الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي
(١) تمهيدٌ في الحضارة الإسلامية
ظهر الإسلام والخط العربي معروف في الحجاز، ولكنه لم يكن شائعًا فيه كما تقدَّم، بل كان محصورًا في فئة قليلة من الصحابة وبعض أهل الذمة.
فالإسلام هو السبب الوحيد في انتشار الخط العربي، إن لم نَقُلْ هو مُحْيِيه ورافِعُه إلى أَوْج الظهور، حتى انتشر هذا الانتشار العظيم بين الأمم الإسلامية وغيرها في آسيا وأفريقيا وأوروبا حتى بلغتْ حدوده من أقاصي الهند وأرخبيل الملايو (ماليزيا) شرقًا إلى أقصى بلاد المغرب وبحر الأدريتيك غربًا، ومن أعلى تركستان وأواسط روسية أوروبا شمالًا، إلى أدنى زنجبار جنوبًا، وقد تخطَّى الآن خِضَمَّات الأُقيانوس، وبلغ إلى قارة أمريكا وغيرها من جُزر البحار، فهو يضم بين دفَّتَيْه أممًا لا تُحصَى، مختلفة الأجناس والعادات، متعدِّدة اللغات واللهجات، كالعرب والأتراك والفُرس والهنود والملايو والأفغان والتَّتَر والأكراد والمغول والبَرْبَر وأهل السودان والزنوج والساحليين وغيرهم، ويظل تحت رايته من ٢٠٠ مليون إلى ٢٥٠ مليونًا من الأنفس، ما عدا أكثر من مائة مليون من المسلمين يكتبون به في اللغة العربية نصوص الدِّين كالقرآن وغيره، مما هو أثرٌ باقٍ لذلك التمدُّن العظيم.
(٢) التمدُّن الإسلامي وسواه
هذا، وإن يكن للتمدُّن الروماني سماتٌ تُشبه هذه السمات قد وُسم بها بعض أمم أوروبا وأمريكا، ونعني بها سمتي الخط واللغة، وهما من أهم آثاره، لكن الفرق بين آثاره وآثار التمدُّن الإسلامي عظيم، فاللغة اللاتينية لم تبقَ شائعة على الألسنة، بل هي تُعَدُّ من اللغات الميتة، وإن تكن قد دخلت في معظم لغات أوروبا، أمَّا اللغة العربية فيكفي أن نقول عنها: إنَّها باقيةٌ ما بقي الإسلام والقرآن يتكلَّم بها الآن عشرات الملايين من الأنفس، كما سيأتي بعدُ.
وأمَّا الخط الروماني فهو وإن كانت الكتابة به شائعة عند بعض أمم أوروبا وأمريكا، فالخط العربي أكثر منه انتشارًا، وسترى أنَّ الكتابة به عامةٌ عند المسلمين كافةً، فهو آلة الكتابة المشتركة بين جميع الأمم الإسلامية، وبالجملة فهو أثرٌ دِينيٌّ والفرق كبير بين الأثر الدِّيني وأثرٍ شاع بالاستعمار أو بتقليد المحكوم للحاكم.
(٣) اللغات التي تُكتَب الآن بالخط العربي
وإليك الكلام على اللغات التي يَكتُب أهلُها الآن بالخط العربي في أنحاء العالم، ولا يستعملون في الكتابة غيرَه، مع التفصيل التام عن هذه اللغات وتعدادها وتاريخها الخاص بالموضوع، وارتباطها بهذا الخط، ومواقع البلدان التي تستعمل فيها، وإحصاءات عن المتكلِّمين بها، وما يَزِيدونه من الأحرف على حروف الهجاء العربي، وغير ذلك؛ ليتبيَّن للقُرَّاء حقيقة انتشار هذا الخط.
- القسم الأول: هو مجموع اللغات التركية.
- والقسم الثاني: هو مجموع اللغات الهندية.
- والقسم الثالث: هو مجموع اللغات الفارسية.
- والقسم الرابع: هو مجموع اللغات الأفريقية.
- ثم القسم الأخير: وهو الخاص باللغة العربية، فنتقدَّم للكلام على كلٍّ منها:
(٣-١) اللغات التركية
(أ) التركية العثمانية
فهي لا تستنكف أن تضم إليها الكلمات الكثيرة من اللغات الأخرى، فصارتْ — بسبب ذلك — تضارع أشهر اللغات الإفرنجية في غزارة مادتها واتساع دائرة التخاطب بها.
والسبب في كثرة الألفاظ العربية في اللغة التركية العثمانية بهذا المقدار يفسِّره تاريخ الآداب فيها؛ وذلك أنه لم يكن للتركية العثمانية آدابٌ قبل القرن السابع للهجرة؛ أي قبل تأسيس دولتهم، وأقدمُ آدابها مُقتبَس من الفارسية أو هو فارسي معنًى ومبنًى؛ والسبب في ذلك أنَّ العثمانيين أقاموا دولتهم على أنقاض دولة السلاجقة الذين اختلطوا بالفُرس، وتأدَّبوا بآدابهم، وكانت اللغة الفارسية لغة العلم والأدب والسياسة عندهم، فلما اقتبس الأتراك آدابهم من الفارسية اقتبسوا معها كثيرًا من آثار اللغة العربية وآدابها التي كان الفُرس اقتبسوها قبلهم، غير الذي اقتبسه الأتراك من اللغة العربية رأسًا من الألفاظ والآداب الدينية؛ ولذلك كانت الألفاظ العربية في اللغة التركية أضعاف الألفاظ الفارسية فيها، فالأتراك يقلِّدون العرب بسائِق الدِّين ويقلِّدون الفُرس بسائِق الأدب.
ولم تُكتَب اللغة العثمانية إلَّا في القرن السابع للهجرة، وهي من ذلك الحين تُكتَب بالخط العربي، وأول كتاب دُوِّن في نحو اللغة التركية وقواعدها بالخط العربي هو كتاب «الإدراك للسان الأتراك» الذي ألَّفه أحد علماء الإسلام في الأندلس، وهو أثير الدِّين محمد بن يوسف المعروف بأبي حيان الغِرْناطي «توفِّيَ في مصر سنة ٧٤٥ﻫ» الذي خلَّد اسمَه بما يخرج عن مقدور البشر من تصانيفه، اهتمَّ بوضْعه في أوائل ظهور السلطنة العثمانية واستقلالها في سنة سبعمائة واثني عشر؛ ليكون أساسًا لقواعد اللغة الرسمية العثمانية، وقد نُشر في الآستانة سنة ١٣٠٩، ونَشَره أيضًا المسيو لوسين بوفا من مشاهير علماء المشرقيات الفرنسيين سنة ١٣٢٥.
وأول مَن وضَع قواعد اللسان العثماني في عصر الإصلاح هو جودت باشا المؤرِّخ الشهير.
(ب) التركية القازانية أو اللغة التترية
(ﺟ) التركية القرمية
منتشرة في شبه جزيرة القِرِم بين سكانها التتر القرميين، وهي لغة المغول الذين احتلُّوا روسيا الجنوبية وشبه جزيرة القِرِم في القرن التاسع للهجرة، وقد دخلها كلمات كثيرة من العربية والروسية.
(د) التركية النوجائية أو الكاراسية Nogai or Karass Turki
هي لهجة تترية شائعة في ولاية كاراس القوقاسية وما يجاورها من شواطئ البحر الأسود الشرقية، يتكلَّم بها التتر هناك، وهي تُشبه كثيرًا التركية القرمية السالِفة والآذرية الآتية.
(ﻫ) التركية الآذرية٧
- (١)
شمالية: يتفاهم بها سكان قوقاسية آسيا (ترنسقوقاسيا) التابعة للروسيا، ويشتمل على حكومات باكو وتفليس وقوطاي وباطوم وغيرها.
- (٢) جنوبية: يتفاهم بها سكان إقليم آذربيجان التابع للعجم، وكلتا اللهجتين تُكتَبان بالخط العربي، وتُطبَع بالآذري عدة جرائد وكتب، وقد ألَّف ميرزا فتح علي أخوند زاده في القرن الماضي بعض الروايات التمثيلية اللطيفة بالآذرى الشمالي، ونُقِلت إليه بعض الروايات العربية الحديثة كرواية «عذراء قريش» لصديقِنا المرحوم منشئ «الهلال» بقلم أخوندمير محمد كريم قاضي ولاية باكو.٩ ولا تُعرَف أشعارٌ بهذه اللغة ترتقي إلى أكثر من القرن السابع عشر للميلاد.
(و) التركية الداغستانية
فعُرفتْ لغته هذه الداغستانية في أنحاء القوقاس، وكُتبت بها الكتب العديدة بالخط العربي في مختلف العلوم، وهم يزيدون على أحرف الهجاء العربية هذه الأحرف:
«چ» وهي تنطق عندهم كالجيم الفارسية وكچشو.
«صّ» الصاد بشدة فوقها وتُنطَق: «تسا».
«ڨ» القاف بثلاث نقط فوقها، وتُنطَق كالقاف واللام.
«ڮ» الكاف بثلاث نقط تحتها، وتُنطَق: «خها»، و«كها».
«كّ» الكاف بشدة فوقها، وتُنطَق: «حهي»، و«كا».
«ڸ» اللام بثلاث نقط تحتها، وتُنطَق: كالثاء تقريبًا.
وقد دخل في هذه اللغة — فضلًا عن الكلمات التركية والفارسية — كثير من الألفاظ العربية، وعلى الأخص الكلمات الدِّينية؛ فإنها فيها كما في غيرها من اللغات الإسلامية عربية مبنًى ومعنًى. وقد يُحسن سكان بعض جهات داغستان التكلُّم باللغة العربية الفصحى، وإن لم يكن الكثير من الداغستانيين يُحسِنون التكلُّم بها مصحَّحة على القواعد النحوية.
(ز) اللغة الجركسية Teherkesses
وهي منتشرة في القوقاز بين الأمة الجركسية التي تُسمِّي نفسَها بأمة «الآدغه»، وتسكن البلاد المعروفة الآن ببلاد الجركس على ضفاف نهرَيْ قوبان وترك وسفوح وهضاب جبال القوقاز الغربية بينها وبين البحر الأسود غربًا، وبلاد منكرليا من أعمال ولاية القوقاز الحالية جنوبًا، والجركس كافةً على دِين الإسلام، وكتابهم هو القرآن، وكتابتهم التي يتعاملون ويتراسلون بها إلى وقتنا هذا هي باللغة العربية، وكتب دراستهم وعلومهم الشرعية والدِّينية عربية، ولهم في التاريخ الإسلامي شأنٌ كبير، أنشَئوا دولةً مصريةً من دُوَل المماليك، أمَّا لغتهم الوطنية فليست لها حروف تُكتَب بها؛ ولذا فهم لا يستعملونها في الكتابة، بل يستعملون العربية والأحرف العربية، كما تقدَّم.
وقد اخترع قريبًا محمد كمال بك الجركسي حروفًا جديدة لكتابة اللغة الجركسية على رسم الحروف العربية، كما في الكتابة الفارسية والتركية وغيرها، مستعينًا بما في اللغتين التركية والفارسية من الحروف الزائدة، وقد حوَّل بعض الحروف العربية إلى حروف جركسية بزيادة نقطة أو ثلاث نقط فوق الحرف، ووضع حروفًا جديدة خاصة باللغة الجركسية، إلَّا أنَّه عَدَل عن اتخاذ الحركات المستعملة في العربية والفارسية والتركية (وهي الفتحة والكسرة والضمة) ووضع لها حروفًا خاصة ألحقها بحروف العلة، ووضع حروفًا أخرى للإمالة والحركات الأخرى التي تجيء في كلمات اللغة الجركسية، فبلغتْ تسعة وخمسين حرفًا، منها ٢٩ عربية بما فيها «ث، ذ، ض، ع، ﻫ» التي لا توجد في اللغة الجركسية، ومنها ثلاثة أحرف بدل الفتح والكسر والضم، ومنها الأربعة الأحرف الفارسية، والباقي وهو ثلاث وعشرون حرفًا خاصة باللغة الجركسية وحروف العلة اثنا عشر حرفًا، وقد بيَّن ذلك في كتابه «الإلهامات القدسية في ألفبا اللغة الجركسية» الذي نشره في مصر سنة ١٣٢٨، وقد وَضَعَتْ أيضًا الجالية الداغستانية في الآستانة كتابًا لمثل هذا المقصد إلَّا أن طريقتها لم تنتشر.
(ﺣ) التركية الأنبورغية أو التركية القرغيزية
(ط) التركية الجغتائية Jagatai Turki
(ي) التركية التكية Tekké Turkoman
هي لغة قبيلة تكة من قبائل التركمان بالتركستان، ويُقدَّر عدد هذه القبيلة بنحو نصف مليون نفس تقريبًا، وهم يستعملون كذلك اللسان الجغتائي المتقدِّم ذكره في الكتابة كسائر قبائل التركمان.
(ك) التركية الأوزبكية Uzbec Turki
وهي منتشرة في التركستان الروسية بما وراء النهر، ومركزها مدينة سمرقند عاصمة تيمورلنك، وهي لغة أُمَّة الأوزبك التركية، ويُقدَّر عدد المتكلِّمين بها بنحو مليون نسمة على حسب تقرير الأستاذ أرمنيوس فمبري المستشرق المجري.
(ل) التركية الكشغرية Kashgar Turki
وهي شائعة في تركستان الصينية ومركزها مدينة كشغار، ويتكلَّم بها نحو عشرة ملايين من الترك تجمعهم ومسلمي روسيا أواصر اللغة «والدين» والآداب، وتُكتَب بالخط العربي لغات ولهجات كثيرة أخرى متفرِّعة من التركية مثل «اللغة البخارية» المستعملة في بخارى و«السيبرية» المستعملة في سيبريا و«اللسان الأناضولي» المستعمل في الأناضول و«الباشكيري» المستعمل في جنوب جبال أورال و«الكراتشي» و«الدباندي» وغيره، بل إن جميع اللغات واللهجات التركية تُكتَب بالخط العربي على العموم، وذلك من وقت الفتح الإسلامي لبلادهم ودخول الترك في الإسلام.
(٣-٢) اللغات الهندية
(أ) اللغة الأوردية الهندستانية١٤
قال الدكتور جوستاف لوبون في كتابه «سر تطوُّر الأمم»: «وأهم تلك اللغات (أي الهندية) أحدثها وهي الهندستانية؛ لأن عمرها لا يزيد على ثلاثمائة سنة، وهي مزيج من اللغتين الفارسية والعربية اللتين كان يتكلَّم بهما الفاتحون، ومن الهندية التي كانت أكثر اللغات انتشارًا في الأقاليم التي دخلوها، وقد نسي الغالب والمغلوب في زمن يسير لغتهما الأولى، واتخذوا اللغة الجديدة لسانًا عامًّا موافِقًا للشعب الجديد الذي تولَّد من اختلاط الفريقين.»
(ب) اللغة الأوردية
الهندستانية أيضًا، وهي تُكتَب على شكل الخط الفارسي، وتختلف عن الأولى اختلافًا بسيطًا، وهي تستعمل في شمال الهند، ومركزها مدينة دلهي العاصمة القديمة للإمبراطورية الهندية الإسلامية.
(ﺟ) اللغة الدكنية١٧ (الدكهنية)
الدكهنية أو الهندستانية المدراسية، وهي لغة مسلمي جنوب الهند، وهي منتشرة في شبه جزيرة الدكن ومدراس، ومركزها مدينة حيدر آباد الدكن، وهي الهندستانية الجنوبية.
(د) اللغة الكشميرية
هي شائعة في مملكة كشمير بأعالي الهند، ومركزها مدينة كشمير (سيريناغار)، ويُقدَّر المتكلِّمون بهذه اللغة بنحو ثلاثة ملايين نسمة، أكثرهم من المسلمين، وهم يكتبونها بالخط العربي منذ أوائل القرن الخامس للهجرة؛ أي بعد انتشار الإسلام بينهم على يد أمين الدولة الذي غزا كشمير سنة ٤٠٧ﻫ، وسكان كشمير مشهورون بالجمال وصحة الأبدان، وعدَّهم العرب من أحسن خلق الله خِلقةً، واشتُهرتْ بلادهم خصوصًا بضرب من الشيلان تُنسَب إليها، وأكثرهم يشتغلون بحياكتها.
(ﻫ) اللغة السندهية السندية Sindhi
- (١) لهجة سيريكي Siraiki في السند الأعلى.
- (٢) لهجة لاري Lari في دلتا السند.
- (٣) لهجة تاريلي Thareli في صحراء التار Thar، ومركزها (أي السندية) مدينة كراتشي (قريبة من دلتا نهر السند)، وقد دخل في هذه اللغة كما دخل في غيرها كثير من الكلمات والتراكيب العربية، وهي تُكتَب بالحرف النسخي، ويُقدَّر عدد المتكلِّمين بها بنحو ثلاثة ملايين نسمة.
(و) اللغة الجاتكية Jatki
(ز) الملاكية (الملقية)
أو لغة الملايو من اللغات الملايو بولينيزية، وهي شائعة في شبه جزيرة ملقى (ملاك)، وفي أرخبيل ماليزيا (الملايو)، وهي تُكتَب بالخط العربي إلَّا أنها، لا تُكتب في ملقى كما تُكتَب في جاوه أو سومطرة؛ لأنَّ لها لهجات مختلفة، وهي اللغة المتداوَلة في المعاملات التجارية، خصوصًا في جزائر الملوك، وقد أثَّرتْ مخالطة الأجانب في لغة الملايو، فاقتبست من لغاتهم وآدابهم؛ لذلك تجد بها كلمات كثيرة من أصل هندي (سنسكريتي)، وتأثير السنسكريتية في لغة الملايو أظهر من تأثير العربية، مع أنهم أخذوا عن الإسلام كلمات عديدة أيضًا، وتجد بلغة الملايو كلمات من أصل برتقالي أثرًا من فتح البرتقاليين لبلادهم.
وقد أخذ الملايو عن العرب حروف الهجاء العربي، وزادوا عليها الأصوات الخاصة بلغتهم، وهي: حرف «چ» جيم فيه ثلاث نقط، وهو يُنطَق عندهم: «تشا»، و«ڠ» غين عليها ثلاث نقط، وتُنطَق: «نجا»، و«ڨ» فاء عليها ثلاث نقط، وتُنطَق: «پا»، و«ڬ» كاف فوقها نقطة، وتُنطَق: «جا»، و«ڽ» نون بثلاث نقط فوقها، وتُنطَق: «نيا».
ولا تُهمَل الكتابة العربية إلَّا في الممبغ شرق سومطره؛ حيث الكتابة هناك بالأحرف الهندية القديمة، وتُكتَب الأعداد عند الملايو بأرقام عربية لا هندية، انظر كتاب «أمة الملايو» لصالح جودت بك.
ومن اللغات الهندية التي تُكتَب بالخط العربي أيضًا «لغة الفيليبين»، وسيأتي الكلام عليها بعدُ.
(ﺣ) اللسان الجاوي أو البيجون Javanese or Pegon
(٣-٣) اللغات الفارسية أو الإيرانية
(أ) اللغة الفارسية الحديثة
واللغة الفارسية الحديثة هي لغة الفُرس في الإسلام فقط، أما قبل الإسلام أي في العصر الساساني، فكانت اللغة البهلوية أو الفارسية المتوسطة هي اللغة الشائعة في إيران إلى ظهور الإسلام، وبها كانت تدوَّن كتب العلم والدِّين والسياسة، والفرق بينهما كثرة الألفاظ العربية التي دخلت اللغة الفارسية الحديثة بعد الإسلام، فإن ثلث كلماتها عربي الأصل.
وقد كان الفرس قبل الإسلام يكتبون بالخط الفهلوي (الآتي ذكره) الذي أُبدِل بالخط العربي بعد رسوخ قدم العرب في فارس، فإن العرب لمَّا فتحوا بلاد فارس في صدر الإسلام، حملوا معهم الخط الكوفي الذي كان شائعًا بينهم، فأخذه الفُرس عنهم كما أخذه كل مَن دخل في سلطانهم، ثم أُبدل الخط الكوفي بتوالي الأعوام بالخطوط المشهورة (انظر تاريخ الخط الفارسي).
تاريخ الخط الفارسي وفروعه
الخط الفارسي «التعليق» هو من أنواع الخطوط العربية الهامة، وقد أخذ في النمو والانتشار في أواخر القرن السادس للهجرة (الثاني عشر للميلاد تقريبًا)، إلَّا أن ابتداء ظهوره كان بلا شك قبل ذلك العصر، وميزة هذا الخط هو ميله إلى الاتجاه من اليمين إلى اليسار ومن أعلى إلى أسفل، ذلك الميل الذي لم يعمل فقط على تطويل بعض حروفه نهائية فيه مثل «ﺒا وﺐ وﺖ وﺚ وﻒ وﻖ وﻚ»، بل أوجب أيضًا تغيير حرفي «ﺳ وﺷ» إلى خط طويل منحنٍ، وجعل لارتباط الحروف الأُخَر ببعضها خط يشبهه، وهذا الشكل الخاص أخذه الخط العربي طبعًا على أيدي الفُرس تحت تأثير خطهم الوطني القديم (البهلوي)، ويقول صاحب «الفهرست» في كلامه على أنواع الخطوط: إن الفُرس اشتقوا خطهم من خط القرآن المسمَّى «بالقيراموز»، إلا أننا لا نعرف اليوم شكل هذا النوع من الخط، ولا معنى لفظه، وأقدم أثر للخط الفارسي هو عَقْد بيعٍ تاريخه سنة ٤٠١ﻫ/١٠١٠-١٠١١، نشره الأستاذ مرجليوث في المجلة الآسيوية الملوكية سنة ١٩١٠ (صفحة ٧٦١ وما يتبعها)، ويتبيَّن منه جليًّا أول علامات خط التعليق، ويأتي بعده في القِدَم كتابٌ للبيهقي بخط يده وُجد في نيشابور، ويقرب تاريخه من سنة ٤٣٠ﻫ، وبه الميل الذي يميِّز خط التعليق المتأخِّر، ثم يتلوهما في القِدَم أيضًا كتاب «الأبنية» للموفَّق الهروي الذي تاريخه سنة ٤٤٧ﻫ /١٠٥٥-١٠٥٦م، وهو مكتوب بالخط الكوفي الفارسي، أما الطريقة الفارسية في تنقيط الأربعة الأحرف السالفة الذكر التي يزيدها الفُرس على أحرف الهجاء العربي، فإنه زاد انتشارها، وإن لم يكن استعمالها منتظمًا دائمًا، فقد كانوا أحيانًا يُهمِلون النقط الثلاث التي على كل حرف منها، وينطقونها كنطقها الأصلي، أي إنهم يُسقِطونها في الكتابة ولا يهملونها في النطق، وفي أواخِر القرن السابع (الثالث عشر للميلاد) ظهر الخط الفارسي في الكتب، ولا سيَّما في كتب الدواوين والأشعار، أمَّا الكتب العلمية والدينية على الأخص كالقرآن وكتب الحديث وغيره فكانت تُكتَب كما في السابق بشكل خاصٍّ من الخط النسخي المستطيل، إلَّا أنه مما يدعو إلى العجب أن التراجم والشروح المتأخِّرة العهد التي بين سطور القرآن وهوامشه كانت تُكتَب في الغالب بخط التعليق الذي كان يُعتبر خطًّا عامِّيًّا.
والفُرس الحديثون يسمون «نستعليق» الخط الذي يسمِّيه الأوروبيون «تعليق»، والتعليق عند الفُرس الآن هو نوع من خط التوقيع القديم المخصَّص للأعمال الرسمية، ومن أنواع الخط النستعليق القديم نوعٌ يقال له: «التحريري»، وهو يُستعمل في المراسلات الآن عند الفُرس.
(ب) اللغة الأفغانية أو البنبتوية٢٣ (البشتوية)
تُدعى أيضًا بالبختوية، وهي شائعة في مملكة أفغانستان، وتُكتَب بالحرف النسخي، وحروفها أكثر من حروف اللغة الفارسية وغيرها من اللغات التي تُكتَب بالخط العربي، وقد دخلها كثير من الكلمات الفارسية والعربية، وهي في غاية الخشونة، وأحسن مَن يتكلم بها أهل مدينة قندهار، وتوجد مؤلَّفات كثيرة بهذه اللغة نظمًا ونثرًا، وقبل القرن الخامس عشر للميلاد لم يكن في اللغة الأفغانية شيء من الآداب، ولكن بعد ذلك الوقت نبغ من أهلها شعراء اتَّبعوا في شعرهم شعراء الفُرس، فتاريخ اللغة الأفغانية قبل ذلك الوقت مُظلِم؛ ولذلك يصعب معرفة الوقت الذي ابتدأت فيه كتابتها بالخط العربي، وهي على كل حال تُكتَب به بعد فتوح العرب لبلادها وانتشار الإسلام بين أهلها، وذلك من قرون عديدة.
ويستعمل أهل «اللهجات البميرية» اللغة الأفغانية في الكتابة بالخط العربي، أمَّا لهجاتهم فلا يكتبون بها مطلقًا، واللغة الأفغانية تُستعمل في الهند أيضًا، ويُقدَّر المتكلِّمون بها بنحو ١٠٨١٠٠٠، بخلاف اللغة الفارسية فإنها لا تُستعمل هناك إلَّا بشكل لغة أدبية أو علمية عند المسلمين.
(ﺟ) اللغة الكردية
ويُقدَّر عدد المتكلِّمين بالكردية بنحو مليون ونصف مليون. وقد دَوَّن نحو هذه اللغة وألفاظها على حروف المعجم مع ترجمتها إلى العربية المرحوم يوسف ضياء الدِّين باشا الخالدي بكتاب سمَّاه «الهدية الحميدية في نحو اللغة الكردية» سنة ١٣١٠، بعد سفره لبلاد الأكراد واشتغاله السنين الطوال بترتيب هذا القاموس.
(د) اللغة البلوشية (البلوخستانية)
منتشرة في بلاد بلوخستان ومكران (إقليم في جنوب بلاد العجم)، وهي قريبة جدًّا من الفارسية الحديثة، ومن بعض لهجات اللغة الكردية، وقد دخلها من اللغات الأخرى ألفاظٌ كثيرة، فالمختص منها بالديانة مأخوذ من اللغة العربية، والمختص بالتجارة وبالحِرَف وغيرها مأخوذ من اللغات الهندية.
ويزيد البلوخستانيون على أحرف الهجاء العربي سبعة حروف، وهي: الأربعة الأحرف الفارسية ثم الثلاثة الأحرف الهندية المتقدِّم ذكرها.
(٣-٤) اللغات الأفريقية
وهي منتشرة في أفريقيا، ومن فروعها اللغات اللوبية، ومنها لغات البربر في المغرب الأقصى واللغات النوبية في بلاد النوبة والسودان المصري، ومنها الفولحية في غرب أفريقيا، واللغات الزنجية في أواسط أفريقيا وغربيها في السودان الفرنسي وغانه، واللغات البانتيه (البانتو) في شرق أفريقيا وجنوبيها وغيرها، ومن لغاتها التي تُكتَب بالخط العربي هاك أشهرها:
(أ) اللغة البربرية الشلحية Shilha
(ب) اللغة البربرية أو القبائلية Kabyli
من اللغات الحامية، وهي لغة القبائل أو البربر سكان الجزائر الأصليين، والمراد «بالقبائل» في العُرف القبائل التي ليست عربية، وهي النازلة بالجبال القريبة من الساحل غربي مدينة الجزائر وشرقيها.
والكلمات العربية كثيرة في اللغة القبائلية، واللغة العربية منتشرة في بلاد الجزائر أكثر من البربرية؛ لأن كثيرًا من القبائل وأفخاذها الذين هم من أصل بربري قد استعملوا العربية لغة لهم دون البربرية، بخلاف القبائل العربية فإنَّ القليل منها قد استعمل البربرية لغة له مع العربية.
ومن الجدير بالذكر أنه لا يُعرَف من تآليف هذا اللسان (أي اللسان البربري) إلَّا حكايات وأمثال جمعها العلماء المستشرقون، وقد تَرْجَمَ بعضُ البربر القرآنَ الشريف إلى لغتهم، وأُخرِجت كذلك كتب الحديث والفقه من العربي إلى البربري مكتوبةً بالخط العربي في أيام الموحِّدين المتسلِّطين على المغرب والأندلس من سنة ٥٢٤ﻫ إلى سنة ٦٦٧ﻫ، وكره ذلك منهم القانِطون في العلم ذو الغَيْرة على الدِّين، فأفنَوْا كتبَهم هذه وأبادوها ولم يُحلِّلوا لهم درس الحديث والفقه بغير اللغة العربية.
ويكتب أهل المغرب من البربر وغيرهم بالخط العربي منذ أواخِر القرن الأول للهجرة؛ أي من الوقت الذي اعتنقوا فيه الإسلام آخِر مرة، بعد أن دوَّخوا أهله؛ وذلك لأن البربر قومٌ أشِدَّاء، وهم قبائلُ شتَّى مثل قبائل العرب الرُّحَّل، وقد قاسَى المسلمون في إخضاعِهم عذابًا شديدًا؛ لأنهم ارتدُّوا عن الإسلام اثنتَيْ عشرةَ مرةً، وثبتوا فيها كلها على عداوة المسلمين، ولم يثبت إسلامُهُم إلَّا في أيام موسى بن نُصَيْر في أوَاخِر القرن الأول للهجرة، وللبربر فضلٌ كبير في نشْر الإسلام بأواسط أفريقيا، مثل فضل الأتراك في نشره بأواسط آسيا إلى الهند والصين؛ لأن البربر لمَّا ثبت الإسلامُ فيهم نهضوا لفتح ما وراء بلادهم في أفريقيا الغربية، فنشروا الإسلام هناك.
تاريخ الخط المغربي وفروعه
والخط المغربي مشتقٌّ من الخط الكوفي القديم، وأقدم ما وُجد منه لا يرجع إلى ما قبل سنة ثلاثمائة للهجرة (٩١٢م)، وقد كان يُسمَّى هذا الخط «بخط القيروان» نسبة إلى القيروان عاصمة المغرب بعد الفتح الإسلامي المؤسسة سنة ٥٠ﻫ/٦٧٠م، فقد اكتسبتْ هذه المدينة أهميةً سياسية كبرى عندما انفصل المغرب عن الخلافة العباسية، وصارت عاصمة الدولة الأغلبية ومركز المغرب العلمي لإنشاء جامعتها الكبرى، فتحسَّن بها الخط المغربي تحسينًا عظيمًا وعُرِف بها.
ولمَّا انتقلت عاصمة المغرب من القيروان إلى الأندلس ظهر فيه خط جديد سُمِّي «بالخط الأندلسي أو القرطبي»، وهو مستدير الشكل بعكس خط القيروان الذي كان مستطيله أبدًا، وقد ذكر ابن خلدون في المقدمة أنَّ الخط الأندلسي انتشر بشمال أفريقيا فتغلَّب على الخط الأفريقي، وعفا عليه ونُسِي خط المهدية، حتى إذا تقلَّص ظلُّ الدولة الموحِّدية بعض الشيء نقص حال هذا الخط، وفسدتْ رسومه، وزاد أيضًا أنه في دولة بني مَرِين «صارت الخطوط بإفريقية والمغربين مائلة إلى الرداءة بعيدة عن الجودة، وصارت الكتب إذا انتُسخت فلا فائدة تحصيل لمتصفِّحها منها إلَّا بالعناء والمشقَّة؛ لكثرة ما يقع فيها من الفساد والتصحيف وتغيير الأشكال الخطية عن الجودة، حتى لا تكاد تُقرأ إلا بعد عُسْر»، ويقصد ابن خلدون طبعًا بهذا الخط المتأخِّر تاريخًا هو خط مَرَّاكُش المسمَّى «بالخط الفاسي» نسبة إلى فاس ثالثة عواصم المغرب العلمية، مع أنَّه لو قُورِن بالخط الإسبانيولي لظهر حقيقةً أنه أردأ منه، إلَّا أنَّ هذا لا يمنع من أن يكون حكم ابن خلدون قاسيًا جدًّا؛ فإنَّ الخط الفاسي المستعمل في الكتب ليس فقط يمكن قراءته، بل هو جميل غالبًا.
- (١)
الخط التونسي: الذي يُشابِه كثيرًا الخط المشرقي، غير أنه يتبع الطريقة المغربية في تنقيط الفاء والقاف، وقد مرَّ ذكرها.
- (٢) الخط الجزائري Algérienne: وهو على العموم حادٌّ ذو زوايا، وصعب القراءة غالبًا.
- (٣) الخط الفاسي Fezzane: الذي يمتاز صريحًا عن غيره باستدارته.
- (٤) الخط السوداني Soudanaise: وهو على العموم غليظٌ وثقيلٌ، وغالبًا ذو زوايا أكثر مما هو مستدير، وقد انتشر هذا الخط انتشارًا عظيمًا في النصف الثاني من القرن الثاني عشر بانتشار الإسلام وتقدُّمه بين الشعوب الزنجية في وَسَط أفريقيا، وخصوصًا الحوسة Haoussas الآتي ذكرهم، فوصل في الجهة الغربية إلى المحيط، حيث صارت مدينة لاغوس Lagos مركزًا جديدًا للإسلام، ومن الجهة الشرقية إلى مدينة واداي حيث الْتَقَى بالخط النسخي الآتي من مصر.٢٨
ويستخدم الجزائريون والمَرَّاكُشيون الآن الأرقام الإفرنجية بدلًا من الأرقام الهندية التي يستعملها العرب، وذلك على أثر اختلاطهم بالبرتقاليين بسبب الفتوح، وقد كانوا يستخدمون الأرقام العربية قبل ذلك، ولا يُعلَم متى استخدموا الأرقام الإفرنجية، ولكنهم استخدموها من عدة قرون.
(ﺟ) اللغة النوبية Nubian
وقد اطَّلعتُ على إنجيل مرقس مترجم إلى لغة فديدجا البربرية الدنقلية ومكتوب بالخط العربي، وقد طَبعتْ هذه الترجمة جمعية الكتب المقدَّسة الإنجليزية في المطبعة الإنجليزية بمصر سنة ١٩٠٦م، وهاك عنوانها أمثولة لهذه اللغة: «مرقسن إنجيلن، إنجيل يسوع المسيحن لن مرقسن قايسين نقتا، مصر لي طبعكن إنجليزن كدن مطبعة لا، كتب مقدَّس إنجليزن جمعيتن صرف لق سنة ١٩٠٦م»، وقد زادوا في هذه الترجمة على حروف الخط العربي أربع علامات أشاروا إليها في أول الترجمة.
(د) اللغة الحوسية Hausa
وتُعرف أُمَّة حوسة بأنَّها الساعد القوي لأمة الفلاته (الفلبوسيين)، القائمة برفع راية الإسلام ونشره في تلك البقاع، والحواسة عمومًا قديمو عهد بالإسلام، ولهم حرصٌ على نشره وتعليم لغته وخطه.
قال الكونت هنري دي كاستري في كتابه «الإسلام» (الذي ترجمه إلى العربية المرحوم أحمد فتحي زغلول باشا): «الفلبوس وهو رجل الحرب والفتوح، ولا يستقر به القرار إلَّا إذا آمَن وتمكَّن، والخواصة (الحواسة) هم أهل المعارف والعلوم في السودان، حتى كأنهم احتكروها، إلَّا أنَّ علمهم قاصرٌ على شيءٍ يسير كالقراءة والكتابة في اللغة العربية، وهو كافٍ لنفوذهم في الوثنيين؛ لأنَّ هؤلاء يعظِّمون الكاتب والقارئ إلى درجة العبادة تقريبًا.
فالفلبوس هم أنصار الإسلام في الحقيقة، والحواسة منهم بمنزلة الوُعَّاظ والفقهاء.»
وقال العلَّامة روبنصن في مقالةٍ كتبها في مجلة القرن التاسع عشر: «ولغة حوسة مُكتَتَبة، وهي اللغة الوحيدة المكتتبة من لغات أفريقيا شمال خط الاستواء عدا العربية والحبشية، وحروفها هي الحروف العربية، وقد كتبوا بها تواريخ وقصصًا ودواوين، وقد أخذت الحكومة الإنجليزية تهتمُّ بأمر هذه اللغة؛ لأن المتكلِّمين بها في البلاد التي في منطقة النفوذ البريطاني يبلغون خمسة عشر مليونًا، ولا بدَّ من أن تتوحَّد لغات أفريقيا يومًا ما؛ أي يموت الضعيف منها ويخلُفه القوي، فيَبقَى أربع لغات فقط، وهن العربية في الشمال والإنجليزية في الجنوب والسواحلية في الشرق والحوسية في الغرب، والآن إذا عَرَف واحدٌ لغة حوسة أمكنه أن يخترق أفريقيا من الغرب إلى الشرق، فيجد حيثما حلَّ أناسًا يتكلَّم معهم من تُجَّار حوسة وحُجَّاجهم.»
واللغة الحوسية تُستعمل للمراسلات التجارية والإدارية في مملكة حوسة والبلاد المجاورة، فهي قد أصبحت عندهم لغة المخابرات السياسية كالفرنسية في أوروبا والفارسية في الشرق الأقصى، وهم يكتبونها بالنوع المعروف بالخط «السوداني أو التمبكتي» المتفرِّع عن الخط المغربي، وقد تقدَّم ذكره عند الكلام على الخط المغربي وفروعه (راجع: فذلكة في تاريخ الخط العربي، تاريخ الخط المغربي وفروعه).
(ﻫ) اللغة السواحلية Swahili٣١
والسواحليون لا يزيد عددهم عن مليون نفس، لكنهم اشتُهِروا بالتقدُّم على سائر أمم البانتو بسبب إسلامهم، وقد دخل إليهم على يد حمزة أخي الخليفة عبد الملك سنة ٨٦ﻫ، ونظرًا لاحتكاكهم المتواصل بالعرب تعرَّبوا بعاداتهم وديانتهم وآدابهم، وقد دخل في اللغة السواحلية كثيرٌ من الألفاظ العربية والفارسية وبعض الألفاظ الإفرنجية في العهد الأخير.
(و) اللغة الملجاشية
وهي لغة التجارة والسياسة في جزيرة مدغسكر، ولا تُستعمل خارج هذه الجزيرة، وهي لغة بعض القبائل فيها فقط، غير أنَّ سائر القبائل المدغسكرية لا يستعملون لهجاتهم إلَّا في المحادثة فقط، فإنْ أرادوا الكتابة لجئوا إلى الملجاشية بالخط العربي.
والملجاشية واحدة في الجزيرة كلها، وحقيقتها — كما جاء في دائرة المعارف الفرنسية — أنها فرعٌ من لغة الملايو، وقد دخل فيها عدد عظيم من الكلمات والتراكيب المأخوذة عن اللغة السواحلية والعربية وعن اللهجات الأفريقية، ويُقدَّر عدد الذين يستخدمون هذه اللغة بنحو مليوني نسمة.
- القسم الأول: الحروف التي يزيدونها على الهجاء العربي، وهي: «رً» أو«رّ، » الراء بفتحتين أو بشدة عمودية أو رأسية فوقها، وهي تُنطَق عندهم: «تر» أو «در»، و«» الطاء بنقطة تحتها، وتُنطَق عندهم كالتاء.
- القسم الثاني: الحروف التي يُغيِّرون نطقها ولا يُغيِّرون رسمها،
وهي:
- يكتبون «ت» التاء وينطقونها: «تس ts».
- يكتبون «ج» الجيم وينطقونها: «دز dz»
- يكتبون «ض» الضاد المعجمة وينطقونها: «ڨ v».
- يكتبون «ع» العين المهملة وينطقونها: «ن» أو «نجا» كنطق الغين بثلاث نقط «ڠ» عند الملايو.
- يكتبون «ف» الفاء وينطقونها: «پ p».
- يكتبون «و» الواو وينطقونها: «و» أو «ڨ v».
- يكتبون «ي» ياء وينطقونها: «ي» أو «ز z» أو «دز dz».
- القسم الثالث: الحروف التي يُغيِّرون رسمها ولا يُغيِّرون نطقها،
وهي:
- الدال المهملة ويكتبونها هكذا: «» وتنطق: دال.
- الصاد المهملة ويكتبونها هكذا: «» وتُنطَق: صاد.
(ز) اللغات الحبشية وغيرها
وقد انتشر الخط العربي أيضًا في بلاد الحبشة وما جاورها بانتشار الإسلام فيها، وذلك أنَّ بعض أمراء المسلمين نزلوا الحبشة في القرون الأولى للإسلام، وأنشَئُوا فيها إماراتٍ إسلامية في هرر وحماسن وجيما وأواسة وغيرها، لكنها لم يَطُل استقلالها، فذهبتْ، ولكن الإسلام ظلَّ منتشرًا بين أهلها يزداد فيها كل يوم، ويُقدِّرون عدد المسلمين هناك بثمانية ملايين نسمة.
قال صادق باشا المؤيد في كتابه «رحلة الحبش» الذي وضعه بعد عودته من سفارته ببلاد الحبشة سنة ١٩٠٨م: «ويُسمَّى مسلمو الحبش هنا «جبرتي» أي الحبشي المسلم، والجبرتيون متديِّنون متمسِّكون بعاداتهم القومية والدِّينية، أصحاب غَيْرة وشجاعة، ويشتغلون بالتجارة والصناعة.»
ومن الأمم الحبشية التي تستعمل الخط العربي أيضًا أمة آغو والغالا، وسيأتي ذكرها بعدُ.
الحرف | نطقه | أسماء الأمم التي تستعمله | الحرف | نطقه | أسماء الأمم التي تستعمله |
---|---|---|---|---|---|
پ | كالباء الإفرنجية P | تُستعمل هذه الأحرف الفارسية عند الفُرس والتُّرك والتتر والأكراد والبلوخستانيين والهنود والأفغانيين. | چ | تشا | تُستعمل هذه الأحرف عند الملايو فقط. |
چ | كحرفي تش tch | ڠ | نجا | ||
ژ | مثل je | ڨ | پا | ||
گ | كالجيم g | ڬ | جا |
(٣-٥) اللغة العربية
ثم في بلاد النوبة والسودان المصري وشواطئ البحر الأحمر والنيجر والسودان الغربي في واداي وبرنو وغيرها، ثم في زنجبار وفي جهات كثيرة من الصحراء وبعض شواطئ أفريقيا وجزرها وغير ذلك من البلدان التي يتكلَّم سكانها باللغة العربية.
وعلى كل حال فإن مَن يتكلَّم العربية فيما بين نهرَي الفرات والنيجر يكتبها بالخط العربي.
هذا، وقد انتشر الآن في أمريكا الشمالية والجنوبية بانتشار اللغة العربية في البلدان التي استوطنتها الجالية السورية هناك، وقد أصدروا بها الجرائد العربية العديدة في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك والبرازيل والأرجنتين وغيرها، هذا إذا ضربنا صَفْحًا عمَّن يتعلَّمون اللغة العربية ويكتبونها بالخط العربي من المستشرقين والمشتغلين بالعلوم الشرقية ولغاتها من علماء أوروبا، ولا سيَّما علماء فرنسا وألمانيا وإنجلترا وسويسرا وإيطاليا، وطلبة العلم في الجامعات والكليات الأوروبية الكبرى، وفضلًا عن ذلك كله فإنه منتشرٌ بين جميع أهل الدِّين، وطلبة العلم الذين يتكلَّمون العربية، ويتعلَّمونها للمعاملات الدِّينية في سائر أقطار الهند والصين وإيران وما والاها من بلاد خراسان وأفغانستان وما وراء النهر بتركستان وبلاد التتار في آسيا وشرقي أوروبا وجزائر الهند الشرقية وسائر البلاد التي دخلها الإسلام في القارات الخمس، ولا يقِلُّ عدد هؤلاء الأعلام الذين تَقْتَدِي بهم الأمة الإسلامية عن مليون من النفوس هم خاصة الناس، ونقول بالإجمال: إن الكتابة بالخط العربي عامة بين سائر المسلمين الذين يقرءون كتاب الله.
(٤) أهمية اللغة العربية وتأثيرها في لغات العالم الإسلامي
يحسن بنا بعد أن فرغنا من بيان اللغات الإسلامية التي تُكتَب بالخط العربي أن نأتي على فصلٍ نُجمِل فيه ذكر أهمية اللغة العربية وتأثيرها في لغات العالم الإسلامي؛ وذلك لمناسبة الارتباط بين اللغة وخَطِّها، ولنُبيِّن أن الإسلام قد أثَّر في هذه الأمم الإسلامية تأثيرًا شديدًا، ففضلًا عن اتخاذها الخطَّ العربي لكتابة لغاتها به، فإن هذه اللغات قد صُبغتْ أيضًا بصِبغةٍ عربية، كما سيظهر فيما يأتي فنقول: كانت اللغة العربية محصورة قبل الإسلام في شبه جزيرة العرب، ولم يتَّسِع نطاقها إلا منذ ظهوره، فلمَّا انتشر الإسلام انتشرتْ معه؛ لأنها لغة الرسول ﷺ وأصحابِه، لغة القرآن الشريف الذي كان لها قاموسًا إلهيًّا لا تُبدَّل كلماتُه ولا تُنسَخ آياته، لغة الحديث وسائر كتب الدِّين، فهي على العموم لغة الإسلام يجب إحياؤها لإحيائه، فجعلها المسلمون الأوَّلون لغة الدِّين والدولة، فانتشرتْ في البلاد التي ساد فيها العرب أو دخلها الإسلام، وأخذتْ في الانتشار إلى أنْ ملأت الخافقين، فتغلَّبتْ على ألْسُن تلك البلاد الأصلية، وأخذتْ تُغالِب لغاتِها حتى أماتَتْها وقامتْ على أرْماسِها، فتعرَّبتْ بلاد العالم العربي جميعها كما بيَّنَّاه، وصارتْ تستعمل في المعاملات الدِّينية عند المسلمين في كل العالم الإسلامي، فصاروا لا يستخدمون في الإنشاء والتآليف غيرَها، وأقبل العلماء من غير العرب عليها أيَّما إقبال، فبَرَعوا فيها حتى فاقَ كثيرٌ منهم العربَ أنفسَهم، ولا غَرْوَ فقد ابتدَأَتْ وحدة الدِّين تستدعي وحدةَ اللسان؛ فلذلك أصبحت العربية هي لغة المسلمين، لغة العلم عندهم والدِّين، فلا يُبَرَّز في علومه مَن لم يتعلَّمْها، ولا يفهم الكتابَ والسُّنَّة مَن لم يُحكِم بيانَها، فكانوا على اختلاف لغاتِهم يتفاهَمون جميع العلوم الإسلامية والآداب الدِّينية بها؛ ولذلك كثُرَت الألفاظ والتراكيب العربية في لغاتهم جميعًا، وخصوصًا الفارسية والتركية والهندية منها، فقد اقتبستْ هذه اللغات مِن آدابها شيئًا كثيرًا ينم على ما لآداب اللغة العربية عند هذه الأمم من الشأن والمنزلة الرفيعة، فالفارسية أثَّرتْ فيها العربية بعد الإسلام أيَّما تأثير، فقد ظل شعراء الفُرس لا يقولون الشعر نحو قرنين إلَّا بالعربية، ثم هي قد رقَّت الفارسية مِن السذاجة التي كانت عليها البهلوية والفارسية إلى نحو أواخر القرن الرابع، أمَّا التركية فقد بيَّنَّا تأثير العربية فيها عند الكلام عليها، فليُراجَع هناك، ونَزيد الآن أن العربية تؤلِّف القسم الأكبر من الأقسام الثلاثة التي تتألَّف منها اللغة التركية العثمانية، بل إنَّ قواعد صرفها ونحوها هي من الأصول المتحصلة من القواعد التي اقتبسها العجم عن العرب، فلغات الأمم الإسلامية على العموم قد تأثَّرتْ تأثيرًا محسوسًا بذلك اللسان العربي المبين فيما استعارتْه من الألفاظ والكلمات العربية الكثيرة، حتى لَتَجِد هذه الكلمات شائعةً ومتفشِّيةً في لغة الأوردو الهندية ولغة السواحل وغيرهم من بربر أفريقيا، بل إنه في هذه اللغات كلغة الملايو مثلًا حروف عربية لا تُستعمل إلَّا لكتابة الكلمات العربية فقط.
فتأثير اللغة العربية في اللغات الإسلامية يُشبه كثيرًا تأثير اللغة اللاتينية في لغات أوروبا، إلَّا أنَّ اللغة اللاتينية اندمجتْ ودخلتْ في لغات أوروبا، بل كانت العربية لهذه الشعوب الشرقية الإسلامية بمثابة اللغة اللاتينية واليونانية معًا للأمم الأوروبية المسيحية، وخصوصًا لأنَّ المسلمين كافَّةً يقرءون القرآن الشريف باللغة العربية، فهي لغة كتابة عند الخاصة في كل بلد اجتمع فيها المسلمون ليتلوا القرآن العظيم.
(٤-١) الإحصاء
- (١)
اللغات التركية: ويُقدَّر المتكلِّمون بها بنحو ٤٠ مليون نسمة، منهم في مملكة الروسيا والصين أكثر من ٣٠ مليونًا، وفي بلاد الدولة العثمانية نحو عشرة ملايين نسمة تقريبًا.
- (٢)
اللغات الهندية: ويُقدَّر المتكلِّمون بها بنحو ٩٦ مليون نسمة، منهم في الهند نحو ٦٦ مليونًا، وفي الملايو نحو ٣٠ مليونًا.
- (٣)
اللغات الفارسية: ويُقدَّر المتكلِّمون بها بنحو ١٧ مليون نسمة، منهم في فارس نحو تسعة ملايين ونصف، وفي أفغانستان خمسة ملايين، وفي كردستان مليون ونصف، وفي بلوخستان مليون فقط.
- (٤)
اللغات الأفريقية: ويتراوح المتكلِّمون باللغات التي تكتب به فيها غير العربية بين ٣٠ و٤٠ مليونًا.
- (٥)
اللغة العربية: ويُقدَّر المتكلِّمون بها بنحو ٦٠ مليون نسمة تقريبًا، فيكون المجموع نحو ٢٤٣ مليونًا من الأنفس.
أمَّا بحسب القارات فالمتكلِّمون باللغات التي تكتب به الآن في:
«أوروبا» نحو عشرة ملايين نسمة من التُّرك والتتر ونحوهم.
وفي «آسيا» نحو ١٦٣ مليونًا من العرب والهنود والفُرس والتُّرك ونحوهم.
وفي «أفريقيا» نحو ٧٠ مليونًا من العرب والبربر والسودانيين والسواحليين والزنوج، وغيرهم كثير ممَّا لم يُحصَ لهم عددٌ فيها، فيكون مجموع المتكلِّمين باللغات التي تكتب به في القارات الثلاث نحو ٢٤٣ مليونًا، فهو بالجملة غالبٌ في أفريقيا، وشائعٌ في آسيا، ومستعملٌ في أوروبا، ومعروفٌ في أمريكا وأستراليا.
(٥) انتشار الخط العربي قديمًا في أوروبا
هذا، وقد كان الخط العربي منتشرًا في الأندلس (إسبانيا والبرتقال) وقت أنْ كانتْ تحت حكم العرب مدة طويلة تقرب من ثمانية قرون، وكان فيها زاهيًا زاهرًا شأن العربية هناك وقتئذٍ، فبلغ حدَّ الإتقان والجودة.
ولمَّا تلاشَى مُلْك العرب بها، وافترقوا في الأقطار، فانتشروا في بلاد المغرب، وشاركوا أهل العمران بما لديهم من الصنائع، فغلب خطُّهم على الخط الأفريقي وعفاه، فصارتْ خطوط أهل المغرب كلها على الرسم الأندلسي مدة طويلة لم تزلْ آثاره ظاهرة فيها هناك للآن، أمَّا مَن بقي منهم بالأندلس فظلَّ يكتب اللغة الإسبانيولية القديمة بالخط العربي، وسمَّوْها باللغة «الخميادو»، كما سيأتي تفصيله بعدُ.
والعرب لم يفتتحوا الأندلس فقط، بل دخلوا أرض فرنسا أيضًا، ودخل معهم الخط العربي فيها، فتوطَّنوا جنوبها، وافتتحوا نربونة، وكانوا يسمونها: «أربونة»، وطولوز (طلوشة)، وقرقسون وسمَّوْها: «قرقشونة»، ونيم وسمَّوْها: «نيمة»، ومون بيليه، فتجاوزوا بذلك أرض سبتمانية وهي اليوم ولاية البيرينة الشرقية وولاية أود وما جاورها، ودخلوا مملكة برغونية، ثم افتتحوا مدينة أفينون وغيرها، حتى بلغوا نهر غارون وافتتحوا بردو وكانوا يسمونها: «برغشت»، وأصبح ما بين مَصَبِّ غارون في المحيط وما بين مَصَبِّ الرون في البحر الأبيض المتوسط دارًا للإسلام تُلَقَّن فيه الشهادة ويُعلَّم القرآن، ثم تجاوزوا هذا القسم العظيم من فرنسا ودخلوا مدينة إنكوليم وكونياك وبوانيه حتى وصلوا مدينة تور، وهي على نهر لوار المنصب في المحيط، وألحقوا أكثر من نصف فرانسا بممالك الدولة الأموية.
فمنتهى الحدود التي وصل إليها العرب في أوروبا هي نهر لوار ومدينة تور، وفي شرقيها مدينة ديجون ثم مدينة بزانسون، فالخط المار بهذه النقطة يقسم فرنسا إلى قسمين شمالي وجنوبي، والجنوبي بأجمعه دخل في ملك المسلمين، وأقاموا في بعضه قليلًا، وفي بعضه كثيرًا، واستسلموا كثيرًا من أهله، وتزوَّجوا ببناتهم، وأعقبوا منهم، ولم يزل لأهل الجنوب من الفرنساويين شَبَهٌ بالعرب في سِيماء الوجوه.
والناظر في أرجاء صقلية اليوم يجد كل شيء فيها ذا صلة وارتباط بالعرب، فاللغة الصقلية ما هي إلا خليط من الإيطالية والعربية، والقسم الأكبر من مدائن تلك الجزيرة إنما أسماؤه عربية في الحقيقة، وإنْ يكن قد طرأ عليها مِن فساد التداول ما ذهب بمسحتها العربية الأصلية، وإنَّا لنذكر منها الأسماء الآتية:
ولم يكن الأمر قاصرًا في انتشار الخط العربي على الأندلس وفرنسا وصقلية فقط، بل كان يعمُّ أيضًا جميع جزر البحر الأبيض المتوسط تقريبًا، مثل: جزائر الباليار وهي ماجوركة ومينورقة وإيفيزه وما يتبعها، وكانوا يسمُّونها: «مايرقة ومنرقة ويابسة»، واستمروا فيها من سنة ٨٢٠م/٢٠٥ﻫ إلى سنة ١٢٣٢م، وقورسيقة، وقد بقيتْ مستقلة عن غيرها بالحكم إلى سنة ٢٣٦ﻫ/٨٥٠م، ومالطة وغيرها وقت حكم العرب.
أمَّا انتشار الخط العربي في أوروبا من جهة الشرق فكان ذلك في عهد الدولة العثمانية لمَّا استولتْ على القسطنطينية، وهي مفتاح أوروبا، وكان العرب حاولوا مرارًا دخول أوروبا من جهة الشرق بطريقها، فامتنعتْ عليهم، حتى فتحها الأتراك في القرن الخامس عشر، وأَوْغَلوا في القسم الشرقي من أوروبا، فانتشروا في تلك البقاع، وانتشر معهم الخط العربي فيها لكتابة لغتيهم الرسمية والدِّينية (أي التركية والعربية)، وسار مع فتوحاتهم حتى وصلوا مدينة فينا عاصمة النمسا وحاصَروها، وأقاموا عساكرهم المظفَّرة على أبوابها، وأخذوا الجزية من الأرشيدوق فردينان، ثم عادوا واقتنعوا بجزيرة البلقان وما جاورها، فبقي الخط العربي مستعملًا في أملاكهم في أوروبا، وهو الخط الرسمي للحكومة مدة كبيرة تقرب من أربعة قرون ونصف.
وقد بلغت المملكة العثمانية معظم اتساعها في أواسط القرن السابع عشر للميلاد، فكانتْ حدودها الشمالية آخِر حدود المجر في أوروبا، وكانتْ أملاكها في تلك القارة تشمل بلاد اليونان وجميع جزر بحر إيجه والروملي والبوسنة والهرسك والصرب والجبل الأسود وبلغاريا والمجر ورومانيا (الفلاخ والبغدان) وما يلي بلاد المجر شرقًا من ملدافيا وما بعدها من شواطئ البحر الأسود إلى بلاد القوقاس، ففي كل هذه الولايات استعمل الخط العربي، وبقي في بعضها كثيرًا وفي بعضها قليلًا، وكانت تُكتَب به لغات الوطنيين ممَّن أسلموا، ولم يزل مستعملًا هناك حتى ضَعُف شأنُها، وطمع جيرانها بها، فخرج بعضُها بالاستقلال، ودخل البعض الآخَر في حوزة بعض الدول أو تحت سيطرتها بالاحتلال، إلى أن انحصر في أملاكها الآن فيما بين الآستانة وولاية أدرنة وما جاورهما، وترك العثمانيون فيما انسلخ عنهم من هذه الولايات آثارًا عديدة، فقد استسلموا كثيرًا من أهلها يُعَدُّون الآن بأكثر من ٤ ملايين نسمة في بلاد اليونان ومكدونيا وألبانيا وبلغاريا والصرب والجبل الأسود ورومانيا والبوسنة والهرسك.
وذلك أن العثمانيين لما افتتحوا هذه البلاد، نزلها كثير من العرب والأكراد وبعض العشائر المغولية التي سقطتْ إلى هذه الأرجاء وتوطَّنتْ فيها، كما توطَّنها أيضًا كثيرٌ من أولاد الفاتحين وغيرهم من المجاهدين أتباع بكوات الروملي، فانتشروا في تلك الديار، وامتزجوا بأهالي البلاد الأصليين أي بالبلغاريين والصربيين والأرناءود والبوشناق، فأخذ هؤلاء يدينون بالإسلام حتى أصبح نحو نصف سكان الأقطار الواسعة من المسلمين، واضطر أولئك المسلمون إلى تعلُّم أمور دِينهم، وبهذه الواسطة انتشر اللسان العثماني، وتغلَّب الفكر الدِّيني على الجنسي، وأنشأ أولئك الشعوب يعتقدون بأن السلطنة العثمانية حاميةُ الدِّين وسلامتها سلامةٌ لهم في الدارَيْن، وبفضل هذا الاعتقاد غدا أهالي البوسنة المسلمون خاضعين للحكومة النمسوية وهم لا يقِلُّون عن ٦١٢٠٠٠ نسمة ينظرون إلى النمسويين نظر الأعداء مع أنهم من دمٍ واحدٍ.
ومثل ذلك قُلْ في البوماقيين والجتاقيين، وغيرهم من سكان بلغاريا ممَّن يَرَوْن السلافيين أعداءهم على حين هم وإياهم من أصل واحد، وهؤلاء يستعملون الخط العربي إلى الآن، وقد اشتُهر منهم كثيرٌ من الخطاطين البارعين يُعَدُّون في العُرف أتراكًا؛ لأنَّ بعضَهم تَتَرَّك، ولا عجب إذا قلَّدوا الأتراك في جودة الخط، فقد أخذوه عنهم، وهم أصحاب الفضل في نشره في تلك الأصقاع، وإليهم انتهت الرئاسة فيه على أنواعه إلى عهدنا هذا (انظر [فَذْلَكة في تاريخ الخط العربي: (٢) تاريخ الخط العربي بعد الإسلام: (٢-١) أصناف الأقلام العربية في الإسلام]).
(٦) النتيجة
وأمَّا الشمالية فهي المعروفة بالهندأوروبية، وتشتمل على لغات أوروبا وقسم عظيم من أمريكا، فإنها تُكتَب بالخط الإفرنجي المعروف.
(٦-١) الخط العربي واللغات الأوروبية
«اللغة الهولندية»: وقد دخل كذلك في اللغة الهولندية الآن، فإنَّ المسلمين في مستعمرة الكاب بجنوب أفريقيا يكتبون الهولندية بالخط العربي، وقد طبعوا به كتبًا دينية كثيرة.
وهؤلاء المسلمون هم من مهاجري الملايو (انظر [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (٣) اللغات التي تُكتَب الآن بالخط العربي: (٣-٤) اللغات الأفريقية: (ز) اللغات الحبشية وغيرها]).
«اللغة السلافية»: وقد دخل أيضًا اللغة السلافية، فإنَّ مسلمي البوسنة والهرسك، وهم لا يقِلُّون — كما أسلفنا — عن ٦١٢٠٠٠ نسمة يكتبون به الآن لغتهم الوطنية «السلافية»، وقد كانوا قبل الاحتلال النمسوي لبلادهم يكتبون بالعربية أو التركية لاختلاطهم بالأتراك وبالحياة العقلية التركية، ولكنهم بعد ذلك صاروا يستعملون لغتهم الوطنية في الأعمال العلمية والأدبية.
وقد نشأتْ حركة في السنوات الأخيرة، وخصوصًا بين وسط «الخوجات» غرضها جعل الأبحاث الأدبية في المواضيع الدينية تُكتَب على الأقل باللغة السلافية والحروف العربية، وقد جعلوا حروف الهجاء العربية تُناسِب حاجيات اللغة السلافية، وجريدة «معلم» لسان حال جمعية اتحاد علماء وأئمة ساراييفو تظهر بهذا الخط.
(٦-٢) الخط العربي ولغة الفيليبين
والإسلام قديم في مملكة الصين، والمشهور أنَّ أصل مسلميها من الجُنْد الإسلامي الذي جَلَبه ملك الصين سنة ١٣٨ﻫ/٧٥٥م في عهد أبي جعفر المنصور لكبح جماح الثائرين عليه، ولما تمكَّن بمساعدتهم من توطيد عرشه جازاهم عن ذلك بجواز الإقامة في مملكته مع امتيازات كثيرة، فظلوا فيها معتصمين بالهدوء والسكينة حتى اختلَّ نظام عائلة المنشوريين، وفسدت الأحكام في جميع بلاد الصين، فنشأ من ذلك ثورة المسلمين في مقاطعة يونان وفي مقاطعتي زنقاريا وكشغار، فأخضع الصينيون مسلمي يونان بعد قتال طويل، وأمَّا زنقاريا وكشغار فاستقلَّتا بقيادة يعقوب خان القائد الشهير، وقضى الصينيون ١٢ سنة يحاولون استرجاع كشغار فلم يستطيعوا ذلك إلَّا بعد وفاة أميرها يعقوب خان عام ١٨٧٧، وهكذا كان لمسلمي الصين — ولم يزل لهم — شأن كبير، فمنهم رجال الفضل والجند الذي عليه المعوَّل، خصوصًا في إقليم يونان، ومنهم رجال التجارة، وهم مشهورون بين الصينيين بصدق المعاملة وقوة البأس.
Bresnier, cours langue arabe.