٣٠
ينام الطفل بعمق، وحين يستيقظ يكون من الواضح أن بصره ما زال متأثرًا. يصف أشعة من النور الأخضر تمُر في مجال رؤيته، شلَّالات من النجوم. وبعيدًا عن الشعور بالضيق، يبدو الولد مفتونًا بهذه الظواهر.
يطرق على باب السنيورة روبلز. يقول لها: «تعرضنا لحادثة في الليلة الماضية. ابنُنا يحتاج إلى طبيب. أين أقربُ مستشفى؟»
– «نوفيلا. يمكن الاتصال بالإسعاف، لكنها تأتي من نوفيلا. من الأسرع أن تأخذه بنفسك.»
– «نوفيلا بعيدة تمامًا. ألا يُوجَد طبيب بالقرب من هنا؟»
– «كان يلعب بمادةٍ قابلة للاشتعال. اشتعلَت وأفقدَه الوهجُ بصرَه. اعتقدنا أن بصره سيعودُ في أثناء الليل لكنه لم يعُد.»
تُنقنِق السنيورة روبلز بتعاطف. تقول: «لآتِ وأُلقِ نظرة.»
يجدان إيناس مستعدةً للذهاب. الولد يجلس على السرير، يرتدي العباءة السوداء، وعيناه مغلقتان، وابتسامةُ انشداه على وجهه.
يُعلِن: «تقول السنيورة روبلز إن هناك طبيبًا على بُعد ساعة بالسيارة من هنا.»
تركع السنيورة روبلز بثبات أمام الولد. «يا حبيبي، يقول أبوك إنك لا تستطيع أن ترى. هل هذا صحيح؟ ألا تستطيع أن تراني؟»
يفتح الولد عينَيه. يقول: «أستطيع أن أراك. تخرج من رأسك نجوم. إذا أغلقتُ عيني» — يُغلِق عينَيه — «أستطيع الطيران. أستطيع رؤية العالم كله.»
تقول السنيورة روبلز: «مدهش أن تستطيع رؤية العالم كله. هل تستطيع رؤية أختي؟ تعيش في مرجيليس، قُرب نوفيلا. اسمها ريتا. تُشبهُني، لكنها أصغرُ وأجمل.»
يقطِّب الولد ويركز. يقول في النهاية: «لا أستطيع أن أراها. يدي تؤلمني جدًّا.»
يوضِّح سيمون: «احترقَت أصابعه الليلة الماضية. كنتُ سأذهب إليكِ وأطلب منكِ بعض الزبدة لأضعها على الحرق، لكن الوقت كان متأخرًا جدًّا ولم أرغب في إيقاظك.»
– «سأُحضِر الزبدة. هل جرَّبتَ أن تغسلَ عينَيه بالملح؟»
– «إنه عمًى من النوع الذي يصيب المرء حين ينظر إلى الشمس. الملح لن يفيد. يا إيناس، هل نحن مستعدون للمغادرة؟ سنيورة، بكم ندين لك؟»
– «خمسة ريالات مقابل الكابينة وريالَين مقابل المؤن في الليلة الماضية. هل ترغب في بعض القهوة قبل المغادرة؟»
– «شكرًا لك، لكن ليس لدينا وقت.»
يأخذ يدَ الولد، لكن الولد يتخلص منه. يقول: «لا أريد أن أذهب. أريد أن أبقى هنا.»
– «لا يمكن أن نبقى. نحتاج إلى طبيب وتحتاج السنيورة روبلز إلى تنظيف الكابينة لزوارها القادمين.»
يطوي الولد ذراعَيه بإحكام، ويرفُض أن يتزحزح.
تقول السنيورة روبلز: «سأقول لك ماذا. اذهَب إلى الطبيب وفي طريق عودتِك أنت ووالدَيك يمكن أن تأتي وتقيم معي مرةً أخرى.»
– «ليسا والديَّ ولن نعود. نحن ذاهبون إلى الحياة الجديدة. هل تأتين معنا إلى الحياة الجديدة؟»
– «أنا؟ لا أعتقد ذلك، يا حبيبي. لطيفٌ منك أن تدعوني، لكن لديَّ أشياء كثيرة جدًّا أقوم بها هنا، وعلى أية حال أُصاب بدُوار في السيارات. أين ستجدون هذه الحياة الجديدة؟»
تهزُّ السنيورة روبلز رأسَها بارتياب. «لا أعتقد أنكم ستجدون الكثير من الحياة الجديدة في إستريليتا. لديَّ أصدقاءُ انتقلوا إلى هناك، ويقولون إنه أكثر مكانٍ مُمِل في العالم.»
تتدخَّل إيناس. تأمُر الولد: «هيا. إذا لم تأتِ فسأُضطَر إلى حملك. سأعُد إلى ثلاثة. واحد. اثنان. ثلاثة.»
بدون كلمة ينهَض الولد، يرفع ذيل عباءته، ويمشي بتثاقُل في الطريق إلى السيارة. متجهمًا يأخذ مكانه في المقعد الخلفي. ويقفزُ الكلب في السيارة بعدَه بسهولة.
تقول السنيورة روبلز: «ها هي الزبدة. ادهنها على الأصابع المصابة ولُفَّ منديلًا حولها. وسيخفُّ الحرقُ بسرعة. أيضًا، ها هي نظَّارةٌ سوداء لم يعُد زوجي يلبَسُها. البَسْها حتى تتحسَّن عيناك.»
تُلبِس الولدَ النظَّارة. إنها كبيرةٌ جدًّا، لكنه لا يخلعُها. يودعونها ويأخذون الطريق إلى الشمال.
يُلاحِظ: «لا ينبغي أن تُخبِر الناسَ بأننا لسنا والدَيك. أولًا، هذا غيرُ صحيح. وثانيًا، قد يعتقدون أننا نخطفُك.»
– «لا أهتم. لا أحبُّ إيناس. لا أحبُّك. أحبُّ الأخوَّة فقط. أريد أن يكون لي أخوَّة.»
تقول إيناس: «مزاجك سيِّئ اليوم.»
لا يهتَم الولد. من خلال النظَّارة السوداء التي قدَّمَتها له السنيورة يحدِّق في الشمس، وقد أشرقَت تمامًا الآن فوق خط الجبال الزرقاء البعيدة.
تظهَر لوحة على الطريق: إستريليتا الشمالية ٤٧٥كم، نويفا إسبيرانسا ٥٠كم. يقف بجوار اللوحة شخصٌ يتنقل بالأتوستوب، شابٌّ يرتدي معطفًا أخضر زيتونيًّا وحقيبةَ ظَهر عند قدمَيه، يبدو وحيدًا جدًّا في المشهد الطبيعي الخالي. يُبطِئ.
تقول إيناس: «ماذا تفعل؟ ليس لدينا وقتٌ لالتقاط غرباء.»
يقول الولد: «نلتقط من؟»
في المرآة الخلفية يرى الشخص الذي يتنقل بالأتوستوب يُهروِل باتجاه السيارة. بشعورٍ بالذنب يُسرِع مبتعدًا عنه.
يقول الولَد: «نلتقط مَن؟ عمَّن تتحدثان؟»
تقول إيناس: «مجرَّد رجلٍ يتسوَّل توصيلة. ليس لدينا مكانٌ في السيارة. وليس لدينا وقت. علينا أن نصل بك إلى طبيب.»
– «لا! إذا لم تتوقف فسوف أقفز من السيارة!» ويفتح أقرب باب له.
يُفرمِل سيمون بقوة ويُطفِئ المحرِّك. «لا تفعل ذلك مرةً أخرى أبدًا! يمكن أن تسقُط وتقتُل نفسك.»
– «لا أهتم! أريد أن أذهب إلى الحياة الأخرى! لا أريد أن أكون معك أنت وإيناس!»
يخيِّم الصمت في ذهول. تحدِّق إيناس في الطريق أمامها. تهمس: «لا تعرف ما تقوله.»
صوت خطوات، ويظهر وجهٌ بلحية في نافذة السائق. يلهث الغريب «شكرًا لك!» يفتح البابَ الخلفيَّ فجأة. يقول «أهلًا أيها الشاب!» ثم يتجمَّد والكلب، مُتمدِّدًا على المقعد بجوار الولد، يرفع رأسه ويتذمَّر بصوتٍ منخفض.
يقول: «يا له من كلبٍ ضخم! ما اسمه؟»
– «بوليفار. إنه ألزاسي. اهدأ يا بوليفار!» يُكافِح الولد، وهو يلفُّ ذراعَيه حول الكلب، ليُنزلَه من فوق الكرسي. على مضضٍ يستقر الكلب على الأرضية عند قدمَيه. يحتل الغريب مكانه؛ تمتلئ السيارة فجأةً بالرائحة الكريهة للملابس غير المغسولة. تفتح إيناس نافذتها.
يقول الشاب: «بوليفار. إنه اسمٌ غير معتاد. وما اسمك؟»
– «لم أحصُل على اسم. ما زال عليَّ أن أحصُل على اسمي.»
يمُد يدًا، يتجاهلُها الولد. «لماذا ترتدي عباءة؟»
– «إنها سحرية. تجعلني غير مرئي. أنا غير مرئي.»
يتدخَّل. «تعرَّض ديفيد لحادثة، ونأخذه إلى طبيب. أخشى أننا لا يمكن أن نُوصلكَ إلا إلى نويفا إسبيرانسا.»
– «لا بأس.»
يقول الولَد: «حرقتُ يدي. ونحن ذاهبون للحصول على دواء.»
– «هل تؤلمك؟»
– «أجل.»
– «أنا معجَب بنظَّارتك. أتمنَّى أن يكون عندي نظَّارة مثلها.»
– «يمكنك أن تأخذها.»
بعد رحلة في برودة الصباح المبكِّر على ظهر شاحنة تحمل الخشب، مسافرهم سعيد بالدفء والراحة في السيارة. يتضح من ثرثرته أنه يعمل في تجارة أدوات الطباعة، وهو في طريقه إلى إستريليتا؛ حيث له أصدقاء وحيث، إذا صدقنا الشائعات، هناك الكثير من الأعمال التي يُمكِن القيام بها.
عند المنعطَف إلى نويفا إسبيرانسا يتوقَّف ويسمح للوافد الجديد بالنزول.
يسأل الولدُ: «هل نحن عند الطبيب؟»
– «ليس بعدُ. هنا ننفصل عن رفقة صديقنا. سيُواصِل رحلته باتجاه الشمال.»
– «لا! ينبغي أن يبقى معنا!»
يُخاطِب خوان. «هل يُمكِن أن نترككَ هنا أم تأتي معنا إلى البلدة؟ الاختيار لك.»
– «سآتي معكم.»
يجدون الجرَّاح بدون صعوبة. الدكتور جراسيا في الخارج في زيارةٍ منزلية، كما تُخبرهم الممرضة، لكن أهلًا بهم في الانتظار.
يقول خوان: «سأذهب للبحث عن فطور.»
يقول الولد: «لا، لا ينبغي أن تذهب. سوف تتوه.»
يقول خوان: «لن أتوه.» يدُه على مقبض الباب.
يصيح الولد: «ابقَ، آمرك!»
يوبِّخ سيمون الطفل: «ديفيد! ماذا اعتراك هذا الصباح؟ لا تتحدث مع غريبٍ بهذا الشكل!»
– «ليس غريبًا. ولا تُنادِني بديفيد.»
– «بمَ أُنادِيك إذن؟»
– «ينبغي أن تُناديَني باسمي الحقيقي.»
– «وما هو؟»
يصمتُ الولد.
يخاطب خوان. «لا تتردَّد في أن تذهب للاستكشاف. سوف نُقابِلك هنا.»
يقول خوان: «لا، أعتقد أنني سأبقى.»
يظهَر الطبيب، رجلٌ قصيرٌ قويٌّ مفعَم بالحيوية ولديه كتلة من الشعر الفضي. يحدِّق فيهم بذعرٍ زائف. «ما هذا؟ وكلب أيضًا! ماذا يمكن أن أفعل لكم جميعًا؟»
يقول الولد «حرَقتُ يدي. وضعَت السيدة زبدة عليها، لكنها ما زالت مؤلمة.»
– «لأرَى … أجل، أجل … لا بد أنها مؤلمة. لندخُل إلى الجِراحة ونرَ ما يُمكِن فِعلُه.»
تقول إيناس: «دكتور، ليست اليد سببَ وجودنا هنا. تعرَّضنا لحادثة في الليلة الماضية بالنار، والآن ابني لا يرى بشكل صحيح. هل يمكن أن تفحص عينَيه؟»
– «لا!» يصرخ الولد، وينهض ليُواجه إيناس. ينهض الكلب أيضًا، ويسير عَبْر الغرفة، ويأخذ مكانه بجانب الولد. «أظل أقول لك، إنني أستطيع أن أرى، فقط لا تستطيعين رؤيتي بسبب عباءة الإخفاء السحرية. تجعلُني غير مرئي.»
يقول الدكتور جراسيا: «هل يُمكِن أن ألقي نظرة؟ هل يسمح لي حارسك؟»
يضع الولد يدًا كابحةً على طَوق الكلب.
يرفع الطبيب النظارة السوداء من على أنف الولد. يسأل: «هل ترى الآن؟»
– «أنت ضئيل، ضئيل، مثل نملة وأنت تلوِّح بذراعَيك وتقول، هل يُمكِن أن ترى الآن؟»
– «آه، فهمت الصورة. أنت غير مرئيٍّ ولا أحد منا يستطيع رؤيتك. لكن يدك تؤلمك أيضًا، ويتصادف أنها ليست غير مرئية؛ وبالتالي هل يمكن أن ندخُل أنا وأنت إلى غرفة الجراحة، وتسمح لي بإلقاء نظرة على اليد — إلقاء نظرة على الجزء المرئي منك؟»
– «حسنًا.»
تقول إيناس: «هل آتي أيضًا؟»
يقول الطبيب: «بعد قليل. في البداية لا بد أن نقول الفتى وأنا كلمةً خاصة.»
يقول الولد: «ينبغي أن يأتي معي بوليفار.»
يقول الطبيب: «قد يأتي بوليفار معك طالما يتصرَّف بشكلٍ لائق.»
يسأل خوان، حين يكونان وحدهما: «مذا حدث بالفعل لابنك؟»
– «اسمه ديفيد. كان يلعب بالماغنسيوم، وقد أمسَك بالنار وأعماه الوميض.»
– «يقول إن اسمه ليس ديفيد.»
– «إنه يقول أشياء كثيرة. له خيالٌ خصب. ديفيد هو الاسم الذي أُعطِي له في بلستار. إذا أراد أن يتخذ اسمًا آخر، فليفعل.»
– «هل أتيتم من خلال بلستار؟ أتيتُ أنا أيضًا من خلال بلستار.»
– «تعرف إذن كيف يعمل النظام. الأسماء التي نستخدمها أسماءٌ مُنحَت لنا هناك، لكن قد نُمنَح أيضًا أرقامًا. الأرقام — الأسماء — اعتباطية بالقَدْر نفسه، عشوائية بالقَدْر نفسه، غير مهمة بالقَدْر نفسه.»
يقول خوان: «بالفعل، ليست هناك أرقامٌ عشوائية. تقول «فكِّر في رقم عشوائي»، وأقول «٩٦٥١٣»؛ لأنه أول رقمٍ يأتي إلى ذهني، لكنه ليس عشوائيًّا في الحقيقة، إنه رقمي في هيئة المعونة أو رقم تليفوني القديم أو شيءٌ من هذا القبيل. هناك دائمًا سببٌ وراء الرقم.»
– «هكذا أنت شخصٌ آخر من متصوِّفة الأرقام! ينبغي أن تؤسِّس أنت وديفيد مَدْرسةَ معًا. يُمكِنك أن تدرس الأسباب السرية خلف الأرقام ويُمكِنه أن يعلِّم الناس الانتقال من رقمٍ إلى التالي بدون أن يسقطوا في بركان. بالطبع لا تُوجَد أرقامٌ عشوائية تحت عين الرب. لكننا لا نعيش تحت عين الرب. في العالم الذي نعيش فيه تُوجَد أرقامٌ عشوائية وأسماءٌ عشوائية وأحداثٌ عشوائية، مثل أن تلتقطك سيارة تضم رجلًا وامرأة وطفلًا اسمه ديفيد. وكلبًا. ماذا كان السبب السري وراء ذلك الحدث، في اعتقادك؟»
قبل أن يتمكَّن خوان من الرد على كلامه يُفتَح باب غرفة الجِراحة فجأة. يقول الدكتور جارسيا: «ادخل من فضلك.»
يدخل هو وإيناس. يتردَّد خوان، لكن الصوت الغض الواضح للولد يرتفع من الداخل: «إنه أخي، لا بد أن يأتي أيضًا.»
يجلس الولد على حافة أريكة الطبيب، وابتسامة ثقة صافية على شفتَيه، والنظارة السوداء موضوعة على قمة رأسه.
يقول الدكتور جارسيا: «دار بين صديقنا الصغير وبيني حديثٌ طويلٌ طيب. وضَّح لي كيف يفكِّر في أنه غير مرئي لنا، ووضَّحتُ له كيف أننا نبدو له مثل حشراتٍ نلوِّح بقرون استشعارنا في الهواء بينما يطير عاليًا. أخبرتُه بأننا نفضِّل أن يرانا كما نحن حقًّا، وليس كحشرات، وبدَوره أخبرني أنه حين يصبح مرئيًّا يودُّ أن نراه كما هو حقًّا. هل هذه رواية منصفة، أيها الفتى، لمحادثتنا؟»
يومئ الولد.
– «يقول صديقنا الصغير بالإضافة إلى ذلك إنك» — ينظر نظرةً ذات مغزًى إلى سيمون — «لستَ أباه الحقيقي، وأنت» — يلتفت إلى إيناس — «لست أمه الحقيقية. لا أطلب منكما الدفاع عن نفسَيكما. لديَّ أسرة، وأعرف أن الأطفال يمكن أن يقولوا أشياءَ غريبة. ومع ذلك، هل هناك أي شيءٍ تودَّان قولَه لي؟»
تقول إيناس: «أنا أمه الحقيقية، ونحن نُنقِذه من الالتحاق بمدرسةٍ إصلاحيةٍ حيث يتحوَّل إلى مجرم.»
وقد انتهت من كلامها، تُغلِق شفتيها وتُحملِق بتحدٍّ.
يستفسر سيمون: «وعيناه، يا دكتور؟»
– «لا عيب في عينَيه. قمتُ بفحصٍ جسدي واختبرتُ بصره. بالنسبه لأعضاء البصر عيناه طبيعيتان تمامًا. وبالنسبة ليده، وضعتُ عليها ضِمادة. الحرق ليس خطيرًا، سوف يتحسَّن في يوم أو اثنَين. الآن اسمحوا بأن أسأل: هل ينبغي أن أهتم بالقصة التي يرويها لي هذا الفتى؟»
ينظر إلى إيناس: «عليك أن تقومَ بمهمتك تجاه ما يقوله الولد. إذا كان يقول إنه يريد أن يبعُد عنا ويعود إلى نوفيلا، أعِدْه إلى نوفيلا. إنه مريضُك، في رعايتك.»
يلتفتُ إلى الولد. «هل هذا ما تريده يا ديفيد؟»
لا يرُد الولد، لكنه يُشِير له ليقترب. يكوِّر الولد يده، ويهمسُ في أذنه.
– «يا دكتور، يُخبرني ديفيد بأنه لا يريد أن يعود إلى نوفيلا، لكنه يريد أن يعرف ما إن كنتَ ستأتي معنا.»
– «آتي إلى أين؟»
– «الشمال، إلى إستريليتا.»
يقول الولد: «إلى الحياة الجديدة.»
– «وماذا عن مرضاي الذين يعتمدون عليَّ هنا في إسبيرانسا؟ من يهتم بهم إذا تخلَّيتُ عنهم لأهتم بك فقط؟»
– «لا تحتاج إلى أن تهتم بي.»
ينظر الدكتور جارسيا إلى سيمون، نظرةً عامضة. يأخذ نفَسًا عميقًا. «يقترح ديفيد أن تتخلى عن عملك وتأتيَ معنا إلى الشمال لتبدأ حياةً جديدة. لمصلحتك، وليس لمصلحته.»
ينهض الدكتور جارسيا. «آه، أفهم! كرمٌ هائلٌ منك، أيها الرجل الصغير، أن تضعَني في خطَطِك. لكن حياتي هنا في إسبيرانسا سعيدة ومرضيةٌ جدًّا. ليس هناك ما أريد إنقاذي منه، شكرًا لك.»
•••
إنهم في السيارة مرةً أخرى، يتجهون شمالًا. الولد بروحٍ حماسية، نسي ألمَ يده. يُثرثِر مع خوان، يُشاكِس مع بوليفار في المقعد الخلفي. ينضم إليه خوان أيضًا، رغم أنه حَذِر من الكلب، لكنه ودودٌ معه.
يستفسر سيمون: «هل أحببتَ الدكتور جارسيا؟»
يقول الولد: «إنه على ما يُرام. له شعر على أصابعه كما لو كان ذئبًا.»
– «لماذا كنتَ تريدُ أن يأتي معنا إلى إستريليتا؟»
– «لأن.»
تقول إيناس: «لا يمكنك أن تدعو كل غريبٍ نقابله إلى أن يأتي معنا.»
– «لماذا لا؟»
– «لأنه ليس هناك مكانٌ في السيارة.»
– «هناك مكان. يمكن أن يجلس بوليفار على حجري، أليس كذلك يا بوليفار؟» وقفة. «ماذا نفعل حين نصل إلى إستريليتا؟»
– «ما زال الطريق طويلًا إلى إستريليتا. اصبِر.»
– «لكن ماذا نفعل هناك؟»
– «نبحث عن مركز إعادة التوطين ونقدِّم أنفسنا عند المكتب، أنت وإيناس وأنا، و…»
– «وخوان. لم تقُل خوان. وبوليفار.»
– «أنت وإيناس وخوان وبوليفار وأنا، ونقول، صباح الخير، نحن وافدون جُدُد، ونبحث عن مكانٍ نقيم فيه.»
– «و؟»
– «هذا كل ما في الأمر. نبحث عن مكانٍ نقيم فيه، ونبدأ حياتنا الجديدة.»