الفصل الثاني

انقسام كلٍّ من المواد إلى ما بالذات وما بالغير وما بالقياس

كل واحدة من المواد الثلاث تنقسم إلى عدة أقسام؛ فالوجوب، ينقسم إلى واجب بالذات وواجب بالغير، وواجب بالقياس إلى الغير، وكذلك الامتناع، ممتنع بالذات، وممتنع بالغير، وممتنع بالقياس إلى الغير، وأما الإمكان، فنقسِّمه إلى ممكن بالذات، وممكن بالقياس، وأما الممكن بالغير فإنه غير معقول، فتكون الأقسام ثمانية.

إن المقصود بالواجب بالذات هو أن المحمول ضروريُّ التحقق بالنسبة إلى الموضوع، وهذه الضرورة ناشئة من ذات الموضوع؛ أي إن الموضوع من حيثُ هو، من حيثُ ذاتُه، يقتضي المحمول، وبأي شكلٍ لا يمكن سلب الوجود عن هذا الموضوع، لا يمكن التفكيك بين الواجب وبين الوجود، بين المحمول والموضوع.

أما الممتنع بالذات فهو مقابل الواجب بالذات؛ فالممتنع بالذات يعني أن الذات يمتنع وجودها، اجتماع النقيضَين من حيثُ هو، وجوده مُحال؛ أي إن العدم ضروري لهذه الذات — ونعبِّر بالذات على سبيل التسامح في التعبير؛ لأن العدم لا ذات له؛ أي المُحالات لا ذات، لها وإنما ذاتها مفترضة — فعندما نقول: اجتماع النقيضَين محال، يعني العدم ضروري لهذه الذات المفترضة.

بينما الممكِن بالذات يعني لو لاحظنا الذات من حيثُ هي، فليست ضرورية الوجود؛ أي الوجود ليس ضروريًّا لها، ولا ضرورية العدم، أنت الآن تفترض كائنًا معيَّنًا، فهذا الكائن لا الوجود ضروريٌّ له ولا العدم ضروري له؛ أي إنه يمكن أن يُوجَد ويمكن أن يكون معدومًا، فوجوده متوقف على وجود علته، وعدمه متوقف على عدم علته، هذا هو الممكن الوجود بالذات.

وأما المقصود بالوجوب بالغير، فهو لاحظنا الممكن بحسب ذاته؛ فإما أن يكون موجودًا، لكن وجوده بسبب الغير، وجوده يعتمد على وجود علته، حتى يُوجَد الغليان، فلا بد من وجود النار، إذا وُجدَت علته وُجد، فوجوده يكون ضروريًّا إذا وُجدَت علته، وبذلك يكون وجوده واجبًا ولكنه واجب بالغير لا بالذات. وإذا لم تُوجَد علته، فإنه يكون ضروري العدم؛ أي ممتنعًا بالغير، كالماء الممتنع الغليان لانعدام علته، فامتناعه لامتناع علته؛ لأن امتناعه عن الغليان ليس لذاته، فالممكن بالذات يمكن أن يكون ممتنعًا بالغير لعدم المقتضي لوجوده، ويمكن أن يكون واجبًا بالغير إذا وُجدَت علته.

أمَّا الإمكان بالغير فإنه غير معقول، محال؛ لأن الممكن بالغير نفترضه إمَّا أن يكون ضروريًّا، واجبًا بذاته أو ممتنعًا بذاته، أو ممكنًا بالذات؛ لأن المواد لا تخلو عن ثلاث، فإذا كان واجبًا بذاته فإنه لا يمكن أن يكون ممكنًا بغيره؛ لأن الواجب بذاته، يستحيل عدم وجوده؛ أي الوجود من لوازم ذاته، والإمكان يعني ألا يكون الوجود ضروريًّا ولا العدم ضروريًّا.

ولو فرضنا أنه ممتنع بالذات، فإنه لا يمكن أن يكون ممكنًا بالغير؛ لأن الامتناع ضروري لهذه الذات، ولا يمكِن التفكيك بين الامتناع وبين الذات.

إذن لا يبقى لدينا إلا الممكن بالذات، والممكن بالذات لا يمكن أن يكون ممكنًا بالغير؛ لأنه ممكن بذاته، إن تحقَّق له إمكان بالغير أو لم يتحقَّق له فهو ممكن بذاته، ولا يؤثِّر فيه ذلك الإمكان.

وعلى هذا يكون الإمكان بالغير ممتنعًا؛ لأن الأمر لا يخرج عن ثلاثة احتمالات، كلها لا يكون معها ممكنًا بالغير.

وأما الوجوب بالقياس: فمعناه أنه إذا وُجد شي‏ء فإن هذا الشي‏ء بالنسبة إليه يكون ضروريًّا؛ أي من المُحال أن يُوجد «أ» ولا يوجد «ب»؛ لأن «أ» واجب بالقياس إلى «ب»، و«ب» واجب بالقياس إلى «أ» كما في المتضايفَين؛ أي إذا كان هناك أخ، فبالقياس إليه يُوجَد أخٌ آخر، وإذا كان هناك زوج، فبالقياس إليه تُوجَد زوجة.

أمَّا الامتناع بالقياس إلى الغير فكما في وجود أحد المتضايفَين إذا قيس إلى عدم الآخر؛ أي إذا قيس وجود الزوج إلى عدم الزوجة، فوجود الزوج يكون ممتنعًا؛ لأن وجود الزوج موقوف على وجود الزوجة؛ أي على أصل وجود الزوجية.

أما الإمكان بالقياس إلى الغير فإنه أمرٌ افتراضي، كما لو افترضنا هناك واجبَين — قلنا بالافتراض وإلا فبالواقع، قل هو الله أحد، وحده لا شريك له، لكن بالافتراض — فلو فرضنا هناك واجبًا «أ» وواجبًا هو «ب» فالواجب «أ» بالقياس إلى الواجب «ب» ممكن؛ لأنه لا ضروري الوجود بالنسبة إليه ولا ضروري العدم، وهذا معنى الإمكان؛ لأنه لا علِّية ولا معلولية بينهما.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥