بيترو وسمكة القرش
وصلَت بعد ذلك الفرق الثلاث الأخرى، واحدةً إثر أخرى، ثم جاءت سيارة المدرسة محمَّلةً بالمُعدَّات؛ ولهذا شُغل مارك عن زومبي وقاربه وحركاته … شُغل بتنظيم المعسكر وإعداده.
وقام أعضاء الكشَّافة بنصب خيامهم، ودَق أوتادها في الأرض تحت أشجار النخيل الباسقة، التي امتدَّت فروعُها في السماء عاليًا، واختير مكانُ إعداد الطعام، وأحضِر الماء العذب من الموضع الذي دلهم عليه نلسون، وبذلك أعِد كل شيء. وبدأ الأستاذ جون يشغَل أعضاء الفرق بشتى أنواع الألعاب والمباريات. ورَبحَت فرقة مارك كثيرًا منها؛ ولذا تاقت أكثر من ذي قبل إلى رِبحِ جائزة مباراة الطهي، التي كانت تلي ذلك في برنامج الرحلة.
قبل إعلان بدء مسابقة الطبخ، جمع مارك أفراد فرقته فلاحظ غياب بيترو، فسألهم عما إذا كان أحدُهم يعرف مكانه، فأجابوا جميعًا بالنفي، ولكنَّ كشَّافًا من فرقة أخرى سمع السؤال فقال له إنه رآه يذهب صوب البحر منذ دقائق.
فقال مارك: «اذهب، يا جمعة، وابحث عنه على شاطئ البحر، أو في الماء.»
ما كادت تمُر لحظات على انصراف جمعة حتى سمعوه يصرُخ عاليًا خلف الأشجار طالبًا النجدة، فهَبَّ مارك وبعض الأولاد ينطلقون نحو الشاطئ، فرأَوْا جمعة واقفًا على الشاطئ يُلوِّح بيدَيه في عنف، ويصرُخ بأعلى صوته.
فابتدَره مارك بقوله: «ماذا جرى يا جمعة؟»
ومَدَّ محمد رقبتَه إلى أعلى، وقال: «انظر! إن جمعة يشير إلى شيء في وسط الماء.»
أمعَن مارك النظر في الماء، فإذا به يرى شيئًا أسودَ مثلَّث الشكل يخرج من الماء ثم يغوص، فصاح هلعًا يقول: «إنها سمكة القرش!»
وقال محمد: «انظر هناك! إن بيترو يسبح في بقعةٍ عميقة الغَور.»
وقال تلميذٌ آخر: «إن سمكة القرش تتحرَّك نحوه!»
فقال مارك: «أسرِع، يا محمد! ونادِ الأستاذ جون ليأتي ببندقيته.» ثم جرى هو نفسه على الرمال نحو المكان الذي وقف فيه جمعة عند حافة البحر.
كان جمعة ينادي بيترو أن يعود، ولكن الولد الصغير كان بعيدًا جدًّا، فلم يسمع تحذيره.
ولمَّا وصل مارك ورفقاؤه إلى الشاطئ، صرخوا جميعًا في صوتٍ واحد، قائلين: «أسرِع بالعودة يا بيترو! أسرِع! أسرِع!»
لمَّا سمع بيترو الصُّراخ، استدار نحو مصدره، وعندئذٍ رأى زعنفة سمكة القرش السوداء. لم تكن تبعُد عنه كثيرًا، فأخذ يرفع يدَيه خوفًا ورعبًا.
وقف مارك قلقًا وجلًا، وقال: «إنه في خطر، سأذهب لنجدته.» وخلَع قميصه بسرعة، وقفَز وسط الأمواج، وأخذ يَسْبح بقوة حتى اقترب من بيترو الذي كان يصرُخ مذعورًا، ويُلوِّح بذراعَيه.
رأى الواقفون على الشاطئ سمكة القرش تقترب شيئًا فشيئًا من بيترو، فقال جمعة: «أرجو أن يأتي الأستاذ جون مسرعًا بقذَّافته؛ فلن يستطيع مارك قتال سمكة القرش. إنه وبيترو في خطرٍ داهم. هيا بنا نصرُخ معًا بأعلى أصواتنا، عسى أن تخاف السمكة من الصراخ فتبتعد!»
وفي هذه اللحظات كانت سمكة القرش تحوم حول بيترو ليس بينه وبينها غير مسافةٍ قصيرة، ولم يُفزِعها صُراخ الأولاد. وكان مارك يقتربُ بسرعة من بيترو، ولكنه كان يقتربُ في الوقت نفسه من ذلك الوحش البحري.
في تلك الآونة جاء الأستاذ جون يجري مسرعًا فوق الرمال حتى بلغ الشاطئ، فقال جمعة: «أسرِع بربِّك يا سيدي! ستهجُم سمكة القرش على بيترو!»
فقال الأستاذ: «هدوءًا، هدوءًا!» ورفع بُندُقيَّتَه على كتفه، ولكنه سرعان ما خفَضَها ثانية، وقال: «من الصعب جدًّا إطلاق رصاصةٍ على السمكة. إنها قريبةٌ جدًّا من الولدَين، حتى إن الرصاص ليُصيبُهما كما يُصيب السمكة.»
ثم وصل مارك إلى بيترو وقد كَفَّ عن التلويح بذراعَيه. غير أن سمكة القرش كانت تَسْبح حولهما في دوائرَ تضيق باطِّراد، وعلى بُعدٍ قريبٍ جدًّا. وكانت ترفع أنفها القبيح فوق الماء في كل مرة تُواجهُهما. واستطاع الأولاد الواقفون على الشاطئ أن يرَوْا أنيابها الحادَّة القوية، بيضاء تلمع في ضوء الشمس.
اندفع القرش فجأةً نحو الولدَين يريد افتراسهما لقمةً سائغة، فبُهت الأستاذ جون والأولاد وهم واقفون على الشاطئ ذعرًا وفزعًا. ولم يكن في مقدورهم أن يفعلوا شيئًا أو يحرِّكوا ساكنًا، وهم يرَوْن أنياب القرش المُفزِعة تلمع وتبرق تحت وهج الشمس. وما هي إلا لحظةٌ حتى صار القرش فوق الولدَين، فإذا مارك يرفع يده … ولمع فيها شيءٌ هوى به على جنب سمكة القرش، فاستدارت فجأةً وابتعدَت عنهما تطلب النجاة.
انتهز الأستاذ جون فرصةَ ابتعاد السمكة عن الغلامَين قليلًا، فرفع قذَّافته إلى كتفه، وأطلق رصاصتَين متعاقبتَين.
غاصت سمكة القرش، بينما طفا مكانها بقعةٌ كبيرةٌ حمراء فوق سطح الماء.
فصاح جمعة: «لقد أصبتَها، يا أستاذي!»
قال: «أظنُّني فعلتُ ذلك … انظر! ها هي قد ظهرَت ثانية.» وأشار إلى مثلثٍ صغيرٍ أسود يتحرَّك بسرعة إلى عرض البحر، ثم أردف قائلًا: «اذهب، يا جمعة، وساعد مارك في إحضار بيترو إلى هنا.»
وثَب جمعة إلى الماء، وأخذ يَسْبح بقوة حتى بلغ مكانهما. وكان بيترو يرتجفُ من شدة الذعر. وما هي إلا بضعُ دقائقَ حتى عادوا جميعًا إلى الشاطئ سالمين.
فقال الأستاذ جون: «مرحى! مرحى! هذه بسالةٌ فذَّة، يا مارك، ولكن، كيف أبعَدتَ السمكة عندما اقتربَت منكما؟»
فرفع مارك يده ليُريَه ما فيها … كان بها سكين. ثم قال: «بينما كانت السمكة تدور حولنا، تذكَّرتُ أنني لا أزال مرتديًا سروالي، وكان بجيبه خنجر الكشَّافة، فاستلَلْتُه استعدادًا لما عساه يحدث. ولمَّا اقترب القرش منا، كانت يدي مرفوعة، فطعَنتُه بالخنجر، وأعتقد أنني جرحتُه. وعلى أية حال، تَركَنا وانصرف دون أن يمسَّنا بسوء، والحمد لله.»
فقال الأستاذ جون: «هذا عملٌ رائع! يا مارك! أحسنتَ التصرُّف، فنجوتَ أنت وصديقك. مِن حُسن الحظ أنك لم تخلَع سروالكَ قبل النزول إلى البحر!»
نظر مارك إلى بيترو وقد استلقى على الرمال منهوك القوى، وسأله بقوله: «أأنت بخير الآن يا بيترو؟»
فأجاب: «نعم: أشكرك أبلغَ الشكر وأعمقَه. وفي نفس الوقت أبدي أسفي لإزعاجكم.»
فقال مارك: «ماذا حدا بك أن تذهب للسباحة وحدك؟»
قال: «لم أكن أعرف أنَّ في ذلك خطرًا. وأنا نادمٌ على مخاطرتي هذه، ولن أكرِّرها مستقبلًا.»
علَّق الأستاذ جون على ذلك، بقوله: «ليكُن في هذا عبرةٌ ودرسٌ لكل فردٍ منكم، أيها الأشبال. لا يُخاطِرنَّ أحدُكم بنزول البحر وحده؛ فقد لا يلازمنا الحظ مرةً أخرى.»