضح أن المقوم لكل مرتبة من مراتب الوجود ليس خارجًا من المرتبة، لبساطة الوجود؛ أي إن خصوصية الوجود في كل مرتبة هي عين تلك المرتبة. بينما تقوُّم في باب الماهية هو الجزء الذي به قوام الشيء من الجنس والفصل.
ما نُسب إلى المشَّائين
ذهب قومٌ من المشَّائين إلى كون الوجود حقائقَ متباينةً بتمام ذواتها، ولا تُوجَد جهة وحدة ترجع إليها هذه الحقائق الوجودية، ويمكِن تحليل هذا المدَّعى إلى دعويَين:
- الأولى: أن الواقع الخارجي كثير حقيقةً، بخلاف ما يذهب إليه بعض المتصوفة من أن الواقع الخارجي لا تكثُّر فيه.
- الثانية: أن هذه الحقائق متباينةٌ بتمام ذواتها ولا تُوجَد بينها جهة اتحاد.
أما ما استدل به القوم على الدعوى الأولى، فهو أن الموجودات الخارجية تختلف من حيثُ الآثارُ المترتِّبةُ عليها؛ فالنار تختلف عن الماء في آثارها، وهذا يختلف في آثاره عن التراب، وهكذا، وإن اختلاف أثر النار عن أثر الماء يكشف عن اختلاف المؤثِّرات؛ فأثَر النار هو الإحراق، وأثَر الثلج هو البرودة؛ ولذلك فإن الواقع الخارجي مؤلف من حقائقَ متعدِّدة كثيرة، تبعًا لاختلاف الآثار.
هذه الدعوى الأولى، وهي أن الواقع الخارجي مؤلَّف من حقائقَ كثيرة لا من حقيقةٍ واحدة كما يدَّعي بعضهم.
والدعوى الثانية في القول المنسوب إلى المشَّائين: أن هذه الحقائق المتعددة والموجودة في العالم الخارجي متكثرة بتمام الذات، والتغاير والتباين إما أن يكون بأمرٍ خارج عن الذات، أولًا، والثاني إما أن يكون ببعض الذات أو بتمامها. والخارج عن الذات لا يُتصوَّر في الوجود؛ لأن الخارج عن الوجود ليس إلَّا العدم، بعد انحصار الأصالة بالوجود.
والتباين بتمام الذات، كالتباين بين الماهيَّات والأجناس العالية، كالكم والكيف والجوهر … إلخ.
والتباين ببعض الذات، كما في التباين بين الإنسان والفرس، اللذَين يشتركان في الحيوانية، ويتباينان في فصل كل واحدٍ منهما؛ ففصل الإنسان هو الناطق وفصل الفرس هو الصاهل.
وقد يكون الاختلاف والتمايز بشيءٍ خارج عن الذات؛ أي في الأعراض الخارجة عن الذات، كما في ملاحظة شيء لونُه أبيض وآخر لونُه أسود، فالتغاير في أمورٍ عرضية خارجية.
فهؤلاء قالوا: إن هذه الحقائق الموجودة في الخارج، متغايرة ومتباينة بتمام الذات، واستدلوا على ذلك، فقالوا: لأن الوجودات بسيطة وليست مركَّبة، فإذا كانت متباينة — كما بيَّنَّا في الدعوى الأولى — فلا بد أن يكون الاختلاف والتغاير بينها بتمام ذواتها، وإلا لما كانت بسيطة بل يلزم كونها مركَّبة، مركَّبة من حيثية بها الاشتراك بينها وبين الموجودات الأخرى، وحيثية أخرى بها الامتياز عن الموجودات الأخرى، وقد تبيَّن أن هذه الحقائق الوجودية بسيطة وأن مراتب الوجود بسيطة وليست مركَّبة.
إذن حال هذه الموجودات نظير المقولات والأجناس العالية، كالجوهر والكم والأين والإضافة … إلخ؛ أي إن التمايز بينها بتمام ذواتها، هذا ما ذهب إليه المشَّاءون من أن الموجودات الخارجية كثيرة ومختلفة بتمام الذات.
إشكال وجواب
إذا كان الوجود الخارجي مؤلفًا من جملة حقائقَ متباينة بتمام الذات فكيف يصح أن نحمل عليها مفهومًا واحدًا، وهو مفهوم الوجود، فنقول: النار موجودة، الكتاب موجود، الماء موجود، فكما ذكرنا سابقًا أن مفهوم الوجود مشتركٌ معنوي؛ فهو يحمل عليها بنفس المعنى، وهذا غير ممكن؛ لأن هذا المفهوم البديهي واحد، والواحد من حيثُ هو واحد لا يمكن أن يحكي عن الكثير من حيثُ هو كثير، أو عن المتباينات من حيثُ إنها متبايناتٌ متكثرة، هذا هو الإشكال؛ أي إن مفهومًا واحدًا هو مفهوم الوجود يحمل على هذه الموجودات المتباينة بمعنًى واحد، وهذا لا يصح؛ لأن هذا المفهوم الواحد من حيثُ هو واحد لا يمكن أن يحكي أمورًا متكثرة ومتباينة من حيثُ هي متكثرة.
والجواب على ذلك: أن مفهوم الوجود هذا المفهوم العام إذا كان يحمل على هذه الموجودات المتباينة بتمام الذات، بنحو صدق الذاتي على أفراده، كما في صدق الكتاب على هذا الكتاب وذاك الكتاب، فيرد الإشكال المذكور، ولكن الأمر ليس كذلك؛ لأن مفهوم الوجود إنما يصدُق على هذه المصاديق الخارجية بنحو العرض اللازم، وهو نحو صدق مفهوم العرض على المقولات التسعة العرضية، فمفهوم العرض لا يصدق عليها بنحو صدق الذاتي على أفراده، كصدق مفهوم القلم على هذا القلم وذاك القلم وكل قلم، وإنما يصدق عليها بمعنى أنها تشترك جميعها — المقولات التسعة — في مفهومٍ عامٍّ عرضي، وهو مفهوم العرض، والأمر هنا كذلك؛ أي إن مفهوم الوجود يصدق على هذه الموجودات المتباينة بتمام الذات، من قبيل صدق العرض اللازم على هذه المقولات.
وحدة الوجود التشكيكية
والاتجاه الآخر هو القول بالوحدة التشكيكية للوجود، فالقول المنسوب للمشَّائين غير تام؛ لأن اختلاف الآثار صحيحٌ أنه يكشف عن اختلاف المؤثِّرات، ولكن هل هذه المؤثِّرات — الموجودات — هي حقائقُ متباينة بتمام الذات أم هي حقيقةٌ واحدة لها مراتبُ متعددة؟ الصحيح هو أن الوجود الذي يكون منشأ لترتب الآثار هو حقيقة واحدة مشككة ذات مراتب متعددة، تبدأ بأدنى المراتب، وتنتهي بالمرتبة التي لا يحدُّها حد.
وهنا قد يُقال: كيف تكون الموجودات كثيرةً حقيقة وبسيطةً حقيقة، ومع ذلك تعود إلى جهةٍ واحدة، فإن رجوعها إلى جهةٍ واحدة يعني أنها مركَّبة، كيف نقول ذلك؟
لا بد أن نقول إن هذه الكثرة التي نراها في الخارج لا تعود إلى جهة كثرةٍ حقيقيةٍ واقعية في العالم الخارجي، وهذا الإشكال ينشأ من الخلط والتوهُّم بين التشكيك العامي والخاصي، وقد قلنا إن ما به الاختلاف مرة يعود إلى ما به الاشتراك، فيكون تشكيكًا خاصيًّا؛ إذ هناك مراتبُ مختلفة يعود ما به الاتحاد إلى ما به التمايز والاختلاف، ومرة أخرى لا يعود ما به الاختلاف إلى ما به الاتحاد، فيكون التشكيك عاميًّا، فتوهُّم أن هذا التشكيك عامِّي يؤدي لإثارة مثل هذا الإشكال، أما إذا عرفنا أن التشكيك هنا خاصيٌّ — ما به الاشتراك عين ما به الاختلاف — حقيقة واحدة، فعندها نستطيع أن نلتزم ببساطة الموجودات من جهة، ورجوع الكثرة وما به التمايز إلى الوحدة، من دون أن تكون هذه الكثرة باطلة، وعليه نقول: إن ما نراه من كثرة بين الموجودات يعود إلى الوجود نفسه؛ فإن ما به الاتحاد وما به التمايز يعودان إلى حقيقةٍ واحدة، مثلما قلنا في الاتحاد والتمايز بين الأعداد، الواحد والاثنين والثلاثة … إلخ.
إذن اتضح أن الواقع الخارجي حقيقةٌ واحدةٌ مشككةٌ ذات مراتب، يعود ما به الاتحاد لنفس ما به التمايز والاختلاف، بالتشكيك الخاصي.
ومدَّعى كون الوجود حقيقةً واحدةً مشككة، يعود إلى أمرَين:
- الأول: أن الواقع الخارجي حقيقةٌ واحدة.
- والثاني: أن هذه الحقيقة الواحدة مشككة، بالتشكيك الخاصي.
الوجود حقيقةٌ واحدة
ما الدليل على أن الواقع الخارجي حقيقةٌ واحدة؟
الجواب: إن مفهوم الوجود مشتركٌ معنوي؛ أي يُحمل بمعنًى واحدٍ على مصاديقه، وهنا نسوق هذا الدليل، وهو قياسٌ استثنائي مؤداه ما يلي: لو لم يكن الوجود حقيقةً واحدة لكان حقائقَ متباينة، والتالي باطلًا فالمقدم مثله؛ أي الوجود ليس حقائقَ متباينة، إذن الوجود حقيقةٌ واحدة.
ولتوضيح هذا الدليل نسوق هذه المقدمة: فنقول إن المفهوم والمصداق من حيثُ الذات والذاتيات هما شيءٌ واحد؛ لأن مفهوم زيد ومصداقه نفسه، والتغاير إنما هو في أن وجود المصداق بوجودٍ خارجي، والمفهوم نفس المصداق لكن بوجودٍ ذهني، وإلا لو لم يكن المفهوم والمصداق أمرًا واحدًا لما أمكن أن يحكي المفهوم عن المصداق، والاختلاف بين المفهوم والمصداق هو في طبيعة الوجود بالذهن أو بالخارج.
إذن فمفهوم الوجود واحد؛ إذ لا يمكن أن ننتزع مفهوم الوجود الواحد من مصاديقَ متباينة من حيثُ هي متباينة؛ لأنه يلزم أن يكون الواحد عين الكثير والكثير عين الواحد، وذلك مُحال، هذا هو الدليل الأول على الدعوى الأولى.
والدليل الثاني على الدعوى الأولى، بيانه يتوقف على مقدمة وهي: لو كان هناك في الواقع الخارجي مصداقان «أ، ب» وحاولنا أن ننتزع مفهومًا واحدًا من هذَين المصداقَين فهنا عدة فروض:
- الأول: أنْ نأخذ في هذا المفهوم المنتزع من هذَين المصداقَين خصوصية المصداق «أ» فلا ينطبق على المصداق «ب».
- الثاني: أن نأخذ فيه خصوصية المصداق «ب» فقط، فلا ينطبق على المصداق «أ»؛ لأن المصداقَين متباينان بتمام الذات، وليس بينهما جهة اشتراك أصلًا.
- الثالث: أن نأخذ فيه الخصوصيتَين معًا، خصوصية «أ» وخصوصية «ب»، وعندها سوف لا ينطبق على «أ» ولا على «ب»؛ لأن المصداق «أ» ليس فيه شيء من خصوصية المصداق «ب»، وكذلك المصداق «ب» ليس فيه شيء من خصوصية المصداق «أ»؛ أي لأن شيئًا منهما ليس واجدًا لكلتا الخصوصيتَين.
- الرابع: أن ننتزع المفهوم من الخصوصية المشتركة بين المصداق «أ، ب» وهذا الفرض معقول، كما ننتزع الإنسان من الخصوصية المشتركة بين زيد وعمر وبكر، لكن هذا خلاف ما فرضناه؛ لأننا فرضنا أن المصاديق متباينة بتمام الذات، ولا تُوجَد بينها جهة اشتراكٍ أصلًا، فثبت ما فُرض أولًا من انتزاعه من المصاديق الكثيرة بما هي كثيرة.
وبذلك يتبيَّن من خلال الدليلَين أن مفهوم الوجود العام المشترك المعنوي لا يمكن أن ننتزعه من مصاديقَ متباينة بتمام الذات من حيثُ هي متباينة بتمام الذات، إذن لا بد أن تكون هناك حقيقةٌ واحدةٌ مشتركةٌ جامعة بين تمام هذه المصاديق، لتكون هي الملاك لانتزاع هذا المفهوم الواحد.
كما أن مفهوم الإنسان حقيقةٌ واحدةٌ مشتركة بين أفراد الإنسان وننتزعها من بين هذه الأفراد، وإلا لو لم تكن هناك حقيقةٌ واحدةٌ مشتركةٌ بين تمام المصاديق للزم أن ننتزع المفهوم من دون مناط، ولازم ذلك — كما قال المطهري — انتزاع أي مفهوم من أي مصداق، وهذا واضح البطلان؛ ولذلك لا بد أن يكون هناك شيءٌ خارجيٌّ عيني يعود ما به الاشتراك إلى ما به الاختلاف؛ أي لا بد أن تكون هناك حقيقةٌ واحدة ترجع إليها تمام التمايُزات بين الوجودات.
هذا تمام الكلام في الدعوى الأولى، وهي أن الوجود حقيقةٌ واحدة.
الوجود حقيقة واحدة مشككة
أما الدعوى الثانية، وهي أن هذه الحقيقة الواحدة مشككة؛ أي ليست حقيقةً واحدة شخصية، بل حقيقةٌ واحدة لها مراتبُ متعددة، وهذه المراتب متغايرة.
والدليل على ذلك هو أننا نلاحظ هذه المراتب، كما نلاحظ الحدوث والقدم، وما بالقوة وما بالفعل، والشدة والضعف، والعلِّية والمعلولية، والوجوب والإمكان؛ أي نجد الكمالات الحقيقية لا الاعتبارية، وهي التي تمثِّل المراتب الطولية للوجود، كما نجد مراتبَ عرضيةً للوجود؛ إذ نلاحظ أن وجود الماء يختلف عن وجود النار، فحيثية الاختلاف بين الوجودات تعود إلى حيثية الاتحاد بين الوجودات؛ أي ما به الامتياز عين ما به الاشتراك وبالعكس، وهذا هو التشكيك، فللوجود مراتبُ طولية ومراتبُ عرضية.
وقد أوضحنا ذلك سابقًا، ولكن لأهمية ذلك نقف وقفةً بسيطة عند هذه المسألة؛ فهناك سلسلةٌ طولية للموجودات، تبدأ بأدنى مراتب الموجودات وتنتهي بأعلى المراتب، وفي السلسلة الطولية يفترض أن هناك تسلسلًا بين الموجودات، وهناك عوالم مترتبة تبدأ من عالم الطبيعة — الذي هو أدنى العوالم — ثم هناك عالمٌ أشد منه في وجوده وهكذا إلى أعلى العوالم، وعلى حد تعبير المطهري في «شرح المنظومة» أن الرابطة بين هذه العوالم هي رابطة المحيط والمحاط؛ أي عالم الطبيعة يُحيط به العالم الذي يليه فهو محاط والآخر محيط، وكل عالمٍ أعلى يحيط بالعالم الأدنى وجودًا، كما أنه يكون أقوى وجودًا. هذه هي السلسلة الطولية للعالم، وفيها كل عالم أعلى يُحيط بالذي هو أسفل منه.
وهناك مراتبُ متكثرةٌ أخرى هي المراتب العرضية، وهذه الكثرة تلحق الوجود من الخارج؛ فهي كثرة بالعرض لا بالذات، ومنشؤها الماهيَّات، والمراتب فيها على صعيدٍ واحد، وليست طولية، ولا علِّية ومعلولية، وإنما هي على مرتبةٍ واحدة؛ ولذلك فالتعبير بالمراتب العرضية تعبيرٌ مسامحي، فالصحيح هي كثرةٌ عرضية، وهذا لا يعني أنها متساوية في درجتها الوجودية؛ لأنها يُوجَد بينها طولية وعلِّية ومعلولية.
نمثِّل لذلك لتتضح المسألة، وإن كان المثال يقرِّب من جهة ويبعِّد من جهة كما يُقال، ولكن لكي تتضح الفكرة، نقول: لو سلَّطنا النور على عِدة صفائحَ زجاجية، وكل زجاجة ذات لونٍ خاص، فالنور سوف يتلوَّن ويتشكل طبقًا للون الزجاجة، فالنور الساقط على الزجاجة الزرقاء يكون أزرق، والذي يسقط على الزجاجة الحمراء سيكون أحمر، بينما هذا النور في حقيقته أمرٌ واحد، لونه لونٌ واحد، ولكنه تشكَّل وتلوَّن تبعًا للقوابل والقوالب من الزجاج التي سقط عليها، وعلى هذا الأساس فالوجود في المراتب العرضية يتكثر تبعًا للأوعية والقوالب؛ أي الماهيَّات التي يعرض عليها.
وفي الكثرة الطولية يكون ما به الاتحاد وما به الاختلاف هو حقيقة الوجود، فيكون التشكيك فيها خاصيًّا، أما الكثرة العرضية، فلا يكون ما به الاتحاد عين ما به الاختلاف؛ أي إن التشكيك يكون عاميًّا؛ لأن ما به الاختلاف في الكثرة العرضية هو الماهيَّات، وما به الاشتراك هو الوجود.
وبهذا يتضح أن الوجود حقيقةٌ واحدة مشككة، متكثِّرة في ذاتها، وهذا النوع من التكثُّر لا ينافي الوحدة، بل يؤكِّدها؛ لأنها تدُل على أنه ليس هناك إلَّا الوجود؛ حيث إن ما به الامتياز فيه هو الوجود، كما أن ما به الاشتراك هو الوجود، فيرجع كل ما به الامتياز إلى ما به الاشتراك، وكل ما به الاشتراك إلى ما به الامتياز، وهذا هو التشكيك.