اختفاء البطاطين
اعتزَم نلسون أن يسهر تلك الليلة في المطبخ، بيد أن النعاس غلبه فنام ملء جفنَيه. لقد كانت ليلةً هادئة لم يقُضَّ مَضجعَه فيها أحد، ولم يأتِ اللص فيُقلِق راحتَه وينغِّص عليه نومتَه. وعندما أشرقَت تباشير الصباح استيقظ من نومه، فاستحَم، وارتدى ملابسه، وتناول طعام الإفطار كعادته، وذهب إلى فصله. ومضى اليوم المدرسي كالعادة، حتى انتصف النهار وتناول التلاميذ غذاءهم، ثم ذهبوا إلى حجرات النوم ليستريحوا ويتجاذبوا أطراف الحديث.
ذهب محمدٌ الصومالي ليستلقي على سريره، ولكنه ما إن بلغَه حتى صاح غاضبًا: «ربَّاه! مَن الذي أخذ بطانيَّتي؟»
ثم صاح حسين يتساءل في استنكار: «أتعني من الذي أخذ بطانيتي أنا؟ — لقد اختفت هي الأخرى.»
وعندئذٍ هُرع كل تلميذ إلى سريره يبحث عن بطانيَّته، وكلٌّ منهم يتوقَّع ضَياعَها. وعلَت الأصوات، وسَرَت موجةٌ من الذعر والغضب بين التلاميذ … لقد اختفت عدة بطاطين. وصاح كثيرٌ منهم يتساءل عن بطانيَّته … ويريد أن يطلب الشرطة، واندفَع كل واحدٍ من الذين فقَدوا بطاطينهم في هَرْج يبحث بجنون في بقية الأسرَّة، ويُمسِك بكل بطانيةٍ يفحصها علَّه يجد عليها رقمه الخاص أو علامته، ولكن دون جَدْوى. وسرعانَ ما تناثَرَت الوسائد والبطاطين والملاءات في كل نواحي حجرات النوم، وساد الهَرْج، وقامت المشاحنات بين التلاميذ. وأخذوا يتنازعون على البطاطين الباقية … كلٌّ يدَّعي أنها له. وعندما ساد الهدوء بينهم مرةً أخرى … تبيَّن أن ستَّ بطانياتٍ قد فُقدَت … فجرى مارك، رائد حجرات النوم، إلى الأستاذ جون يُبلغُه بما حدث، فوجده بحجرته مستلقيًا على مقعدٍ وثير، يقرأ كتابًا، فقال له: «أتأذن لي بالدخول، يا سيدي؟ إن الأمر جِدُّ هام.» ووقف خارج الباب ينتظر أمر أستاذه.
قال الأستاذ جون: «ادخل. ماذا وراءك؟ هل اختفى الطعام كله؟» ثم وضَع الكتاب جانبًا، وتفرَّس في وجه مارك علَّه يَستشِف منه حقيقة الأمر.
– «ليس الطعام هو الذي سُرق اليوم، يا سيدي. إنها البطاطين … سُرقَت ستُّ بطانياتٍ من فوق أسرَّتنا ونحن بالفصول.»
وثَب الأستاذ جون من فوق كُرسيِّه وقد تملَّكَته الدهشة، وحملَق في تلميذه، وقال: «ماذا تقول، يا مارك؟ سُرقَت البطاطين؟ هذا أمرٌ لا يُحتمَل. إنها جُرأةٌ بالغة. تبًّا لذلك الوغد الدنيء! يسرق الفول بالأمس، ثم يعودُ اليومَ فيسرقُ ست بطانياتٍ من حجرات النوم! إن الأمور تتطور من سيئ إلى أسوأ. تعالَ معي إلى الناظر.»
وبينما هما في طريقهما إلى مكتب الناظر، قابلا عليًّا وقد وقف يُنصِت إلى شكوى الأولاد الذين سُرقَت بطانيَّاتهم، فأخذه الأستاذ جون معه.
كان الأستاذ بون جالسًا في حجرته، مشغولًا بكتابة خطاب، وفي فمه لِفافة تبغ، فلما استأذن الثلاثة في الدخول، وضَع القلم، وأخذ يُصغي إلى قصة مارك عن سرقة البطاطين، فصمَت بُرهةً والدماء تغلي في عُروقه؛ إذ أحَسَّ بالهزيمة أمام لصٍّ جريءٍ مجهول، ثم قال: «لا بُد أنها سُرقَت وأنتم جميعًا بالفصول. من ذلك اللص الحقير؟ … اذهب الآن يا علي، ودُق الجرس لاستدعاء التلاميذ، وليقف كل واحد، في الحال، بجانب سريره. وأنت يا أستاذ جون … فلتأتِ معي.»
لم تَمضِ غير دقيقتَين على دَق الجرس حتى كان كل تلميذٍ في حجرة نومه، ثم بدأ بون التفتيش، وقال: «أرجو يا أستاذ جون، ألا يترك أي تلميذٍ مكانه حتى أنتهيَ من عملي. سأبحث جيدًا في صندوق كل واحدٍ منهم.»
أتَم الأستاذ بون دورتَه في هدوء، ففتَّش أمتعة كل طالب، وفحَص كل بطانية بعناية، ثم قال: «لا أثر للبطاطين المختفية هنا. يجب أن نبحَث بدقة. سننظر في كل مكانٍ يُحتمَل أن تكون مخبأةً فيها. لن نترك بقعةً حتى نبحث فيها.» ثم التفَت إلى علي، وقال: «يجب أن يبقى الأولاد في حجرات النوم، يا علي!»
ظل الناظر والأستاذ جون يفتِّشان في كل المواضع. في أَصوِنة حُجرات الدراسة، وفي القماطر (الأدراج)، وخلف الأبواب، وفي المعمل والمطبخ ومخزن المؤن، وحتى في حجرات المدرِّسين ومكتب الإدارة. بَيْد أنهما لم يعثُرا للبطاطين على أثَر. وبعد الانتهاء من التفتيش، قال الأستاذ جون: «ما من شكٍّ في أن السارق من خارج المدرسة.»
فأجاب الناظر: «نعم. يُخيَّل إليَّ أنك على حق. ومع ذلك، فلا فائدة من التحدُّث في شيء لا جدوى منه. دُقَّ جرس الدخول إلى حُجرات الدراسة.»
عندما سمع الأولاد صوتَ الجرَس، غادروا حُجرات النوم، وشُعورٌ بالاضطراب ينتابهم، وقد أخذوا يتناقشون في أمر السرقة، وراح بعضهم يتكهَّن بما سيُسرق بعد ذلك. أما الذين سُرقَت بطانيَّاتهم، فقد غمَرهم السرور لضَياع نصف ساعةٍ من الحصة.