في معاني الإمكان
الإمكان هو سلب الضرورة؛ أي الافتقار. وسلب الضرورة له أنحاء؛ ولذا فسوف نتحدث هنا في عدة نقاط، وفي كل نقطة نبيِّن مصطلحًا من مصطلحات الممكِن، وبكلمةٍ أخرى سنلاحظ أننا إذا سلبنا ضرورةً واحدةً عن شيءٍ سمِّي ممكنًا، ويُصطلح عليه اصطلاحٌ خاص، وكلما سلبنا ضرورةً إضافية سمِّي ممكنًا أيضًا، وله اصطلاحٌ آخر، وهكذا …
(١) الإمكان العام
إذا سلبنا ضرورةً واحدة سُمِّي الممكن بالإمكان العام؛ فالإمكان العام هو سلب الضرورة عن الجانب المخالف، بقطع النظر عن الجانب الموافق، سواء كان ضروريًّا أو ممكنًا؛ ففي القضية الموجبة لو كان الجانب الموافق ضروريًّا صار واجبًا، ولو كان غير ضروري صار ممكنًا خاصًّا؛ فالممكنة العامة الموجبة شاملة للواجب والممكن الخاص. وفي القضية السالبة لو كان الجانب الموافق ضروريًّا صار ممتنعًا، ولو كان غير ضروري صار ممكنًا خاصًّا؛ فالممكنة العامة السالبة شاملة للممتنع والممكِن الخاص.
وإنما يُسمَّى العام لأنه أعم من الإمكان الخاص. ويُسمَّى أيضًا عاميًّا؛ لأنه يستعمله عامة الناس، في مقابل الإمكان الخاصِّي، الذي يستخدمه الخاصة.
لو قلنا: «الباري موجود بالإمكان العام»، فهنا سلبنا ضرورة الامتناع، ضرورة العدم؛ أي الجانب المخالف، فحينئذٍ وجوده إمَّا أن يكون واجبًا وضروريًّا أو يكون ممكنًا، ومما لا شك فيه أن وجود الباري واجب.
والجانب الموافق يشمل ما إذا كان ضروريًّا أو ممكنًا بالإمكان الخاص؛ ففي قولنا: «الإنسان موجود بالإمكان العام»، فهذا الإمكان عام؛ لأنه أعم من الإمكان الخاص، ونسمِّيه عامِّيًّا؛ لأنه يُستعمل في لسان العامة من الناس. كما لو سأل سائل: أتمطر السماء الآن أم لا؟ فيأتيه الجواب: «يمكن أن تمطر»؛ فقولنا: يمكن، معناه أنه قد يكون المطر بالنسبة للغيم ضروريًّا وقد يكون غير ضروري؛ أي ممكنًا بالإمكان الخاص؛ فهنا نريد أن ننفي الامتناع، ننفي ضرورة العدم.
إذن عندما نسلب ضرورةً واحدة نُسمِّي الإمكان عامًّا.
(٢) الإمكان الخاص
إذا سلبنا ضرورتَين؛ ضرورة الوجود، وضرورة العدم، يُسمَّى بالإمكان الخاص، وفيه تُسلب ضرورة الوجود وضرورة العدم، ويُسمَّى بالإمكان الخاصِّي، والإمكان الذاتي، والإمكان الماهوي، وكلها بمعنًى واحد.
وإنما يعبَّر عنه بالإمكان الذاتي؛ لأنه سلبٌ للضرورة الذاتية.
ويُسمَّى إمكانًا ماهويًّا، في مقابل الإمكان الوجودي؛ لأن هذا الإمكان ملازمٌ للماهية.
ويُسمَّى بالإمكان الخاص؛ لأنه سلب الضرورة من الجانبَين، فهو خاص بالنسبة إلى الإمكان العام.
كما يُسمَّى بالإمكان الخاصِّي؛ لأنه المستعمل في لسان الحكماء، لسان الخاصَّة، في مقابل الإمكان العام، الإمكان العامِّي، وهو المستعمل في لسان العامَّة.
(٣) الإمكان الأخص
إذا سلَبنا ثلاث ضرورات يُسمَّى الإمكان بالإمكان الأخص. وهو أخصُّ من المعنى السابق (الإمكان الخاص)، وبيان أخصِّية هذا المعنى على السابق؛ لأن الإمكان الخاص هو سلبُ الضرورة الذاتية فقط؛ ولذلك يُسمَّى بالإمكان الذاتي أيضًا. بينما الإمكان الأخص سلبُ الضرورة الذاتية منضمةً إلى الضرورتَين الوصفية والوقتية.
ولا بد من الإشارة إلى أن الضرورات قُسمَت إلى أقسام، وهي: الضرورة الذاتية، والأزلية، والوصفية، والضرورة بشرط المحمول. وما نحن بصدده هو ما إذا سُلبَت ثلاث ضرورات، وهي الضرورة الذاتية، والوصفية، والوقتية، فنُسمِّي هذا الإمكان بالإمكان الأخص.
والضرورة الذاتية هي التي يكون فيها قيدٌ ما دامت الذات موجودة، يُقال: الإنسان حيوانٌ ناطق بالضرورة، فهذه ضرورةٌ ذاتية؛ أي ما دامت ذات الإنسان موجودة فهو حيوانٌ ناطق.
وفي مقابلها الضرورة الأزلية، وهي التي يكون فيها المحمول ضروري الثبوت للموضوع من دون أي قيدٍ أو شرطٍ حتى الوجود.
أما في الضرورة الوصفية فنقول: «الكاتب متحرك الأصابع بالضرورة ما دام كاتبًا» فهنا المأخوذ هو الوصف؛ ففي هذه القضية يُوجَد موضوع هو الكاتب، ويُوجَد محمول هو حركة الأصابع، فحركة الأصابع ثابتة للموضوع بالضرورة، لكن بقيد ما دام كاتبًا، بهذا الوصف، حال وأثناء الكتابة؛ فهذه الضرورة ثابتة ما دام الوصف، لا ما دامت الذات؛ إذ الذات لا علاقة لها بهذا الوصف؛ لأن حركة الأصابع ليست ثابتةً لذات الإنسان، بل ثابتةٌ بوصفه كاتبًا، وفي حالة الكتابة، فهذه هي الضرورة الوصفية.
أما الضرورة الوقتية فهي أيضًا من نوع الضرورة الوصفية، ولكن مأخوذٌ فيها وقتٌ خاص؛ أي إن المحمول يكون ثابتًا للموضوع بوقتٍ محدَّد، يُقال: القمر منخسف بالضرورة، متى ما كانت الأرض واقعة بين الشمس والقمر، في هذا الوقت لا في كل وقت؛ فثبوت الخسوف للقمر ضروري لكن ليس دائمًا؛ فلا ضرورة ذاتية، وإنما هذه الضرورة وقتية، في الوقت الذي تكون فيه الأرض بين القمر والشمس.
يتلخَّص مما تقدَّم أننا إذا سلبنا ضرورةً واحدة، نُسمِّي الإمكان بالإمكان العام، وإذا سلبنا ضرورتَين؛ ضرورة الوجود، وضرورة العدم؛ أي الضرورات الذاتية، يُسمَّى بالإمكان الخاص أو الذاتي أو الماهوي، وإذا سلبنا ثلاث ضرورات؛ الذاتية والوصفية والوقتية، يُسمَّى هذا الإمكان بالإمكان الأخص؛ لأنه أخصُّ من الخاص. وثبوت هذا الإمكان في القضية إنما هو بحسب التحليل العقلي؛ أي إن العقل إذا نسب المحمول إلى الموضوع، نسب الكتابة إلى الإنسان، بحسب العلة؛ أي إذا كانت العلة ثابتة، يكون ثبوت الكتابة للإنسان ضروريًّا، إذا كان الإنسان يكتب؛ أي حالة الكتابة، ولكن إذا لاحظ العقل ذلك فإنه يلاحظ أن ثبوت الكتابة للإنسان ليس ضروريًّا، ضرورة ذاتية؛ لأنه لم يُؤخذ في ذات الإنسان، وليس ضروريًّا ضرورةً وقتية، كضرورة ثبوت الخسوف للقمر في وقت حلول الأرض بينه وبين الشمس. وهذا هو الإمكان الأخص.
(٤) الإمكان الاستقبالي
وهو الذي تُسلَب فيه أربع ضرورات؛ الضرورة الذاتية — ضرورة الوجود وضرورة العدم — والضرورة الوصفية، والوقتية، والضرورة بشرط المحمول، فإذا سُلبَت هذه الضرورات الأربع يكون لدينا نوعٌ آخر من الإمكان نسمِّيه بالإمكان الاستقبالي.
وهو يختص بالأمور التي لم تتحقق بعدُ. بينما كنَّا نتحدث في الإمكان الذاتي والأخص عمَّا يكون زمنه الماضي أو الحاضر، أمَّا ما يكون زمانه المستقبل فإنه مجهول بالنسبة إلينا، فالحوادث التي لم تقع ولم تتلبس بالوجود لم يكن وجودها ضروريًّا، كذلك لا يكون عدمها ضروريًّا؛ أي إن هذه الحوادث يحتمل أن تقع ويحتمل ألا تقع.
لكن بالنظر العقلي الدقيق إلى هذه الحوادث فإنها إما أن تقع أو لا تقع، فإذا وُجدَت علة الشيء التامة فقد وقع هذا الشيء وإذا لم تُوجَد علة الشيء التامة لم يقع ذلك الشيء، مثلًا عندما تريد السفر غدًا إلى مكانٍ معيَّن، صحيحٌ أن السفر لم يتحقَّق، لكنه في الغد إما أن يقع حتمًا إذا تحقَّقَت علَّته التامة من قصد السفر وتوفُّر الراحلة … إلخ، أو لا يقع حتمًا — مستحيل الوجود — إذا لم تتوفَّر علَّته التامة، فهو في ظرفه الزمني الخاص، وهو المستقبل، إما أن يكون ضروريَّ الوجود إذا توفَّرَت علَّته التامة، أو يكون ضروريَّ العدم إذا لم تتوفَّر علَّته التامة؛ أي إن هذه الضرورة من جهة العلة.
لكننا لو نظرنا إليه فلا نعلم هل سيقع حتمًا أو لا، بل الأمر محتملٌ عندنا، يمكِن أن يقع ويمكِن ألا يقع، ولهذا يُعبَّر عن الإمكان الاستقبالي بالإمكان الاحتمالي؛ لأنه يعود إلى نحوٍ من أنحاء الاحتمال، فالحوادث المستقبلية بالنسبة لنا غير معلومة، بل هي محتمَلة، أما إذا لاحظناها بالنسبة إلى علَلها، إلى وجود علَّتها وعدم وجود علَّتها؛ فإما أن تكون موجودة حتمًا، إذا توفَّرت علتها، أو لا تكون، إذا لم تتوفَّر علتها؛ ولهذا فإن الحوادث التي لم تقع بعدُ هي ممكنة بالإمكان الاستقبالي، ويعني ذلك أنها لا ضرورية الوجود ولا ضرورية العدم، كما أنها ليست ضروريةً بشرط المحمول؛ لأن الضرورة بشرط المحمول إنما تكون للمحمول الموجود، للحادثة الموجودة، فالضرورة بشرط المحمول مترتِّبة على الوجود، أمَّا الشيء غير الموجود فلا يُمكِن أن تثبت له الضرورة بشرط المحمول، فالسفر الموجود موجود بالضرورة، أمَّا السفر الذي لم يقع بعدُ فلا يُمكِن أن نقول إنه موجود بالضرورة؛ أي الأمر المستقبلي لا يمكِن أن تثبت له الضرورة من جهة علمنا به؛ أي من زاوية ولحاظ الذهن له، أما في الواقع وفي وعائها الزمني الخاص بها، إذا كان زمنًا استقباليًّا فضلًا عن الزمن الحاضر والماضي، فالحادثة من حيثُ علتُها التامة، إذا وُجدَت كانت الحادثة ضرورية الوجود، وإذا امتنعَت العلة التامة كانت الحادثة ضرورية العدم، فالإمكان الاستقبالي احتمالي، يعود إلى علمنا وعدم علمنا؛ فهو ممكن من هذه الجهة، وإن كان في زمانه الخاص ضروريَّ الوجود إذا وُجدَت علته التامة، أو ضروري العدم إذا لم تُوجَد علته التامة؛ لأن الشيء ما لم يجب لم يُوجد، وما لم يمتنع لم يُعدم.
وبكلمةٍ موجزة إن الحوادث المستقبلية كالحوادث الحاضرة والماضية إما واجبة أو ممتنعة، وإن كانت بحسب الظن والغفلة ممكنة.
(٥) الإمكان الوقوعي
وهو ما لا يلزم من فرض وقوعه مُحال؛ أي ليس ممتنعًا بذاته ولا ممتنعًا بغيره؛ لأن الشيء تارةً يكون بذاته ممتنعًا كاجتماع النقيضَين، وتارةً يكون بغيره ممتنعًا مثل الممكن المعدوم العلة؛ فهو يكون واجب الوجود إذا وُجدَت علَّته التامة؛ أي يكون واجبًا بغيره — بعلته — أمَّا إذا لم تكن علته موجودة، كعدم المطر لعدم الغَيم، فهو ممتنع بغيره.
ويقابل الإمكان الوقوعي الامتناع الوقوعي، وهو ما يلزم من وجوده مُحال.
والإمكان الوقوعي: هو أن يكون الشيء غير ممتنع بذاته، وغير ممتنع بغيره، فإذا لم يكن ممتنعًا لا بذاته ولا بغيره، فحينئذٍ يقع؛ لأن سبب عدم الوقوع، وعدم الوجود، هو إما الامتناع بالذات أو الامتناع بالغير.
مثال: إذا كانت لديك سيارة فلا تمتنع حركتها فهي بالذات لا تمتنع عليها الحركة، ولكن لو فرَضْنا أن السيارة غير مزوَّدة بالوقود، فامتناع الحركة سببه بالغير لا بالذات، فسبب عدم حركتها عدم الوقود؛ أي إن امتناع حركتها بالغير لا بذاتها؛ فانعدام الوقود هو المانع لحركة السيارة بالغير لا بذاتها؛ إذ السيارة بذاتها قابلة لأن تتحرك؛ فالشيء الممكن الوقوع هو كحركة السيارة، التي هي غير ممتنعة ذاتًا وغير ممتنعة بالغير، فإذا كانت جاهزةً للحركة والسير بلا خلَل ونقص، وكانت متحرِّكة على الطريق، فنقول هذه الحركة ممكنة للسيارة بالإمكان الوقوعي.
وبذلك يكون الممكن الوقوعي أخصَّ من الممكن العام؛ لأنه هو الممكن العام الذي ليس ممتنعًا بالغير، بينما الممكن العام هو ما ليس ممتنعًا بالذات، سواء كان ممتنعًا بالغير أم لا.
(٦) الإمكان الاستعدادي
وهو أن كل شيء من الأشياء في عالم الطبيعة يحمل استعداد التحوُّل في داخله إلى شيءٍ آخر، كالبيضة التي تحمل في داخلها استعداد التحوُّل إلى دجاجة، خذ حبة الحنطة مثلًا فإنها تحمل في داخلها استعداد التحول إلى نبتة الحنطة، وهكذا كل شيء موجود في عالم المادة؛ ولهذا يمكن أن تتحوَّل الأشياء من حالة إلى أخرى، وهذا الأمر معروفٌ اليوم في الفيزياء؛ فإن المادة تتحول إلى طاقة والطاقة إلى مادة، على وَفْق قوانينَ خاصة معروفة في الفيزياء الحديثة، ولولا ذلك لبقي كل شيء في العالم على حاله، ودخل عالم الطبيعة حالة السكون والثبات، بينما هذا العالم متغيِّر، فلو لاحظنا حبَّة الحنطة وبيضة الدجاجة، لرأينا فيها أنها تحمل استعداد وجود شيءٍ آخر والتحوُّل إليه؛ فحبة الحنطة تحمل استعداد التحوُّل إلى نبتة الحنطة، وبيضة الدجاجة تحمل استعداد وجود الدجاجة، وهذا نسمِّيه استعدادًا؛ أي إن كل شيء يحمل استعداد وجود شيءٍ خاص نسمِّيه استعدادًا. بينما ذلك الشيء الخاص الذي يمكِن أن تئول إليه، كنبتة الحنطة إذا لاحظناها بالنسبة إلى حبة الحنطة، فإنَّ حبة الحنطة فيها إمكانٌ استعدادي أن تصير نبتة الحنطة، فمن طرف نبتة الحنطة يكون إمكانٌ استعدادي، أما من طرف حبة الحنطة فيكون استعدادٌ؛ فحبة الحنطة فيها استعداد أن تكون نبتة حنطة، ولكن نبتة الحنطة يمكن أن تُوجَد في حبة الحنطة، فهو من ناحية الحبة نسمِّيه استعدادًا، ومن ناحية نبتة الحنطة نسمِّيه إمكانًا استعداديًّا.
فالإمكان الاستعدادي والاستعداد متحدان ذاتًا، والفرق بينهما اعتباري. تارةً نلاحظه من زاوية المستعد — نفس البيضة — فنسمِّيه استعدادًا، وأخرى نلاحظه من زاوية المستعد له — الدجاجة — فنسمِّيه إمكانًا استعداديًّا.
الفرق بين الإمكان الاستعدادي والإمكان الذاتي
الإمكان الذاتي هو الإمكان الخاص، أو الماهوي، أو الخاصي. وهذا الإمكان هو صفة تلحق الماهيَّة، بينما الإمكان الاستعدادي صفة تلحق الوجود؛ فالإمكان الذاتي هو أمرٌ اعتباريٌّ عقلي تحليلي، تتصف به الماهيَّة، التي هي أيضًا أمرٌ اعتباري، والأمر الاعتباري يتصف بأمورٍ اعتبارية، أمَّا الأمر الوجودي فيتصف بأمورٍ وجودية واعتبارية.
والإمكان الذاتي صفة تتصف به الماهيَّة المأخوذة من حيثُ هي، بغَض النظر عن وجودها وعدمها، والإمكان الاستعدادي تتصف به الماهيَّة الواقعة في مجرى تكوُّن أمرٍ آخر.
وعلى هذا الأساس يتضح أن هناك جملةَ فروقٍ بين الإمكان الذاتي والإمكان الاستعدادي، نوجزها فيما يلي:
- أولًا: الإمكان الاستعدادي قابل للشدَّة والضعف؛ أي إن تحقُّق نبتة الحنطة في الحبة المغروسة في التربة أكثر إمكانًا لوجود نبتة الحنطة منه في الحبة قبل أن تُغرس، كذلك إمكان وجود الدجاجة في بيضة بعد عشرة أيام من وضعها في المفقسة أكثر من إمكان وجودها في بيضة قبل وضعها في المفقسة. أما الإمكان الذاتي فلا شدة ولا ضعف فيه.
-
ثانيًا: الإمكان الاستعدادي يمكن أن يزول عن الممكن؛
فحبة الحنطة فيها إمكان أن تصبح نبتة حنطة،
لكن لو نخرت الحبة لزال هذا الإمكان، كما أن
الاستعداد يزول بعد تحقُّق المستعد له، كما في
تحول حبة الحنطة إلى نبتة حنطة؛ لأن الفعلية
التي يستعد لها الممكِن إذا وُجدَت بطلَت
القوة والاستعداد التي كانت له قبلها؛ فإن
الفعل والقوة متقابلان لا يجتمعان.
أما الإمكان الذاتي فهو ثابتٌ وملازمٌ للماهية، وهو معها حيثما كانت قبل وبعد وجودها.
- ثالثًا: الإمكان الاستعدادي يتعين معه الممكن المستعد له، بينما في الإمكان الذاتي لا يتعين معه الممكن المستعد له؛ فحبة الحنطة تتعيَّن معها النبتة التي هي مستعدة لها، بينما في الإمكان الذاتي لا يتعيَّن لا الوجود ولا العدم.
الفرق بين الإمكان الاستعدادي والوقوعي
الإمكان الاستعدادي الذي جاء في اصطلاحات الحكماء أحيانًا يقع الخلط بينه وبين الإمكان الوقوعي؛ أي أحيانًا يُستعمَل الإمكان الوقوعي بدل الإمكان الاستعدادي.
والفرق بينهما هو أن الإمكان الوقوعي يعني أن الشيء غيرُ ممتنع ذاتًا وغير ممتنعٍ بالغير أيضًا؛ أي لا يلزم منه أمرٌ ممتنع؛ لأنه قد يكون الشيء ممكنًا بذاته، لكن يلزم منه أمرٌ ممتنع بالغير، وعلى هذا الأساس يمتنع الشيء؛ فالإمكان الوقوعي إضافة إلى أنه غير ممتنعٍ بالذات كذلك هو غير ممتنعٍ بالغير، فلا يلزم من وقوعه أمرٌ مُحال؛ ولذلك يُقال في تعريفه: ما لا يلزم من تجويز وقوعه المُحال.
والإمكان الاستعدادي يكون في الماهيَّات الموجودة؛ أي فيما هو موجود؛ ولهذا فإن الإمكان الاستعدادي أخصُّ موردًا؛ لأنه يكون في الماديات، بينما الإمكان الوقوعي يكون أعمَّ موردًا، لتطرُّقه إلى المجرَّدات أيضًا، ولا استعداد فيها.