ابحثوا عن نلسون
نظر الأستاذ بون إلى محمد وهو يبكي، وجسمُه الصغير ممدودٌ فوق السرير، فحار في تفسير سبب ذلك البكاء، وأخذ يقول في نفسه: إن نلسون من خير رُوَّاد الفصول بمدرستي، ولا يمكن أن يعتَديَ على محمد بهذه الصورة الوحشية بغير دافعٍ قوي. ثم جال بفكره موضوعُ السرقات التي حدثَت في الأسبوع الماضي. أيمكن أن يكون لمحمدٍ يدٌ فيها؛ ولذلك قام نلسون من تلقاء نفسه، بمعاقبته؟ ربما ضرب نلسون محمدًا، ثم خشي عاقبة فعلتِه فهرب … ثم نظر إلى محمد وقال: «هل هناك علاقة بين السرقات وبين الاعتداء عليك؟»
عندما سمع محمد هذا السؤال أدار رأسه متعجبًا، ونظر في عينَي الأستاذ بون مباشرة، فلمَح هذا في عينَيه أمارات الخوف والارتياح ممزوجةً معًا.
في تلك الآونة قال الأستاذ بون لنفسه: «لقد أتى هذا السؤال بالغرض الذي أبغيه. إنني أقترب الآن من الحقيقة.» ثم قال بصوتٍ مرتفع: «لا تُحاوِل الإنكار يا محمد. إن عينَيك تقولان لي إن للاعتداء علاقةً بالسرقات، فما هي تلك العلاقة؟ وماذا كان دورك في هذه السرقات؟»
أخذ محمد ينتحب بصوتٍ مسموع، ثم قال: «نعم، يا سيدي! إنك على حق. لقد ضربني بسبب السرقات. ضربَني لأني عرَفتُ عنها بعض الشيء.»
– «ماذا عرَفْت؟» … ولمَّا لم يُجب محمد بشيء، سأله الناظر قائلًا: «أكنتَ تُساعِد اللص؟»
ما إن سمع محمد هذا السؤال حتى استوى جالسًا في السرير، وقال: «كلا، يا سيدي! لستُ أنا الذي ساعد اللص، بل هو نلسون.»
فصاح الناظر في دهشة: «نلسون!»
– «نعم، يا سيدي. عرفتُ أن له علاقةً بالسرقات، فضربني ليمنعني من الإفضاء بما أعلمُه إلى أحد.»
نظر الأستاذ بون مليًّا إلى محمد، فوجَّه هذا بصره إلى عينَي الناظر تمامًا، فقال الناظر في نفسه: «إن الصبي يقول الصدق الآن.» ثم خاطب محمدًا بقوله: «أخبرني بقصة نلسون يا محمد.»
كفَّ محمدٌ عن البكاء، وأخذ يتكلم بطلاقة وبوضوح، فقال: «أتتذكَّر، يا سيدي، الليلة التي باتها نلسون في المطبخ، ليراقب اللص؟ لقد وجدتُ من الغريب أن تنقطع سرقة الطعام منذ تلك الليلة. وفي الصباح التالي الذي سُرقَت فيه البطاطين، رأيتُ نلسون يتسلَّل إلى حجرة نومنا، وهي الحجرة التي سُرقَت منها البطاطين. إنها ليست حجرة نومه، ولم يتعوَّد دخولها من قبلُ، ثم في مباراة كرة القدم يوم الخميس، لعلك تذكُر، يا سيدي، أن نلسون قذف الكرة بعنف إلى الأحراج ليتعذَّر العثور عليها. وبينما كان معظم التلاميذ يبحثون عنها، أبصرتُه يتسلَّل بسرعةٍ خارج الملعب ويتجه نحو المدرسة. وبعد ذلك مباشرةً سمعت، سيادتك، صوت سيارة المدرسة، فظننتُ أنه لا بد أن يكون نلسون هو الذي خرج بالسيارة.»
كان الناظر يستمع إلى محمد وقد ملأَت الدهشة قلبه لكل تلك الأحداث، ثم قال: «أتقصد أنه قذف الكرة عمدًا إلى داخل الأحراج حتى يشغل كل فرد في البحث عنها، وعندئذٍ يستطيع الخروج لسرقة سيارة المدرسة دون أن يراه أحد؟»
– «نعم يا سيدي. هذا ما أقصده.»
فقال الناظر: «ولماذا لم تُخبِر أحدًا بشكوكك؟»
قال: «كنتُ على وشك الإفضاء بها إلى الأستاذ جون، ولكني رغبتُ في أن أعطي نلسون فرصةً ليعترف بكل شيء، فنصحتُه في مساء هذا اليوم، وأخبرتُه بما لاحظتُه، وكنا في المعمل، فما كان منه إلا أن ضربَني بعنف، وفعل بي كما سمِعْت.»
ارتسم الارتياح على وجه الناظر، وقال: «فهِمتُ كل شيء الآن. يبدو أنك خدمتَنا في معرفة المجرم الأثيم، لقد أحسنتَ صنعًا، يا محمد، يجب أن أنصرف لأدبِّر مسألة البحث عن نلسون، أما أنت، فابقَ هنا واسترِح.»
أسرع الأستاذ بون بالخروج من غرفة المرضى تاركًا محمدًا متدثرًا ببطانية، وقد ارتاح ضميرُه بعد أن أفضى إلى الناظر بما كان يُقلِق باله ويشغَل خاطره. وبينما كان الأستاذ بون متجهًا إلى مكتبه التقى بالأستاذ جون، فسأله: «هل من خبر عن نلسون؟»
– «كلا، يا سيدي! لقد اختفى تمامًا كأنما انشقَّت الأرض وابتلَعَته. بحث الأولاد عنه في كل المنطقة المحيطة بالمدرسة، دون جدوى. وما من أحدٍ رآه في هذا المساء. كما أن الوقت الآن ليل، ولا يُمكِن اقتفاء آثار أقدامه إن عُرفَت.»
فقال الأستاذ بون: «يجب أن نعثُر عليه. يبدو أنه هو اللص الذي نبحث عنه.» ثم أخبره بكل ما علِم من محمد.
– «إذن، فالتهمة خطيرةٌ ضده. لا أكاد أصدِّق أن نلسون يمكن أن يفعل هذا، رغم كل ما حدث! آه … نسيتُ أن أخبِرك أن مارك عثَر بعد ظُهر هذا اليوم على دليلٍ قد يُوصلُنا إلى معرفة مَن كان يسوق سيارة المدرسة عند محاولة سرقتها.»
ثم قَصَّ عليه موضوع آثار الأقدام، وقطعة المنسوج المنزوعة من القميص.
فقال الناظر: «هذه معلوماتٌ قيِّمة ولا شك. سنرى إن كان لدى نلسون حذاءٌ ينطبق نعلُه وآثار الأقدام، وقميصٌ ممزَّق يُخفيه في مكانٍ ما، من نفس نوع قطعة القماش. وبهذه المناسبة هل رأيتَ السائقَ وقت أن هرب تاركًا السيارة؟»
قال: «نعم، كان قصيرًا أسمَر اللون. وهذان الوصفان ينطبقان على نلسون.»
– «إذن فلا بد أنه أسرع بالخروج من الملعب ليذهب إلى الحظيرة، فهل كان السائق الذي رأيتَه، يا أستاذ جون، يرتدي قميص اللعب؟»
– «كلا، يا سيدي. لا بد أنه بدَّل هذا القميص أيضًا.»
– «وهل كان نلسون حاضرًا عند نداء الأسماء يوم الخميس؟»
– «نعم، رأيتُه هناك … لقد تأخَّرنا، بطبيعة الحال، في نداء الأسماء ذلك المساء بسبب محاولة السرقة التي حدثَت. إذن فقد كان أمامه متَّسَع من الوقت يكفي لأن يعود من المكان الذي ترك فيه السيارة.»
فقال الناظر: «يبدو أن الدليل كافٍ جدًّا، والآن كل ما يجب علينا أن نعثُر على نلسون. اذهب إلى القرية، وحاول أن تعرفَ ما إذا كان هناك مَن رآه، اصطحِب معك عليًّا ليساعدك، أما أنا فسأذهب بسيارتي إلى المدينة لأستعلم وأبحث عنه هناك. يحسُن أن يُرافقَني أحد الروَّاد. إن مارك شابٌّ ذكي، أخبِره بأن يستعد للمجيء معي.»