نلسون يُهرَع لنجدة مارك
لم يعلم المهرِّبون أن هناك شاهدًا آخر.
فقد صحا نلسون من نومه قُبيل الواحدة بعد منتصف الليل، وتسلَّل خارجًا من المعسكر ليحلَّ محلَّ مارك في المراقبة عند الشاطئ. ولمَّا اقترب من مكان مارك رآه يُناضِل للإفلات من القبضة الحديدية التي أمسكَت به، ففكَّر بادئ ذي بدء في أن يذهب لمساعدته، ولكنه أدرك أنه من العبَث أن يشتبك في عراكٍ مع ثلاثةٍ من الرجال الأشداء الأقوياء؛ لذلك بقي ساكنًا بين الشجيرات حتى رآهم يحملون مارك والصناديق إلى السيارة. ورأى السيارة وتفحَّصَها، فإذا هي بعينها التي أشار إليها مارك عند ملعب كرة القدم. إنها سيارة زومبي!
ما كادت السيارة تتحرك حتى هُرع نلسون يعدُو بأسرعِ ما في وُسْعه إلى المعسكر، وأيقظ محمدًا بسرعة، قائلًا: «أي محمد! أي محمد! استيقِظ بسرعة! إن مارك في خطرٍ بالغ! أيقِظ بقية الفرقة!»
استيقظ محمد من نومه مذعورًا، وانطلق خارجًا من خيمته ليلتقي بنلسون يستفسر منه عن الخطب، ولكن هذا لم ينتظِرْه، بل أسرع ليُوقِظ الأستاذ جون.
كان الأستاذ جون نائمًا وحده في خيمةٍ صغيرة، وعندما صاح نلسون يناديه، هَبَّ من نَومه وأطَلَّ برأسه من بين ثنياتِ فتحة الخيمة، ليرى من الذي أيقظه.
فبادره نلسون بقوله: «قبَض المهرِّبون على مارك، يا أستاذي! وضرَبوه وحمَلوه معهم في سيارة، وأخشى أن يكونوا قتلوه.»
فصاح الأستاذ جون في دهشة: «مهرِّبون؟ ماذا تعني بهذا، يا نلسون؟»
أخبره نلسون في إيجازٍ بموضوع الكهف، وزومبي وقاربه وسيارته، وما رآه مارك، ثم قال: «لقد أحضَروا بعض الصناديق، هذه الليلة، وكان مارك على الشاطئ يراقب القارب، فقبَضوا عليه، وسيأخذونه إلى الكهف. لقد سمعتُهم يقولون هذا.»
وقف الأستاذ جون حائرًا مبهوتًا، وأخيرًا شرع يفكِّر في سرعة، وقال لنلسون: «اذهب وأيقِظ السائق ليُعِد السيارة في الحال، ثم أيقِظ عليًّا، ودَعْه يوقظ اثنَي عشر غلامًا أقوياء. سأكون مستعدًّا بعد لحظة.»
صدَع نلسون بالأمر، بينما ارتدى الأستاذ جون ملابسه. وما هي إلا لحظاتٌ حتى كان المعسكر كله كخلية نحل، فجرى الأولاد نصف عرايا، هنا وهناك، وأضيئَت المصابيح في كل ناحية، وكثُر اللغط، فلمَّا عرفوا أن عليًّا يريد اثنَي عشر صبيًّا من الأقوياء لنجدة مارك، تطوَّع الجميع للذهاب معه، ثم ظهَر الأستاذ جون وسط الضجيج يحمل قذَّافته، وقال: «اسمع، يا علي. إنني ذاهبُ إلى المدينة لإبلاغ الشرطة؛ فهذه مهمتُهم. لو كان ما قاله نلسون عن المهرِّبين حقيقة يجب أن يأتي الشرطة ويتولَّوا الأمر. سأعود سريعًا. أما أنت، فابقَ هنا لتتولى رئاسة الكشَّافة، وعند عودتي سأصحَبُك أنت والاثنَي عشر غلامًا، ونذهب جميعًا إلى الكهف لإنقاذ مارك.»
رَكِب الأستاذ جون سيارة المدرسة، وصَحِب معه نلسون، قائلًا: «تعالَ معي، يا نلسون! إنك شاهد عِيان، وتستطيع إخبار الشرطة بما رأيتَ. أسرِع بنا، يا سائق!»
ما كاد نلسون يركب السيارة حتى انطلقَت في طريقها إلى المدينة. وكانت على بُعد ثمانية أميال. وبينما كانت السيارة تنهَب الأرض نهبًا، جال بفكر نلسون أنه لم يَسبِق للسيارة أن جرت بهذه السرعة منذ اليوم الذي سرقَها فيه السائق القديم بمساعدته. وكان بمؤخر السيارة متعلقًا بأحد جوانبها ليتحاشى أن يُقذَف منها وهي تقفز في الطريق الوَعْر. وكانت المناظر على جانبَي الطريق تمُر كأشباحٍ سوداءَ وسط الظلام. وكاد نلسون يختنق من سُحُب الغُبار التي أثارَتْها العجلتان الخلفيَّتان.
سرعانَ ما وصلَت السيارة إلى المدينة، وأخذَت تسير في شوارعها المظلمة حتى وقفَت أمام مركز الشرطة، فنَزل منها الأستاذ جون في سرعة البَرق، ودخل مقَر الشرطة قفزًا، وهو يقول: «أريد مقابلة الضابط في الحال. إن الأمر خطيرٌ يتطلَّب السرعة البالغة.»
فقال الجندي: «سمعًا وطاعة، يا سيدي! سأذهَب وأوقِظُه في الحال.» ثم انصرف لتوِّه … وخُيِّل إلى الأستاذ جون أن الوقت يمُر بطيئًا متثاقلًا.
مرَّت لحظاتٌ ولحظات، وكان الأستاذ جون يَذْرع أرض الحجرة جيئةً وذهابًا قلقًا. ثم أشعَل لِفافة تبغ، ولكنه سرعانَ ما طوَّح بها من النافذة.
وأخيرًا سمع وَقْع أقدام تُسرِع الخطى. وعاد الجندي ومعه رجلٌ بملابس النوم، يقول: «ها أنا ذا، يا سيدي! أنا نائب مفتِّش الشرطة المكلَّف بالنوبة ليلًا. ماذا تريد؟»
بدأ الأستاذ جون يشرح الموقف، والرجل يقترب منه ليسمع ما يقوله، ثم قاطَعَه بقوله: «ما هذا؟ إنك الأستاذ جون … ألا تذكُرني، سيدي؟ إني محمود أحمد، أحد تلاميذك السابقين.»
فقال الأستاذ جون: «آه، لقد تذكَّرتُك تمامًا. إن الحظ يخدمنا بوجودك. لقد تأكَّدتُ الآن أنك ستُساعِدنا بكل ما في وُسْعك. لدينا بعضُ المهرِّبين ينبغي القبض عليهم، وتلميذٌ في خطر نريد إنقاذه من براثن أولئك المجرمين.»
بعد أن سمع الضابط موجَز القصة، أرسل جنديًّا ليجمع بعض رجال الشرطة، ثم قال: «اذهب، وأحضِر غلمانك في الحال، يا أستاذ جون. سأتبعُك في الحال. سنلتقي في الطريق إلى الكهف.»
قال: «حسن، وداعًا الآن!» ثم التفَت إلى نلسون وقال له: «فلنَعُد إلى المُعسكَر ثانية، يا نلسون.»
ما هي إلا ثوانٍ حتى كانت سيَّارة المدرسة تُسرِع إلى المعسكر. وفي أثناء الطريق، كان نلسون مشتَّت الفكر قلقًا على صديقه، يخشى أن يكون المهرِّبون قد أصابوه بسوء، وجال بفكره أنه كان يجب عليه أن يتدخَّل في العِراك ليُخلِّصه ساعة القبض عليه.
لم يستغرق الأستاذ جون ونلسون أكثر من نصف ساعة منذ أن غادرا المعسكر حتى رجعا إليه، فوجدا عليًّا ينتظرهما مع اثنَي عشر من الغلمان الأشدَّاء، بينما كان جميع أفراد الكشَّافة ينظرون إليهم وكلهم يودُّ لو تُتاح له فرصة الذهاب معهم.
فقال الأستاذ جون: «هل أحضَرتَ عِصِيًّا لتُقاتلوا بها، يا علي؟»
قال: «نعم، يا سيدي! إننا على أتم استعدادٍ لمقاتلة جيشٍ بأكمله.»
قال: «حسن! هيا، اركبوا، أخشى ألا تتسع السيارة لنا جميعًا.»
ما إن رَكِب الأولاد في الجزء الخلفي من السيارة حتى انطلقَت بهم في الطريق المؤدِّي إلى الكهف. أما نلسون والأستاذ جون فرَكِبا بجانب السائق. وفى وسط الطريق، صاح نلسون في أذن الأستاذ جون، حتى يطغى صوتُه على صوت السيارة، قائلًا: «ألا تعتقد، يا سيدي. أنه خيرٌ لنا أن نسير بغير أضواء حتى لا يُبصِرَنا المهرِّبون فيُفلِتوا منا؟»
قال: «هذه فكرةٌ طيبة، يا نلسون! لم تخطر ببالي من قبلُ … أطفِئ الأنوار، يا سائق.»
كان عليهم، إذن، أن يسيروا في بطءٍ بغير ضوء، وإلا سقطَت السيارة في حفرة، فالرؤية متعذِّرة وسط هذا الظلام. وكان هذا أكثر راحةً لهم.
وصل الجمع أخيرًا إلى المكان الذي تَركَت فيه سيارة المهرِّبين الطريق العام متجهةً نحو الكهف، فأمر الأستاذ جون السائق بالوقوف، ثم سأل عليًّا بقوله: «ألا ترى ما يدُل على قدوم الشرطة، يا علي؟»
قال: «كلا، يا سيدي! لا أسمع ولا أرى شيئًا.»
فقال الأستاذ جون: «إذن فلنستَمر في خطَّتنا بدونهم؛ لأننا لا نريد أن يغادر المهرِّبون الكهف قبل وصولنا إليه.»
أمَر الأستاذ جون فرقتَه بالنزول من السيارة، ثم قال لهم: «يجب أن نذهب إلى الكهف سيرًا على الأقدام لئلا يسمَع المهرِّبون صوت السيارة.» ثم التفَت إلى علي، وقال له: «يجب أن يبقى هنا غلامٌ ليُخبِر الشرطة بما فعلناه … خذ نصف الأولاد، وأنا آخذ النصف الآخر.»
فقال علي: «كما تريد، يا سيدي!»
قال: «سأتقدَّم مع فرقتي، وعندما نقترب من الكهف، سأدور إلى يمينه، بينما تدور أنت إلى يساره، حتى تُحيط بالكهف من كل جانب.»
قال: «سمعًا وطاعة، يا سيدي! قد فهمتُ كل ما تقصِد. أيَّ الأولاد ستأخذ معك؟»
قال: «سآخذ نلسون ومحمدًا وأربعةً آخرين.»
انقسم الأولاد فرقتَين، وساروا في هدوء في الطريق الوَعْر المؤدِّي إلى الكهف.