كيف يُهرِّبون
ظل مارك وأصدقاؤه عدة أيام لا يجدون وقتًا لعمل شيءٍ حيال المهرِّبين، فيما عدا مرةً واحدة عندما حصل على إذنٍ من المدرسة بالخروج للنزهة فوق التلال المجاورة؛ حيث سمَح له أستاذه جون بذلك … فذهب إلى الكهف يُلقي عليه نظرة.
ولكن لم تُكلَّل رحلته هذه بالنجاح؛ إذ وجد الكهف خاويًا كما رآه آخر مرة، لم يتغيَّر فيه شيء.
وعندما عاد إلى المدرسة مساء ذلك اليوم وجد محمدًا ينتظره، ويحمل إليه أنباءً جديدة، وسار به محمد إلى ركنٍ منعزل خلف المعمل، وقال له: «كنتُ أفكر في الطريقة التي تُهرَّب بها البضائع إلينا، وكيف تُنقَل إلى الكهف، فخطَرَت ببالي فكرة.»
فقال مارك: «إليَّ بها!»
قال: «يبدو لي أن لفائف التبغ الإنجليزية تؤخذ من بعض السفن الكبيرة التي ترسو في الميناء. ولعلك تعلم أن المسافة بين الميناء والكهف لا تزيد على خمسة عشر ميلًا. وعادةً ما تحمل جميع هذه البواخر كمياتٍ من لفائف التبغ. ولمَّا كان لزومبي هذا قاربٌ ينقل به الأخشاب من الجهات القريبة من هنا إلى الميناء، فلا بُد أنه يحصل، بطريقةٍ ما، على البضائع، من البواخر عندما يكون في الميناء. ومن المحتمل أن يكون له أصدقاءُ من بحَّارة تلك السفن يساعدونه في الحصول على ما يحتاج إليه، فيضعه في قاربه دون أن يفطن إليه أحد، طالما هو متعوِّد على الذهاب إلى الميناء كل يوم في قاربه. ثم ينقل البضائع بهذه الطريقة إلى موضعٍ ما على الساحل، ومن هناك يحملها في السيارة إلى الكهف.»
فقال مارك: «هذا تفسيرٌ جِد معقول. وإن تفكيرك ليبدو علميًّا، يا محمد!»
بعد أن شرح محمد لصديقه رأيه في طريقة التهريب، أخرج من جيبه قصاصةً من جريدة، وقال: «ليس هذا كل شيء؛ فهذه قصاصة من صحيفة صدَرَت في الأسبوع الماضي، الأسبوع الذي رأيت فيه الصندوق بالكهف، تقول إن باخرةً كبيرة وصلَت إلى الميناء قادمةً من إنجلترا، وستبقى بالميناء بضعة أيام ريثما تفرغ شحنتها. وإن تاريخ وصولها سابقٌ لرحلة الكشَّافة بثلاثة أيام. وعلى هذا كان لدى زومبي فرصةٌ للحصول على بعض البضائع من تلك الباخرة، ثم هناك شيءٌ آخر؛ فعندما أطلَعتَني على عُلبة اللفائف، لاحظتُ بعض كلماتٍ كانت مطبوعةً على جانبها طُمسَت بطلاءٍ من نفس اللون، ولكن الكتابة الأصلية كانت لا تزال ظاهرة. والكلمة التي علقَت بذاكرتي كانت اسمًا للباخرة، المذكور بهذه الصحيفة.»
فقال مارك: «إنك لرائع، يا محمد! وإنه لذكاءٌ تُحسَد عليه. إن ذلك يُثبِت أن زومبي حصَل فعلًا على الصندوق من الباخرة التي رست بالميناء في الأسبوع الماضي. كما يُثبِت دون جدال أنه لم يدفع عما فيه ضريبةَ الواردات وإلا لَمَا أخفاه في الكهف.»
أمسك مارك بيد محمد النحيلة وهزَّها بحرارة إعجابًا واستحسانًا، فابتسم محمد سرورًا والخجل يرتسم على وجهه بسبب ما سمعه من إطراء مارك، ثم قال: «هلُم بنا نبحث عن نلسون!»
وانصرف الزميلان من هذا الركن المنعزل، وسارا ميمِّمَين شطر حجرات النوم. وما كاد مارك يصل إلى أول الفِناء حتى سمع صوتًا يناديه.
ولم يكن المنادي غير علي، فلما التقى به، قال له: «أيمكنك أن تحضُر اجتماعًا لرؤساء فرق الكشَّافة، الآن، يا مارك؟»
قال: «يسُرني ذلك.» ثم التفَت إلى محمد وقال: «معذرة، يا محمد. سأراك بعد الاجتماع.»
وبينما هما سائران إلى حجرة الكشافة، قال عليٌّ مازحًا: «أية مغامرةٍ عجيبة كنتَ تبحثها مع محمد الآن، يا مارك؟»
فقال مارك: «لا شيء.» وهو يعجَب من دقة ملاحظة علي.