تمهيد
تنجانيقا منطقةٌ واسعة تقع بشرق أفريقيا يسكنها قومٌ عُرفوا بالشجاعة والصدق والذكاء. وهم فوق ذلك متمسِّكون بتعاليم دينهم، لا يقبلون الضَّيم. ولا يُضمِرون شرًّا لمخلوق، ولا يفكِّرون في الأذى. بيد أنه إذا وقَع عُدوانٌ عليهم، انبرَوا إلى المعتدي، وردُّوا له الصاع صاعَين، شأن جميع الأفريقيين الأحرار.
أما عاصمة هذه المنطقة الهادئة فهي دار السلام، ثغرٌ جميل على المحيط الهندي، تَرِد إليه السفن من مختلف بقاع العالم، حاملةً ما تحتاج إليه تلك البلادُ من منسوجاتٍ وأدواتٍ وسياراتٍ وغير ذلك، وتُغادِره محملةً بالعاج والأبنوس والمطَّاط والذهب، وما إلى ذلك من الخيرات الطبيعية التي حبا الله بها أرض أولئك القوم الطيبين.
وعلى مسافةٍ غيرِ بعيدة من دار السلام تقع قرية «دابانجا»، في حِضْن تلٍّ كثير الأحراج والشُّجيرات، يهُب عليه النسيم عليلًا فيلطِّف حرارة تلك المنطقة الاستوائية، ويجعل منها مصيفًا معتدل الحرارة رغم بُعدها عن الشاطئ؛ ولذلك أنشأَت بها الحكومة مدرسةً ثانويةً داخلية أطلَقَت عليها اسم «مدرسة الحرية»، اختارت لها أساتذةً أكْفاء، وزوَّدَتها بسيارة للرحلات والنزهات. وكان سائق السيارة رجلًا أجنبيًّا لفحَت الشمس بشرتَه، فأكسبَتْها سُمرةً تكاد تتفق وبشرةَ القوم هناك، غير أنه لم يتطبَّع بطباعهم، ولم يتخلَّق بأخلاقهم، ولم تؤثِّر فيه طبيعة البيئة، فاستغل طيبة سرائر من يعيش بينهم بدهائه وفكره وخداعه وريائه. أما ناظر المدرسة ومعلِّموها فكانوا من الوطنيين الموهوبين.
كان موقع المدرسة رائعًا في منطقةٍ صحية على جانب التل، تُطِل على غابةٍ من الشجيرات الكثيفة.