مارك سجين الكهف
عندما بلغَت سيارة زومبي الكهف، كان مارك لا يزال فاقد الوعي، فحمَله الرجلان من السيارة ودخلا به الكهف، وألقَياه في القاع على الأرض؛ حيث تركاه فترةً من الوقت، وأخذا يتحدَّثان في همس، ثم جاء الرجل البدين (زومبي)، فرَشَّ قليلًا من الماء على وجه مارك، وركلَه في جنبه بحذائه الضخم.
ففتَح مارك عينَيه ببطء وهو يئن في ضعفٍ من شدة الألم. ولم يعرف أول الأمر أين هو. كان يظُن أنه نائم في المدرسة، ولكن رأسه كان يؤلمه ألمًا مُبرِّحًا، وأحَسَّ بأنه مريضٌ حتمًا، فغَمضَ عينَيه ثانية. بيد أن صوتًا خشنًا رَنَّ في أذنَيه، يقول: «استيقِظ، أيها اللعين!»
ففتَح عينَيه ثانية، فرأى رجلًا بدينًا قبَّح الله خلقتَه، يقف أمامه مقطب الجبين، يكاد الشرر يتطاير من عينَيه، فخُيل إليه أنه يرى أحدَ زبانية جهنَّم، ثم ما لبِث أن تبيَّنه تمامًا، فإذا هو زومبي بفظاظته ودمامته … وعندئذٍ تذكَّر كل ما حدث. حاوَل أن يجلس، ولكنه كان موثقًا بالحبال. وقد أمكَنَه أن يرى الكثير مما حوله، فأدرك أنه في الكهف.
وسأله زومبي بخشونة: «لماذا كنتَ تُراقبنا عند شاطئ البحر؟»
أغمَض مارك عينَيه ليفكِّر في عُذرٍ يُجيب به، ولكن رأسه كاد أن ينشَق من شدة الألم، وكان مثقلًا جدًّا كما لو كان محشوًّا بالرصاص.
فأعاد زومبي سؤاله من جديد، ولكن بصوتٍ يتجلى فيه التهديد والصرامة: «أخبرني، لماذا كنتَ هناك؟ هل كان معك أحد؟» وركلَه بقدمه ركلةً قوية زادت من آلامه.
فأجاب في ضعف: «كلَّا! لم يكن معي أي فرد … كنتُ وحدي!» وفجأةً طرأَت على خاطره فكرةٌ يعتذر بها عن وجوده عند الشاطئ، فقال: «كنتُ وحدي … ذهبتُ إلى هناك لأنني كنتُ متوعِّك المزاج، فأردتُ أن أتجوَّل قليلًا تحت الأشجار وعلى شاطئ البحر. إنني أعيش مع عمي في المدينة.»
ضحك زومبي ملء شدقَيه، وقال: «هل هذا كل ما هناك؟ حسَن، ستتعلم من هذا ألا تخرج ليلًا … ولكن يجب أن تبقَى معنا الآن هنا، حتى ننظُرَ في أمرك.»
ألقى زومبي نظرة ازدراءٍ إلى مارك، وركلَه، ثم تركَه وانصرَف إلى زميلَيه، وقال لهما: «لا خطر علينا من هذا الغلام. لم يكن له شركاء. إنه مجرد لهو الصبيان. هيا بنا نتناول شيئًا من الطعام قبل أن ننقل الصناديق؛ فإن الجوع يقضِم أحشائي.»
رفع مارك رأسه، فرأى الرجال يجلسون ليُصيبوا كفايتهم من الطعام، وكان زومبي يأكل بنهم كأنما يأكل آخر زاده، ويُقهقِه بين الآونة والأخرى وهم يتبادلون النكات، فبقي مارك ساكنًا لا يتحرَّك، وأخذ يفكِّر في وسيلةٍ للهرب. غير أن الحبال كانت مشدودةً بقوة حول يدَيه ورجلَيه، فبدا له أنْ لا أمل في خلاصه، فترك أمره إلى الله يتولاه برحمته.
وحرَّك رأسه وهو مُلقًى على الأرض ليُخفِّف من حدة الألم، فإذا به يُحِس شيئًا في جدار الكهف يخدش خدَّه، فتحرَّك قليلًا حتى أمكَنه أن يلمسَه بلسانه؛ كان قطعةَ صخرٍ ناتئةً حادَّة في الحائط. فعاوَدَه الشعور بالأمل، وقال لنفسه: «إذا كان الصخر حادًّا حتى إنه كاد يجرح خدِّي، فهو صالح لقطع الحبل.»
أخذ يتحرَّك بحذَر حتى لا يسمَعَه الرجال، إلى أن صارت ذراعاه أمام حافة الصخر الحادَّة، ثم طَفِق يحرِّك ذراعَيه إلى الأمام وإلى الخلف، والصخر يحزُّ في الحبل. كان ذلك عملًا بطيئًا جعل ذراعَيه تؤلِمَانه أيما إيلام. ولكنه كان يُحِس بأن الحبل ينقطع. وبعد جهدٍ جهيد فُكَّت ذراعاه من اليدَين إلى المِرفقَين.
ثم بدأ الصبي يحلُّ الحبلَ الملتفَّ حول الجزء العلوي من ذراعَيه. وقد ركَّز عينَيه طول الوقت على الرجال ليرى ما إذا كانوا قد تنبَّهوا إلى محاولته. وسرعان ما خلَّص ذراعَيه تمامًا، فلم يَبقَ إلا أن يفك قيود رجلَيه بعد ذلك … وأخيرًا تخلَّص تمامًا من وثاقه؛ فكل ما يجب عليه فعلُه لينجو هو أن يخرُج من الكهف دون أن يفطن إليه الرجال. بيد أنهم كانوا جالسين عند مدخل الكهف، ويتعذَّر الخروج أمامهم.
فبقي راقدًا على الأرض يراقب المهرِّبين عسى أن تسنح فرصةٌ لنجاته. كان يراهم كأشباحٍ عند المدخل في الضوء الخافت المنبعث من لفائف التبغ التي كانوا يدخِّنونها. وبعد فترةٍ وجيزة نهَضوا من أماكنهم، فتنَفَّس الصُّعَداء، ولكنه سمع ما جعل الدم يتجمَّد في عروقه. سمع صوت زومبي يقول لمساعديه: «يجب أن نبدأ بنقل الصناديق من السيارة إلى الكهف، ثم نتخلص من هذا الصبي. لا يمكن أن نتركه ينصرفُ من هنا فيُذيع بين الملأ ما رآه، ويُخبر كل فرد بأمر الكهف.»
فأيقن مارك أن زومبي يُزمِع قتلَه حتى لا يعرفَ الناسُ عنه شيئًا. يجب أن يهرُب في الحال. إنها مسألة حياة أو موت!