النوادر الأدبية
الأذكياء في مجلس عمر
كان زياد جالسًا بمجلس عمر، فأملى عمر على كاتبه كتابًا سرًّا، فكتب الكاتب خطأ، فقال زياد: يا أمير المؤمنين، إنه كتب غير ما أمليته، فتناول عمر الكتاب فوجد الأمر كما قال زياد، فقال عمر لزياد: من أين علمت هذا؟ قال زياد: سمعت كلامك ورأيت حركة قلمه فلم أرَ بينهما اتفاقًا.
ذكاء بهلول
مرَّ بهلول بقوم في أصل شجرة يستظلون بفيئها، فقال بعضهم لبعض: تعالوا حتى نسخر على بهلول، فلما اجتمعوا به قال أحدهم: يا بهلول، تصعد هذه الشجرة وتأخذ من الدراهم عشرة، قال: نعم، فأعطوه الدراهم، فصرَّها في كمه ثم قال: هاتوا سلمًا، فقالوا: لم يكن في شرطنا سلم، قال: إن شرطي هو دون شرطكم.
عندك كام سنة؟
قال رجل لهاشم بن القرطي: كم تعد؟ قال: من واحد إلى ألف ألف وأكثر، قال: لم أرد هذا، قال: فما أردت؟ فقال: كم تعد من السن؟ قال: اثنين وثلاثين سنًّا من أعلى وستة عشر من أسفل، قال: لم أرد هذا؟ قال: فما أردت؟ قال: كم لك من السنة؟ قال: ما لي منها شيء، كلها لله عز وجل، قال: فما سنُّك؟ قال: عَظْم، قال: فابن كم أنت؟ قال: ابن اثنين، أب وأم، قال: فكم أتى عليك؟ قال: لو أتى عليَّ شيء لقتلني، قال: فكيف أقول؟ قال: قل «كم مضى من عمرك».
الكرماء يد بيضاء
أتى روح ابن حاتم برجل كان متلصصًا في الطريق، فأمر بقتله فقال: أصلح الله الأمير، لي عندك يد بيضاء، قال: وما هي؟ قال: إنك جئت يومًا إلى مجمع موالينا «بني نهشل» والمجلس حافل، فلم يتحفَّز لك أحد، فقمت من مكاني، ثم جلست فيه، قال ابن حاتم: صدق، وأمر بإطلاقه، وولَّاه تلك الناحية وضمَّنه إياها.
هبة يزيد بن مزيد
قال بعضهم: كنا مع يزيد بن مزيد، فإذا نحن بصارخ في الليل ينادي قائلًا: يا يزيد بن مزيد، فقال يزيد: عليَّ بالصارخ، فلما جيء به قال له: ما حملك على النداء بهذا الاسم؟ فقال: نقبت دابتي ونفدت نفقتي وسمعت قول الشاعر فتمنيت به، فقال له: وما قال الشاعر؟ فأنشده:
فلما سمع مقاله هشَّ له وقال: أتعرف يزيد بن مزيد؟ قال: لا …
قال: أنا هو يزيد، وأمر له بفرس أبلق كان مُعجبًا به وبألف درهم وصرفهُ.
أكرم الأمة
دخل جعيفران — واسمه جعفر بن علي كركزي — على أبي دلف فأنشده:
فقال له: أحسنت يا غلام، أعطه ألف درهم، فقال: أيها الأمير، وما أصنع بها؟ مر الغلام يأخذها ويعطيني منها كل يوم عشرة دنانير إلى أن تنفد، قال أبو دلف: أعطوه الألف، ومتى جاء أعطوه ما سأل، فأكب جعيفران على يديه يقبلهما وخرج شاكرًا حامدًا.
مروءة ابن جعفر
كان عبد الله بن جعفر من الأجواد الذين يعمون بجودهم طوائف العباد، فانتهى به إلى الإفلاس وضيق عليه، إلى أن سأله رجل فقال له: إن حالتي متغيرة بجفوة السلطان وحوادث الزمان، ولكنني أعطيك ما أمكنني، فأعطاه رداء كان عليه، ثم دخل منزله وقال: اللهم استرني بالموت، فما مر بعد دعوته إلا أيام حتى مرض ومات.
لله در بني سليم
وفد عمرو بن معدي كرب الزبيدي على مجاشع بن مسعود السلمي، وكان بين عمرو وبني سليم حروب في الجاهلية، فقدم عليه في البصرة يسأله الصلة، فقال له: اذكر حاجتك، فقال له: حاجتي صلة مثلي، فأعطاه عشر آلاف درهم وفرسًا من بنات الغبراء وسيفًا جرارًا ودرعًا حصينة وغلامًا خبازًا، فلما خرج من عنده قال له أهل المجلس: كيف وجدت حاجتك؟ قال: لله در بني سليم، ما أشد في الهجاء لفاءها وأكثر في الأواء عطاءها وأثبت في المكرمات بناها.
الكريم والعاشق
رجع أسماء بن خارجة يومًا إلى داره فرأى فتى بالباب جالسًا فقال: ما أجلسك هاهنا؟ قال: خير، قال: والله لتخبرني، قال: جئت سائلًا أهل هذه الدار ما آكل، فخرجت إليَّ جارية اختطفت قلبي وسلبت عقلي، فأنا جالس لعلها تخرج ثانية فأنظر إليها، قال: أتعرفها إذا رأيتها؟ قال: نعم فدعا كل من في الدار من الجواري وجعل يعرضهم عليه واحدة بعد أخرى حتى مرَّت الجارية، فقال: هذه فقال: قف مكانك حتى أخرج إليك، ثم دخل وخرج والجارية معه فقال للفتى: إنما أبطأت عليك لأنها لم تكن لي إنما كانت لإحدى بناتي، ولم أزل بها حتى ابتعتها منها، خذ بيدها فإني قد وهبتها لك، وهذه الألف أصلح بها من شأنك.
إكرام النفس
قال الأصمعي: اجتزت في بعض سكك الكوفة، فإذا برجل قد خرج من الحي وعلى كتفه جرة وهو ينشد ويقول:
فقلت له: تكرمها بمثل هذا، فقال: نعم، وأستغني عن سفيه مثلك إذا سألته يقول صفح الله لك، فقلت: تراه عرفني، فأسرعت فصاح بي يا أصمعي، فالتفت إليه فقال: