اكتشاف اللغز
أخذ مارك يفكِّر في ذلك اللغز، ويُقلِّب الأمر على كل وجه … ثم رأى أن يُشرِك معه زميله محمدًا في زيارته للكهف، ليكون له عونًا في ذلك المكان المُوحِش.
وانفرد بمحمدٍ جانبًا، وقال له: «أيروقك أن نذهب سويًّا إلى التل حيث كنا في هذا الصباح؟ لقد عثَرتُ على كهفٍ هناك جديرٍ بالزيارة.»
فأجاب محمد: «هذا عينُ ما يسُرُّني، يا مارك!» وانفرجَت أسارير وجهه بشرًا وحبورًا.
وبعد تناوُل الغداء، بدأ مارك ومحمد يتسلَّقان التل، ثم اتجها نحو الموضع الذي اكتشَف فيه مارك الكهف حتى بلغاه، فدخلا. وفي هذه المرة كان مارك قد أحضر معه مصباحَه الكهربي، فأضاءه، وقال لمحمد: «أترى هذا الصندوق، ما رأيك فيه؟»
ذهب زميله إلى الصندوق، وأخذ يتحسَّسه ويتأمَّله وينظر إليه من كل ناحية فيه، ثم قال: «أرى بضع كلماتٍ قد كُتبَت على أحد جوانبه. وأشم رائحةً غريبة تنبعثُ منه ولكنها مألوفةٌ لي. إنها تكاد تذكِّرني بشيءٍ أعرفه.»
فقال مارك: «وإنها لمألوفةٌ لي كذلك. هيا بنا نفحص المكان خارج الكهف علَّنا نعرف كيف جيء بهذا الصندوق هنا.»
لم يجد الفتَيان مشقةً في البحث؛ فقد وجدا أثرًا مطموسًا بعض الشيء، أسفل مدخل الكهف مباشرة، الذي تُخفيه الشجيرات والأعشاب.
فقال محمد: «رويدَك يا مارك. دعنا نُنعِم النظر في هذه الآثار … إنها آثار عجلات سيارة! ولا شك أنها سيارة نقل، لأن عجلاتها عريضة!»
قال: «نعم، لا بد أنها السيارة التي حُملَت فيها الصناديق التي كانت بالكهف بجانب ذلك الصندوق، ولكن لماذا يُخفون هذه الصناديق في مثل هذا المكان؟»
فقال محمد: «ربما كان هناك مَن يستعمل هذا الكهف مخزنًا خاصًّا لبضائعه!»
اقتفى الكشَّافان آثار عجلات السيارة لمسافةٍ طويلة أسفل سفح التل، حتى بلغا الطريق العام المُوصل إلى المدينة. عندئذٍ لم يجدا فائدةً من تتبُّع الآثار؛ لأنها اختلطَت بغيرها من الآثار المماثلة، فعادا ثانيةً إلى المدرسة، وقد ارتاح مارك لهذا الاكتشاف، ولكن فكره كان لايزال مشغولًا، يجدُّ في البحث عن علَّة لهذه الظاهرة الغريبة.
وبينما كان مارك جالسًا في فصله في اليوم التالي، خطَرَت بباله فكرة تفسِّر لغز الكهف والصناديق وآثار عَجلات السيارة القريبة من الكهف.
خطَرَت الفكرة بباله في أثناء حصة التربية الاجتماعية التي كان يُدرِّس فيها الأستاذ بون. كان مارك لا يُصغي تمامًا إلى ما يقوله الناظر؛ فقد شغَلَه لغز الكهف عن الدرس بعض الشيء. وكان الناظر يشرح الوسائل التي جمعَت بها الدولة إيراداتها، وكيف أن جزءًا كبيرًا من إيرادات الدولة يأتي من رسوم الجمارك على الواردات.
فرفع نلسون إصبعَه يسأل: «وأي الأشياء يدفع عنها المستوردون رسومًا؟»
فقال الناظر: «كل شيءٍ تقريبًا؛ الآلات، والتبغ، والملابس وغير ذلك.»
– «ولكن، أين تُدفع هذه الضرائب، يا سيدي؟»
– «تُدفَع في الموانئ الكبيرة، كدار السلام، وهذا هو السبب في تحريم إدخال بضائعَ واردة من الخارج إلا عن طريق هذه الموانئ.»
وهنا تنبَّه مارك، وهبطَت عليه فكرة … فكرة تفسِّر اللغز الذي حيَّره؛ فالكهف الذي رآه لا يبعُد كثيرًا عن البحر. وهو في مكانٍ منعزل عن الساحل، فهل تُنزِل السفنُ البضائع عند الساحل دون أن تدفع عنها رسومًا، ثم تنقلها سيارةٌ إلى الكهف؛ حيث تختفي فترةً عن عيون الرقباء، ثم تُباع؟ … أخذ يفكِّر في هذا الأمر؛ فالصندوق الذي وجده بالكهف يشبه الصناديق التي رآها في المدرسة عندما وردَت فيها أجهزة وأدوات المعمل من إنجلترا. لا بد أن ذلك الصندوق واردٌ أيضًا من الخارج، من وراء البحار. وقد أخبرنا الأستاذ بون أن الحكومة تحصِّل ضريبة على التبغ … آه … التبغ رائحةٌ مألوفة حقًّا … وعندئذٍ تذكَّر مارك أن تلك الرائحة التي شمَّها منبعثةً من الصندوق قريبةٌ من رائحة التبغ … إذن فهو تبغ.
رفع مارك إصبعَه، سائلًا الناظر: «هل إذا أحضَر أحدٌ من الناس بضائعَ من الخارج، ولم يدفع عنها ضرائب، هل يمكنه أن يبيعها؟»
– «نعم، بكل تأكيد. يُمكِنه أن يبيعَها بنفس السعر الذي تُباع به مثيلاتُها التي دُفعَت عنها ضرائب. وبهذا يجني أرباحًا طائلة. وهذا هو التهريب، الذي تحرِّمه الدولة … وللمهرِّبين عقوباتٌ صارمة.»
جلس مارك ساكنًا بقية الدرس، ولكنه ظل يفكر في الأمر الذي اكتشَفه، فقال لنفسه: «مِن المؤكَّد أنني اكتشَفتُ وكرًا لبعض المهرِّبين. ينبغي أن أذهب مرةً أخرى وألقي نظرةً على الكهف، ولكن يجب أن أعجل … حتى لا يُفلِت المهرِّبون.»