إغارة الكشَّافة
مَدَّ نلسون يدَه في الظلام فأمسَكَ بشيءٍ طري، فهمَس قائلًا: «أهذا أنت يا أستاذ جون؟»
فأجاب: «نعم، أو على الأصح سراويلي! هل بقية الفريق معك؟»
– «نعم، يا سيدي، هذا جمعة خلفي يُمسِك بقميصي، ووراءه محمد … كلنا هنا.»
كان تسلُّق التل الوَعْر المسالك في الظلمة الحالكة أمرًا شاقًّا. وكثيرًا ما كان الأولاد يتعثَّرون في الأحجار، ويقَعون في الحُفَر، ويسقُطون على الصخور. كما كان عليهم أن يتوقَّفوا بين الحين والحين حتى يلحَق بهم مَن خَلفَهم لئلا يَضِلوا الطريق.
وبعد فترة من الزحف الشاق، قال الأستاذ جون: «أظنُّنا قد اقتربنا من الكهف. هلُم إليَّ، يا محمد؛ فأنت تعرف المكان تمامًا، وقد رأيتَ الكهفَ من قبلُ.»
ذهب محمد إلى أستاذه، وأخذ يحدِّق النظر فيما حوله خلال الظلام الكثيف، ثم قال: «نعم، لقد اقتربنا جدًّا، يا سيدي!»
فقال الأستاذ: «إذن تقدَّم أمامي، وأرشِدْنا إلى الطريق!»
شرع طابور الأولاد يزحف في بطء وهدوء أكثر من ذي قبل، وسط الليل البهيم، كأنه أفعى بالغة الطول. وكانت ضرباتُ قلب كل فردٍ منهم تزداد شدة وهم يفكِّرون في الموقف الذي سيواجهُهم بعد لحظاتٍ عند الكهف … وتحسَّس نلسون عصاه، وأمسكها من طرَفها استعدادًا للعمل؛ إذ كان ينوي أن يكون أول من يهجُم على الرجال الذين ضرَبوا صديقه مارك أمام سمعه وبصره. وخشي الأستاذ جون أن يكون عليٌّ وفرقتُه قد ضلوا الطريق، كما خشي ألا يحضُر رجال الشرطة في الوقت المناسب، فقرَّر ألا ينتظرهم، بل يهجُم ويقبِض على المهرِّبين في أثناء قيامهم بعملهم. وفضلًا عن هذا، فإن أشدَّ ما كان يُقلِق باله خوفُه من أن يصيبوا مارك بسوء.
وبينما كان أحد الغلمان يتحسَّس طريقه وسط الظلام الدامس، داس قطعةً من حجر كانت تسند أخرى، فتدَحرجَت هذه، وسقطَت محدثةً دويًّا في سكون الليل المُطبِق، فتوقَّفَت الفرقة كلها لترى وَقْع ذلك الصوت على المهرِّبين، ولكن لم يبدُ ما يُنذِر بالخطر من أعلى، فاستأنفوا المسير.
وأخيرًا وقف محمد خلف صخرةٍ كبيرة، وجذب الأستاذ جون من مِدرَعته (جاكتته) ليأتي إلى جانبه، ثم همَس في أذنه قائلًا: «لقد وصلنا. انظر إلى قمة هذه الصخرة تُبصِر الكهف فوقنا مباشرة.»
رفع الأستاذ جون رأسه بحذَر، ونظر أعلى الصخرة، وأخذ يُمعِن النظر حتى استطاع أن يرى حدود الكهف رغم الظلام الرهيب، وعلى مسافةٍ قريبة منه كانت تقف سيارةٌ لم يتبيَّنها تمامًا. وبينما هو ينظر إلى الكهف رأى أشباحًا سوداء تتحرَّك جيئةً وذهابًا بين السيارة والكهف. وسمع صوت شيءٍ ثقيل يُجر فوق الأرض، فخفَض رأسه، واستَتَر خلف الصخرة ثانية، وهمس في أذن نلسون يقول له: «أريد منك أن تَصْحب معك غلامَين وتذهبوا إلى يمين الكهف. وسأنتظر أنا مع ثلاثة أولاد هنا. أفهمتَ ما أقصد؟»
فردَّ هامسًا: «نعم، يا سيدي! وماذا نفعل عندما نصل إلى هناك؟»
قال: «عندما تصلون. انفُخ في صَفَّارتك عاليًا، فننقَض جميعًا، فريقك وفريقي، ونهجُم على المهرِّبين في وقتٍ واحد.»
– «حسَن! يا سيدي.» ثم اختار غلامَين، وساروا في الظلام صوب الكهف.
أخذ الأولاد يزحفون في هدوء وحذَر، حتى بلغوا الكهف، فوقفوا عن يمينه. بينما كان الأستاذ جون وفريقه ينتظرون خلف الصخرة … فمرَّت لحظاتٌ طِوال ولم تنطلق صَفَّارة نلسون …!
وهمَس الأستاذ جون يخاطب من معه من الغلمان: «أأنتم على استعداد؟ ستنطلق صَفَّارة نلسون بين آونة وأخرى.» … فأمسك الأولاد بهِراواتهم، وانتظروا سماع الصفَّارة لينقَضُّوا على المجرمين.