فَذْلَكة في تاريخ الخط العربي
(١) العرب والكتابة قبل الإسلام
(١-١) أصل الخط العربي
(أ) أمثلة من اشتقاق الحروف العربية
(٢) تاريخ الخط العربي بعد الإسلام
وقد ظل الخط العربي بقسمَيْه معروفًا عندهم إلى ظهور الإسلام، ولقِلَّة انتشاره وانحصاره في أفراد قليلين يسهل علينا أن نعبِّر عن الأمة العربية بأنَّها كانت في ذلك الوقت أُمَّةً أُمِّيَّة، وبذلك سمَّاها القرآن لمَّا جاء الإسلام بقوله: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ.
(٢-١) أصناف الأقلام العربية في الإسلام
- (١)
الطومار الكامل: ويشتمل على جملة أنواع، وكان يكتب به السلطان علاماته على المكاتبات والولايات ومناشير الإقطاع.
- (٢)
مختصر الطومار: وهو على نوعين: الثُّلُث والمحقق، وكان يُكتَب به في عهود الملوك عن الخلفاء والمكاتبة إلى القانات العظام من ملوك بلاد الشرق.
- (٣)
الثُّلُث: وهو نوعان: الثقيل والخفيف.
- (٤)
التوقيع: وهو ثلاثة أنواع، وكانت تُوقِّع به الخلفاء والوزراء على ظهور القصص.
- (٥)
الرقاع: وهو على ثلاثة أنواع أيضًا، وكان يُكتَب به في الرِّقاع؛ جمع رُقْعة، وهي الورقة الصغيرة التي تُكتَب فيها المكاتبات اللطيفة والقصص، وما في معناها.
- (٦)
الغبار: وهو نوع واحد، وكان يُكتَب به بطائقُ الحَمام والملطِفات وما في معناها، ونرى من الكتابات المنقوشة على الأحجار في أيام المماليك جمال هذا الخط وبهاءه، وهو وإنْ كانتْ حروفُه مستطيلة فهي ربما أجمل مما كانت عليه في أيام العباسيين.
ولمَّا آلت الخلافة إلى الأتراك بعد زوال دولة المماليك بمصر، ورثوا بقايا التمدُّن الإسلامي، فكان لهم اعتناءٌ خاصٌّ بالخط، وقد أخذوا في إتقانه على أيدي الأساتذة الفارسيين الذين اعتمدوا عليهم في الآداب والفنون، وقد حفظ الأتراك عدة قرون في مصالح حكومتهم ودوائرهم الملكية والعسكرية أنواع الخطوط التي كانت مستعملة في القرون الوسطى، فكان يُعرَف عندهم في القرن الحادي عشر للهجرة ٣٠ نوعًا تقريبًا، إلَّا أنَّه أُهْمِل أكثرها أثناء القرنين الثاني عشر والثالث عشر، ولم يبقَ مستعملًا منها في الوقت الحاضر إلَّا ما سنذكره في الفصل الآتي، والأتراك هم الذين أحدثوا الخط الرُّقْعة والخط الهمايوني، وإليهم انتهت الرئاسة في الخط على أنواعه إلى عهدنا هذا، وقد أخذنا عنهم الخط المعروف بالإسلامبولي، ولن يزال الخط يتفرَّع إلى ما شاء الله عملًا بسُنَّة الارتقاء.
(٢-٢) الأقلام المستعملة الآن
(١) الخط النسخي: أمَّا الآن فقد أُهْمِل الخط الكوفي، وصار الخط النسخي هو الأكثر استعمالًا في كتابة اللغة العربية أينما وُجدت، وكذلك في كتابة اللغة التركية والتترية والأفغانية والسندهية، وغيرها من لغات العالم الإسلامي، فإنه يُستعمل فيها الخط النسخي في الكتب العلمية وغيرها، وعلى الخصوص في المواضيع الدينية والشرعية كما سيأتي.
(٢) القلم الفارسي: وهو مشتق من الخط القيراموز المتولِّد من الخط الكوفي في صدر الإسلام، وتُكتَب به الآن اللغة الفارسية، ويُستعمل غالبًا عند الهنود في كتابة لغتهم الهندستانية (الأوردية)، وسيأتي تفصيل تاريخه وفروعه عند الكلام على اللغة الفارسية.
(٣) القلم المغربي: المستعمل في مَرَّاكُش والجزائر وتونس وطَرابُلُس لكتابة العربية والبربرية معًا، وسيأتي ذكره بالتفصيل عند الكلام على لغات المغرب.
(٨) القلم النَّسْتَعْلِيق، أو الخط الفارسي المنسوخ: وهو يُستعمل عند الفُرس، وسيأتي ذكره عند الكلام على الخط الفارسي وفروعه.
(٩) قلم الإجازات: وهو يتألَّف من الخط النسخي والخط الثُّلُث بتصرُّف مع بعض زيادات لا توجد في غيره، وهو يُستعمل عند الأتراك أحيانًا.
والخط في تركيا لم يزل مشرفًا، وأعمال الخطَّاطين الكِبار أمثال حمد الله المتوفَّى سنة ٩٣٦/١٥٣٠، وحافظ عثمان المتوفَّى سنة (١١١٠/١٦٩٨) لم تزل معتبرة كنماذج تُقلَّد، أمَّا في البلدان العربية، وخصوصًا في مصر فإن الاعتناء بالخط أخذ في الضعف والإهمال بسبب سرعة انتشار المطابع.
(٣) حروف الهجاء العربية وترتيبها
أمَّا ترتيب حروف الهجاء العربية فهو مخالفٌ لترتيب الحروف الأخرى المرتَّبة على أبجد هوز … إلخ، وهو الترتيب القديم المعروف عند أكثر الأمم، ولا سيَّما الأمم السامية، وأمَّا العربية فتبتدئ هكذا: أ ب ت ث … إلخ، مع أنَّ التاء في اللغات الأخرى هي آخِر حروفها، وهذا الترتيب حديث في اللغة العربية وضَعَه نصر بن عاصم ويحيى بن يَعمَر العَدْواني في زمن عبد الملك بن مروان، وهو مبنيٌّ على مشابهة الحروف في الشكل، فابتدآ بالألف والباء؛ لأنَّهما أول الحروف في ترتيب أبجد، وعقَّبَا بالتاء والثاء لمشابهتهما الباء، ثم ذكرا الجيم من حروف أبجد وعقَّبا بالحاء والخاء للمشابهة، ثم ذكرا الدال وعقَّبَا بالذال، ولكون الهاء تشبه أحرف العلة في الخفاء أخَّراها معها لآخِر الحروف، وقبل أن يذكرا الزاي ذكرا الراء المشابِهة لها لتكون الزاي مع باقي أحرف الصفير؛ ولذلك ذكرا السين بعد الزاي، وعقَّبا بالشين للمشابهة، ثم ذكر الصاد وعقَّبا بالضاد، ثم رجعا للطاء من أبجد وعقَّبا بالظاء وأخَّرا أحرف «كلمن»؛ حتى يفرغا من الأحرف المتشابهة، وذكرا العين وعقَّبا بالغين، ثم ذكرا الفاء وعقَّبا بالقاف، ثم ذكرا أحرف كلمن والهاء وأحرف العلة.
«ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز ط ظ ك ل م ن ص ض ع غ ف ق س ش ﻫ و ي.»
(٤) الأحرف الخاصة بالعربية واللغات الأخرى
وفي الخط العربي فضلًا عن الحروف الشرقية الأخرى ستة أحرف، هي: الثاء والخاء والذال والضاد والظاء والغين «ثخذ ضظغ»، وقد اقتضتْها طبيعة اللغة العربية، وهذه الأحرف لا مخرج لها في اللغات الأخرى إلَّا بتركيبٍ مع حرف آخَر، والضاد منها خاصة باللغة العربية دون سواها، وهذا هو سبب تلقيب العرب أو المتكلِّمين بالعربية بلقب «الناطقون بالضاد» وتمييزهم بها، وفي الحديث: «أنا أفصح مَن نطق بالضاد» إشارة إلى ذلك.
(٥) النُّقَط والحركات في الخط العربي
(٥-١) الحركات
لمَّا اقتبس العرب الخط من الأنباط والسريان كان خاليًا من الحركات والإِعجام، فالحركات فيه حادثةٌ في الإسلام، والمشهور أنَّ أول مَن وضعَها أبو الأسود الدُّؤَلي المتوفَّى سنة ٦٩ﻫ لمَّا كثُرَ اللَّحْنُ في الكلام؛ لاختلاط العرب بالأعاجم في صدر الإسلام، فكانت الحركات إذ ذاك نُقَطًا يميِّزون بها الضم والفتح والكسر، فكانت النقطة فوق الحرف دليلًا على الفتح، وإلى جانبه دليلًا على الضم، وتحته دليلًا على الكسر، ولم تُشتَهَر طريقة أبي الأسود هذه إلا في المصاحف، حرصًا على إعراب القرآن، أمَّا الكتب العادية فكانوا يفضِّلون ترك الحركات والنُّقَط فيها؛ لأنَّ المكتوب إليهم كانوا يعُدُّون ذلك تجهيلًا لهم، قال بعضهم: «شكل الكتاب سوء ظن بالمكتوب إليه.»
(٥-٢) الإِعجام وضبط الحروف العربية
أمَّا الإِعجام أو النَّقْط فيُظَنُّ أنَّها كانت موجودة في بعض الحروف قبل الإسلام وتُنُوسيت، ولكن المشهور أنَّ اختراعها كان في زمن عبد الملك بن مروان، وذلك أنه لمَّا كثُر التصحيف، خصوصًا في العراق، والْتَبَسَت القراءة على الناس، لتكاثُر الأعاجم من القُرَّاء، والعربيةُ ليستْ لغتَهم، فصعُب عليهم التمييزُ بين الأحرف المتشابِهة، ففزِعَ الحجَّاج إلى كُتَّابه، وسألهم أن يضعوا لهذه الأحرف المتشابِهة علاماتٍ، ودعا نصر بن عاصم اللَّيْثي ويحيى بن يَعْمَر العَدْواني (تلميذَيْ أبي الأسود) لهذا الأمر، فوَضَعا النَّقْط أو الإِعجام أزواجًا وأفرادًا، بعضها فوق الحروف، وبعضها تحتها، وسُمِّيَ الإِعجام إعجامًا لأنَّ الإعجام في المعنى الأصلي هو التكلُّم على طريقة الأعاجم، كما أنَّ الإعراب هو التكلُّم على طريقة العرب، وكان الجمهور يكره — كما قلنا — الإعجام والحركات في الكتابة وينفر منهما، ولكن الناس رجعوا بعد ذلك عن هذا الرأي حتى كانوا يعدُّون إهمال الإعجام خطأً في الكتابة، واستمرَّ الأمر على اتِّباع هذا الإعجام إلى الآن.
(٥-٣) الكتابة واتجاه السطور فيها
لم يتقرَّر لاتجاه السطور في الكتابة نظامٌ إلَّا بعد ترقِّيها؛ ولذلك كانت الكتابة يُدوِّنها الأولون أنَّى اتفق، لا يراعون لها نظامًا في اتجاه سطورها، كما كان عند قدماء اليونان، فإنهم كانوا يكتبون تارةً من اليسار إلى اليمين، وطَوْرًا من اليمين إلى اليسار، وأحيانًا يجمعون بينهما.
فلما ترقَّت الكتابة وتقرَّر نظامُها عند الأمم، اتخذتْ كل أمة منها طريقًا مخصوصًا في كيفية سيرها: فأهل الصين وأتباعهم صاروا يكتبون من الأعلى إلى الأسفل ومن اليمين إلى اليسار على الخط الرأسي؛ ولذلك سُمِّيتْ كتابتهم «بالمشجر»، ولهم في ذلك اعتقاد خاص؛ حيث يعتقدون أنَّ الله — سبحانه وتعالى — موجودٌ في السماء العُلْيا، فكل شيء لا بد وأن يأتيهم من جهته؛ ولذلك صاروا يكتبون من أعلى إلى أسفل.
وأهل أوروبا صاروا يكتبون من اليسار إلى اليمين؛ لكون الدورة الدموية تبتدئ من القلب الموجود في الجهة اليسرى، والقلب في بعض الروايات مركز العقل، فوجب أن تكون الكتابة من الجهة المقابِلة للعقل الذي يستمد منه البنان؛ فلذلك صاروا يكتبون من اليسار إلى اليمين.